2 تموز/يوليه 2021

السفير بيتر طومسون من فيجي يعمل كمبعوثٍ خاص للأمم المتحدة للمحيطات، حيث يقوم بتعبئة العمل العالمي للحفاظ على المحيطات واستخدامها بشكلٍ مستدام.

 

 
 

 

ما الذي يربط المحيطات بالمناخ؟

المحيطات هي المنظم الأكبر للمناخ، إذ تمتص المحيطات حوالي 30 في المائة من ثاني أكسيد الكربون المنبعث، وأكثر من 90 في المائة من الحرارة الناتجة عن الاحتباس الحراري العالمي. ومع ذلك، فإن لهذه الأشياء حدوداً، ويتم الاقتراب من نقاط التحول.

ترنيمتي اليومية هي أنه لا يمكنك الحصول على كوكبٍ صحي بدون محيطٍ صحي. لكن صحة المحيطات آخذة في التدهور بسبب انبعاثات غازات الدفيئة في المقام الأول. حموضة المحيطات آخذةٌ في الازدياد، وكمية الأكسجين فيها تنخفض، فيما تصبح أكثر دفئاً. يؤدي كل ذلك إلى موت الشعاب المرجانية وارتفاع مستوى سطح البحر وتغيير التيارات البحرية، من بين أمورٍ أخرى. كما تتعرض المحيطات لضغوطاتٍ أخرى بسبب التلوث؛ بحلول عام 2050 ستحتوي المحيطات على مواد بلاستيكية أكثر من الأسماك الموجودة فيها. وما زالت غابات المانغروف والأعشاب البحرية وغابات عشب البحر تتعرض للتدمير على الرغم من حقيقة أنها تحتجز 10 أضعاف الكربون الذي تحتجزه الغابات على الأرض.

 

لماذا يرتبط الناس بالمحيطات بغض النظر عن الأماكن التي يعيشون فيها؟

فكر في الأكسجين الذي تتنفسه. يعيش في المحيطات مخلوقٌ صغير يُدعى بروكيلوروكوكس Prochlorococcus، وهو أصغر كائنٍ حيٍ ضوئي على الكوكب، وينتج 20 في المائة من الأكسجين الموجود في المحيط الحيوي، ولذلك فنحن جميعاً مرتبطون به وبالمحيطات بطريقةٍ تتعلق بوجودنا.

 

بالنسبة لشخصٍ في منطقةٍ ريفية في دولة جزرية صغيرة نامية، محاطٌ بالمحيط، كيف يبدو تغير المناخ؟

التحدي الأكثر وضوحاً هو تواتر الأعاصير المدارية وضراوتها. كنا نشهد هذه الأعاصير في الأيام الخوالي. كان علينا دائماً أن نكون مستعدين مرةً في كل عقد لضربةٍ كبيرة. أما الآن فقد أصبحنا نشهد عدة أعاصير في السنة الواحدة، وهي تزداد قوةً. إذا كنت تريد أن تذهب وتزرع وتحصل على بعض المال لتسديد الرسوم المدرسية لأطفالك، سواءً كنت تزرع نبتة القُبَّرِيَة الجوفاء أو جوز الهند أو الكاكاو، ستحصل على قرضٍ لمواد الزراعة، وبعد ذلك تأتي إحدى هذه العواصف وتمحو كل ما لديك. إنها كارثةٌ اقتصادية. وظيفتك الرئيسية عندئذٍ تقتصر على الدعاء بأن ينحرف الإعصار القادم إليك. فصول السنة تتغير الآن أيضاً. الأمطار لا تأتي في الأشهر التي كنا نتوقع فيها هطولها بشكلٍ موثوق، لكنها تأتي بغزارة في شهرٍ آخر، لا يُشكل جزءاً من دورة المحاصيل المعتادة.

إذا كنت في مناطق منخفضة، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يُعدُّ مصدر قلق – ولا يقتصر ذلك على الدول الجزرية الصغيرة النامية. يجب أن تفكر بعض الأماكن، مثل مانهاتن وفلوريدا، ملياً بما يحدث، لأنه سيكون مستمراً الآن خلال مئات السنين القادمة بالنظر إلى ما يحدث للصفائح الجليدية في جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية. في فيجي، قمنا بالفعل بنقل الكثير من المجتمعات التي تعيش في مناطق منخفضة إلى مناطق مرتفعة. هذا هو البرنامج الذي تنفذه الحكومة بمسؤولية بناءً على طلباتٍ من القرى التي تعاني من ارتفاع منسوب مياه البحر وتريد الانتقال.

ثم هناك ابيضاض المرجان. قد تتذكر منظر الشعاب المرجانية منذ الطفولة عندما كانت تمثل المشهد الأكثر وفرةً الذي يمكنك أن تشاهده من حيث الحياة والطبيعة. ثم تعود لترى الحيد البحري المكتسي باللون الأبيض حيث لا يوجد شيء سوى الشعاب المرجانية الميتة وقليلٌ من الطحالب والأسماك التي تمر في المكان بشكلٍ عَرَضي. إنه أمرٌ مدمر. إن مقارنتها بما يجب أن تكون عليه تبدو مثل الذهاب إلى مدنٍ سوتها القنابل بالأرض بالكامل خلال الحرب العالمية الثانية. يمكننا أن نتوقع اختفاء 90 في المائة من الشعاب المرجانية الاستوائية عندما نصل إلى ارتفاع درجة حرارة 1.5 درجة مئوية.

