مستقبل مستدام للبنى التحتية

مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع دور رئيسي ليلعبه في بناء بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل والمستدام وتشجيع الابتكار

         يعد الاستثمار في البنى التحتية الأساسية المستدامة أمرا أساسيا لتحسين المستويات المعيشية للمجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم. وعندما نتحدث عن الأساسيات، فنحن نقصد العوامل الأساسية. وهذه مسائل تشمل الاحتياجات الإنسانية المشتركة في جميع أنحاء العالم. بيد أن مجرد كونها أساسيات، لا يعني أن معالجة هذه الشواغل بالشكل الصحيح مهمة يسيرة. وفي حالة البنى التحتية، تقتضي هذه الأساسيات تخطيطا منسقا على المدى الطويل يمتد عبر الحدود الجغرافية والسياسية والثقافية.

         ولطالما فُهمت البنى التحتية وقُيمت فقط من خلال وجود بناية أو طريق مكتمل. ولكننا نعلم أن مستشفى ما لا يمكن أن يؤدي وظيفته بدون شبكة متينة للتخلص من النفايات الصلبة، كما لا يمكن لشبكة للنفايات، بدورها، أن تعمل دون المعارف المكتسبة والمطبقة والمؤسسات والموارد اللازمة لإدارتها. بيد أنه عندما نتحدث عن البنى التحتية، فإن هذا الفهم الذي يتجاوز ما هو مباشر لا يزال يُغفل في الأغلب. ونحن بحاجة إلى تحول في هذا النوع من التفكير.

         وببساطة شديدة، من دون بنى تحتية لن يكون لدينا مجتمع سليم. إذ تتطلب خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم بنى تحتية. ولكي تعمل المجتمعات المحلية والأعمال التجارية وتزدهر، فهي بحاجة إلى الوصول إلى السلع والأسواق. ويجب أن تلبي البنى التحتية احتياجات المجتمع، ولكن ينبغي أيضا أن تُقيَّم بناء على نتائجها على المدى الطويل، بما في ذلك الموارد المطلوبة لضمان طول عمرها.

         وستتطلب العديد من أهداف التنمية المستدامة المقترحة بنية تحتية صلبة تؤدي وظيفتها ومستدامة إذا ما أريد تحقيق تلك الأهداف. فأشكال الطاقة الموثوقة، وتوافر المياه الصالحة للشرب، والتعليم، والسلامة والأمن، والخدمات الاجتماعية والاقتصادية - كلها تصبح ممكنة  من خلال بنى تحتية قادرة على الصمود.

         ولكن هذه القدرة على الصمود نفسها تخلق تحديات كبيرة. ولا بد أن ننظر إلى الصورة الأكبر، سواء من حيث الفرص والمخاطر. ويجب علينا أن ندعم التنمية، ولكن ماذا لو حدث خطأ ما؟ وما هي البيئة التي نعمل فيها؟ وما هي قضايا عالم اليوم؟ فمع تغير المناخ، على سبيل المثال، تأتي زيادة في تواتر الكوارث الطبيعية. ولذلك فإن البنى التحتية المستدامة لا تدعم التنمية فحسب، بل إنها ضرورية للانتعاش بعد حدوث الكوارث أيضا.

         ومع ولايتنا في إطار منظومة الأمم المتحدة التي تعهد إلينا بتولي الريادة في مجال البنى التحتية، وبعشرين سنة من الخبرة في تطوير مشاريع البنية التحتية، يتطلب نجاح أي هدف للبنية التحتية تعلم الدروس من الخبرات العملية. ونحن نتوفر على هذا في مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع. ويتوجب على المجتمع الدولي والصناعة أن يعملا معا من أجل كفالة أن يأخذ الاستثمار في البنى التحتية في اعتباره المخاطر، ويجعل الأمن والقدرة على الصمود في صميمه.

