فتاة تنظر في حاسوب لوحي
Photo:Adobe Stock/เลิศลักษณ์ ทิพชัย

تغيير العالم يبدأ بتمكين الريف

في خطوة تتجاوز الدلالة الرمزية إلى عمق الرؤية الاستراتيجية والمسؤولية العالمية، خصّت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السادس من تموز/يوليه بالوقوف عند قضية محورية، فأقرّته يوماً دولياً للتنمية الريفية، مجددة بذلك التزامها الراسخ بجدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030. قرار لا يُعد تفصيلاً عابراً في سياق أممي مزدحم، بل هو لبنة جديدة في صرح التضامن الإنساني، وإقرار صريح بأن اجتثاث الفقر المتجذر في الأرياف شرط لا غنى عنه لبناء تنمية عادلة ومتوازنة وشاملة. وهو بذلك امتداد طبيعي لمسار أممي طويل، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى خطة عمل أديس أبابا، ويكشف النقاب عن واقع الملايين الذين يفلحون الأرض ويصطادون الأسماك ويذودون عن موارد الطبيعة في تخوم العالم المنسية.

ويواجه القرار، في جوهره، ظلماً ممتداً يتمثل في ما تتحمله المجتمعات الريفية من وطأة الفقر والجوع والعزلة، ولا سيما النساء والشعوب الأصلية والشباب، الذين قلّما تُحتفى قدرتهم على الصمود. وهو يُبرز ما تنهض به هذه الفئات من أدوار حاسمة في الزراعة وصون الأمن الغذائي وحماية المنظومات البيئية، داعياً إلى تمكينها من امتلاك الأرض، والانتفاع بالعمل الكريم، والمشاركة الفاعلة في صنع القرار. ويقترح القرار نهجاً تنموياً متكاملاً يستند إلى المعارف الأصيلة، والعدالة بين الجنسين، والإدماج الرقمي، ويصور بذلك مستقبلاً تتحول فيه رفاهية الريف من أمنية بعيدة إلى واقع عالمي مشترك.

وليس هذا اليوم الدولي احتفاءً شكلياً، بل دعوة جادة إلى العمل؛ إذ يُناط بالحكومات والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والجامعات أن يُحيوا هذا اليوم بأنشطة ملموسة، وحوارات سياساتية، ومبادرات مجتمعية تسعى إلى إحداث التغيير. ومع التشجيع على التمويل الطوعي واعتماد استراتيجيات تستمد جذورها من المجتمعات ذاتها، يُؤتمن هذا اليوم على مهمة نبيلة: أن يكون صوتاً للريف، وقوة دافعة للتنمية، وتجسيداً للوعد الأممي الذي طالما تردّد صداه: ألا يُترك أحد خلف الركب، حتى في أقاصي الأرض التي طالها النسيان.

أهمية التنمية الريفية

لا تنحصر التنمية الريفية في الجغرافيا، بل تنفذ إلى صميم قضايا الفقر والعدالة والأمن الغذائي والاستدامة. وفيما يلي ملامح أهميتها:

 

الفقر وانعدام الإنصاف

  • 80 % من أفقر سكان العالم يعيشون في المناطق الريفية ولا يتجاوز دخلهم 2.15 دولار في اليوم.
  • أكثر من مليار شخص يرزحون تحت وطأة الفقر المتعدد الأبعاد ـ أكثر من نصفهم من الأطفال (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2024).
  • نصف سكان الريف يفتقرون إلى التغطية الصحية مقارنة بنسبة 22 % فقط في المناطق الحضرية (إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، 2021).
 

الزراعة والأمن الغذائي

  • المزارع العائلية تنتج 80 % من غذاء العالم (منظمة الأغذية والزراعة).
  • تشكل النساء 43 % من القوة العاملة الزراعية، ويواجهن معوقات في الوصول إلى الأرض والائتمان والتقنية.
 

المناخ والاتصال

  • تقف المناطق الريفية في الخطوط الأمامية لمواجهة تغيّر المناخ، وتعاني الجفاف والفيضانات والحر الشديد.
  • في عام 2024، بلغت نسبة مستخدمي الإنترنت في المدن 83 %، في حين لم تتجاوز 50 % في المناطق الريفية (الاتحاد الدولي للاتصالات، 2024).
 

