لقد نشأت الأمم المتحدة في وقت من اليأس الشديد، عندما تجرأ حاملو القلم في وثيقتها التأسيسية على تخيل عالم أفضل، عالم يحدد ملامحه السلام والمساواة. اختار قادة العالم الحالمون الأمل على السخرية، والتعاطف على اللامبالاة، والشراكة على عدم الثقة عندما اجتمعوا في سان فرانسيسكو في 26 حزيران/ يونيو من عام 1945 للتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة. لقد شرعوا في نظام عالمي جديد قائم على القواعد مع وجود منظمة ذات شرعية لا مثيل لها في جوهرها.
على مدى السنوات الـ 75 الماضية، عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة "برلمان الإنسانية". بصفتها الهيئة التمثيلية والتداولية الرئيسية للأمم المتحدة، فإن الجمعية توفر منتدى لتبادل وجهات النظر وإقامة الشراكات وبناء توافق الآراء. إن ذلك الأمر متجذراً في المساواة في كل من الصوت والتصويت. عندما يكون هناك خلاف، توفر الجمعية مساحة للنقاش القائم على الاحترام، حيث يمكن للأعضاء التفاهم والتوصل إلى حل وسط.
في إطار اختصاصها كجهاز رئيسي للأمم المتحدة، ساعدت الجمعية العامة في توجيه تحول عالمنا خلال الأرباع الثلاثة الماضية من القرن. وهي تتبنى قرارات عبر مجموعة واسعة من القضايا التي تعكس تطلعات الإنسانية عبر الركائز الثلاث لعمل الأمم المتحدة: حقوق الانسان والسلم والأمن والتنمية.
لقد ساعدت قرارات الجمعية العامة في وضع اللبنات الأساسية للتطوير المعياري للقانون الدولي. في عام 1959، أنشأ قرار الجمعية العامة 1472 (د-14) لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية. وقد بدأ هذا العمل الذي سهل استخدام التكنولوجيا الحديثة والاتصالات. قررت الجمعية في عام 1957 باتخاذ القرار 1105 (د-11)، عقد أول مؤتمر للأمم المتحدة لقانون البحار مما مهد الطريق لاعتماد أول "دستور للبحار" للإنسانية في عام 1982 المتمثل في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
حدد ميثاق الأمم المتحدة الهدف المتمثل في "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". وبناء على ذلك، عملت الجمعية العامة جاهدة لتحقيق هدف إزالة الأسلحة الذرية وجميع أسلحة الدمار الشامل الأخرى. مثل هذا نشأة التطور المعياري للنظام الدولي لنزع السلاح وعدم الانتشار.
تبنت الجمعية في عام 1948، باتخاذ القرار 217 (د-3) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذه المجموعة من الحقوق غير القابلة للتصرف تحدد معايير المعاملة المتساوية لجميع الناس وأعادت تأكيد ديباجة الميثاق:
"نحن شعوب الأمم المتحدة مصممون ... على إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبالمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء....".
لقد تغير العالم بشكل ملحوظ منذ عام 1945، مع انضمام أكثر من 80 مستعمرة سابقة إلى المنظمة. واستجابة لشعوب الأمم المتحدة التي تتوق إلى الاستقلال، اعتمدت الجمعية في عامها الخامس عشر القرار 1514 الذي قدم الصياغة الأكثر موثوقية وشمولية لمبدأ تقرير المصير. في عام 1966، أعلن القرار 2202 ألف (د-21) أن الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية. تواصل الجمعية تعزيز المساواة والكرامة للجميع بما في ذلك من خلال التكليف بإطلاق العقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي 2015-2024 بموضوع "المنحدرين من أصل أفريقي: الاعتراف والعدالة والتنمية"، واليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري والذي يحتفل به في 21 آذار/ مارس.
في الواقع، سعت الجمعية العامة إلى إنهاء التمييز بجميع أشكاله. اعتمدت إعلان حقوق المعوقين عام 1975؛ واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 1979؛ وإعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد في عام 1981؛ واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989؛ ومؤخراً، الإعلان بشأن حقوق الشعوب الأصلية في عام 2007.
في عام 2015، اعتمدت جميع الدول الأعضاء خطة التنمية المستدامة لعام 2030 عبر القرار 70/1. بدأ اتفاق باريس للمناخ في شكل جنيني كقرار للجمعية العامة. يظهر هذا الانجاز للقرن الحادي والعشرين الذي يعتبر ثمرة للتعددية، اعتراف الدول الأعضاء بضرورة العمل الجماعي لمكافحة التهديد الوجودي وحماية مواطني العالم والكوكب الذي نعيش فيه لأجيال قادمة. يظل التضامن هو خط دفاعنا الأول والأفضل عندما نواجه تحديات عالمية.

