قليلة هي الصور التي تولّد ردود فعل قوية وعالمية مثل تلك الخاصة بالأطفال الذين أُجبروا على المشاركة في الأعمال العدائية. إذا كانت إدانة استخدام الأطفال كوقود للحروب هي إدانة تحظى بالإجماع، فإن حل إنهاء ومنع هذه الآفة الفظيعة معقد ومتعدد الأوجه.
قبل خمسة وعشرين عاماً، في كانون الأول/ ديسمبر 1996، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة غير مسبوقة بإنشاء ولاية لحماية الأطفال من النزاعات المسلحة. لم تكن القضية جديدة: على مر العصور، تم استخدام الأطفال وإساءة معاملتهم بطرق عديدة واستغلالهم كعمالة رخيصة وتعرضوا للاستعباد والتشويه والتعذيب والاغتصاب والقتل. لقد كان الضغط الدولي بطيئاً في البداية، وقد نما تدريجياً بمرور الوقت، مما أدى إلى التزامات رائدة مثل اعتماد اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989 وإنشاء ولايتي بموجبها.
وُلد مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح (OSRSG/CAAC) في حقبة ما بعد الحرب الباردة، في وقت كانت طبيعة النزاع تشهد تغيرات جوهرية. كان الجناة والتكتيكات والأسلحة تتغير، وكذلك ضحايا النزاعات الحديثة. كان المدنيون على نحو متزايد في قلب الاشتباكات وكذلك الأطفال. في الوقت نفسه، كان المشهد الإعلامي يمر أيضاً بتحول بالغ الأهمية نتج عنه صور أكثر واقعية، بما في ذلك صور الحرب وضحاياها والوصول إلى المزيد من المشاهدين بسرعة أكبر من أي وقت مضى. أصبح مشهد الأطفال الذين يشاركون في النزاع المسلح مرئياً بشكل متزايد.
كان ضمن هذا السياق ما حدث في آب/ أغسطس 1996، حيث صدر تقرير بعنوان أثر الصراع المسلح على الأطفال بقلم غراسا ماشيل - تمهيداً للتفويض الذي أمثله - تم تقديمه إلى الجمعية العامة. واغتنمت الجمعية العامة هذا الزخم واعتمدت بعد بضعة أشهر القرار 51/77، الذي أنشأ تفويض الأطفال والنزاع المسلح. وكانت أهدافها طموحة وهي تعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاعات المسلحة وزيادة الوعي وتعزيز جمع المعلومات حول محنة الأطفال المتضررين من الحرب وتعزيز التعاون الدولي لضمان احترام حقوق الأطفال في مثل هذه الظروف.
نشأت ولايتنا من إدراك أنه على الرغم من الإطار القانوني القوي والالتزامات الدولية فقد فشل العالم في حماية الأطفال بشكل فعال من الأثر المأساوي للحرب. على مر السنين، بفضل المشاركة القوية من المجتمع الدولي وأرفع هيئات الأمم المتحدة، تطورت الولاية بطرق تسمح لمكتبي بمعالجة احتياجات الأطفال المتضررين من الحرب بشكل أفضل. علاوة على ذلك ومنذ عام 1999، وضع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حالة الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح على جدول أعماله كمسألة يمكن أن تؤثر على السلم والأمن. حدد المجلس ستة انتهاكات جسيمة لها تأثير على الأطفال في أوقات النزاع وهي قتل الأطفال وتشويههم وتجنيد الأطفال أو استخدامهم كجنود والعنف الجنسي ضد الأطفال واختطاف الأطفال والهجمات على المدارس أو المستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال. تقوم الأمم المتحدة، من خلال مكتبي، برصد هذه الانتهاكات، وتحدد الجناة، وتتعاون مع أطراف النزاعات لوضع التزامات وخطط عمل تهدف إلى إنهاء هذه الجرائم ومنعها.
تفويض الأطفال والنزاع المسلح هو التزام ملموس وعملي بين الأمم المتحدة والأطراف المدرجة على القائمة. بينما تحدث العديد من الانتهاكات ضد الأطفال كل عام، يفلت المزيد من الأطفال من المأساة بفضل إجراءات الأمم المتحدة.
سنحت لي ذات مرة فرصة التحدث مع فتاة اغتصبت من قبل جماعة مسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى. تمكنت من الفرار لكن مجتمعها رفضها هي وطفلها المولود في الحرب. ساعدها شركاؤنا في الأمم المتحدة في الميدان في مركز إعادة الإدماج، حيث تم تعليمها مهنة الخبز كمهارة لكسب العيش. سألتها: "ماذا يمكننا أن نفعل لك أيضاً؟ ما الذي تحتاجين إليه؟" فأجابت: "أريد من يشتري خبزي".

إذا نظرنا إلى الوراء على مدار 25 عاماً من العمل لدينا، فإننا نعيد إلى الأذهان بعض أهم المعالم في حماية الأطفال المتأثرين بالنزاع. تم إطلاق سراح أكثر من 170,000 طفل من الجماعات المسلحة والقوات المسلحة نتيجة للمناصرة من قِبل الأمم المتحدة - بما في ذلك 12,300 في عام 2020 وحده. اعتمد مجلس الأمن خمسة عشر قراراً بشأن الأطفال والنزاع المسلح. والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، الذي تم اعتماده في عام 2000، صدقت عليه 171 دولة طرفاً. وقد قطعت أطراف النزاع مئات الالتزامات لإنهاء ومنع الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، بما في ذلك 37 خطة عمل، منها 20 خطة قيد التنفيذ. وقد امتثل خمسة عشر طرفاً في النزاع امتثالاً كاملاً لالتزاماتهم وتم شطبهم من القائمة في وقت لاحق. لقد دعم المجتمع الدولي الولاية من خلال سلسلة من المبادرات التي تعمل كأدوات وقائية قوية، من بينها: مبادئ باريس، ومبادئ فانكوفر، وإعلان المدارس الآمنة.
بالنظر إلى المستقبل، سيكون العقد القادم مفيداً في ترجمة الالتزامات إلى أفعال وإلى تغييرات حقيقية ومستدامة للأطفال. عند القيام بذلك، يجب أن نتأكد من أن جهودنا نيابة عن الأطفال المتضررين من النزاع هي جزء من الرؤية العالمية الأوسع للأمم المتحدة والتركيز على الوقاية والتعاون والتعافي، والتي نشير إليها بمصطلح "إعادة الإدماج"، كجزء من ولاية الأطفال المتضررين من النزاع.
منذ أن بدأت عملي في عام 2017 تحت قيادة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مكّنت مركزية الوقاية في عمل الأمم المتحدة مكتب الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح من توسيع نطاق مشاركته مع أطراف النزاع، وجعلت تقديم حلول مستدامة لحماية الأطفال بشكل أفضل في النزاعات المسلحة في المتناول. إن إشراك الشركاء الإقليميين ودون الإقليميين في جهود الوقاية أمر بالغ الأهمية أيضاً، حيث تستمر طبيعة النزاع وتأثير بعض الجماعات المسلحة عبر الوطنية في التطور.
اسمحوا لي أن أكون واضحة: الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال ليست نتيجة ثانوية حتمية للحرب؛ بل يمكن الوقاية منها. يجب أن نسعى جاهدين للقضاء على العنف ضد الأطفال في حالات النزاع المسلح وألا نحاول مجرد تخفيف معاناتهم. لتحقيق ذلك، نحتاج إلى أن نكون استباقيين، لا نعبر فقط عن رد الفعل، ونهدف إلى كسر حلقات العنف التي تديم هذه الانتهاكات. وهناك أمل: في السنوات الأخيرة، تم توقيع عدداً قياسياً من خطط العمل والالتزامات المشتركة وأوامر القيادة أو إصدارها أو تحديثها مع الحكومات والجماعات المسلحة - يتعامل العديد منها مع الوقاية وليس إجراءات الحماية فقط.
في الوقت نفسه، أصبح العالم الذي نعيش فيه مترابطاً بشكل متزايد، مما يعني أن التحديات التي نواجهها وكذلك حلولها يجب أن تنبثق من التعاون، الذي اعتمد عليه عملنا دائماً. تلعب أطراف النزاع والدول الأعضاء والمنظمات الدولية والإقليمية والأمم المتحدة ووكالاتها وكياناتها ومنظمات المجتمع المدني وكذلك المجتمعات المحلية والأطفال المتأثرون بالنزاع، جميعها دوراً حاسماً في منع انتهاكات حقوق الطفل والتصدي لها وفي الاستجابة لاحتياجات الناجين.

إن هذا العمل المستمر والاستباقي والتعاوني بدأ يؤتي ثماره: تم وضع تشريعات جديدة تجرّم الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال ووضعت قيد التنفيذ في بلدان مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والفلبين، بينما أطلقت الحكومات آليات المساءلة كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكولومبيا. وبالمثل، فإن مشاركتنا مع أطراف النزاع تعزز الحوار والتغيير المستدام وتؤدي بمرور الوقت إلى تغييرات في السلوك وإلى تحسن كبير في حماية الأطفال، كما رأينا في الماضي في كوت ديفوار ونيبال وكما نشهد حالياً في جنوب السودان.
