17 آيار/مايو 2016

 

في عام 2015، امتدت أزمة اللاجئين العالمية إلى أوروبا حيث وصل إلى سواحلها الجنوبية ما يربو على مليون لاجئ ومهاجر معظمهم فارين من أماكن مزقتها الحرب مثل أفغانستان وسوريا والعراق. واستمر ذلك الاتجاه في عام 2016 حيث وفد في الأشهر الثلاثة الأولى منها ما يزيد عن 000 171 شخص. بيد أن ذلك ليس إلا قمة الجبل الجليدي. ففي العالم أجمع يوجد ما يربو على 60 مليون نسمة شردتهم الحرب أو الاضطهاد أو انتهاكات حقوق الإنسان. ويعيش 86 في المائة منهم في بلدان نامية معظمها مجاورة لمناطق النزاع.

         وتعد الحرب في سورية الدافع الأوحد والأكبر للنزوح في الوقت الراهن حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين في المنطقة 4.8 ملايين لاجئ ويصل عدد المشردين داخليا إلى ما لا يقل عن 6.6 ملايين شخص. وما يقرب من نصف الأشخاص الوافدين إلى أوروبا سوريون.

         ويشكل النزاع السوري أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم إلا أنه ليس النزاع الوحيد. فخلال السنوات القلائل الماضية اندلع العنف أو نشب مجددا في أوكرانيا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان والشمال الشرقي من نيجيريا والعراق وميانمار واليمن مما اضطر الملايين إلى الفرار من ديارهم. وفي السلفادور وغواتيمالا وهندوراس يفر الآلاف من العنف الذي بلغ مستويات لم تشهدها أمريكا الوسطى منذ حروبها الأهلية الضارية في الثمانينات من القرن الماضي. وفي الوقت نفسه لا يزال بعض من أطول النزاعات أمدا وأكثرها غيابا عن الذاكرة بلا حل غالبا لأجيال عدة، مما يتسبب في نزوح المزيد من السكان بأعداد كبيرة.

         ولقد ازدادت الاحتياجات الإنسانية على امتداد السنوات الـ 15 الأخيرة بمعدلات بالغة السرعة. فعدد من يقدر أنهم يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية بسبب الحرب والكوارث الطبيعية يبلغ 125 مليون نسمة بتكلفة سنوية قدرها 25 بليون دولار بزيادة عن التكلفة منذ 15 عاما تصل إلى 12 مِثْلا. ولئن كان تمويل الأنشطة الإنسانية زاد بقدر لا يستهان به على امتداد السنين فالاحتياجات تفوق إلى حد بعيد الوسائل.

         ومن ثم، فعندما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون في عام 2012 إلى عقد مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني بهدف شحذ همم القيادات العليا من أجل العمل على منع نشوب النزاعات وتسويتها والحد من المعاناة إنما فعل ذلك بدافع من القلق إزاء تنامي عدد من يحتاجون المعونة الإنسانية والزيادة الضخمة في الاحتياجات المالية. والآن، عشية مؤتمر القمة، زاد الوضع تدهورا وبات في غير مقدور الوكالات الإنسانية مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحمله. فمهمتنا لا تقف عند حد تقديم المعونة فورا وإنقاذ الأرواح في عدد متنام من حالات الطوارئ، بل نواصل أيضا توفير العديد من الخدمات الأساسية للأشخاص حبيسي مخيمات اللاجئين لسنوات أو حتى لعقود من الزمان.

         ولإنهاء حالة النزوح القسري في أفغانستان وجنوب السودان وسوريا وكولومبيا وأنحاء كثيرة أخرى لا بد من إحلال السلام وتحقيق المصالحة. إلا أنه نتيجة للمفاوضات المعقدة التي أحيانا ما تستغرق أعواما يصبح لزاما علينا أن نتخذ إجراءات فورية لتخفيف معاناة الملايين من البشر. ومن ثم يعد مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني المزمع عقده في إسطنبول في أيار/مايو 2016 حدثا رئيسيا الهدف منه تحديد وتنفيذ أساليب جديدة وأكثر فعالية لتوفير الحماية لأشد الناس احتياجا ومدّهم بالمساعدة وإيجاد حلول لهم.

         وترى المفوضية في القمة فرصة فريدة لإدراج مسألة النزوح القسري في صدارة جدول أعمال المجتمع الدولي. والواقع أن الدعوة الموجهة من الأمين العام للقادة السياسيين التي يناشدهم فيها النهوض بمسؤولية العمل على منع نشوب النزاعات وحلها تتناول أهم الإجراءات اللازم اتخاذها للحد من النزوح القسري. ولئن كانت المعونة الإنسانية تخفف معاناة من يضطرون إلى الفرار من الحرب فلا يمكن على الإطلاق أن تكون بديلا عن النهج السياسية التي تعالج جذور النزاع أو تهيئ الظروف الضرورية لإحلال السلام والاستقرار الدائمين.

         وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التمييز والإقصاء والفساد وانعدام الحوكمة والإفلات من العقاب والفقر الضارب أطنابه وانعدام الفرص كلها أمور تشكل مجتمعة الأسباب الرئيسية لأي نزاع. ومما يزيد من خطورتها آثار تغير المناخ واحتدام التنافس على الموارد المضمحلة. ومن ثم، فمؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني يوفر لقادة العالم ومنظمات المعونة والتنمية والسكان المتضررين منتدى يشحذون فيه الإرادة والعزيمة السياسيتين الحقيقيتين من أجل إنهاء النزاعات التي بسببها يعيش الملايين من البشر في المنفى.

         بيد أن الحروب ما برحت تندلع. والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك قانون اللاجئين، هما الوسيلتان الرئيسيتان المتاحتان لنا للحد من آثار النزاع المسلح وتقليص حجم المعاناة الإنسانية بأقصى قدر وحماية المدنيين. فالحق في التماس اللجوء معترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حين تنص اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بمركز اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967 على حقوق اللاجئين ومسؤوليات الدول الأطراف. فمن حق الفارين من الحرب والاضطهاد في بلدانهم التمتع بالحماية في دولة أخرى. وهذا الحق والحماية من الإعادة إلى الوطن أو الإعادة قسرا إلى أماكن تكون فيها حياة المرء وحريته مهددتين يندرجان ضمن أهم الالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي وكان لهما الفضل في إنقاذ أرواح الملايين.

         ومن ثم، يظل مفهوم ”اللاجئ“ ونظرية وممارسة الحماية الدولية للاجئين من الأمور الأساسية. فالأشخاص الذين يفرون من العنف والاضطهاد في بلدانهم يُعترف بهم كلاجئين تحديدا لأن عودتهم تعرضهم لخطر شديد. ويقول البعض إنه ينبغي لنا التركيز على مكامن الضعف والاحتياجات لدى تحديد توجهات العمل الإنساني. وهذا أمر مهم بالقطع. إلا أن عدم منح اللاجئين ذلك الوضع القانوني هو تحديدا الذي يجعلهم فئة ضعيفة.

         ويلزم التنويه في هذا الصدد إلى أن خطة التنمية المستدامة تهدف إلى ”إلحاق الجميع بالركب“. ولقد كان الأمين العام محقا في وصفه لمعالجة مسألة النزوح القسري ووضع حد لحالات انعدام الجنسية بأنهما أمران شديدا الأهمية بالنسبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من معاناة ملايين البشر. ومفوضية شؤون اللاجئين تؤيد تماما الخطوات المطلوب اتخاذها من قبيل اعتماد سياسات تشرك اللاجئين والمشردين داخليا في جهود التنمية الدولية وتوفير الخدمات الاجتماعية على الصعيد الوطني.

         وثمة مسألة أخرى هامة يتمحور حولها مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني ألا وهي المسألة المتعلقة بكيفية زيادة أوجه التآزر بين العمل في مجالي الشؤون الإنسانية والتنمية. ففي حالات الطوارئ، يعد العمل الإنساني السريع ضرورة أساسية لإنقاذ الأرواح. ولكن عندما يظل الناس مشردين لسنوات ومعتمدين على المعونة التي تتضاءل مع تواري النزاع الذي اضطرهم إلى الفرار عن العناوين الرئيسية في وسائط الإعلام، تستطيع المنظمات الإنمائية أن تقدم إسهامات حيوية. ومن ثم، فإشراك المنظمات آنفة الذكر في الاستجابة الإنسانية بمجرد نشوء أي أزمة وإعادة هيكلة ميزانيات المعونة بحيث تجسد بشكل أفضل الحقائق الجديدة وإيجاد آليات مالية أكثر فعالية لمعالجة مسألة النزوح القسري كلها أمور من شأنها أن تسهم في رأب الصدع المفتعل الذي يفصل بين العمل الإنساني والتنمية وأن تكفل إدراج المناطق التي تستضيف اللاجئين في برامج التنمية الدولية والوطنية.

         وعندما يفتقر اللاجئون والنازحون لحرية الحركة أو إمكانية الوصول إلى سوق العمل وعندما لا تتوافر لهم ولأبنائهم فرص كافية للتعليم والتدريب تمتد لا محالة دورة الفقر والاعتماد على المعونة إلى الجيل التالي.

