1 كانون الأول/ديسمبر 2016

بدأت أعمل في أفغانستان قبل ثمانية أعوام، التي تصنف مراراً وتكراراً بأنها أسوأ مكان في العالم بالنسبة للمرأة، ناهيك عن امرأة تكافح في سبيل حقوق المرأة. وقد جئت إلى البلد من تلقاء نفسي تراودني تساؤلات تتمحور حور العنف الجنساني والمساواة بين الجنسين. وكنت مدركة لتصوراتي المسبقة باعتباري امرأة أمريكية، ولكني، كضحية عملية اغتصاب، وكشقيقة ضحية عملية اغتصاب، كنت أتصرف من منطلق الفضول. ما هي الشروط اللازمة لقبول العنف والقمع الجنسانيين على نطاق واسع؟ ما هي أوجه التشابه بين الكيفية التي تتعامل بها أفغانستان والكيفية التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع حقوق المرأة، وأين توجد الحلول؟ وما هو الذي يستلزمه أن يكون للمرأة صوت؟

         ولقد استطعت أن أكوّن خبرة بالبلد بطريقة فريدة، وذلك لأنني تجولت فيه بسيارة، وبدراجة بخارية، وبدراجة جبال في نهاية المطاف. وبينما كان معظم نظرائي ممن يعملون في مجالي المعونة والتنمية مقيدين بالقواعد الأمنية والروتين الحكومي، ولم يكن باستطاعة موظفي السفارة في كثير من الأحيان أن يغادروا حتى المجتمعات السكنية التي يقيمون فيها، استطعت أن أشق طريقي في البلد وأن أعمل بطرق فريدة إلى جانب أهل البلد. وقد نمت على أرضيات منازل عائلات في قرى جبلية وانخرطت في أحاديث أصيلة وكثيراً ما كانت حميمة مع رجال ونساء خارج حدود اجتماع رسمي أو جدول أعمال مقرر. وقدمت لوازم مدرسية في مجتمعات محلية موجودة في أماكن جبلية نائية، وتصّدرت عملية بناء مدرسة من أجل الصم في كابل، وعملت في سجون نسائية؛ وأوجدت أعمالا فنية تركيبية في الشوارع؛ ودعمت مشاريع لفن الغرافيتي مع فنانين من الشباب في كابل.

         وقد شهد العقد المنصرم زيادة في عدد النساء اللواتي يرشحن أنفسهن لشغل مناصب عامة وللانضمام إلى قوة الشرطة وإلى الجيش؛ وناشطات شابات يقمن بمسيرة في الشوارع للاحتجاج على التحرش الجنسي، ومشاريع بدأتها نساء من أجل النساء تضخم أصواتهن وترسخ دورهن في مجتمع يهيمن عليه الذكور. فهناك الآن شابات متعلمات مصممات على تحدي الحواجز التي تحول دون المساواة وتشجع القمع. وقد أدركت، خلال زيارتي الأولى لأفغانستان، ووسط تنافر أصوات الدراجات وفوضاها وهي تجوب شوارع المدن وتوفر وسيلة نقل في قرى الريف، أن جميع راكبي الدراجات كانوا رجالاً وفتياناً. ولم أشاهد أنثى واحدة على أي دراجة من آلاف الدراجات التي رأيتها تجوب شوارع أفغانستان.

         والدراجات تستخدم مباشرة كأدوات للتمكين ولتحقيق العدل الاجتماعي في بقية أنحاء العالم، لا سيما في جميع أنحاء جنوب آسيا وأفريقيا. فهي متاحة في أسواق الدراجات المحلية، وهي أرخص ثمنا من السيارات أو الدراجات البخارية، ومن السهل تصليحها. ومن الممكن أيضاً استخدام الدراجات لتحسين الصحة، وهي لا تلحق ضرراً بالبيئة. وإمكانية التنقل المستقلة التي تتيحها الدراجات تُزيد من إمكانية الوصول إلى المدارس والحصول على الرعاية الطبية، كما تبيَّن أنها تخفض معدلات العنف الجنساني عندما يُسمح للفتيات بركوبها. ولأنني ضحية عنف جنساني، فقد أحببت الدراجات لسبب آخر ليس ملموساً بنفس القدر. فعندما أركب دراجة، أشعر أنني النسخة مني الأقوى والأكثر تحرراً. أشعر أنني مثل المرأة الخارقة على عجلتين، لا تخترقني طلقات الرصاص، ومسلحة بلجام الحقيقة الذي أملكه. وذلك الشعور هو السبب الجذري لما اعتبره الفائدة الأكثر إيجابية بين فوائد الرياضة. فليس من الممكن تحديدها تحديداً كمياً في أرقام أو إحصاءات بسيطة، ولكنها قوية بدرجة يتعذر قياسها. وينبغي أن تكون الحرية والثقة بالنفس هما الهدف الأول لأي عمل في المجال الإنساني.

