البيانات الضخمة
يتجه العالم بخطى متسارعة نحو التحول إلى مجتمع رقمي بالكامل. ومن المتوقع أن تزيد كمية البيانات عالميًا بأكثر من خمسة أضعاف، حيث سترتفع من 33 زيتابايت في عام 2018 إلى 175 زيتابايت بحلول عام 2025. ومن هذه البيانات، يُتوقع أن يُخزن 49% في السحابة العامة، بينما سيصل عدد الأجهزة المتصلة عبر إنترنت الأشياء (IoT) إلى نحو 75 مليار جهاز، أي ما يعادل عشرة أضعاف عدد سكان العالم، بحلول العام نفسه.
ورغم هذا التطور، لا تزال الفجوة الرقمية تتسع، سواء بين الدول المتقدمة والنامية أو داخل المجتمعات نفسها. ويؤثر هذا التفاوت الرقمي بشكل خاص على الدول النامية، لا سيما في أفريقيا، وأقل البلدان نمواً، والدول الجزرية الصغيرة النامية، مما يحدّ من قدرتها على الاندماج في الاقتصاد العالمي والاستفادة منه.
ثورة البيانات
تشهد المجتمعات ثورة بيانات تشمل حركة البيانات المفتوحة، والتعهيد الجماعي، والتطورات الحديثة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لجمع البيانات، والانتشار الواسع للبيانات الضخمة، إلى جانب ظهور الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. وقد مكنت التطورات في الحوسبة وعلوم البيانات من معالجة وتحليل البيانات الضخمة في الوقت الفعلي، مما يسمح باستخلاص رؤى جديدة تُكمّل الإحصاءات الرسمية وبيانات المسوح، وتوفر معلومات أكثر دقة وعمقًا حول السلوكيات البشرية والتجارب الاجتماعية. ويساهم دمج هذه البيانات مع المصادر التقليدية في توفير معلومات ذات جودة أعلى، وأكثر تفصيلًا، وأسرع استجابةً لاحتياجات الواقع.
الفرص
تُعد البيانات عنصرًا جوهريًا في عمليات صنع القرار والمساءلة. ففي القطاع الخاص، يُستخدم تحليل البيانات الضخمة على نطاق واسع في التسويق والإعلان والإدارة، حيث يتم تطبيق تقنيات التنبؤ الاستراتيجي وتخصيص الخدمات بناءً على تفضيلات المستهلكين. ويمكن الاستفادة من الأساليب ذاتها للحصول على رؤى آنية حول رفاه الأفراد، وتوجيه المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر ضعفًا. توفّر مصادر البيانات الجديدة، مثل بيانات الأقمار الصناعية، إلى جانب التطورات التقنية الحديثة، أدوات فعالة يمكن استخدامها بشكل مسؤول لدعم اتخاذ قرارات أكثر استجابة ومرونة ودقة، ولقياس التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بطرق أكثر شمولية وعدالة.
المخاطر
لا بد من حماية الحقوق الأساسية للأفراد لضمان الاستفادة الآمنة من البيانات الضخمة. فالخصوصية، والأخلاقيات، واحترام سيادة البيانات تُحتّم علينا الموازنة بين حقوق الأفراد والمصلحة العامة. ويتم جمع كثير من البيانات الجديدة بطرق غير مباشرة، من خلال "البصمات الرقمية" التي يتركها الأفراد أو عبر أجهزة الاستشعار الذكية، أو تُستنتج باستخدام الخوارزميات. ونظرًا لأن البيانات الضخمة تُستخرج من أنماط سلوكية فريدة، فإن إزالة المعلومات الشخصية الصريحة قد لا تضمن الخصوصية الكاملة.
علاوة على ذلك، قد يؤدي دمج مجموعات بيانات متعددة إلى إعادة تحديد هوية الأفراد أو مجموعات معينة، مما يعرضهم لمخاطر غير متوقعة. لذا، لا بد من اتخاذ تدابير صارمة لحماية البيانات، ومنع أي إساءة استخدامها أو التعامل معها بشكل غير مسؤول. هناك أيضًا مخاطر تتعلق بتفاقم الفجوة الرقمية والتحيز في البيانات. فقد بدأت تتشكل فجوات واضحة بين من يملكون البيانات ومن لا يملكونها، ما قد يؤدي إلى نشوء شكل جديد من عدم المساواة بين من يمتلك المعرفة ومن يفتقر إليها. كما يُستبعد كثير من الأفراد الاستفادة من البيانات الحديثة بسبب عوامل مثل اللغة، والفقر، ونقص التعليم، وضعف البنية التحتية التكنولوجية، أو بسبب التمييز والتحيز المجتمعي.
