21/09/2021

كلمة الأمين العام في افتتاح الدورة الـ76 للجمعية العامة

كتبها: أنطونيو غوتيريش

السيد الرئيس،

أصحابَ الفخامة والمعالي والسعادة،

إنني أقف هنا لأدق ناقوس الخطر: يجب أن يفيق العالم من غفوته.

فنحن على شفا هاوية سحيقة – وما زلنا نتحرك في الاتجاه الخطأ.

لم يسبق لعالمنا أن تعرض لهذا القدر من التهديدات.

أو من الانقسامات.

إننا نواجه موجة غامرة من الأزمات المتتالية لم نشهد لها مثيل في حياتنا.

وحلّت بنا جائحة كوفيد-19 فتضخمت التفاوتات الصارخة.

وأما تغير المناخ، فيكيل لكوكبنا الضربة تلو الأخرى.

ومساعي السلام أحبطها فتيلُ الاضطرابات المشتعل من أفغانستان إلى إثيوبيا إلى اليمن وما وراءها.

واجتاح العالم تيارٌ عارم من انعدام الثقة والمعلومات المضللة، فسادت بين الناس حالة من الاستقطاب وأصيبت المجتمعات بالشلل.

وحقوق الإنسان نراها تُنتهك أيّما انتهاك.

والعِلم يتعرض لهجوم شرس.

وأطواق النجاة الاقتصادية التي نرمي بها إلى أشد الناس ضعفا قليلة جدا وبطيئة للغاية – هذا إذا وصلتهم أصلا.

والتضامن بات عُملة نادرة – في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه.

ولعلّ خير صورة تروي قصة هذا العصر

هي تلك الصورة التي طالعتنا من بعض أنحاء العالم للقاحات كوفيد-19 ... وقد أُلقي بها في القمامة.

لقاحات انتهت صلاحيتها دون أن تُستخدم.

فمن ناحية، نرى كيف تُنتج اللقاحات في أوقات قياسية – وهو ما يشكل انتصارا للعلم وللإبداع البشري.

ومن ناحية أخرى، نرى كيف يتلاشى ذلك الانتصار بسبب المأساة المتمثلة في غياب الإرادة السياسية وتفشي الأنانية وانعدام الثقة.

فمن جهة، ثمة فائضٌ في بعض البلدان. ومن جهة ثانية، رفوف فارغة في بلدان أخرى.

وفي حين تسنى تطعيم الغالبية في البلدان الأكثر ثراء من العالم، ما زال أكثر من 90 في المائة من سكان أفريقيا في انتظار الحصول على الجرعة الأولى من اللقاح.

إن هذا الوضع يمثل إدانة أخلاقية لعالمنا.

وإنه فعلا لوضع مشين.

فصحيحٌ أننا اجتزنا الاختبار في مجال التفوق العلمي.

لكننا رسبنا رسوبا ذريعا في امتحان الأخلاقيات.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

إن أجراس الإنذار المناخي تدق أيضا بحدة متصاعدة.

والتقرير الذي صدر مؤخرا عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ يرفع الراية الحمراء في وجه البشرية.

ونحن نشهد الإشارات التحذيرية في كل قارة وفي كل منطقة.

بدءا من درجات الحرارة الحارقة إلى فقدان التنوع البيولوجي بمستويات مروعة، ومرورا بتلوث الهواء والمياه والمساحات الطبيعية.

وباتت الكوارث المناخية تعصف بنا عند كل منعطف.

ومثلما رأينا مؤخرا، فحتى هذه المدينة – عاصمة المال والأعمال في العالم - لم تسلَم منها.

وعلماء المناخ يقولون لنا أن الوقت لم يفُت لإحياء الأمل في تحقيق هدف حصر ارتفاع درجة الحرارة في حدود 1,5 درجة مئوية وفقا لما هو منصوص عيه في اتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

لكن هذه الفرصة السانحة توشك أن تضيع.

فنحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030. بيد أن تقريرا صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة يبيّن أن الالتزامات الوطنية الراهنة في مجال المناخ ستؤدي إلى ارتفاع الانبعاثات بنسبة 16 في المائة بحلول عام 2030.

ومن شأن ذلك أن يُلقي بنا في جحيم يزيد فيه ارتفاع درجات الحرارة بما لا يقل عن 2,7 درجة مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي.

وفي هذه الأثناء، أبلغت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي للتوّ عن وجود نقص لا يقل عن 20 بليون دولار في التمويل المناخي الأساسي الذي تم التعهد بتوفيره للبلدان النامية.

ولم تعُد تفصلنا سوى أسابيع عن موعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ في غلاسكو، لكننا فيما يبدو أبعد ما نكون عن تحقيق غاياتنا المنشودة.

يجب علينا أن نتعامل مع هذا الوضع بجدّية. ويجب أن نتحرك بسرعة.

أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي،

لقد كشفت جائحة كوفيد-19 وأزمة المناخ النقابَ عن مواطن ضعف عميقة في مجتمعاتنا وفي كوكبنا.

ومع ذلك، بدلا من مواجهة هذه التحديات الجسيمة بشيء من التواضع، نرى مواقف تنمّ عن العجرفة.

وبدلا من أن نسلك مسار التضامن، ترانا على طريق مسدود آخره دمار.

وفي الوقت نفسه، ثمة علّة أخرى تنخُر جسد عالمنا اليوم: إنها علة انعدام الثقة.

فعندما ترى الشعوب وعود التقدم وهي تنهار تحت وطأة الواقع القاسي لحياتها اليومية...

وعندما ترى حقوقها وحرياتها الأساسية عُرضة للانتقاص...

وعندما تشاهد ممارسات الفساد حولها، في أشكاله التافهة والجسيمة...

وعندما ترى أصحاب البلايين وهم يستمتعون برحلات ترفيهية إلى الفضاء في الوقت الذي يعاني فيه الملايين من الجوع على الأرض...

وعندما يرى الآباء والأمهات ما ينتظر أطفالهم من مستقبل يبدو أشد قتامة من المِحن التي نشهدها اليوم...

وعندما يفقد الشباب الأملَ في أن يكون لهم أي مستقبل على الإطلاق...

فإن الشعوب التي نخدمها ونمثّلها قد تفقد الثقة في حكوماتها ومؤسساتها - بل وفي القيم التي تحرّك عمل الأمم المتحدة منذ أكثر من 75 عاما.

السلام. وحقوق الإنسان. والكرامة للجميع. والمساواة. والعدالة. والتضامن.

واليوم، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت هذه القيم الأساسية في مهبّ الريح.

وانهيار دعائم بُنيان الثقة يؤدي إلى انهيار القيم.

فالوعود، في نهاية المطاف، لا قيمة لها إذا لم تُترجم إلى نتائج تلمسُها الشعوب في حياتها اليومية.

والإخفاق في تحقيق تلك النتائج يؤدي إلى تهيئة أرضية خصبة تترعرع فيها بعض أشد النزعات البشرية سوداوية.

فهو بمثابة الأوكسجين للحلول السهلة والوهمية ونظريات المؤامرة.

وهو الشرارة التي تؤجج نيران المظالم القديمة. ونزعة التفوق الثقافي. والهيمنة الإيديولوجية. وكراهية النساء المصحوبة بالعنف. واستهداف أشد الفئات ضعفا، بما في ذلك اللاجئون والمهاجرون.

أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي،

لقد أزفت ساعة الحقيقة.

وحان الوقت لتنفيذ الوعود المقطوعة.

كما حان الوقت لإعادة بناء الثقة.

وحان الوقت لبعث الأمل في القلوب.

وأنا يحدوني أمل حقيقي.

فالمشاكل التي أوجدناها بأيدينا هي مشاكل بوُسعنا حلها.