مع كل ذلك، الأمم المتحدة ليست حلاً سحرياً. على الرغم من بذل قصارى جهدها، إلا أن الصراع والاضطراب مستمران، وفي بعض الحالات لحقت أضرار لا يمكن إصلاحها بالمجتمع. لم نتمكن من منع الإبادة الجماعية في رواندا، ولا تزال قضية فلسطين دون حل. ويعتبر الكثيرون هذه حالات فشل فيها المجتمع الدولي. لذلك، يجب أن نفكر وأن نواصل العمل معاً باسم المجتمعات التي هي في أمس الحاجة إلينا، وتكريماً لحفظة السلام التابعين للأمم المتحدة وأفرادها الذين ضحوا بأرواحهم لأجل أداء واجبهم.
قادت منظمة الصحة العالمية (WHO) الاستجابة العالمية لجائحة كوفيد-19 منذ بداية الأزمة. لقد كانت منظومة الأمم المتحدة أكثر فعالية في حشد الدعم للفئات الأضعف. في الجمعية العامة، احتشدت الدول الأعضاء لاعتماد قرارات تدعو إلى التضامن والوصول العالمي إلى الأدوية والمعدات الطبية. كما اتخذت الدول الأعضاء خطوات تاريخية لتمكين الجمعية العامة من العمل ودعم العمل الحيوي للأمم المتحدة خلال هذه الفترة من خلال اتخاذ قرارات بموجب قواعد وإجراءات جديدة.
تأتي الذكرى السنوية الخامسة والسبعون للأمم المتحدة في لحظة مراجعة الحسابات لكوكبنا ومستقبلنا المشترك. هذا هو وقت العمل والطموح والشراكة. بحلول 1 تموز/ يوليو من عام 2020، تم الإبلاغ عن أكثر من 10 ملايين حالة إلى منظمة الصحة العالمية واستسلم أكثر من 500,000 شخص لتأثيرات جائحة كوفيد-19. 1 لقد أدت هذه الجائحة إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الموجودة من قبل والأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذه الجائحة لم يسبق له مثيل في تاريخ منظمتنا. يحذر المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، من مجاعة "ذات أبعاد كارثية"؛ المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة أبلغ عن أنه هناك 1.6 مليار طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة للحضور الشخصي؛ ولا تزال الجائحة تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفئات الضعيفة مثل اللاجئين والمشردين داخلياً.
وستتطلب استجابتنا المستمرة إعادة الالتزام بالتعددية بينما نبني بشكل أفضل في عِقد العمل (2020-2030) هذا لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة (SDGs). في عام 2015، تعهد أعضاء الجمعية العامة بعدم ترك أي شخص يتخلف عن الركب ونقل العالم إلى طريق التنمية المستدامة والازدهار للجميع. نحن في وضع غير مسبوق، وعلينا مضاعفة جهودنا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الوقت المحدد. هذه دعوة للعمل من أجل الأمم المتحدة ونحن نفكر بعمق في المستقبل الذي نريده والأمم المتحدة التي نحتاجها.
منذ ثلاثة أرباع قرن مضت، أظهر مؤسسو منظمتنا ثباتاً في وقت الأزمات. اختاروا أن يثقوا ببعضهم البعض وأن يتحدوا في السعي وراء تحقيق عالم أفضل. في الخطاب الافتتاحي للرئيس الأول للجمعية العامة، صرح صاحب السعادة بول هنري سباك:
"من الممكن أن يكون المتشائمون على حق في يوم من الأيام؛ لا أدري. لكنني أعلم أنهم مخطئون اليوم. في سان فرانسيسكو، أعلنوا أنه لا يمكن أبداً وضع الميثاق؛ وفي لندن، أن المنظمة لن تظهر إلى الوجود؛ وفي الأسابيع القليلة الماضية، يجب ألا نلتقي أبداً مرة أخرى، والآن، بلا شك، سنقوم بتمزيق بعضنا البعض".2
في الذكرى الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة، دعونا نوضح أننا لن نخذل مؤسسي منظمتنا أو أنفسنا. "نحن الشعوب" يجب أن نبقى راسخين في تصميمنا على النهوض بأهداف ومبادئ ميثاقنا.
ملاحظات
1 متاح من صفحة جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية (https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019) (تم الوصول إليه في 1 تموز/ يوليو، 2020).
2 الأمم المتحدة، الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الاجتماع العام الرابع والثلاثون، الأمم المتحدة. الوثيقة (A-PV-34-EN) (23 تشرين الأول/ أكتوبر، 1946)، الفقرة 82. متاح على الرابط التالي: https://digitallibrary.un.org/record/482476?ln=en.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.