         وقد بدأت ركوب الدراجات في الجبال في أفغانستان كوسيلة لتحدي الحاجز الجنساني المتجذر في المجتمع الأفغاني وفي المنطقة الأوسع نطاقاً، وللتشكيك فيه، وكوسيلة لاكتشاف الأسباب التي تقف وراء التحريم المترسخ لركوب الفتيات للدراجات. وقد برز سببان لذلك: الأول يتعلق بالعذرية والشرف، والثاني يتعلق بالاستقلال والتنقل.

         والعذرية والأخلاقيات شاغلان عمليان عندما يأخذ المرء في اعتباره القيمة المعطاة للمرأة في المجتمع وانعكاس تصرفاتها على شرف الأسرة. فالفتيات كثيراً ما لا تكون لهن قيمة سوى من حيث قدرتهن على الزواج؛ ويجب أن يكن عذارى وقت زواجهن. ويتبين دليل العذرية ليلة الزفاف بظهور الدم. وقد أعيدت فتيات إلى أسرهن عند التشكيك في عذريتهن، وأدى ذلك إلى تدمير سمعة الأسرة بأكملها. والرياضة، وبخاصة ركوب الدراجات، ينظر إليها على أنها شيء يمكن أن يلحق الضرر بشرف الفتاة، ليس فحسب بمجرد الفعل الجذري المتمثل في ركوب دراجة علنا بل أيضاً بفقدان غشاء البكارة الذي لم يمس. وفي حين أن بضع فتيات في الغرب سيخشن أن تؤدي ممارسة الرياضة إلى فض غشاء بكارتهن مما يدمر سمعتهن وصلاحيتهن للزواج، يمثل ذلك شاغلاً حقيقياً جداً في بلد لا يزال فيه الأطباء يقومون بإجراء اختبارات العذرية كدليل على الشرف.

         أما السبب الثاني فهو يتعلق بالتنقل المستقل. ففي بلد ما زال يتحكم بشدة في حرية المرأة ولباسها، ولا تتعلم فيه سوى قلة من النساء قيادة السيارات، أو يقدرن مالياً على امتلاك سيارة حتى لو كن يعرفن كيف يقدن سيارة، توفر الدراجات سبيلا للتنقل المستقل. وهذا الاستقلال على عجلتين هو السبب الذي جعل الدراجات رمزاً أساسياً وأداة سياسية للحركات التي تطالب بحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، بما يشمل الحركات الأمريكية والإنكليزية التي طالبت بحق الاقتراع للمرأة. وقد نُقل عن سوزان. ب. أنطوني، وهي من المناديات الأمريكيات بحق الاقتراع للمرأة الأثيرات أكثر من غيرهن، قولها ”إن ما حققته الدراجة لتحرير المرأة أكبر مما حققه أي شيء آخر في العالم“. فركوب الدراجات لم يكن أمراً خالياً من المخاطر في الغرب. فالنساء الأمريكيات والإنكليزيات واللواتي بدأن ركوب الدراجات في أواخر القرن التاسع عشر كن يُنظر إليهن على أنهن منحلات أخلاقياً ومتبذّلات. وهذا يبيّن أن ركوب الدراجات كان مثار جدل دوما فيما يتعلق بالمرأة، ليس في أفغانستان فقط بل على نطاق العالم. ومع ذلك، فإنه جلب أيضاً تغيراً اجتماعياً حقيقياً من حيث المساواة والاستقلال.