وقد أثبتت البشرية أنها قادرة على تحقيق إنجازات كبرى عندما توحد صفوفها.

وذلك هو المغزى من وجود منظمتنا ”الأمم المتحدة“.

لكن دعونا نكون صرحاء. ولنعترف بأن نظام تعددية الأطراف بشكله الراهن محدود للغاية من حيث آلياته وقدراته، مقارنة بما يلزم توافره لكفالة الحوكمة الفعالة في إدارة المنافع العامة العالمية.

إنه نظام يركّز بشكل مفرط على الأمد القصير.

ونحن بحاحة إلى تعزيز الحوكمة العالمية. وينبغي لنا أن نركز على المستقبل. وعلينا أن نجدد العقد الاجتماعي. كما أننا بحاجة إلى ضمان نهوض الأمم المتحدة بتحديات العصر الجديد.

إن ذلك هو الدافع الذي جعلني أقدم تقريري عن ”خطتنا المشتركة“ على تلك الشاكلة.

فالتقرير يقدم تحليلا لحالة عالمنا من جميع الزوايا، ويتضمن 90 توصية محددة بغية التصدي للتحديات التي تعترضنا اليوم وتوطيد نظام تعددية الأطراف من أجل الغد.

وتقرير ”خطتنا المشتركة“ يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

وهو متسق مع الولاية التي أُسندت إلي في الإعلان الصادر بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة، لإيجاد السبيل المؤدي إلى عالم أفضل.

لكن لكي نفي بتلك الوعود، لا بدّ لنا من سد الفجوات الكبرى التي تفصل بيننا.

أصحاب الفخامة والسعادة والمعالي،

أرى أن هناك 6 فجوات كبرى – 6 أخاديد كبرى - يجب علينا أن نتخطاها الآن.

أولا، يجب علينا سد الفجوة التي تحول دون تحقيق السلام.

ففي أنحاء كثيرة جدا من العالم، يظل حلم تحقيق السلام والاستقرار حلما بعيد المنال.

في أفغانستان، حيث يجب علينا تعزيز المساعدة الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان، ولاسيما حقوق الإنسان الخاصة بالنساء والفتيات.

وفي إثيوبيا، حيث ندعو جميع الأطراف إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، وكفالة تيسير وصول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية لبدء حوار سياسي تمسك بزمامه الأطراف الإثيوبية.

وفي ميانمار، حيث نعيد تأكيد دعمنا الثابت لشعب هذا البلد في سعيه إلى تحقيق الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وفي منطقة الساحل، حيث نلتزم بحشد المساعدة الدولية اللازمة لتحقيق الأمن والتنمية والحوكمة الرشيدة في المنطقة.

وفي أماكن مثل اليمن وليبيا وسوريا، حيث يجب علينا كسر الجمود الراهن وإعطاء دفعة للجهود الرامية إلى تحقيق السلام.

وفي إسرائيل وفلسطين، حيث نحث القادة على استئناف حوار ذي مغزى، في إطار الاعتراف بحل الدولتين بوصفه السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل.

وفي هايتي وأماكن أخرى عديدة تُركت خلف الركب، حيث نعلن تضامننا عبر كل خطوة للخروج من الأزمة.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

إننا نشهد أيضا زيادة حادة في عمليات الاستيلاء على السلطة باستخدام القوة.

فقد عادت الانقلابات العسكرية إلى الظهور.

وغياب وحدة الصف في المجتمع الدولي يزيد الأمر سوءا.

وما فتئت الانقسامات الجغرافية السياسية تقوض التعاون الدولي وتحدّ من قدرة مجلس الأمن على اتخاذ القرارات اللازمة.

وثمة إحساس متزايد بالقدرة على الإفلات من العقاب.

وفي الوقت نفسه، سيكون من باب المستحيل التغلب على التحديات الاقتصادية والإنمائية الجسيمة في ظل استمرار الخلافات بين أكبر اقتصادين في العالم.

