تموز/ يوليو، 2020

إن ميثاق الأمم المتحدة لا يمثل فقط الأداة التأسيسية للأمم المتحدة كمنظمة. إنه بيان قانوني متعدد الأطراف يشمل مجموعة من المبادئ والقواعد الأساسية التي تهدف إلى ضمان السلام والحرية والتنمية والمساواة وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. تعكس هذه المبادئ والقواعد القيم المشتركة المعلنة في الديباجة باسم "شعوب الأمم المتحدة". وعلى هذا النحو، فهو يمثل المعاهدة المتعددة الأطراف الأكثر ابتكاراً وريادة التي أبرمت بين الدول على الإطلاق. وهو اليوم صك عالمي قبلت جميع الدول رسمياً الالتزام به في علاقاتها الدولية.

في عام 1945، عندما خرجت الدول من حرب عالمية ثانية في غضون 30 عاماً، كان لابد من اتخاذ خيار أساسي من قبل الدول المشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو الذي انعقد لاعتماد الميثاق. لقد اختاروا سيادة القانون لتنظيم العلاقات الدولية. كان هذا هو السبيل الوحيد لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب. كان هذا الاختيار أيضاً نتيجة لتطور الحضارة الإنسانية. جاء ذلك من إدراك أن النظام القديم الذي جعل الحرب جائزة لتصحيح الأخطاء لم يكن همجياً ووحشياً فحسب، بل كان ظالماً في الأساس.

وبالتالي، فإن الالتزام بتسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية مكرس في الميثاق، إلى جانب حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. إن مهمة محكمة العدل الدولية، التي أتشرف برئاستها حالياً، هي حل النزاعات بين الدول بالطرق السلمية وفقاً للقانون الدولي. وقد قامت المحكمة بذلك أكثر من 150 مرة حتى الآن.

تضمن اختيار سيادة القانون أيضاً تصميماً لأول مرة في تاريخ العلاقات متعددة الأطراف، على "إعادة تأكيد الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وقدره، وبالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وبين الأمم كبيرها وصغيرها." إننا مدينون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهدين الدوليين، بهذا التصميم من جانب شعوب الأمم المتحدة.

وعلى نفس القدر من الأهمية بالنسبة لأكثر من نصف البشرية، التي كانت في عام 1945 لا تزال تعاني من القهر والاستعمار الأجنبي، كان الاعتراف في الميثاق بمبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب الذي أدى في النهاية إلى حريتهم واستقلالهم. إن عالمية النظام القائم على الميثاق والقانون الدولي ما كانت لتتحقق لولا إعلان حق جميع الشعوب في المساواة وتقرير المصير. نمت عضوية الأمم المتحدة من 51 دولة في سان فرانسيسكو إلى 193 دولة اليوم، وذلك في الغالب نتيجة لتطبيق حق الشعوب في تقرير المصير.

على مدى السنوات الـ 75 الماضية، عززت المعايير الأساسية المذكورة أعلاه إلى جانب المعايير الأخرى المنصوص عليها في الميثاق، السلام والتقدم وحماية حقوق الإنسان وتحرير الشعوب والتعاون المتعدد الأطراف في جميع أنحاء العالم. كما أنها قدمت الإطار القانوني الذي يقوم عليه النظام متعدد الأطراف القائم على القواعد والذي يمكّن الدول والأفراد على حد سواء من المشاركة في أنشطة تعاونية عبر الحدود في مجموعة واسعة من المجالات، بدءاً من الطيران إلى الشحن، ومن الاتصالات السلكية واللاسلكية إلى التجارة، ومن المعاملات المالية إلى الاستثمار، ومن الصحة وحماية البيئة إلى التعليم والثقافة.

منظر لقصر السلام، مقر محكمة العدل الدولية (ICJ)، لاهاي، هولندا. UN Photo/ICJ/Capital Photos/Gerald van Daalen

لذلك، يمكن القول إن اعتماد الميثاق في سان فرانسيسكو وتنفيذه من قبل هيئات الأمم المتحدة، فتحا آفاقاً واسعة وشاملة أمام البشرية للتعاون من أجل الصالح العام، وتجنب النزاعات المسلحة، والعمل من أجل تحقيق التقدم على أساس المساواة والكرامة الإنسانية. لقد تحقق الكثير بالفعل، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، كما يتضح من التحديات الأخيرة لمنظومة الأمم المتحدة التي أثارتها جائحة كوفيد-19.

قلة هم الذين قد يعترضون على القيمة الدائمة للميثاق وقوته كأداة معيارية، حتى بعد 75 عاماً من وجوده. لقد اكتسبت مقاصده ومبادئه طابعاً عالمياً لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. وفي الوقت نفسه، تتزايد أهمية هذه المبادئ وقيمتها الملهمة في التطوير التدريجي لسيادة القانون وتوطيده على الصعيد الدولي. ومع ذلك، فإن السؤال هو ما إذا كانت الآليات المؤسسية التي أنشأها الميثاق، كأداة تأسيسية، لا تزال مناسبة لعالم اليوم مع تحدياته المتعددة الأوجه. البعض منها مناسباً بالتأكيد؛ ولكن قد يحتاج البعض الآخر إلى التحديث.

لقد تغير العالم بشكل جذري منذ عام 1945. ومع ذلك، لا يزال من الممكن القول إنه إذا لم تكن الأمم المتحدة موجودة اليوم فلابد من اختراعها. ولكن هل سيتم اختراعها بالضبط بنفس الهيكل المؤسسي والآليات التشغيلية كما في عام 1945؟  هذا هو المجال الذي تصبح فيه إعادة التفكير ملائمة. قد تكون الذكرى السنوية الخامسة والسبعون للمنظمة لحظة مناسبة لبدء عملية التحديث. وسيتطلب ذلك مشاركة جادة من جميع الدول. إن أحكام الميثاق بشأن أجهزة ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة ليست منقوشة على الحجر. لقد تم تعديلها من قبل بسبب التغييرات في العضوية. يمكن تعديلها مرة أخرى، وربما بشكل أعمق هذه المرة، للسماح للمنظمة بتحقيق أغراضها النبيلة. لن يتم ذلك بين عشية وضحاها، لكنه يستحق عناء المحاولة من أجل الصالح العام للبشرية.

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.