         ورغم المخاطر المتعلقة بالشرف والسلامة في بلد ما زال في خضم نزاع، بدأت الفتيات الأفغانيات ثورتهن ذات العجلتين. فهن، أشبه كثيراً بالنساء الأمريكيات والإنكليزيات قبل قرن من الزمان، يركبن الدراجات لتحدي الحواجز الجنسانية رغم المخاطر وللإصرار على حقهن في ركوبها. وقد شاهدت خلال السنوات الثلاث الماضية أربع مجموعات مختلفة من النساء يركبن الدراجات ويجلسن مع أخريات لا حصر لهن ممن يركبن الدراجات في أحيائهن وقت الغسق أو مرتديات أزياء فتيان برفقة أشقائهن أو آبائهن.

         وأبرز هذه المجموعات الفريق النسائي القومي الأفغاني لركوب الدراجات، الذي أسسه رجل أنشأ أيضاً الفريق الرجالي. وقد التقيت الفريق النسائي لركوب الدراجات في عام 2012 وأيدته ودرّبته، مستغلة في ذلك عملي السابق كمدربة رياضية. وحاولت توجيه المدرب، والعمل مع اتحاد رياضي فاسد كان يعوق الفتيات بينما يوفر لهن في الوقت نفسه الهيكل اللازم لتنظيم انفسهن كفريق قومي. وقد دُعي الفريق للاشتراك في سباقات خارج افغانستان، ومع أن فتياته ما زال أمامهن شوط طويل ليصبحن قادرات على منافسة متسابقات محترفات، فإنهن يتحديّن التحريم المحيط بركوب النساء للدراجات.

         ولئن كان الفريق يجاهد للتحرك قدماً رغم ما يوجد من فساد داخل اللجنة الأولمبية الأفغانية والاتحاد الأفغاني لركوب الدراجات، فإن الاهتمام من جانب وسائط الإعلام وترشيح فتاة مؤخراً للحصول على جائزة نوبل للسلام كانا مصدر إلهام حفز فتيات كثيرات على تعلّم ركوب الدراجات. وفي باميان، تُعلّم زهرة حسيني الفتيات ركوب الدراجات منذ عدة سنوات. وقد قامت أولئك الفتيات بتكوين ناد، وبتنظيم العديد من عمليات ركوب الدراجات ومن السباقات الأهلية، وقمن مؤخراً بتسجيل النادي بوصفه فريقاً رسمياً لدى الاتحاد الرياضي من أجل اكتساب قاعدة أقوى للدعوة إلى حق الفتيات في ركوب الدراجات. وفي مناسبات عدة، أخبرني فتيان صغار السن، أثناء ركوبي دراجتي مع الآنسة حسيني وصديقاتها، أنهم سيعودون إلى منازلهم ليعلّموا شقيقاتهم ركوب الدراجات. وفي كابل، بدأت في تجميع الفتيات من أجل ركوب الدراجات عدة أندية غير رسمية لركوب الدراجات، لم تشكّلها منظمة غير حكومية أو منظمة خارجية بل شكّلتها فتيات أفغانيات. وفي الآونة الأخيرة. تكوَّن Border Free Cycling Club كأول ناد مختلط لركوب الدراجات، يركب فيه الدراجات الفتيان والفتيات كوسيلة لكسر تنميط الجنسين.

         إن البدء في كسر الحاجز بين الجنسين الذي كان يصم بالعار النساء اللواتي يركبن الدراجات استلزم جهود جيل بأكمله من النساء الأمريكيات والإنكليزيات. وقد استغرق قبولهن كراكبات دراجات محترفات أسوة بنظرائهن الذكور ما يقارب قرناً من الزمان. وأخيراً، في الدورة الأولمبية التي أقيمت عام 1984 في لوس أنجلوس، بالولايات المتحدة الأمريكية، سُمح للنساء بالمنافسة في ركوب الدراجات. ولكن التغيير لا يحدث في إطار خطط مشاريع تستغرق سنة واحدة أو خمس سنوات. فهو يحدث على مدي جيل، عضوياً وبشكل أصيل. والأفغانيات اللواتي يركبن الدراجات الآن يُحدثن ثورة بركوب الدراجة. وقد يستغرق جعلهن ركوب الدراجات أمراً عادياً بالنسبة لجميع الفتيات عقوداً من الزمان، ولكنهن يعبّرن بكل ضغطة متكررة على البدّال تمسكهن بحقوقهن ويلهمن أخريات بأن يفعلن نفس الشيء.

          

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.