ومع ذلك، أخشى أن يكون العالم قد بدأ يزحف نحو نموذجين مختلفين من القواعد الاقتصادية والتجارية والمالية والتكنولوجية، نحو نهجين متباعدين في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي - وفي نهاية المطاف نحو استراتيجيتين مختلفتين في الميدانين العسكري والجغرافي - السياسي.

وهذا وضع لا يبشّر بالخير. وسينطوي على رهانات أكبر بكثير من تلك التي كانت تفرضها الحرب الباردة.

ومن أجل استعادة الثقة وبعث الأمل، نحتاج إلى التعاون. ونحتاج إلى الحوار. ونحتاج إلى التفاهم.

إننا بحاجة إلى الاستثمار في منع نشوب النزاعات وحفظ السلام وبناء السلام. ونحتاج إلى إحراز تقدم على صعيد نزع السلاح النووي وفي جهودنا المشتركة لمكافحة الإرهاب.

كما نحتاج إلى إجراءات تقوم على احترام حقوق الإنسان. ونحتاج إلى خطة جديدة شاملة للسلام.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

ثانيا، يجب أن نسد الفجوة المناخية. وهذا يتطلب بناء الثقة بين الشمال والجنوب.

ويبدأ ببذل كل ما في وسعنا الآن لتهيئة الظروف للنجاح في غلاسكو.

ونحن بحاجة إلى المزيد من الطموح من جميع البلدان في ثلاثة مجالات رئيسية - هي التخفيف والتمويل والتكيف.

والمزيد من الطموح في مجال التخفيف - يعني أن تلتزم البلدان بتحييد أثر الكربون بحلول منتصف القرن - وبأهداف محددة لخفض الانبعاثات لعام 2030 تفضي بنا إلى تحقيق ذلك، وتكون مدعومة بإجراءات موثوقة الآن.

والمزيد من الطموح في مجال التمويل - يعني أن تشهد البلدان النامية أخيرا حشد مبلغ 100 بليون دولار سنويا للعمل المناخي على النحو الموعود به، مع تعبئة كاملة لموارد المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص على السواء.

والمزيد من الطموح في مجال التكيف - يعني أن تفي البلدان المتقدمة النمو بوعدها بتقديم دعم موثوق للبلدان النامية لبناء القدرة على الصمود من أجل إنقاذ الأرواح وسبل العيش.

ويعني ذلك أن 50 في المائة من مجمل التمويل المناخي المقدم من البلدان المتقدمة النمو والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف ينبغي أن تخصص للتكيف.

وقد حدد بنك التنمية الأفريقي المستوى المنشود في عام 2019 بتخصيص نصف تمويله المناخي للتكيف.

وقد حذت بعض البلدان المانحة حذوه. ويجب على الجميع أن يفعلوا ذلك.

ورسالتي إلى كل دولة عضو هي: لا تنتظري أن يقوم الآخرون بالخطوة الأولى. قومي بدورك.

وفي جميع أنحاء العالم، نرى المجتمع المدني - بقيادة الشباب - معبأ تعبئة كاملة للتصدي لأزمة المناخ.

وما فتئ القطاع الخاص يكثف جهوده في هذا الصدد.

ويجب أيضا على الحكومات أن تحشد القوة الكاملة لسلطاتها في مجال تقرير السياسات المالية للتحول إلى الاقتصادات الخضراء.

من خلال فرض ضرائب على الكربون والتلوث بدلا من دخل الناس للتحول بسهولة أكبر إلى وظائف خضراء مستدامة.

ومن خلال إنهاء الإعانات المقدمة للوقود الأحفوري وتحرير الموارد لاستثمارها مرة أخرى في توفير الرعاية الصحية، والتعليم، والطاقة المتجددة، والمنظومات الغذائية المستدامة، والحماية الاجتماعية لشعوبها.

