لوحة تعبيرة عن الاحتفال بالمناسبة
Photo:لوحة تعبيرة عن المناسبة (بمساعدة الذكاء الإصطناعي) لـ:صادق أحمد، أٌختصت بها الأمم المتحدة حصريا.
 

دعونا، إذ يجدد العالم نفسَه هذا الربيع، نتذكرْ أن كل عام جديد، وكل يوم هو فرصة لبداية جديدة؛ وفرصة لاتباع نهج مختلف في معالجة الأمور؛ وفرصة لبناء عالم أفضل.

 

نوروز: احتفال خالد بالتجديد والبداية الجديدة

تعني مفردة نوروز بالفارسية ❞يوم جديد ❝ ؛ وتختلف كتابة الكلمة (نوفروز أو نافروز أو نووروز أو نيفروز أو ناوريز) ولفظها باختلاف البلدان. وهذا اليوم أكثر من مجرد بداية سنة جديدة؛ إنه احتفال قديم بالحياة والبعث وانتصار النور على الظلام. إذ تعود جذوره إلى أكثر من 3000 عام في عهد الزرادشتية، معلنًا قدوم الربيع ويُحتفل به في يوم الاعتدال الربيعي، عادةً في 20 أو 21 آذار/مارس. واليوم، يجمع نوروز ثقافات متعددة من إيران وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وغيرها، مقدمًا لوحة غنية من العادات والتقاليد والقيم المشتركة.


الأهمية التاريخية والثقافية

المنشأ

يرجع منشأ عيد نوروز إلى الإمبراطورية الفارسية القديمة والتقويم الزرادشتي، حيث كان يُعد أحد أقدس أيام السنة. فقد كان في البداية وقتًا مقدسًا للاحتفال بولادة الطبيعة، وتحوّل مع مرور القرون إلى مهرجان علماني تحتضنه مجتمعات عرقية ولغوية وثقافية متعددة. تكمن جاذبيته في رمزيته العميقة؛ فهو يمثل انتصار النور على الظلام ووعد ببدايات جديدة سواء في الطبيعة أو في الروح البشرية.

رمز للوحدة والتنوع

ليس نوروز مجرد تغيير موسمي، بل هو احتفال بتجديد الحياة يقوي الروابط بين أفراد الأسرة والمجتمع، حتى بين الدول. واليوم، يحتفل به أشخاص من خلفيات دينية وثقافية مختلفة، مما يظهر الرغبة العالمية في التجديد والسلام والازدهار. ويؤكد الاعتراف الدولي الذي ناله من يونسكو‏ والأمم المتحدة على أهميته بصفة فعالية ثقافية توحّد الشعوب في عالمنا المترابط.


التقاليد والشعائر

يمثل نوروز فسيفساء حية من العادات التي تختلف من منطقة لأخرى، لكنها تشترك جميعها في موضوع التجديد والأمل. من أبرز هذه التقاليد:

الطهور والتجديد الربيعي

استعدادًا لنوروز، تُنظف المنازل بشكل كامل في ما يُعرف بـ"نفض الغبار" عن الماضي. يصاحب هذا العمل الرمزي شراء ملابس جديدة، في إشارة إلى بداية جديدة وتطهير الفضاءين المادي والروحي.

مائدة هفت سين

تعد مائدة هفت سين من رموز نوروز. تُرتب هذه المائدة بعناية لتشمل سبعة عناصر تبدأ جميعها بالحرف "س" في اللغة الفارسية، وترمز إلى معاني عدة في الحياة:

  • سبزه (حبوب مثمرة): ترمز إلى التجديد والبعث.
  • سمانو (بودنج حلو): ترمز الرخاء والخصوبة.
  • سنجد (فاكهة مجففة): ترمز الحب.
  • سير (الثوم): يرمز إلى الصحة والدواء.
  • سيب (تفاحة): علامة على الجمال والصحة.
  • سماق (توت السماق): دلالة على انتصار الخير على الشر.
  • سرکه (الخل): يرمز إلى الحكمة والكبر في السن.

شعائر النار

في العديد من المناطق، تُقام شعائر النار مثل "تشاهارشانبي سوري" في إيران، حيث يقفز فوق النيران بوصف ذلك فعل رمزي للتطهر والتخلص من بقايا الشتاء واستقبال دفء وحيوية الربيع.

التقاليد الطهوية

يلعب الطعام دورًا أساسيًا في احتفالات نوروز، حيث تُعد أطباق خاصة تجمع العائلة والأصدقاء لتعزيز الروابط. على سبيل المثال، في آسيا الوسطى يُطهى بودنغ القمح الحلو المعروف بـ"السومالك" ببطء وعلى مدار ساعات طويلة، في رمز لوصول الربيع وبدايات جديدة.

أنشطة ثقافية أخرى

إلى جانب الشعائر المذكورة، يصاحب نوروز مجموعة من الأنشطة الثقافية:

  • الشعر والموسيقى: تُقام أمسيات شعرية وعروض موسيقية تقليدية تُبرز التراث الفني للمنطقة.
  • مهرجانات الشوارع: تُنظم احتفالات في الهواء الطلق ومسيرات وتجمعات عامة تجمع بين العادات المحلية وروح التجديد.
  • تجديد المياه: في بعض المجتمعات، تُجدد الأسر إمدادات المياه في آخر يوم أربعاء من العام، مما يرمز إلى قوة المياه المنعشة والمطهرة.