قد نسلك أحياناً طرقاً مختلفة ونعطي الأولوية لأدوات مختلفة، لكن في النهاية، نعمل جميعاً لتحقيق هدفاً واحداً وهو جعل حماية الأطفال المتضررين من النزاع حقيقة واقعة. إن الفرصة متاحة، ويجب علينا اغتنام الزخم لأن مستقبل الأطفال المتأثرين بالنزاع يعتمد أيضاً على قدرتنا على العمل سوياً.
يجب أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لجميع الشركاء الذين يركزون على إنهاء استخدام الأطفال وإساءة معاملتهم في الحرب هو ضمان ليس فقط تحرير الأطفال من القوات والجماعات المسلحة ولكن أيضاً إعادة إدماجهم بطريقة مستدامة في مجتمعاتهم. في الوقت الحالي، لا يتم دعم عملية إعادة الإدماج إلا لجزء ضئيل من الأطفال المفرج عنهم من أطراف النزاع. يتمتع الجنود الأطفال السابقين بالحق في حياة جديدة، وفي فرصة ثانية، ويتطلب ذلك أن ندعم، نحن المجتمع الدولي، برامج إعادة إدماج طويلة الأجل ومستدامة وذات مغزى سياسياً ومالياً تجمع بين الرعاية الصحية والدعم النفسي الاجتماعي والتعليم وأنشطة كسب العيش.
لهذا السبب أطلق مكتبي بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، التحالف العالمي لإعادة دمج الجنود الأطفال في عام 2018 بهدف سد "فجوة إعادة الإدماج" من خلال زيادة الوعي والعمل العالمي المنسق. لا تعتبر إعادة الدمج ضرورة إنسانية وحقوقية فحسب بل تعتبر أيضاً استثماراً استراتيجياً في السلام المستدام وفي تنمية مجتمعاتنا.
لقد قطعنا شوطاً طويلاً في ضمان توفير حماية أفضل لجميع الأطفال، بمن فيهم المتأثرون بالنزاع، من ويلات الحرب. ولكن يجب أن نفعل أكثر من ذلك.
كانت الأشهر الماضية بمثابة اختبار لقدرتنا على الصمود وإبداعنا، حيث كان علينا الاستجابة لبعض أكبر التحديات في عصرنا والتي نجمت عن جائحة كوفيد-19. إن الأطفال هم الأكثر تضرراً من بين جميع الأشخاص الذين يعانون من آثار النزاع والجائحة. لكننا رأينا أيضاً أنه عندما تواجه البشرية مثل هذا التهديد المشترك، فإن الدعوات لوقف إطلاق النار، كما عبر عنها الأمين العام غوتيريش، يمكن وضعها كأولوية.
بينما نعمل على بناء عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، يجب أن نضع احتياجات الأطفال في صميم خطط التعافي لدينا ونعطيها الأولوية على مدار الـ 25 عاماً القادمة.
لقد خذلنا أطفالنا لفترة طويلة: لم نمنع الفتيات والفتيان من أن يتم استغلالهم وإساءة معاملتهم من قبل أولئك المنخرطين في النزاع المسلح. يجب أن نفعل أكثر من مجرد تعليم الضحايا كيفية البقاء على قيد الحياة، يجب أن نعلمهم "كيف يخبزون الخبز". ويجب أن "نشتري خبزهم" ونعدهم بأن أطفالهم سوف يتمتعون بحماية أفضل مما كان عليه الأمر بالنسبة لهم. يجب أن نعد الأطفال بأنهم سيعاملون كأطفال وأنهم سينجون من ويلات الحرب وأنهم سيحصلون على كل فرصة لتلقي تعليم خالٍ من العنف، حيث تزدهر آمالهم وتطلعاتهم.
يتمتع كل طفل بالحق في أن يحلم بمستقبل مشرق. لا ينبغي أن يقع الأطفال في حالات النزاع المسلح كضحية مضاعفة من خلال حرمانهم من فرصهم في تحقيق أحلامهم.
وكما قال الأمين العام: "الخيارات التي نتخذها الآن ستحدد مسارنا لعقود قادمة". لمرة واحدة، دعونا نختار إعطاء الأولوية للأطفال - جميع الأطفال، وخاصة أولئك المتأثرين بالنزاع المسلح. قد يؤدي هذا المسار في نهاية المطاف، إلى سلام مستدام.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.