ومن خلال الالتزام بعدم إنشاء محطات جديدة للفحم. فإذا أصبحت جميع المحطات المقررة لتوليد الطاقة من الفحم عاملة، فلن نكون بلا شك فوق 1,5 درجة مئوية فحسب، بل سنكون أعلى بكثير من درجتين مئويتين.

وستذهب أهداف باريس أدراج الرياح.

وهذه حالة طوارئ في الكوكب.

ونحن بحاجة إلى تحالفات تضامن - بين البلدان التي لا تزال تعتمد اعتمادا كبيرا على الفحم والبلدان التي لديها الموارد المالية والتقنية لدعم تحولها.

وأمامنا فرصة للتحرك وعلينا التزام بالتصرف.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

ثالثا، يجب أن نسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، داخل البلدان وفيما بينها.

ويبدأ ذلك بإنهاء الجائحة للجميع، في كل مكان.

فنحن بحاجة ماسة إلى خطة تطعيم عالمية لمضاعفة إنتاج اللقاحات على الأقل وضمان وصول اللقاحات إلى سبعين في المائة من سكان العالم في النصف الأول من عام 2022.

وهذه الخطة يمكن أن تنفذها فرقة عمل معنية بحالة الطوارئ تتكون من منتجي اللقاحات الحاليين والمحتملين، ومنظمة الصحة العالمية، وشركاء مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19، والمؤسسات المالية الدولية، بالتعاون مع شركات المستحضرات الصيدلانية.

وليس لدينا وقت نضيعه.

فالانتعاش غير المتوازن يعمق أوجه عدم المساواة.

ويمكن أن تصل البلدان الغنية إلى معدلات نمو ما قبل انتشار الجائحة بحلول نهاية هذا العام، في حين أن الآثار قد تستمر لسنوات في البلدان المنخفضة الدخل.

ولا عجب.

فالاقتصادات المتقدمة تستثمر نحو 28 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي في الإنعاش الاقتصادي.

وتنخفض هذه النسبة إلى 6,5 في المائة لدى البلدان المتوسطة الدخل.

وتنخفض أكثر لتصل إلى 1,8 في المائة لدى أقل البلدان نموا - وهي نسبة مئوية ضئيلة من مبلغ أقل بكثير.

وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون النمو الاقتصادي التراكمي للفرد على مدى السنوات الخمس المقبلة أقل بنسبة 75 في المائة من بقية العالم.

وتحتاج بلدان كثيرة إلى ضخ سيولة على وجه السرعة.

وأرحب بإصدار صندوق النقد الدولي 650 بليون دولار من حقوق السحب الخاصة.

لكن حقوق السحب الخاصة هذه تذهب بدرجة كبيرة إلى البلدان الأقل احتياجا إليها.

وينبغي للاقتصادات المتقدمة أن تعيد تخصيص فائض حقوق السحب الخاصة لديها للبلدان المحتاجة.

وحقوق السحب الخاصة ليست حلا سحريا.

ولكنها توفر حيزا لتحقيق الانتعاش والنمو المستدامين.

وإني أجدد دعوتي إلى إصلاح هيكل الديون الدولي وجعله أكثر إنصافا.

ويجب تمديد مبادرة تعليق سداد خدمة الدين إلى عام 2022، وينبغي أن تكون متاحة لجميع البلدان الضعيفة والمتوسطة الدخل المثقلة بالديون التي تطلبها.

وسيكون هذا تضامنا في العمل.

فلا ينبغي للبلدان أن تختار بين خدمة الدين وخدمة الناس.

وبفضل التضامن الدولي الفعال، سيكون من الممكن على الصعيد الوطني صياغة عقد اجتماعي جديد يشمل التغطية الصحية الشاملة وحماية الدخل، والسكن والعمل اللائق، والتعليم الجيد للجميع، وإنهاء التمييز والعنف ضد النساء والفتيات.