         وإن خبرتنا في مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع واسعة النطاق وقائمة على الشراكات. ونحن نعمل مع منظومة الأمم المتحدة، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص. ويشجع نموذجنا المستثمرين من القطاع الخاص على إعطاء الأولوية للتنمية المستدامة. وفي الوقت الحاضر، هناك حاجة لمزيد من الاستثمار من أجل تحسين أمن وصمود البنى التحتية الحساسة في البلدان النامية.

         ويُسلط الدمار الذي تسببت فيه الكوارث الطبيعية، التي وقعت مؤخرا في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء العالم، الضوء على الحاجة إلى نهج قائم على المخاطر في التعامل مع البنى التحتية. ويغطي عملنا العديد من المجالات. فعلى سبيل المثال، استجابة لزلزال عام 2010 في هايتي، دعم مكتب خدمات المشاريع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة العمل الدولية في مجموعة واسعة من أنشطة ما بعد الكوارث، بما في ذلك بناء أماكن الإيواء للسكان المتضررين وإدارة الكميات الكبيرة من الحطام. وقدمنا الدعم أيضا لحكومة البرازيل في بناء مستشفيات المجتمعات المحلية المقاومة للزلازل والأعاصير، والتي تشمل بنية تحتية ملائمة للبيئة مثل المصابيح الشمسية الخارجية وتجميع مياه الأمطار. وهناك العديد من مثل هذه الأمثلة.

         وتمثل البنى التحتية القائمة أحد الاعتبارات الهامة أيضا. وينبغي إجراء عمليات تقييم سعيا إلى فهم كيفية خدمة البنى القائمة سلفا وإصلاحها. فكيف تتفاعل مختلف مشاريع التنمية مع القائم من مرافق معالجة المياه، والطرق، والجسور، وشبكات المرافق، أينما وجدت في العالم؟ يبدو ذلك بسيطا، ولكن يُتغافل عن هذا العامل في الكثير من الحالات وفي أجزاء كثيرة من العالم.

         ونحن بحاجة، في الأماكن التي لا يمكننا القضاء فيها على المخاطر، إلى أن نحسن إدارتها والتخفيف منها. ويهدف الحد من مخاطر الكوارث إلى الحد من الأضرار الناجمة عن الأخطار الطبيعية من خلال الوقاية. وهناك علاقة تلازم مباشرة بين المخاطر والقدرة على الصمود-ولذلك فإن الحد من المخاطر يُسهم في زيادة القدرة على الصمود. وفي المقابل، ستساهم الإدارة الفعالة للمخاطر في مشاريعنا في زيادة تحسين البنى التحتية المستدامة. وينبغي فهم هذه الصلة على نحو أفضل.

         وفي حين يمكن اعتبار قدرة البنى التحتية على الصمود على أنها القدرة على استيعاب الضغوط الناجمة عن الأخطار الطبيعية-كيفية استجابة بناية ما لزلزال مثلا- تنظر استدامة البنى التحتية في أثر تلك البناية على البيئة. وتساعد الاستدامة أيضا في الحد من بصمة مشروع تنموي، في حين تسمح القدرة على الصمود للبنى التحتية بمقاومة الآثار البيئية على نحو أفضل.

         وهناك الكثير من المبادئ والتعقيدات داخل هذه المسائل. وفي نهاية المطاف، فإن الواضح هو أنه يجب تحسين نظم البنى التحتية على نحو يدعم تقديم الخدمات الأساسية على المدى الطويل، بعيدا عن الدورات السياسية.

         وبدون أخذ جميع هذه العوامل في الاعتبار، ستظل البنى التحتية المستدامة دائما مجرد أفق لسنا ببالغيه أبدا. ولهذا السبب يجب، ونحن نعمل على تحديد الخطة المستقبلية، ألا ننسى أن التنمية المستدامة الحقيقية تعتمد على أُسُسها، أي على البنى التحتية التي يمكن تشييد صرح النجاح عليها.