21/09/2018

كان كوفي عنان هو الأمم المتحدة

كتبها: أنطونيو غوتيريش

 منذ تلقي صدمة وفاة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ظللت أفكر في ما الذي جعله بهذا التفرُّد.
 وفي رأيي، فإن الأمر ببساطة هو أن كوفي عنان كان فريدا من نوعه وكان واحدا منا في الوقت نفسه.
 لقد كان قائدا عالميا استثنائيا - كما كان شخصا يمكن فعليا لأي فرد في العالم أن يرى نفسه فيه: أولئك الذين يعيشون في أدنى مستويات الفقر والنزاع واليأس وجدوه حليفا لهم؛ والموظفون المبتدئون في الأمم المتحدة وهم يتتبعون خطواته؛ والشباب الذين كان يقول لهم حتى آخر نفس في حياته ”تذكروا دوما أنكم لن تكونوا أبدا أصغر من أن تتولوا زمام القيادة - ونحن لن نكون أبدا أكبر من أن نتعلم“.
 وعلى غرار قلة قليلة في عصرنا، كان يمكن لكوفي عنان أن يجمع بين الناس، ويزيل التوتر بينهم، ويوحدهم صوب هدف مشترك من أجل إنسانيتنا كافة.
 وهناك دعابة قديمة مفادها أن فن الدبلوماسية هو ألا تقول شيئا خاصة عندما تتكلم!
 وكوفي عنان كان يمكنه أن يقول كل شيء، أحيانا دون أن ينبس ببنت شفة. ومصدر ذلك هو الكرامة والاقتناع الأخلاقي والإنسانية الراسخة بين جوانحه.
 لقد كان يتميز بذلك الصوت الوديع، ذلك الجرْس الذي يجعل الناس يبتسمون ويفكرون في الموسيقى. ولكن كلماته كانت تتسم بالشدة والحكمة. وفي بعض الأحيان، كلما كان الوضع أشد خطورة، كلما زاد صوته انخفاضا.
 كنا نميل نحوه لنسمعه. وينتبه العالم بأسره. فكنا ننعم بحكمته.
 كان كوفي عنان شجاعا، يقول الحقيقة لأهل السلطة مع إخضاع نفسه لنقد ذاتي شديد. وعلى غرار سلفه في منصب الأمين العام للأمم المتحدة، داغ همرشولد، فقد كان لديه شعور يكاد يكون صوفيا بدور الأمم المتحدة كقوة للخير في عالم يمور بالعلل.
 وتراكم كل ذلك في سجل إنجازات رائع.
 فقد قاد أفكارا ومبادرات جديدة، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية والإصلاحات التاريخية في تقريره المعنون ”في جو من الحرية أفسح“.
 وفتح أبواب الأمم المتحدة، بجعل المنظمة أقرب إلى سكان العالم وبإشراك جهات شريكة جديدة في مجالات حماية البيئة والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وغير ذلك من الأمراض الفتاكة.
 كان كوفي عنان هو الأمم المتحدة وكانت الأمم المتحدة هي كوفي عنان.
 وكان أيضا صديقي العزيز. لقد سرنا عبر الحياة معا بطرق عديدة.
 فعندما كان سكان تيمور - ليشتي يلتمسون حق تقرير المصير، عملنا معا - هو من الأمم المتحدة، وأنا بصفتي رئيس وزراء البرتغال - لدعم الحل السلمي لمحنتهم.
 وعندما احتاجت وكالة الأمم المتحدة للاجئين إلى قيادة جديدة، منحني كوفي ثقته عندما طلب إلي أن أضطلع بذلك الدور - ثم قدم دعما لم يتزعزع لتوفير الحماية والمأوى لأضعف الفئات الضعيفة.
 واليوم، وأنا أحتل المكتب الذي كان كوفي يوما يحتله، فإنني أستلهم باستمرار نزاهته وديناميته وتفانيه.
 وكان يعتبر اللامبالاة أسوأ سمٍّ في العالم.
 وحتى بعد أن انتهت فترة توليه منصب الأمين العام، لم يتوقف عن الكفاح في الصفوف الأمامية للدبلوماسية.
 فقد ساعد في تخفيف حدة التوترات في مرحلة ما بعد الانتخابات في كينيا، وبذل قصارى جهده لإيجاد حل سياسي للحرب الوحشية في سوريا، ورسم مسارا لضمان العدالة لشعب الروهينغيا وحقوقه في ميانمار.
 لقد كان كوفي حاضرا في عوالم عديدة، شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا. ولكنه وجد موقعه الراسخ تماما في جذوره وهويته الأفريقية.
 وكان نيلسون مانديلا العظيم، الذي اعتاد على أن يُنادى باسم ماديبا، يطلق لقبا خاصا على كوفي، فكان يلقبه بـ ”قائدي“. ولم يكن ذلك مزاحا. لقد كان كوفي قائدنا، نحن أيضا.
 وعندما رأيته آخر مرة قبل وقت غير بعيد في الأمم المتحدة، كان سمته كما سأذكره دوما: هادئ ولكنه حازم، مستعد للضحك ولكنه مفعم دوما بخطورة العمل الذي نقوم به.
 لقد رحل الآن وسنفتقده بشدة. ولكنني واثق من أننا إذا واصلنا الانتباه والإصغاء بقوة، فسنظل نسمع كلمات كوفي عنان ومشورته الحكيمة.
 إني أسمعه يقول ”أرجو أن تواصلوا السعي“. ”إنكم تعرفون ما نفعله: فنحن يرعى بعضنا بعضا. عليكم برعاية كوكبنا. اكتشفوا الإنسانية في جميع الناس. وادعموا الأمم المتحدة - المكان الذي نستطيع أن نجتمع فيه كلنا لحل المشاكل وبناء مستقبل أفضل للجميع“.
 فلنواصل الإصغاء لصوت الحكمة والعقل ذاك - صوت الأخلاق والتضامن ذاك.
 فعالمنا يحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت مضى.
 وإذ نواجه تحديات أوقاتنا العصيبة والمضطربة، فلنستلهم دوما إرث كوفي عنان - ولنستهدي بإدراكنا أنه سيواصل التحدث إلينا، وحثنا على المضي صوب تحقيق الأهداف التي كرس حياته من أجلها والتي طوّرت عالمنا حقا.

أنطونيو غوتيريش - الأمين العام للأمم المتحدة، ملاحظات أدلى بها في جنازة كوفي عنان في أكرا، غانا، ١٣ أيلول/سبتمبر 2018.