وأدعو البلدان إلى إصلاح نظمها الضريبية ووضع حد في نهاية المطاف للتهرب الضريبي وغسل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة.

وبينما نتطلع إلى المستقبل، نحتاج إلى نظام أفضل للوقاية والتأهب لجميع المخاطر العالمية الكبرى، ويجب أن ندعم توصيات الفريق المستقل المعني بالتأهب والاستجابة للجائحة.

وقد طرحت عددا من المقترحات الأخرى في خطتنا المشتركة - بما في ذلك منتدى للطوارئ ومختبر لسيناريوهات المستقبل.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

رابعا، يجب أن نسد الفجوة بين الجنسين.

لقد كشفت جائحة كوفيد-19 وفاقمت ظلما هو الأطول أمدا في العالم: اختلال توازن القوى بين الرجل والمرأة.

فعندما حَلّت الجائحة، كانت النساء يشكلن غالبية العاملين في الخطوط الأمامية، وأول من فقدن وظائفهن، وأول من علقن حياتهن المهنية لرعاية المقربين منهن.

وعانت الفتيات بشكل غير متناسب من إغلاق المدارس الذي يحد من نمائهن ويزيد من خطر تعرضهن للاعتداء والعنف وزواج الأطفال.

وسد الفجوة بين الجنسين ليس مسألة عدالة للنساء والفتيات فحسب.

إنه عامل تغيير للبشرية جمعاء.

فالمجتمعات التي لديها تمثيل أكثر مساواة هي أكثر استقرارا وسلاما. وتتمتع بنظم صحية أفضل واقتصادات أكثر حيوية.

إن تحقيق المساواة للمرأة هو أساسا مسألةُ سلطة. ويجب أن نحول عالمنا الذي يهيمن عليه الذكور على وجه السرعة وأن نغير ميزان القوى، لحل أصعب المشاكل في عصرنا.

ويعني ذلك مزيدا من القيادات النسائية في البرلمانات والحكومات ومكاتب مجالس الإدارة. ويعني أن المرأة تكون ممثلة تمثيلا كاملا وتقدم مساهمتها الكاملة، في كل مكان.

وأحث الحكومات والشركات والمؤسسات الأخرى على اتخاذ خطوات جريئة، بما في ذلك تحديد معايير وحصص، لإيجاد التكافؤ بين الجنسين من القيادة إلى القاعدة.

وفي الأمم المتحدة، حققنا ذلك على مستوى الإدارة العليا وعلى مستوى قياداتنا للأفرقة القطرية. وسنواصل العمل حتى نحقق التكافؤ على كل المستويات.

وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة إلى صد القوانين الرجعية التي تضفي طابعا مؤسسيا على التمييز بين الجنسين. فحقوق المرأة هي حقوق الإنسان.

وينبغي أن تركز خطط الإنعاش الاقتصادي على المرأة، بما في ذلك من خلال الاستثمارات الواسعة النطاق في اقتصاد الرعاية.

ونحن بحاجة إلى خطة طوارئ لمكافحة العنف الجنساني في كل بلد.

ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء عالم أفضل، يمكننا ويجب علينا أن نسد الفجوة بين الجنسين.

خامسا، يعني استعادة الثقة وبعث الأمل سد الفجوة الرقمية.

فنصف البشرية ليس لديها إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت. ويجب أن نربط الجميع بالشبكة بحلول عام 2030.

وهذه رؤية خريطة الطريق من أجل التعاون الرقمي التي وضعتها - لتبني وعد التكنولوجيا الرقمية مع حماية الناس من مخاطرها.

وأحد أكبر المخاطر التي نواجهها هو الانتشار المتزايد للمنصات الرقمية واستخدام البيانات وإساءة استخدامها.

فثمة مكتبة واسعة من المعلومات التي يجري تجميعها عن كل واحد منا. غير أن مفاتيح تلك المكتبة ليست بحوزتنا.

ولا نعرف كيف تجمع هذه المعلومات، أو من قبل من أو لأي أغراض.