 

quote card of Peter Thomson

 

لماذا تقود الدول الجزرية الصغيرة النامية الدعوات العالمية للعمل المناخي، مع أنها ليست الأغنى بالموارد إطلاقاً؟

لأننا نستطيع من خلالها رؤية التأثيرات، كما أن تحوُّلَنا إلى العلم أوضح ما يحدث بشكلٍ جليّ. أصبحت الدول المنخفضة، مثل جزر المالديف وكيريباتي وجزر مارشال وتوفالو، تحتل الصدارة على صعيد زيادة الوعي العالمي. الأصدقاء والجيران الحميمون مثل فيجي وجزر سليمان تُعدُّ من الجزر الأعلى التي لن تغمرها مستويات مياه البحار الآخذة في الارتفاع، لكنها مستعدةٌ لخوض المعركة. إنها معركةٌ أخلاقيةٌ حقاً.

يبقى البشر بشراً. إذا كان لديك مورد، كالنفط مثلاً، وكان هناك طلبٌ عليه، فإنك ستستغل ذلك لكي تتمكن من تطوير أطفالك ومنحهم التعليم والرعاية الصحية الجيدة وما إلى ذلك. إن هذا مجرد رد فعلٍ بشريٍ طبيعي. لكن لا يمكنك الاستمتاع بحياتك إذا تضمنت هذه العملية الإضرار بحياتي. إذا كنت تنتج شيئاً ما في مكانك وظهرت الآثار الضارة في مكاني، يجب عليّ أن أرفع صوتي عالياً. ومع ذلك، فقد تجاوزنا مرحلة توجيه أصابع الاتهام، فنحن معاً في هذه المعاناة، وعلينا إيجاد الحلول معاً.

 

هل أنت متفائل بمستقبل الشعوب في الدول الجزرية الصغيرة النامية؟

إنهم في موقفٍ صعب بسبب ما فعلته الجائحة بصناعة السياحة العالمية. لقد أصبحوا يعتمدون بشدة على ذلك. التحدي الآخر هو ما تفعله الظروف المناخية المتغيرة لاقتصادات هذه الدول. ثلاثة من خمسة أنواع تجارية من التونة ستبتعد عن جنوب غرب المحيط الهادئ في هذا القرن، إلى الجنوب حول نيوزيلندا وعبر المحيط تجاه الساحل الغربي لأمريكا اللاتينية. في توفالو، حيث تأتي 90 في المائة من العملات الأجنبية من سمك التونة، يشبه ذلك سحب الكأس الاقتصادية من تحت أقدامهم.

إنني أرى الأمل في الاقتصاد الأزرق المستدام، الذي يحمل العديد من الوعود للدول الجزرية. تمتلك الموارد البحرية الجينية إمكانات هائلة للأدوية وجميع أنواع المنتجات الصحية وغيرها من المنتجات التي تمضي قدماً. يمكن أن تكون تربية الأحياء البحرية، التي تحدث في المحيط الخارجي، صادرات المستقبل مع ابتعادنا عن تربية الأحياء المائية بالقرب من الشواطئ، والتي تواجه مشاكل من استخدام المضادات الحيوية وإزالة غابات المنغروف وغيرها من القضايا التي تنشأ في ظروفٍ مغلقة. وهناك طاقة الرياح البحرية المستدامة، حيث يمكن أن تكون الدول الجزرية الصغيرة النامية في المقدمة، والتي يمكن أن تزودنا بكل الطاقة التي نحتاجها على هذا الكوكب.

 

quote card of Peter Thomson

 

ما الذي تريد أن يحققه مؤتمر المناخ في غلاسكو 2021؟

تحريك إبرة تمويل المناخ في اتجاه الاقتصاد الأزرق المستدام. في الوقت الحالي، يذهب قدرٌ ضئيلٌ فقط من تمويل المناخ والمساعدة الإنمائية الرسمية إلى استثمارات الاقتصاد الأزرق.

إذا تحركت الإبرة، فهناك حافزٌ كبير لأن تكون أكثر طموحاً بشأن الاقتصاد الأزرق المستدام. وهذا بدوره يمكن أن يسرِّع بشكلٍ كبير التقدم نحو عالم ذو صافي انبعاثات كربون صفري بحلول عام 2050. وقد أظهر تقرير الفريق رفيع المستوى المعني باقتصاد المحيطات المستدام، على سبيل المثال، أن 21 في المائة من التخفيف من الانبعاثات يمكن أن يتم توفيره عن طريق المحيطات، على سبيل المثال من خلال طاقة الرياح البحرية وتوجيه الشحن نحو مراعاة البيئة.

