ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة: شرط أساسي للتنمية المستدامة

         يرمي الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة التي اقترحها الفريق العامل المفتوح باب العضوية التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة. وما الذي يجعل هذا ضروريا للتنمية المستدامة؟

أهمية الاستهلاك والإنتاج المستدامين

         بحلول عام 2050، سيصل عدد سكان العالم إلى 9.5 ملايير نسمة، وسيكون 70 في المائة منهم يعيشون في مناطق حضرية تستخدم الموارد بكثافة. وسيدخل ثلاثة ملايير من المستهلكين من الطبقة الوسطى إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2040. وبالرغم من أن خط الفقر المحدد في 1.25 دولار من دولارات الولايات المتحدة في اليوم عام 2010 أقل من نصف معدل عام 1990، لا يزال 1.2 مليار شخص يعيشون في فقر مدقع(2). ومن أجل الاستجابة لهذه التحديات في إطار القدرة الاستيعابية لمنظومة الأرض، بات اعتماد أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة أمرا حتميا، لأنها تحفظ من خلال كفاءة استخدام الموارد أساس التنمية في المستقبل.

         وما انفك المجتمع الدولي يوجه هذه الرسالة باستمرار منذ عام 2002. وتسلم كل من خطة جوهانسبرغ لتنفيذ نتائج مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة لعام 2002 والوثيقة الختامية لمؤتمر ريو + 20 في عام 2012 "المستقبل الذي نصبو إليه"  بأن "القضاء على الفقر وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة وتشجيع أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة وحماية قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإدارتها هي منتهى الغايات المنشودة من التنمية المستدامة والشروط الأساسية لتحقيقها"(3).

         واليوم، يمثل إدراج هذا الهدف 12 ضمن أهداف التنمية المستدامة المقترحة إقرارا بالدور الأساسي والشامل للاستهلاك والإنتاج المستدامين في التنمية المستدامة. وتتجه غايات أخرى في 12 من الأهداف الأخرى للتنمية المستدامة نحو تحقيق أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة.

         ووصف فريق الشخصيات البارزة الرفيع المستوى المعني بخطة التنمية لما بعد عام 2015، الذي فوضه الأمين العام للأمم المتحدة عام 2013، الاستهلاك والإنتاج المستدامين باعتبارهما أحد المجالات الأربعة الرئيسية التي لا بد من إحراز تقدم فيها من أجل تحقيق رؤيتهم لما بعد عام 2015 وهي: "إنهاء الفقر المدقع بجميع أشكاله... ووضع اللبنات الأساسية للرخاء المستدام للجميع"(4). ويدرك الفريق الرفيع المستوى أن تحويل الاقتصادات من أجل إيجاد الوظائف وتحقيق النمو الشامل للجميع يتطلب تحولا سريعا نحو أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة(5). وقد خلص الفريق إلى أن أنماط الاستهلاك والإنتاج في العالم ينبغي أن تُدار بطريقة أكثر استدامة وإنصافا، وأنه لا يمكننا أن نحد من الفقر بشكل لا رجعة فيه إلا من خلال تعبئة الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية معا(6).

         والواقع أن الاستهلاك والإنتاج المستدامين يعالجان، بطبيعتهما الشاملة لقطاعات متعددة، الروابط المشتركة ويعتمدان نهجا كليا يأخذ في الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، وذلك على نحو متوازن ومتكامل. وتمثل أنشطة الاستهلاك والإنتاج أساس الاقتصاد العالمي، ولكن الأنماط الحالية تؤدي بشكل سريع إلى استنفاد رأس المال الطبيعي وتدهور خدمات النظام الإيكولوجي وتقويض قدرة البلدان على الوفاء باحتياجاتها بشكل مستدام. وينطوي التحول إلى أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة على زيادة الكفاءة والإنتاجية على طول سلاسل الإمداد ودورة حياة المنتجات، الآن وعلى المدى الطويل.

         تناول الهدف 12 للاستهلاك والإنتاج المستدامين وحضور أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة في الأهداف الأخرى

         يغطي الهدف 12 من أهداف التنمية المستدامة كلا من الكفاءة في استخدام وإدارة الموارد الطبيعية (الغاية 12-2) والآثار البيئية مثل إدارة النفايات (الغاية 12-5)، وإطلاق الملوثات، ولا سيما المواد الكيميائية (الغاية 12-4). ويُشرك هذا الهدف جميع الجهات الفاعلة من أجل الإسهام في التنمية المستدامة، بما في ذلك القطاع الخاص (الغاية 12-6). ويبرز الهدف أيضا أهمية توفير المعلومات للمستهلكين وتثقيفهم بشأن التنمية وأنماط الحياة المستدامة (الغاية 12-8). كما يحدد الهدف دور القطاع العام من خلال ممارسات الشراء العمومي المستدامة (الغاية 12-7)، فضلا عن التحول نحو الاستهلاك والإنتاج المستدامين في النظام الغذائي (الغاية 12-3) والقطاع السياحي (الغاية 12-ب). ويشدد الهدف كذلك على الحاجة إلى وضع سياسات للاستهلاك والإنتاج المستدامين من خلال تنفيذ الإطار العشري لبرامج الاستهلاك والإنتاج المستدامين (الغاية 12-1)، في حين يُقدم التمويل وبناء القدرات (الغاية 12- أ) باعتبارهما وسائل للتنفيذ، بما في ذلك من خلال معالجة إعانات الوقود الأحفوري (الغاية 12-ج).