البيانات الضخمة في خدمة التنمية والعمل الإنساني
في عام 2015، اعتمد العالم خطة تنموية جديدة مدعومة بأهداف التنمية المستدامة، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات متكاملة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مع التأكيد على تحقيق تنمية شاملة لا تُقصي أحدًا.
ورغم ذلك، لا تزال البيانات الأساسية اللازمة لصنع السياسات على المستويات العالمية والإقليمية والوطنية غير متوفرة بالشكل الكافي. فالكثير من الحكومات تفتقر إلى معلومات دقيقة حول جميع شرائح مجتمعاتها، خاصةً الفئات الأشد فقرًا وتهميشًا. وإذا كان العالم يسعى فعليًا إلى تحقيق القضاء التام على الفقر وخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2030، فلا بد من إعطاء الأولوية لهذه الفئات لضمان تحقيق الهدف الرئيس: "عدم ترك أحد خلف الركب".
تُتيح البيانات الضخمة فرصة فريدة للكشف عن أوجه التفاوت الاجتماعي التي كانت غير مرئية في السابق. فعلى سبيل المثال، تواجه النساء والفتيات عقبات كثيرة، حيث يعملن غالبًا في القطاع غير الرسمي أو في المنازل، ويواجهن قيودًا على حركتهن، ويتم تهميشهن في عمليات صنع القرار سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي.
ومن الجدير بالذكر أن القطاع الخاص يحتفظ بكمّ هائل من البيانات الضخمة التي يمكن تسخيرها لتحقيق المنفعة العامة. لذا، من المرجح أن تزداد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لكن التحدي يكمن في ضمان استدامتها مع وضع أطر واضحة تحدد الأدوار والتوقعات لجميع الأطراف.
فيما يلي أمثلة توضيحية بشأن كيفية توظيف البيانات الضخمة لدعم تحقيق كل هدف من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة:
الهدف 1: القضاء على الفقر
يمكن أن توفر أنماط الإنفاق على خدمات الهاتف المحمول مؤشرات بديلة لمستويات الدخل.
الهدف 2: القضاء على الجوع
يمكن استخدام التعهيد الجماعي أو تتبع أسعار المواد الغذائية المتاحة عبر الإنترنت لمراقبة الأمن الغذائي في الوقت الفعلي.
الهدف 3: الصحة الجيدة والرفاه
يتيح تتبع حركة مستخدمي الهواتف المحمولة إمكانية التنبؤ بانتشار الأمراض المعدية.
الهدف 4: التعليم الجيد
يمكن أن توفر التقارير المستندة إلى مشاركة المواطنين رؤى حول أسباب ترك الطلاب لمقاعد الدراسة.
الهدف 5: المساواة بين الجنسين
يمكن لتحليل البيانات المالية أن يكشف عن أنماط الإنفاق المختلفة بين الرجال والنساء.
الهدف 6: المياه النظيفة والصرف الصحي
يمكن لأجهزة الاستشعار المثبتة في مضخات المياه تتبع الوصول إلى مصادر المياه المأمونة.
الهدف 7: الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة
تتيح العدادات الذكية لشركات المرافق التحكم في تدفق الكهرباء والغاز والمياه لتقليل الهدر وضمان توفر الإمدادات خلال فترات الذروة.
الهدف 8: العمل اللائق والنمو الاقتصادي
توفر أنماط حركة البريد العالمية مؤشرات حول النمو الاقتصادي، وحجم التحويلات المالية، والتجارة.
الهدف 9: الصناعة والابتكار والبنية التحتية
يمكن استخدام بيانات أجهزة تحديد المواقع الجغرافية (جي بي أس) لتحسين إدارة المرور وتعزيز وسائل النقل العام.
الهدف 10: الحد من أوجه عدم المساواة
يساعد تحليل البيانات الصوتية المفرغة نصيًا من البث الإذاعي المحلي في الكشف عن مظاهر التمييز، مما يمكّن الجهات المسؤولة من التدخل لمعالجة القضايا الاجتماعية.
الهدف 11: المدن والمجتمعات المستدامة
يمكن لتقنيات الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية تتبع التعدي على الأراضي العامة والمساحات الخضراء مثل الحدائق والغابات.
الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان
يمكن لأنماط البحث عبر الإنترنت ومعاملات التجارة الإلكترونية تقديم رؤى حول معدلات تبني المنتجات الموفرة للطاقة.
الهدف 13: العمل المناخي
يتيح الجمع بين صور الأقمار الصناعية وروايات الشهود الميدانيين والبيانات المفتوحة تتبع عمليات إزالة الغابات ومكافحة التغير المناخي.
الهدف 14: الحياة تحت الماء
يمكن استخدام بيانات تتبع حركة السفن للكشف عن أنشطة الصيد غير القانونية وغير المنظمة، مما يدعم الجهود الدولية لحماية النظم البيئية البحرية.
الهدف 15: الحياة في البر
يمكن لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي توفير معلومات في الوقت الفعلي حول موقع وتأثيرات الكوارث مثل حرائق الغابات والضباب الدخاني لتحسين الاستجابة للطوارئ.
الهدف 16: السلام والعدالة والمؤسسات القوية
يتيح تحليل المشاعر عبر وسائل التواصل الاجتماعي استكشاف توجهات الرأي العام بشأن الحوكمة وجودة الخدمات العامة وقضايا حقوق الإنسان.
الهدف 17: الشراكات من أجل الأهداف
تسهم الشراكات التي تجمع بين الإحصاءات وبيانات الهاتف المحمول والإنترنت في توفير فهم أعمق وأكثر آنية للعالم الرقمي المتصل اليوم.
دور الأمم المتحدة
يضطلع كلٌّ من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى بدور رئيسي في وضع المبادئ والمعايير التي تُوجِّه العمل الجماعي نحو الاستخدام الآمن للبيانات الضخمة في مجالي التنمية والعمل الإنساني، وذلك ضمن مجتمع عالمي يسترشد بمعايير مشتركة. وتهدف هذه المبادئ إلى تعزيز فاعلية البيانات عبر مستوى أعلى من الانفتاح والشفافية، مع تفادي انتهاك الخصوصية وإساءة استغلال حقوق الإنسان والحد من التفاوت في إنتاج البيانات وإمكانية الوصول إليها واستخدامها.
وقد قدّمت مجموعة الخبراء الاستشارية المستقلة المعنية بثورة البيانات من أجل التنمية المستدامة توصيات محددة لمعالجة هذه التحديات، داعيةً إلى جهود تقودها الأمم المتحدة لتعبئة ثورة البيانات لدعم التنمية المستدامة، وذلك من خلال:
- تعزيز الابتكار لسد فجوات البيانات.
- حشد الموارد للتغلب على التفاوت بين البلدان المتقدمة والنامية، وكذلك بين من يفتقرون إلى البيانات وأولئك الذين يملكونها.
- تعزيز القيادة والتنسيق لتمكين ثورة البيانات من الاضطلاع بدورها الكامل في تحقيق التنمية المستدامة.
يتزايد اعتماد منظومة الأمم المتحدة على تحليلات البيانات الضخمة، حيث تتوسع وكالاتها وصناديقها وبرامجها في تنفيذ التطبيقات التشغيلية لدعم الجهود التنموية والإنسانية.
أصدرت مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية توجيهات عامة تتعلق بخصوصية البيانات، وحمايتها، وأخلاقيات استخدامها، فيما يخص البيانات الضخمة التي تجمعها كيانات القطاع الخاص في الوقت الفعلي، وتُشارك مع أعضاء المجموعة لتعزيز تنفيذ البرامج الداعمة لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.
منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات
شهد منتدى الأمم المتحدة العالمي الأول للبيانات، الذي عُقد في يناير 2017، مشاركة أكثر من 1400 من مستخدمي ومنتجي البيانات من القطاعين العام والخاص، وصنّاع السياسات، والأوساط الأكاديمية، والمجتمع المدني، حيث تم استعراض سبل تسخير قوة البيانات لدعم التنمية المستدامة. وأسفر المنتدى عن نتائج مهمة، من بينها إطلاق خطة عمل كيب تاون العالمية لبيانات التنمية المستدامة.
ومنذ عام 2017، شهد مجتمع المنتدى نموًا ملحوظًا؛ إذ ارتفع عدد المشاركين من 2000 في أول دورتين (كيب تاون ودبي) إلى قائمة نشطة تضم أكثر من 20,000 من أصحاب المصلحة. ويُعزى هذا التوسع إلى الطابع الأكثر انفتاحًا وإتاحة الذي اتسمت به المنتديات الافتراضية عام 2020، إضافةً إلى اعتماد نهج هجين في برن (2021)، هانغتشو (2023) وميديلين (2024).
يُفضي كل منتدى عالمي للبيانات إلى إصدار وثيقة ختامية ترصد مدى التقدم المُحرز في المناقشات المتعلقة بالبيانات والإحصاءات، وتعكس تطلعات مجتمع أصحاب المصلحة.
مبادرة النبض العالمي للأمم المتحدة
تُعد النبض العالمي مبادرة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة تهدف إلى تسخير علم البيانات لدعم التنمية المستدامة وتعزيز الجهود الإنسانية. وتعمل المبادرة على تطوير حلول تحليلية عبر شبكة من مختبرات النبض المنتشرة في إندونيسيا وأوغندا ونيويورك.
حرصًا على ضمان الاستخدام المسؤول للبيانات الضخمة، قامت مبادرة النبض العالمي بتطبيق برنامج لحماية خصوصية البيانات وأنشأت مجموعة استشارية لخصوصية البيانات تضم خبراء مختصين لمعالجة المخاوف المتعلقة بالخصوصية. كما طوّرت المبادرة أداة "تقييم المخاطر والأضرار والفوائد"، التي تتيح للممارسين تقييم المخاطر والفوائد المحتملة للمشاريع القائمة على البيانات.
شاركت المبادرة أيضًا في تنظيم سلسلة من ورش عمل مختبر ابتكار البيانات التابعة للأمم المتحدة، وهي مبادرة تقودها يونيسف وبرنامج الأغذية العالمي، وقد تضمنت السلسلة خمس ورش عمل متخصصة لفهم القدرات والاحتياجات الحالية في مجال ابتكار البيانات داخل منظومة الأمم المتحدة.
الشراكات بين القطاعين العام والخاص
حرصًا على إتاحة الوصول إلى البيانات الضخمة وتحليلها عبر مختلف القطاعات، تعمل مبادرة النبض العالمي مع القطاع الخاص لتفعيل مفهوم "إتاحة البيانات للصالح العام"، بحيث يُمكن استخدام بيانات الشركات بأمان ومسؤولية لدعم التنمية المستدامة والعمل الإنساني. على سبيل المثال، في عام 2016، أقامت المبادرة شراكة مع شبكة التواصل الاجتماعي إكس (تويتر سابقا).
يُرسل الأفراد يوميًا مئات الملايين من التغريدات بعدة لغات، حاملةً في محادثاتهم معلومات آنية عن تكاليف الغذاء، وتوافر الوظائف، وإمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية وجودة التعليم، بالإضافة إلى الإبلاغ عن الكوارث الطبيعية. ومن خلال هذه الشراكة، يُمكن لوكالات الأمم المتحدة الإنمائية والإنسانية تحويل البيانات العامة إلى معلومات قابلة للتنفيذ لدعم المجتمعات حول العالم.
تشمل أمثلة الشراكات الأخرى:
- مبادرة للبيانات من أجل الصالح الاجتماعي
- تحدي البيانات من أجل العمل المناخي
- "التعاونيات البيانية" التابعة لمختبر الحوكمة بجامعة نيويورك ويونيسف
- الشراكة العالمية من أجل بيانات التنمية المستدامة
الموارد
الفيديوهات
- التحليلات التنبؤية ومستقبل الاستجابة الإنسانية
- مشاريع النبض العالمي للأمم المتحدة
- مقدمة متحركة لمبادرة النبض العالمي للأمم المتحدة
- تصور للبيانات الضخمة لشبكة البريد – فهم رفاه الأمم
- فجوة البيانات بين الجنسين التي قد لا تكون على دراية بها
- مقاطع فيديو من منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات
- ابتكار البيانات في البنك الدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
- وكالة الفضاء الأوروبية وأهداف التنمية المستدامة
قواعد البيانات
المنشورات
المبادرات والتعاونات
- مبادرة للبيانات من أجل الصالح الاجتماعي
- تحدي البيانات من أجل العمل المناخي
- "التعاونيات البيانية" التابعة لمختبر الحوكمة بجامعة نيويورك ويونيسف
- الشراكة العالمية من أجل بيانات التنمية المستدامة