يُعدّ تطوير مجموعة من القوانين الدولية من أبرز إنجازات الأمم المتحدة، إذ تُعدّ هذه القوانين أساسية في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تعزيز السلام والأمن الدوليين. ويجري تكريس القانون الدولي في الاتفاقيات والمعاهدات والمعايير. كما تُشكّل عديد المعاهدات التي أبرمتها الأمم المتحدة الأساس الذي يحكم العلاقات بين الدول. ورغم أن عمل المنظمة في هذا المجال قد لا يحظى دائمًا بالاهتمام، فإنه يؤثر يوميًا في حياة الناس أينما كانوا.

يدعو ميثاق الأمم المتحدة المنظمة تحديدا إلى المساعدة في تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، بما في ذلك التحكيم والتسوية القضائية (المادة 33)، فضلا عن تشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه (المادة 13).

اعتمدت الجمعية العامة عديد المعاهدات متعددة الأطراف على مرّ تاريخها، ومنها:

في عديد المجالات، اضطلعت الأمم المتحدة بدور ريادي في تطوير العمل القانوني، إذ تناولت قضايا ذات أبعاد دولية. وكانت في طليعة الجهود الرامية إلى إرساء إطار قانوني لمجالات مثل صون البيئة، وتنظيم العمالة المهاجرة، والحد من الاتجار بالمخدرات، ومكافحة الإرهاب. ولا يزال هذا العمل مستمرًا اليوم، في ظل تنامي أهمية القانون الدولي في طيف أوسع من القضايا، بما في ذلك قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

وتشجيعًا للدول الأعضاء على توقيع الاتفاقيات أو إيداع صكوك ملزمة بشأن هذه المعاهدات، تنظم الأمم المتحدة فعاليات سنوية، فضلا عن فعاليات خاصة، تتناول قضايا المعاهدات. وقد ركزت فعالية المعاهدات لعام 2024 على تعزيز الإطار القانوني للمعاهدات متعددة الأطراف.

تطوير القانون الدولي وتدوينه

لجنة القانون الدولي

أنشأت الجمعية العامة لجنة القانون الدولي عام 1947 بهدف تعزيز التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه. وتتألف اللجنة من 34 عضوًا يمثلون، بمجموعهم، النظم القانونية الرئيسة في العالم، ويعملون بصفتهم الشخصية خبراءً مستقلين، لا ممثلين لحكوماتهم. وتعنى اللجنة بمعالجة قضايا تتعلق بتنظيم العلاقات بين الدول، وتتعاون بشكل منتظم مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومحكمة العدل الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وفقًا لموضوع البحث. وكثيرًا ما تُعدّ اللجنة أيضًا مسودات تشريعية حول جوانب مختلفة من القانون الدولي.

وفيما تختار اللجنة بعض المواضيع لمداولاتها، تُحيل الجمعية العامة إليها مواضيع أخرى لدراستها. وعند استكمال اللجنة عملها بشأن موضوع ما، قد تعقد الجمعية العامة مؤتمرًا دوليًا للمفوضين لدمج المسودة في اتفاقية دولية، تُفتح بعد ذلك أمام الدول للانضمام إليها والتصديق عليها، مما يعني التزامها رسميًا بأحكامها. وتُشكّل بعض هذه الاتفاقيات الإطار القانوني الرئيس الذي يحكم العلاقات بين الدول. ومن الأمثلة على ذلك:

القانون الدولي الإنساني

يشمل القانون الدولي الإنساني المبادئ والقواعد التي تنظّم وسائل وأساليب الحرب، فضلا عن توفير الحماية الإنسانية للسكان المدنيين، والمقاتلين المرضى والجرحى، وأسرى الحرب. وتشمل الأدوات القانونية الرئيسة في هذا المجال اتفاقيات جنيف لعام 1949 الخاصة بحماية ضحايا الحرب، إلى جانب ثلاثة بروتوكولات إضافية (الأول والثاني والثالث) اعتُمدت عامي 1977 و2005 تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقد اضطلعت الأمم المتحدة بدور قيادي في الجهود الرامية إلى تعزيز القانون الإنساني الدولي. كما أصبح مجلس الأمن أكثر انخراطًا في حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وتعزيز حقوق الإنسان، وحماية الأطفال في الحروب.