ولكننا نعرف أن بياناتنا تستخدم تجاريا - لزيادة أرباح الشركات.

ويجري تسليع أنماط سلوكنا وبيعها مثلها مثل العقود الآجلة.

كما يتم استخدام بياناتنا للتأثير على تصوراتنا وآرائنا.

ويمكن للحكومات وغيرها استغلالها للسيطرة على سلوك الناس أو التلاعب به، وانتهاك حقوق الإنسان للأفراد أو الجماعات، وتقويض الديمقراطية.

إن هذا ليس فيلما من أفلام الخيال العلمي. إنه حقيقة علمية.

وهو يتطلب مناقشة جادة.

وكذلك الأمر بالنسبة للمخاطر الأخرى في الحدود الرقمية.

وأنا على يقين، على سبيل المثال، من أن أي مواجهة كبرى في المستقبل - لا قدّر الله - ستبدأ بهجوم إلكتروني واسع النطاق.

وأين هي الأطر القانونية للتعامل مع ذلك؟

ويمكن للأسلحة الذاتية التشغيل اليوم أن تختار أهدافا وتقتل الناس دون تدخل بشري. ويجب حظرها.

ولكن لا يوجد توافق في الآراء بشأن كيفية تنظيم تلك التكنولوجيات.

ولاستعادة الثقة وبعث الأمل، نحتاج إلى وضع حقوق الإنسان في صميم جهودنا لضمان مستقبل رقمي آمن ومنصف ومفتوح للجميع.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

سادسا، وأخيرا، نحن بحاجة إلى سد الفجوة بين الأجيال.

فالشباب سيرثون عواقب قراراتنا - الجيدة والسيئة.

وفي الوقت نفسه، نتوقع أن يولد 10,9 بلايين شخص بحلول نهاية القرن.

ونحن بحاجة إلى مواهبهم وأفكارهم وطاقاتهم.

وتقترح خطتنا المشتركة عقد مؤتمر قمة لتحويل التعليم في العام المقبل لمعالجة أزمة التعلم وتوسيع الفرص المتاحة لشباب اليوم البالغ عددهم 1,8 بليون نسمة.

ولكن الشباب يحتاجون إلى أكثر من الدعم.

إنهم يحتاجون إلى مقعد على الطاولة.

وسأعين مبعوثا خاصا للأجيال المقبلة وأنشئ مكتب الأمم المتحدة للشباب.

وستكون مساهمات الشباب أساسية لمؤتمر القمة المعني بالمستقبل، على النحو المبين في خطتنا المشتركة.

ويحتاج الشباب إلى رؤية أمل للمستقبل.

فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن غالبية الشباب في عشرة بلدان يعانون من مستويات عالية من الضيق والقلق على حالة كوكبنا.

وحوالي 60 في المئة من ناخبيكم في المستقبل يشعرون بالخيانة من قبل حكوماتهم.

ويجب أن نثبت للأطفال والشباب أنه على الرغم من خطورة الحالة، فإن العالم لديه خطة - وإن الحكومات ملتزمة بتنفيذها.

وعلينا أن نتحرك الآن لسد الفجوات الكبرى وإنقاذ البشرية والكوكب.

أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،

بوسعنا، من خلال المشاركة الحقيقية، الوفاء بالوعد المقطوع بعالم أفضل وأكثر سلاما.

وهذه هي القوة الدافعة لخطتنا المشتركة.

وأفضل سبيل للنهوض بمصالح المواطنين هو النهوض بمصالح مستقبلنا المشترك.

والترابط هو منطق القرن الحادي والعشرين.

وهو منارة الأمم المتحدة.

وهذه فرصتنا.

لحظة للتحول.

عصر لإعادة إشعال جذوة تعددية الأطراف.

عصر للإمكانات.

دعونا نستعيد الثقة. دعونا نبعث الأمل.

ودعونا نبدأ الآن.

شكرا لكم.