         ويوجد كل من الاستهلاك والإنتاج في صلب الاقتصاد العالمي. ولكن أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة الحالية تؤدي إلى إزالة الغابات، وندرة المياه، وهدر الأغذية، وارتفاع انبعاثات الكربون، وتُسبب في تدهور النظم الإيكولوجية. وسيخلق تحقيق الهدف المتعلق بالاستهلاك والإنتاج المستدامين أوجه تآزر وسيدعم تحقيق أهداف أخرى متعلقة بالغذاء، والمياه والطاقة، وسيساهم كذلك في التخفيف من آثار تغير المناخ.

ما هي أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامين؟

         إن لكل شيء ننتجه إما أثرا إيجابيا أو سلبيا على الاقتصاد والبيئة والتنمية الاجتماعية. ولذلك فإن تحقيق أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة يُثمر مكاسب من حيث الكفاءة والإنتاجية، ويكفل أن تبقى الأنشطة البشرية في إطار القدرة الاستيعابية للكوكب، مع احترام حقوق الأجيال المقبلة.

         ويعني الاستهلاك والإنتاج المستدامان إنجاز المزيد بطريقة أفضل وتكلفة أقل. وهو يتعلق "باستخدام الخدمات والمنتجات ذات الصلة، التي تلبي الاحتياجات الأساسية وتحقق جودة حياة أفضل مع التقليل إلى أدنى حد من استخدام الموارد الطبيعية والمواد السامة، فضلا عن انبعاثات النفايات والملوثات على مدى دورة حياة الخدمة أو المنتج، حتى لا تتعرض احتياجات الأجيال المقبلة للخطر"(7).

         ويشمل الاستهلاك والإنتاج المستدامان تحقيق الهدف المتمثل في إحداث فصل منهجي بين النمو الاقتصادي من جهة وتنامي استخدام الموارد والتدهور البيئي من جهة أخرى، وذلك بغية إنجاز "المزيد بتكلفة أقل". وسيتحقق ذلك الفصل من خلال خفض كثافة استخدام الأنشطة الاقتصادية الحالية للطاقة/المواد والحد من الانبعاثات والنفايات الناتجة عن الاستخراج والإنتاج والاستهلاك والتخلص من النفايات. وسيتم، باستخدام النهج القائم على دورة الحياة بوصفه أداة لتحقيق الاستهلاك والإنتاج المستدامين، اتخاذ إجراءات للتأثير على كل من العرض والطلب على المنتجات المستدامة، وتجنب تحويل العبء عبر مختلف مراحل دورة حياة المنتجات.

كيف يجري تنفيذ الاستهلاك والإنتاج المستدامين؟

         اعتُمد الإطار العشري لبرامج الاستهلاك والإنتاج المستدامين في مؤتمر ريو + 20، وهو إطار عالمي للتعاون وبناء القدرات يهدف إلى التحول نحو الاستهلاك والإنتاج المستدامين. وسيعزز هذا الإطار العشري التعاون الدولي من أجل التعجيل بالتحول نحو أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة في البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حد سواء، بحيث سيقدم الدعم على الصعيدين الإقليمي والوطني وفقا للاحتياجات والأولويات المحلية. وتتمحور البرامج الستة الحالية للإطار العشري حول ما يلي: السياحة المستدامة، بما في ذلك السياحة البيئية؛ وأنماط العيش والتعليم المستدامة؛ وممارسات الشراء العمومي المستدامة؛ وتوفير المعلومات للمستهلكين؛ والمباني وأساليب التشييد المستدامة؛ ونظم الأغذية المستدامة. ويندرج تنفيذ الإطار العشري باعتباره الغاية 12-1 في إطار هدف الاستهلاك والإنتاج المستدامين.

         وفي الختام، يبقى الهدف 12 ضروريا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأنه يمكن من تحقيق العديد منها وهو شرط من شروط التنمية المستدامة. وقد بدأ التحول نحو أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة بالفعل في كثير من أنحاء العالم، وهو بحاجة ماسة إلى التعجيل والارتقاء به، عن طريق الإطار العشري وغيره من المبادرات والسياسات الدؤوبة وواسعة النطاق.

 

الحواشي

1   إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، شعبة السكان، التوقعات السكانية العالمية: تنقيح عام 2012. المجلد 1  (ST/ESA/SER.A/336) والمجلد الثاني (ST/ESA/SER.A/345)  (نيويورك، منشورات الأمم المتحدة، 2013).

2   World Bank and the International Monetary Fund, Global Monitoring Report 2013: Rural-Urban Dynamics and the Millennium Development Goals (Washington, D.C., 2013), p. xi, 22, 25.

3   قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (A/RES/66/288)، 11 أيلول/سبتمبر 2012.

4 Communiqué: Meeting of the High-Level Panel of Eminent Persons on the Post-2015 Development Agenda, in Bali, 27 March 2013, p.1. Available from http://www.un.org/sg/management/pdf/final%20 communique%20bali.pdf.

5 Report of the High-level Panel of Eminent Persons on the Post-2015 Development Agenda. A New Global Partnership: Eradicate Poverty and Transform Economies through Sustainable Development (New York, United Nations Publications, 2013)   

6   المرجع نفسه.

7   وزارة البيئة النرويجية، ندوة أوسلو بشأن أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة 1994؛ وأصبح هذا هو التعريف المقبول على نطاق واسع للاستهلاك والإنتاج المستدامين.