التسوية القضائية للنزاعات

محكمة العدل الدولية

تُعدّ محكمة العدل الدولية الجهاز الرئيس للأمم المتحدة المعني بتسوية النزاعات. وتُعرف أيضًا باسم "المحكمة العالمية"، وقد تأسست عام 1946. ومنذ إنشائها، نظرت المحكمة في أكثر من 190 قضية، وأصدرت عديد الأحكام والفتاوى الاستشارية استجابةً لطلبات من منظمات الأمم المتحدة. وقد نظرت المحكمة بكامل هيئتها في معظم القضايا، فيما أُحيل بعضها إلى دوائر خاصة بناءً على طلب الأطراف المعنية.

شملت أحكام المحكمة نزاعات دولية متعلقة بالحقوق الاقتصادية، وحرية المرور، وحظر استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعلاقات الدبلوماسية، واحتجاز الرهائن، وحق اللجوء، والجنسية. وتلجأ الدول إلى المحكمة سعيًا إلى إيجاد حلّ محايد لخلافاتها استنادًا إلى القانون. ومن خلال تحقيق تسوية سلمية لقضايا مثل الحدود البرية والبحرية والسيادة الإقليمية، أسهمت المحكمة في منع تصعيد عديد النزاعات.

العدالة الجنائية الدولية

لطالما تطلّع المجتمع الدولي إلى إنشاء محكمة دولية دائمة لمحاكمة أخطر الجرائم الدولية، وفي القرن العشرين، أُحرز توافق في الآراء بشأن تعريفات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

المحاكم الجنائية الدولية

عقب الحرب العالمية الثانية، تناولت محاكمات نورمبرغ وطوكيو جرائم الحرب، والجرائم ضد السلام، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت خلال الحرب.

وفي تسعينيات القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب الباردة، أُنشئت محكمتان جنائيتان دوليتان لمحاكمة الجرائم المرتكبة ضمن سياقات محددة، وهما: المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (1993-2017) والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا (1994-2015). وانطبق هذا النموذج أيضًا على ثلاث محاكم أُنشئت بمبادرة من الدول المعنية، ولكن بدعم كبير من الأمم المتحدة، وهي: المحكمة الخاصة لسيراليون (2002-2013)، والدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا (2006-2022)، والمحكمة الخاصة بلبنان (2007-2023).

باستثناء المحكمة الخاصة بلبنان، التي أنهت أعمالها في 31 كانون الأول/ديسمبر 2023، تعمل بقية المحاكم الآن في وضع متبقٍ، حيث تواصل أداء وظائف أساسية بعد انتهاء ولاياتها. وتتولى آلية المحاكم الجنائية الدولية المهام المتبقية لكل من المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

المحكمة الجنائية الدولية

طُرحت فكرة إنشاء محكمة دولية دائمة لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية للمرة الأولى في الأمم المتحدة خلال اعتماد اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية عام 1948. ولسنوات عديدة، حالت اختلافات الرؤى دون تحقيق تقدم في هذا المجال. وقد زادت الفظائع المرتكبة في كمبوديا ويوغوسلافيا السابقة ورواندا من إلحاح الحاجة إلى إنشائها.

تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة محاكمة الأفراد المتورطين في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. كما أنها ستتمتع بالاختصاص القضائي على جريمة العدوان عند التوصل إلى توافق بشأن تعريفها. وتُعدّ المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونيًا ووظيفيًا عن الأمم المتحدة، إذ لا تُعدّ جزءًا من منظومتها.

ويحكم التعاون بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية اتفاقٌ خاص ينظم العلاقة بينهما. ويمكن لمجلس الأمن الشروع في إجراءات أمام المحكمة، أو إحالة قضايا لا تندرج ضمن اختصاصها لولا ذلك.

تتألف المحكمة من 18 قاضيًا، تنتخبهم الدول الأطراف لمدة تسع سنوات، باستثناء القاضي الذي يظل في منصبه حتى استكمال أي محاكمة أو استئناف بدأ بالفعل. ولا يجوز أن يكون قاضيان من الدولة نفسها.

الموارد