إن هذه التحديات تستوجب استثماراً عاجلاً صوناً لكرامة الجميع وضماناً لعدم تخلّف أحد.

 

رؤية الأمم المتحدة بشأن التنمية الريفية

  • تنسجم مع جدول أعمال 2030 وخطة عمل أديس أبابا.
  • تدعو إلى اتباع نهج متكامل اقتصادي واجتماعي وبيئي.
  • تضع تمكين المرأة والشباب ـ ولا سيما حقوق الأرض ـ في صدارة الاهتمامات.
  • تشجع على الشراكات المتعددة الأطراف وتبادل المعارف.
  • تحث على نموذج تمويل طوعي لتنفيذ أنشطة إحياء اليوم.
 

الموضوعات ذات الأولوية

الموضوع دلالته أمثلة على التدابير
القضاء على الفقر والجوع في الريف معظم الفقراء يعيشون في المناطق الريفية الحماية الاجتماعية، حقوق الأرض، الزراعة الغنية بالمغذيات
سبل عيش قادرة على مواجهة تغيّر المناخ الأرياف أكثر تأثراً بالكوارث المناخية الزراعة البيئية، محاصيل مقاومة للجفاف، إدارة المياه
الإدماج الرقمي والمالي الاتصال يفتح أبواب الخدمات والأسواق الإنترنت عريض النطاق، المحافظ الإلكترونية، منصات بيانات للمزارعين
تمكين النساء والشباب الإدماج يعزز الإنتاجية والعدالة حقوق الإرث، التعاونيات النسائية، المهارات الرقمية
البنية التحتية والخدمات الطرق والطاقة والتعليم تغيّر الواقع الشراكات بين القطاعين، العيادات المتنقلة، شبكات الكهرباء المصغرة
 

نموذج مُضيء: مشروع جيڤيكا

في ولاية بيهار الهندية، نظم المشروع ـ بدعم من البنك الدولي ـ 1.8 مليون امرأة ريفية ضمن مجموعات للادخار الذاتي. وبحلول عام 2016، ارتفعت دخول 65 % من الأسر بنسبة تزيد على 30 % بفضل الحصول على الائتمان، وممارسات الزراعة المستدامة، والوصول إلى الأسواق.

اطلع على التقييم (البنك الدولي، 2017)

سبل المشاركة والانخراط

  • الحكومات يُستحسن أن تطور منصات بيانات مخصصة للريف، وتخصص موارد للبنية التحتية الأساسية لتقليص فجوات التنمية في المناطق النائية.
  • الوكالات الأممية والبنوك الإنمائية يمكن أن تدعم المسعى بتنظيم منتديات تبحث سبل التمويل وحوكمة الأرض الشاملة.
  • المجتمع المدني ومجموعات المزارعين يسهمون بتنظيم أنشطة ميدانية، وحملات توعوية، ونقاشات تُعلي صوت الريف في السياسات العامة.
  • الجامعات تضطلع بدور محوري في تقديم المحاضرات، والتحديات الشبابية، والمختبرات الابتكارية التي تبحث حلولاً عملية.
  • القطاع الخاص يساهم بطرح نماذج تجارية دامجة، وإنشاء صناديق استثمارية لدعم ريادة الأعمال الريفية.
  • إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية تتولى تنسيق الجهود العالمية وإبراز قصص النجاح التي تبرهن على إمكانات التحول الريفي.

نظرة إلى الأمام

لم تبقَ سوى أقل من خمس سنوات على تحقيق غايات التنمية المستدامة، والطريق لا يزال محفوفاً بالهشاشة والضبابية. وفي هذا السياق الحرج، لا يُعد يوم التنمية الريفية مجرد موعد على الرزنامة، بل وقفة تأمل ومراجعة ومساءلة. وهو نداء إلى العالم ليكفل ألا يُنسى سكان الريف، وألا يُقصوا عن مراكز الفعل، بل يُجعلوا جزءاً أصيلاً من مسيرة التقدم المستدام.