 

هل الإرادة السياسية موجودة للوفاء بالالتزام الحالي للدول الأغنى بتقديم 100 مليار دولار لتمويل المناخ للدول النامية؟

لقد أظهرت لنا الجائحة أنه يمكننا تحريك موارد هائلة لحماية أنفسنا. إن مبلغ الـ 100 مليار دولار ما هو إلا قطرة في محيط مما هو مطلوب للنجاح في اختبار المناخ بأنفسنا. لن يتطلب الأمر استثمارات بمليارات الدولارات بل تريليونات الدولارات. سياسياً، هل سنكون في وضعٍ يسمح لنا بإنفاق تلك التريليونات؟ بكل تأكيد نعم. هذا هو أكثر شيء منطقي يمكننا فعله بأموالنا. إذا كنت تعتقد أن أطفالنا وأحفادنا محكومٌ عليهم بالعيش في عالمٍ مشتعل، فهل هذا مقبول؟ لا! عندما ندرك ذلك، لن نواجه مشكلة في جمع التريليونات المطلوبة.

أعتقد أن الإنسانية تنحني في اتجاه الحفاظ على الذات. وأعتقد أن لدينا البراعة المطلوبة للتوصل إلى الحلول اللازمة. ستكون هناك بعض القرارات الكبيرة جداً التي سيتم اتخاذها بحلول عام 2030 لأن لدينا عقداً واحداً من الزمن فقط في أحسن الأحوال للبدء في تشكيل المنحنى.

 

هل يتم إحراز تقدم في جعل صناعة النقل البحري مراعية للبيئة؟

أكثر من 90 في المائة من تجارة العالم تنقلها السفن - إنها خدمةٌ مهمةٌ للغاية للبشرية. يجب أن تستمر السفن في الإبحار. لكنهم يحرقون أسوأ أنواع وقود السفن، وهي ضارةٌ جداً بصحة الإنسان وضارةٌ بالبيئة. نحن بحاجةٍ للتخلص منها.

نحن على وشك التحول إلى مصادر جديدةٍ للطاقة، مع احتمال أن يكون الخيار الأكثر ترجيحاً هو هيدروجين الأمونيا المراعي للبيئة. هناك ثقةٌ كافية في ذلك، بحيث أنك ترى دولاً مثل تشيلي تُدرج إنتاج هيدروجين الأمونيا المراعي للبيئة في خطط التنمية الوطنية الخاصة بها. لدينا بالفعل سفنٌ ذات حجمٍ هائل تعمل بالبطاريات يمكن أن تكون عمليةً إذا كان الوقت اللازم لإعداد السفينة لرحلة العودة 24 ساعة، بالنظر إلى عمر البطارية. يجب تحويل الشحن الساحلي نحو الكهرباء في أسرع وقتٍ ممكن.

 

quote card of Peter Thomson

 

ما هي أفكارك بشأن الجهود الحالية في منظمة التجارة العالمية لإيقاف الدعم المالي الضار لصيد الأسماك؟

علينا أن نوقف مهزلة هؤلاء. أشعر بإيجابية أكثر مما كنت عليه منذ سنوات لأننا ننتقل أخيراً من عجلة الهامستر التي تدور حول نفسها إلى سباقٍ أولمبي بشأن هذه المسألة. يتم إنفاق ما بين 20 إلى 30 مليار دولار سنوياً من الأموال العامة على الإعانات، وهي تذهب بشكلٍ أساسي إلى أساطيل الصيد الصناعية للخروج ومطاردة الأرصدة السمكية المتناقصة. المنطق خاطئٌ تماما. يمكن أن تذهب الإعانات التي تدعم الممارسات الضارة إلى تربية الأحياء المائية المستدامة أو مساعدة النساء على تطوير مزارع الأعشاب البحرية. تخيل ما يمكننا فعله بمبلغ 20 مليار دولار.

 

كيف يمكننا صنع السلام مع المحيطات؟

تعجبني رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بأن البشرية تشن حرباً على الطبيعة وقد حان الوقت لصنع السلام. هذه هي حالة علاقة البشرية بالكوكب وعلينا مواجهة ذلك. لا يمكننا الاستمرار في استغلال الموارد المحدودة وتوقُّع أن يستمر ذلك إلى الأبد وأنه يمكننا جميعاً أن نصبح أكثر ثراءً. إن هذا لن يحدث.

علينا أن نغير طرقنا. في عائلتي مثلاً، قمنا بالابتعاد عن تناول لحوم البقر، كما قمنا بالتحول عن امتلاك المركبات الخاصة. سنكافئ الحكومات التي تلتزم بصافي انبعاثات كربون صفري، وكذلك الشركات التي تفعل ذلك، من خلال إنفاقنا كمستهلكين. أنا متأكد من أن هناك الملايين من العائلات مثل عائلتنا على استعدادٍ لفعل ما يتعين علينا جميعاً القيام به.

ما يجب تغييره حقاً هو عقلية الإنسان. علينا أن نعيد للأرض حقوقها. علينا أن نرد الجميل للمحيطات. علينا أن نعامل الأرض بالاحترام الذي تستحقه.