الاختلافات الإقليمية

مع أنّ رسالة نوروز الأساسية ثابتة، إلا أن أساليب الاحتفال به تختلف من بلد إلى آخر:

  • إيران: يرتبط نوروز في إيران بمائدة هفت سين والطقوس المميزة مثل تشاهارشانبي سوري، مع التوكيد على التجمعات العائلية والتضامن المجتمعي والتعبير الفني بالشعر وبالموسيقى.

  • أفغانستان: يحتفل بأوراد نوروز كعيد ثقافي وزراعي، حيث يقام الأعياد التقليدية والرقصات الشعائرية، ويكتسب اليوم أهمية خاصة لدى المزارعين بوصفه بداية للدورة الزراعية.

  • أذربيجان وأوزبكستان: تُعرف هاتان الدولتان باحتفالاتهما العامة الضخمة، والألعاب التقليدية والمهرجانات الجماعية التي تمتد إلى عروض الشوارع والموسيقى الإقليمية.

  • مناطق أخرى: في القوقاز وآسيا الوسطى وأجزاء من البلقان، تجتمع المجتمعات في احتفال مشترك يظهر التقاليد المحلية مع الالتزام بموضوعات التجديد والبعث.


الاعتراف العالمي والأهمية المعاصرة

الأمم المتحدة

حظي إرث نوروز بتقدير عالمي. ففي عام 2009، أدرجت يونسكو‏ نوروز ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، معترفة بأهميته الثقافية العميقة ودوره في تعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي عام 2010، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 آذار/مارس بوصفه يوم نوروز الدولي، مشجعة على احتفالات عالمية تسلط الضوء على قيم السلام والوحدة والتجديد.

تعزيز السلام والتنوع الثقافي

في عالم سريع التغير، يذكرنا نوروز بتراثنا الإنساني المشترك. فهو ليس مجرد عيد بل احتفال عالمي يرمز إلى قيم التسامح والتنوع الثقافي والسلام، وهي قيم تطابق روح العصر الحديث والمجتمع المترابط. وبالاحتفال بنوروز، تجدد المجتمعات التزامها بالحفاظ على تقاليدها القديمة مع تبني التأثيرات المعاصرة التي تثري ثقافتها.


وأخيرا..

لا بد أن نتذكر أن نوروز هو أكثر من مجرد فعالية تقويمية؛ فهو تقليد حي يحتفل بتجديد الطبيعة والروح البشرية. فمن التطهر والتنظيف الدقيق وإعداد مائدة هفت سين إلى الاحتفالات الجماعية والقفز على النيران والمهرجانات الشعبية، يدعو نوروز الملايين حول العالم إلى ترك الماضي ورائهم م واستقبال الجديد بالأمل والفرح.

ومع تجمع العائلات والاحتفاء بالتراث الثقافي، يظل نوروز منارة للتجديد والوحدة والتنوع، يومًا للتأمل في الماضي والاحتفال بالحاضر والتطلع إلى مستقبل واعد يحمل في طياته الوعود والأمل.

young people in traditional dress sitting down on stage

يستبشر الناس عادة بحلول سنة جديدة بأمل أن تتحقق أمانيهم بحياة مزدهرة وواعدة. ويمثل يوم 21 آذار/مارس رأس سنة جديدة في أذربيجان وأفغانستان وأوزبكستان وجمهورية إيران الإسلامية وباكستان وتركمانستان وتركيا وطاجيكستان والعراق وقيرغيزستان وكازاخستان والهند. ويُسمّى هذا اليوم نوروز أو نوريز أو نڤروز أو نيڤروز أو نوڤروز ويعني “اليوم الجديد” (وهو مسجل على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي). وتُدشن في ذلك اليوم طائفة من الطقوس والمراسم والاحتفالات والأحداث الثقافية الأخرى تمتد لمدة أسبوعين تقريباً. ومن التقاليد المهمة التي تُمارَس في هذه الفترة الاجتماع حول “المائدة” المزينة بأشياء ترمز إلى النقاء والإشراق وسبل العيش والثروة، للاستمتاع بتناول وجبة خاصة مع الأحبة. وتُرتدى ملابس جديدة في هذه المناسبة ويقوم الأقارب بالتزاور فيما بينهم لا سيما كبار السن والجيران. ويجري في هذا السياق تبادل الهدايا، لا سيما الهدايا المخصصة للأطفال، ومنها ما يتولى الحرفيون صنعه. وتصل الاحتفالات إلى الشوارع حيث تُمارس عروض الرقص والغناء، كما تجري مراسم عامة يستخدم فيها الماء والنار، إضافة إلى أنشطة رياضية تقليدية وعمل مصنوعات يدوية. وكل هذه الممارسات تدعم التنوع الثقافي وثقافة التسامح وتساهم في تعزيز التضامن الاجتماعي والسلام. وتنقل هذه التقاليد والممارسات من الكبار إلى الأجيال الشابة من خلال المراقبة والمشاركة.

 

 

illustration of people with clock, calendar, to-do list and decorations

تٌعد المناسبات الدولية والعالمية فرصًا مواتية لتثقيف الجمهور العام بشأن القضايا ذات الاهتمام، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات العالمية، وللاحتفال بإنجازات الإنسانية ولتعزيزها. واحتُفل ببعض هذه المناسبات الدولية قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، إلا أن الأمم المتحدة احتضنت تلك المناسبات واعتمدت مزيدا منها بوصفها جميعا أدوات قوية للدعوة.