         ولذا فمن أولويات المفوضية تغيير هذا الوضع. ولقد اتصلنا بالجهات المانحة والمنظمات الإنمائية والقطاع الخاص لمساعدتنا بما لديها من خبرة. ذلك أنه لا غنى عن الجمع بين القدرات التحليلية والتقنية والمالية المتوافرة لدى الجهات الفاعلة في مجال التنمية والوجود الميداني المكثف لمنظمات العمل الإنساني بما لديها من دراية بالحالة على الصعيد المحلي وبالسكان المتضررين. فمثلا في إثيوبيا وبوركينا فاسو وتشاد وكينيا، استفاد اللاجئون والمجتمعات المحلية المضيفة من تمكين اللاجئين من المشاركة في الاقتصاد المحلي ومن ربط نتاج عملهم بسلاسل القيمة الإقليمية والوطنية والعالمية.

         ويتوجب علينا في الوقت نفسه أن نعمل بقدر أكبر مع المؤسسات والمنظمات والجهات الشريكة الوطنية وأن نعزز قدرتها. فبوصف تلك الجهات أول من يُستعان به في المرحلة الأولى من أي حالة طوارئ، غالبا ما تكون هي التي تستقبل اللاجئين وتستضيفهم وتتقاسم مواردها قبل أن تصل المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني بوقت طويل. ولخبرتها المحلية ووجودها وعلاقاتها داخل المجتمع المحلي أهمية بالغة. وفي الوقت الراهن تشكل المنظمات غير الحكومية الوطنية ثلثي شركاء مفوضية شؤون اللاجئين. والواقع أننا نستثمر في التدريب لبناء قدرتها على إدارة البرامج وجمع التبرعات وفي رفع درجة تأهبها لحالات الطوارئ.

         ومن الإسهامات الهامة في مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني التقرير الذي قدمه في كانون الثاني/يناير 2016 الفريق الرفيع المستوى المعني بتمويل الأنشطة الإنسانية وعنوانه سد فجوة تمويل الأنشطة الإنسانية - من الأهمية بما لا يسمح بالفشل. ونحن نؤيد بشدة الاستنتاجات والتوصيات الواردة فيه. فعندما يطرق مسامعنا أن المعايير الأساسية غير مستوفاة في قطاعات مثل قطاع الأغذية أو المياه أو الإسكان أو التعليم أو الصحة فمعنى ذلك أن الناس جوعى ولا يتوفر لهم ما يكفي من مياه الشرب المأمونة وينامون في العراء. إن الفجوة حقيقية.

         والواقع أن التمويل الإضافي لازم لمسايرة الاحتياجات الإنسانية المتنامية. ولكن الأمر لا يقتصر على الأموال. فالتمويل الأكثر مرونة الذي يشمل تبرعات غير مربوطة بحالة إنسانية بعينها أو مشروع إنساني بعينه لازم أيضا كيما يتسنى لنا مواصلة تقديم المساعدة للاجئين في سياق العمليات غير الحاضرة في الأذهان وبالتالي ينقصها التمويل.

         والمفوضية تلتزم من جانبها بكفالة مزيد من الشفافية والكفاءة وبتقليص الإجراءات البيروقراطية وبوضع مزيد من مناهج العمل وهياكل التكاليف المشتركة. ومن ثم فإننا نقر فكرة تقليل حلقات سلسلة الأنشطة الإنسانية إلى أدنى حد ومواصلة توطيد علاقتنا مع الشركاء الوطنيين. ونلتزم أيضا بالارتقاء حيثما تسنى بمستوى المساعدات النقدية بما يجعلها أكثر فعالية من حيث التكلفة وذلك بتعزيز التنسيق فيما بين مقدمي المساعدة وتيسير الترتيبات المشتركة.

         إن مؤتمر القمة العالمي للعمل الإنساني خطوة هامة صوب بناء منظومة للعمل الإنساني شاملة بحق للجميع وتخضع للمساءلة وتضع حماية الأشخاص المتضررين نصب عينيها. وسوف تضم القمة قادة العالم ومجموعة متنوعة من الجهات الأخرى صاحبة المصلحة في محاولة لترجمة المسؤوليات التي حددها الأمين العام إلى توصيات وأنشطة متابعة واقعية. ولا بد أن تسفر الالتزامات التي سيتم التعهد بها في القمة عن إجراءات ملموسة وأن تسهم بصورة جوهرية في تحسين أداء منظومة العمل الإنساني العالمية. وينبغي أن تشكل حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الإنسانية وتطلعاتهم ومشاركتهم هدفها الرئيسي. ومسؤوليتنا هي أن نحقق هذا الهدف وأمام هؤلاء الأشخاص نحن مساءلون.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.