تصوروا مدى صعوبة الحياة اليومية لو اضطررتم إلى العيش بأقل من 2.15 دولار يوميًا! هذ الواقع القاسي يعيشه نحو 700 مليون شخص ممن يصارعون الفقر المدقع في مختلف أنحاء العالم. ويقيم معظمهم، أي ما يعادل ثلثي سكان العالم، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعند النظر في الدول الهشة والمتأثرة بالنزاعات، يرتفع هذا الرقم إلى ثلاثة أرباع من يعيشون في فقر مدقع.
يُعد توقف التقدم الاقتصادي في ظل تراجع معدلات النمو، والنكسات المرتبطة بجائحة كورونا (جائحة كوفيد-19)، وتزايد مظاهر الهشاشة، كلها عوامل تساهم في تفاقم هذا الواقع.
مفهوم الفقر
ينطوي الفقر على أكثر من مجرد نقص في الدخل والموارد الإنتاجية اللازمة لضمان سبل عيش مستدامة. فهو ينعكس في صور متعددة، منها الجوع وسوء التغذية، وقلة الوصول إلى التعليم وخدمات أساسية أخرى، والتمييز الاجتماعي والإقصاء، فضلا عن محدودية المشاركة في صنع القرار، مما ينعكس سلبًا على الأفراد والمجتمعات.
التداعيات بعيدة الأجل لجائحة كورونا (كوفيد-19)
تسببت جائحة كورونا (جائحة كوفيد-19) في زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، وذلك للمرة الأولى منذ جيل. فقد تراجع التقدم المحرز في مجالات رئيسة، مثل تحصين الأطفال وتقليص الفجوة في مستويات الدخل بين البلدان، وهو ما لم يحدث طوال العقود الثلاثة الماضية. وإذا استمر الاتجاه الحالي، فمن المتوقع أنه بحلول عام 2030 سيظل 622 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع، كما لن يتمكن 84 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس. وتشير التقديرات إلى أن إلغاء القوانين التمييزية، وإنهاء زواج الأطفال، وسد الفجوات بين الجنسين في الحماية القانونية سيستغرق نحو 300 عام.
في عام 2020، ومع ارتفاع عدد من يعيشون في فقر مدقع بمقدار 71 مليون شخص مقارنة بالعام السابق، تسببت أزمة كوفيد-19 في أكبر انتكاسة شهدها العالم في جهود الحد من الفقر العالمي منذ عقود. وفي نيسان/أبريل 2020، أصدرت الأمم المتحدة إطار عمل للاستجابة الاجتماعية والاقتصادية الفورية للجائحة، كما أنشأت صندوق الاستجابة والتعافي من جائحة كورونا (كوفيد-19) التابع للأمين العام.
مسار الحد من الفقر: تقدمٌ بطيء وانتكاسات بين عامي 1990 و2014، شهد العالم تقدماً ملموساً في الحد من الفقر المدقع، إذ تمكن أكثر من مليار شخص من الخروج منه. وتراجع معدل الفقر العالمي بمتوسط 1.1 نقطة مئوية سنوياً، من 37.8% في عام 1990 إلى 11.2% في عام 2014. ومع ذلك، تباطأت وتيرة الحد من الفقر بين عامي 2014 و2019 إلى 0.6 نقطة مئوية سنوياً، وهو أدنى معدل يُسجَّل في العقود الثلاثة الماضية. وقد تحقق معظم هذا التراجع في معدلات الفقر خلال تلك الفترة في شرق آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك في جنوب آسيا.
أرقام وحقائق عن الفقر
- وفقاً لأحدث التقديرات، كان نحو 700 مليون شخص حول العالم يعيشون بأقل من 2.15 دولار أمريكي يومياً في عام 2024.
- تراجعت نسبة العمال الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف خلال العقد الماضي، من 14.3% في عام 2010 إلى 7.1% في عام 2019. ومع ذلك، شهد عام 2020 زيادة في هذه النسبة للمرة الأولى منذ عقدين، بسبب تداعيات جائحة كورونا (جائحة كوفيد-19).
- من المتوقع أن لا يتحقق الهدف العالمي للقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030، إذ لا يزال أكثر من 600 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع.
- يعيش طفل واحد من بين كل ستة أطفال في فقر مدقع. وبين عامي 2013 و2022، انخفض عدد الأطفال الذين يعيشون بأقل من 2.15 دولار أمريكي يومياً من 383 مليوناً إلى 333 مليوناً، لكن التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا (جائحة كوفيد-19) أوقفت هذا التقدم وأعادت الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
- في عام 2024، ولأول مرة، يتمتع أكثر من نصف سكان العالم (52.4%) بنوع من الحماية الاجتماعية، غير أن 3.8 مليارات شخص ما زالوا محرومين من أي شكل من أشكال الحماية، فضلاً عن أن كثيرين آخرين لا يحظون بحماية كافية.
الفقر وأهداف التنمية المستدامة
يُعد القضاء على الفقر بجميع أشكاله الهدف الأول من بين الأهداف السبعة عشر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وتنص الغاية 1-أ من أهداف التنمية المستدامة على: "ضمان تعبئة موارد كبيرة من مصادر متنوعة، بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون الإنمائي، لتوفير وسائل كافية ومستدامة يمكن التنبؤ بها للبلدان النامية، ولا سيما أقل البلدان نمواً، بما يتيح لها تنفيذ برامج وسياسات تهدف إلى القضاء على الفقر بجميع أبعاده."
كما تسعى أهداف التنمية المستدامة إلى إرساء أطر سياساتية متينة على المستويين الوطني والإقليمي، تقوم على استراتيجيات إنمائية داعمة للفقراء ومراعية للفوارق بين الجنسين، بما يضمن تمتع الجميع – رجالاً ونساءً – بحلول عام 2030 بحقوق متساوية في الموارد الاقتصادية، إلى جانب تمكينهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية، وامتلاك الأراضي والسيطرة عليها، وغيرها من أشكال الملكية، إضافة إلى حقوق الميراث، والموارد الطبيعية، والتكنولوجيا الحديثة الملائمة، والخدمات المالية، بما في ذلك التمويل الأصغر.
الجهود العالمية لمكافحة الفقر
تلتزم خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بضمان عدم تخلّف أحد عن الركب، وإعطاء الأولوية لمن هم أكثر عرضة للتهميش. ويتطلب تحقيق هذه الرؤية التنموية الطموحة اعتماد سياسات مدروسة تكفل تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل وعادل، مدعوماً بفرص عمل لائقة للجميع، وتعزيز الإدماج الاجتماعي، والحد من أوجه التفاوت، وزيادة الإنتاجية، وتهيئة بيئة مواتية لتحقيق التنمية المستدامة. وقد أُدرِج الهدف الأول ضمن خطة عام 2030 انطلاقاً من الإقرار بأن القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان يمثل التحدي العالمي الأكبر في وقتنا الحاضر، وأنه شرط لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة.
ورغم التقدم الملحوظ الذي أُحرِز في الحد من الفقر المدقع، فإن استمرار الفقر، بما في ذلك الفقر المدقع، لا يزال يثير قلقاً بالغاً، لا سيما في أفريقيا، وأقل البلدان نمواً، والدول الجزرية الصغيرة النامية، وبعض البلدان متوسطة الدخل، والدول المتأثرة بالنزاعات أو الخارجة منها. واستجابةً لهذه التحديات، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثانية والسبعين، إعلان عقد الأمم المتحدة الثالث للقضاء على الفقر (2018-2027)، بهدف البناء على الزخم الذي تحقق خلال تنفيذ عقد الأمم المتحدة الثاني للقضاء على الفقر (2008-2017)، والمضي قُدماً نحو تحقيق هذا الهدف. فضلا عن ذلك، يُنتظر من العقد الثالث أن يدعم، بفعالية وتنسيق، الجهود العالمية الرامية إلى القضاء على الفقر، بما يشمل تحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دولياً، وعلى رأسها أهداف التنمية المستدامة.
إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية
في عام 1995، حدد مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عُقد في كوبنهاغن، ثلاث قضايا جوهرية: القضاء على الفقر، وتوفير فرص العمل، وتعزيز التكامل الاجتماعي، وذلك بهدف بناء مجتمع دولي يتيح إقامة مجتمعات آمنة وعادلة ومنسجمة، تُوفر فرصًا متكافئة ومستويات معيشة كريمة للجميع.
ضمن منظومة الأمم المتحدة، تضطلع شعبة السياسات الاجتماعية والتنمية التابعة لـ إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بدور جهة التنسيق لعقد الأمم المتحدة للقضاء على الفقر وتقوم بأنشطة تساعد وتسهل على الحكومات تنفيذ الالتزامات والسياسات المعتمدة في إعلان كوبنهاغن بشأن التنمية الاجتماعية والمبادرات الأخرى التي أقرّتها الدورة الاستثنائية الرابعة والعشرون للجمعية العامة بشأن التنمية الاجتماعية.
تسريع التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة
في قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023، التي عُقدت في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، اعتمدت الجمعية العامة إعلانًا سياسيًا يستهدف تسريع الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. تهدف هذه الوثيقة إلى تعزيز الازدهار الاقتصادي والرفاه للجميع، مع العمل على حماية البيئة. كما تتضمن التزامًا بتوفير التمويل اللازم للبلدان النامية، وتدعم مقترحًا لحزمة تحفيز لأهداف التنمية المستدامة بقيمة لا تقل عن 500 مليار دولار سنويًا، إلى جانب وضع آلية فعالة لتخفيف أعباء الديون.
اليوم الدولي للقضاء على الفقر
بموجب 47/196 الصادر في 22 كانون الأول/ديسمبر 1992، أعلنت الجمعية العامة 17 تشرين الأول/أكتوبر يومًا دوليًا للقضاء على الفقر.
يعود الاحتفال بهذا اليوم إلى 17 تشرين الأول/أكتوبر 1987، حين اجتمع أكثر من مائة ألف شخص في ساحة تروكاديرو بباريس، حيث وُقّع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وذلك لتكريم ضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع. وأعلن المشاركون أن الفقر يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، مؤكدين على ضرورة التضامن والتكاتف لضمان احترام هذه الحقوق. وقد نُقشت هذه الرسالة على حجر تذكاري كُشف عنه في ذلك اليوم. ومنذ ذلك الحين، يجتمع الناس من مختلف الخلفيات والانتماءات الاجتماعية كل عام في 17 تشرين الأول/أكتوبر لتجديد التزامهم بمكافحة الفقر وإظهار تضامنهم مع الفقراء.
الموارد
- منسق الأمم المتحدة للوقاية من المجاعة والاستجابة لها
- ما نقوم به: تعزيز التنمية المستدامة
- الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الفقر
- إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية
- مؤشر الفقر العالمي متعدد الأبعاد لعام 2024
- البنك الدولي: فهم الفقر
- الحركة الدولية لإغاثة الملهوف - اليوم العالمي الرابع
- اليوم الدولي للقضاء على الفقر
- المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان