11 أيلول/سبتمبر 2017

المناسبات السنوية

المناسبات السنوية هي مناسبات مفيدة لإجراء التقييم. ومن تلك المناسبات، الذكرى السنوية الخمسون للتصديق على العهدين التنفيذيين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، وكلا هما تم اعتماده بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966. وبينما كان الإعلان العالمي طموحاً، لأنه يمثل بيان لنية جماعية لبناء عالم أفضل بعد الدمار الذي أحدثته "الأعمال البربرية [التي] ... أثارت غضب الضمير البشري" 1، فقد كان الغرض من العهدين هو أن يكونا بمثابة أدوات لتعزيز السعي لتلبية الحقوق التي يعبران عنها.

يفسر هذا الهدف المحفز الطموح التأخير في الانتقال من الإعلان إلى العهدين: فقد كانت هناك حاجة إلى ثمانية عشر عاماً من أجل التوصل إلى اتفاق ملائم من أجل المضي قدماً ووضع إطار يخدم النظام العالمي ذي القطبين الذي بدأ يتشكل حينئذ. فبدلاً من وضع وثيقة تنفيذة موحدة بعد هيكل الإعلان، كانت هناك حاجة إلى صكين يعكسان الانقسام بين كتلة رأسمالية ليبرالية تركز على دعم الحقوق المدنية والسياسية، وكتلة اشتراكية ملتزمة بأولوية إعمال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وقد تطور هذا الهيكل التنفيذي بشكل غير متساو، حيث خصصت استثمارات أكبر بكثير لبناء القدرات لإنفاذ الحقوق المدنية والسياسية أكثر من النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. 

المعاهدات والحقوق

لقد استغرق الأمر عقوداً لوضع استراتيجيات فعالة لتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتحسين أداء الدول الأطراف. والواقع أن مدى التصديق على العهد (أو أي صك آخر من صكوك حقوق الإنسان) يضر بإعمال الحقوق، يظل موضوعاً مثيراً للجدل. ويشير البعض إلى أن الدول لا تصدق إلا على اتفاقيات حقوق الإنسان إلا لتخطب ود دول أخرى، وليس لأنها تعتزم تنفيذ بنودها؛ ويدللون على ذلك بالانتهاك واسع النطاق لالتزامات حقوق الإنسان لدى الدول الأطراف. ويزعم آخرون أن الدول تصدق على معاهدات حقوق الإنسان عندما تنتقل من الحكم الديكتاتوري إلى الحكم الديمقراطي كإشارة لاعتبار تأمين التزامات الحقوق كضمان ضد التراجع في المستقبل؛ ويدللون على ذلك بالتصديق السريع على المعاهدة من جانب جنوب أفريقيا والدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية، كأمثلة حية لذلك.

قامت بيث أ. سيمونز، بدراسة منهجية تجريبية حديثة حول تأثير التصديق على معاهدات حقوق الإنسان على السلوكيات اللاحقة للدولة، وهي دراسة ترسم صورة أكثر تعقيداً وأكثر تنوعاً. حيث تشير الدراسة إلى أن التصديق على المعاهدات في بعض الحالات، وليس كلها، يرتبط بوضوح بتحسن في الاهتمام بحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، هي معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأوسع والأكثر انتشاراً في التصديق، وهي تشير لالتزامات الدولة فيما يتعلق بتجنيد الأطفال، والارتقاء بالصحة، فهي تحظر الأولى، وتؤكد على الحق في الثانية. ولكن ما مدى فعالية ذلك؟ وفقاً للدراسة، كان لاتفاقية حقوق الطفل أثر ذو دلالة إحصائية على معدل تجنيد الأطفال، ولكن ليس على معدل اللقاحات المضادة للحصبة 2. وبذلك فإنه لا يمكن افتراض أن التصديق على المعاهدات يؤدي إلى تعزيز الحقوق؛ سواء كان ذلك يعتمد أو لا يعتمد على استراتيجيات التنفيذ وعلى مجموعة معقدة من العوامل الأخرى المترابطة.

الحق في الصحة
الحق في الصحة هو حق اجتماعي واقتصادي أساسي. ووفقاً للمادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية".

وهناك عدد قليل من الملاحظات الأولية في النظام. أولاً، كما هو الحال مع معظم الالتزامات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، ينطبق هذا الحق على "كل شخص"، بغض النظر عن الوضع القانوني أو غيره من الحالات. فبالنسبة للمهاجرين الذين لا يحملون وثائق، والسجناء، والمشردين، فإنه يتم تغطيتهم جميعاً. ثانياً، كما هو الحال مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، فإن الحق في الصحة هو حق التعزيز التدريجي. ويجب على الدول المصدقة أن "تتخذ خطوات"، "بجميع السبل المناسبة، بما في ذلك تحديداً اعتماد تدابير تشريعية"، لتحقيق الجوانب العديدة لهذا الحق بشكل تدريجي" لأقصى مدى تسمح به مواردها المتاحة".3

إن هذه العبارات بمثابة مصطلحات معقدة، وتخضع لمجموعة من التفسيرات. وكحد أدنى، تلتزم الدول بمراقبة التقدم المحرز في سياساتها، واتخاذ خطوات لتحسين تقديم الخدمات.4 يلاحظ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن تنفيذ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية قد يفترض مسبقاً نظم معقدة ومركبة لتقديم الخدمات، ويعمل بها موظفون مهرة؛ وتكون ذات بنية تحتية ممتدة؛ في حالة الصحة، والمنتجات المتخصصة بما في ذلك الأدوية الصيدلانية؛ وآلية التشغيل والتحقيق. مثل هذه النظم لا يمكن بناؤها من خلال القرارات التشريعية وحدها، ولكنها تتطلب استثمارات تراكمية وخبرة وأبحاث وتمويل. وبناء على ذلك، فإن الالتزام الأساسي هو تحسين الخدمات المقدمة في مجالات محددة بصورة متسارعة، وتوسيع نطاقها، والارتقاء بجودتها وتعزيز أثرها بما يتناسب مع قدرات الدولة المالية والتقنية. وفي حالة الحق في الصحة، يهتم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بكل من الصحة البدنية والعقلية، والمجالات الرئيسية المختلفة، بما في ذلك التنمية الصحية للمواليد والأطفال، وتدابير الصحة العامة لتعزيز الصحة البيئية، ومنع "الأوبئة، والأمراض المستوطنة، وغيرها من الأمراض". سوف أقوم هنا بالتركيز على الأدلة المتعلقة بتطبيق الحق في الصحة، لأحد أكثر القطاعات السكانية المستهدفة ضعفاً، المتمثل في الأطفال، وهم كل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً.5

التقدم المحرز

وفيات الأطفال دون سن الخامسة

لقد تزايد الارتقاء بالحق في الصحة للأطفال الصغار زيادة هائلة. ووفقاً لتقرير صندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) حالة أطفال العالم في عام 2016 "لقد أحرز العالم تقدماً هائلاً في مجالات الحد من وفيات الأطفال، وإلحاق الأطفال بالمدارس، وانتشال الملايين من الفقر". وكثير من التدخلات وراء هذا التقدم، مثل اللقاحات، وأملاح الإماهة الفموية، والتغذية الأفضل، كانت عملية وفعالة من حيث التكلفة".6 وتمثل أشد الخطوات تأثيراً في تخفيض وفيات الأطفال دون سن الخامسة. ولم يقتصر الأمر على خفضها بنسبة 53% منذ عام 1990 7، بل أن معدل الانخفاض بين عامي 2000 و2015 كان أكثر من ضعف ما تحقق في فترة التسعينات. وبين عامي 2000 و2015، سجلت كل منطقة تقدماً كبيراً في الحفاظ على حياة الأطفال.8 وقد أحرزت بعض أفقر دول العالم تقدماً استثنائياً، حيث نجحت 24 دولة من الدول ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط، في تحقيق المنشود من الأهداف الإنمائية للألفية (MDG)، والمتمثل في تخفيض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار الثلثين بين عامي 1990 و2015. 9

التحصين باللقاحات

وهناك مجال آخر من التحسن الكبير في توفير اللقاحات المعتادة المنقذة لحياة الأطفال. وأفادت اليونيسيف أن "86% من أطفال العالم قد تلقوا 3 جرعات من اللقاحات المحتوية على الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي (DTP) في عام 2015، وهو مستوى للتغطية استمر لما يزيد عن 85% منذ عام 2010. ونتيجة لذلك، فإن عدد الأطفال الذين لم يحصلوا على اللقاحات المعتادة المنقذة للحياة انخفض إلى ما يقدر بنحو 19.4 مليون، مقابل 33.8 مليون في عام 2000 ".10

الملاريا

لا تزال الملاريا تشكل تهديداً متفشياً لحياة وصحة الأطفال. "لا يزال الأطفال دون سن الخامسة يمثلون 78% من الوفيات الناجمة عن الملاريا على الصعيد العالمي - أو 456,000 في السنة. ويشير هذا إلى أن أكثر من 1,200 طفل يموتون يومياً بسبب الملاريا، أي قرابة 50 طفلاً كل ساعة ".11 ورغم ذلك، فقد تم تحقيق خطوات واسعة، حيث انخفضت وفيات الأطفال من الملاريا بنسبة 40% منذ عام 2000، وتم إنقاذ حياة 4.3 مليون طفل عن طريق تسهيل الحصول على سبل الوقاية من الملاريا، وطرق تشخيصها وعلاجها بين عامي 2001 و2013. 12

استمرار التحديات الخطيرة

استمرار الأثر غير المسبوق للأمراض التي يمكن الوقاية منها

وعلى الرغم من الإنجازات المشجعة المذكورة أعلاه، لا يزال الملايين من أطفال العالم يفتقرون إلى فرصة الحصول على حق فعال في الصحة، ولا تزال هناك حالات عدم مساواة كبيرة. "ففي عام 2015، توفي قرابة 5.9 مليون طفل قبل بلوغهم سن الخامسة، في الغالب نتيجة لأمراض يمكن علاجها والوقاية منها بسهولة وبتكلفة ميسورة".13 وتشير تقديرات اليونيسيف إلى وجود مليون طفل تتراوح أعمارهم من سن الولادة وحتى 14 عاماً، يعانون من مرض السل كل عام. وهناك أكثر من 67 مليون طفل مصابون بالعدوى ويمكنهم أن يصابوا بالمرض النشط في أي وقت.14

وفيات المواليد

هناك ظاهرة أخرى مثيرة للقلق تتمثل في ارتفاع نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وتحدث في فترة ما بعد الولادة. في عام 2015، بلغت وفيات المواليد (أي الوفيات خلال الـ 28 يوما الأولى من العمر) "45% من مجموع الوفيات، أي أكثر بنسبة 5% مما كانت عليه في عام 2000".15

تهديدات من صنع الإنسان لصحة الأطفال

ينتقص من قيمة التقدم الحاصل في مجال صحة الطفل على الصعيد العالمي، تلك التهديدات الصحية المتزايدة، وبخاصة بالنسبة لأكثر قطاعات السكان ضعفاً مثل الأطفال. وتنشأ هذه التهديدات عن سلوكيات بشرية يمكن التخلص منها. وقد أوضحت اليونيسف أن "حوالي 250,000 حالة وفاة إضافية ستحدث سنوياً حتى عام 2030 بسبب كل من سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري الناتج عن تغير المناخ".16

أظهر الأثر المدمر للصراع المستمر في عدة مناطق، بوضوح أن الحرب وما يتصل بها من أعمال عنف تشكل تهديداً رئيسياً لتمتع السكان المتضررين بالحق في الصحة، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً. ووفقاً لليونيسيف، فإن الأضرار التي لحقت بالنظم الصحية تهدد حياة الأطفال في الدول المتأثرة بالصراع. فعلى سبيل المثال، قبل النزاع الحالي في الجمهورية العربية السورية، كانت هذه الدولة قد أحرزت تقدماً رائعاً في خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة. وفي عام 2015، أفاد فريق الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات، والمعني بتقدير وفيات الأطفال أنه منذ عام 1990، انخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 37 إلى 13 حالة وفاة لكل 1000 مولود حي. إلا أنه منذ عام 2012، زاد معدل الوفيات الفادح في الدولة، والذي يعزى إلى الظروف المتأزمة، وقُدر بحوالي حالة وفاة واحدة إلى حالتين اثنتين بكل 1000 مولود حي.17

والمراهقة والحق في الصحة

أحد أكبر التحديات الهائلة في سبيل تعزيز الحق في الصحة بالنسبة للأطفال، هو تلك الفجوة الواسعة بين الإنجازات الصحية فيما يتعلق بالأطفال الصغار من طرف، والفشل الصحي فيما يتعلق بالمراهقين من طرف آخر. ومع انخفاض معدل وفيات الأطفال، ارتفعت معدلات وفيات المراهقين، مما أدى إلى إلغاء المكاسب التي تحققت في بعض الدول والمناطق من أجل الأطفال في العقد الأول من حياتهم. وقد أسهمت عدة عوامل في هذا الموقف الشائك والطارئ.

فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) والإيدز (AIDS)

ومن بين أكثر العوامل حدة التي تسهم في انتشار أمراض ووفيات المراهقين، انتشار فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) بين الشباب. وفي عام 2014، أفادت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن الإيدز هو السبب الرئيسي للوفاة بين المراهقين (الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً) في أفريقيا، كما كان هو نفسه ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بين المراهقين في العالم.18 ويعد معدل انتشار المرض مخيفاً، في ظل الانخفاض السريع للوفيات المرتبطة بالإيدز في مجموعات أخرى. ولا يزال المراهقون الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً محل للشكوك. وقد قدر برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز (UNAIDS) أنه في عام 2015، أُصيب 29 مراهقاً بفيروس نقص المناعة البشرية كل ساعة. وحدثت إصابات جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية في صفوف قرابة 250,000 مراهقاً (180,000 إلى 340,000) بين المراهقين، حيث شكلت الفتيات نسبة 65% من المصابين حديثاً.19

أحد أسباب هذه الحالة الخطيرة هو فشل السياسة الصحية العالمية. "إن الجهود العالمية لإنهاء وباء فيروس نقص المناعة البشرية، قد أغفلت حتى الآن، وبشكل كبير، المراهقات. ففي عام 2013، كان ثلثا حالات الإصابة الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، التي قُدرت بـ 250,000 حالة، من الفتيات."20. وثمة عوامل أخرى تتصل بمدى تعقيد معالجة عدوى فيروس نقص المناعة البشرية، وهو تعقيد لا يمكن التعامل معه بمجرد توزيع العوازل الطبية. وكما اعترف خبراء الصحة منذ زمن طويل، فإن التغيير السلوكي، ولا سيما في المجال الحميم للمعايير الجنسانية والعلاقات الجنسية، يعد هدفاً صعباً وبعيد المنال. إن حالات الفشل المتراكم في هذا المجال كبيرة. وهي نتاج فشل في استثمار في حقوق قوية تتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، وتطوير واستدامة الخدمات الصحية الملائمة للشباب؛ وضمان السرية والمعاملة غير المهينة؛ وتقديم التثقيف الجنسي الشامل، والتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري، وتقديم الاستشارات المناسبة في حالات العنف القائم على نوع الجنس.

الزواج المبكر والحمل

إن الأثر الضار للزواج المبكر على صحة المراهقات أصبح لا جدال فيه. ومع ذلك، لم يحرز سوى تقدم ضئيل في الحد من حالات الزواج المبكر بين المجتمعات الفقيرة أو التي تعاني من الصراعات، وبخاصة في العالم النامي. وقد ذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقرير صدر عام 2012 بشأن الزواج المبكر، أنه بحلول الوقت الذي تصل فيه الفتاة إلى سن 15 عاماً، هناك فرصة لواحدة من بين كل تسع فتيات، أن تتزوج.21 وإذا كانت متزوجة، فإنها تواجه احتمالاً كبيراً للتعرض للجنس القسري، والإنجاب المبكر، فضلاً عن زيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي والإيذاء البدني والعاطفي.22

من أكثر العواقب الضارة المترتبة على الزواج المبكر، هي الحمل بين الفتيات الصغيرات جداً، وهو خطر صحي معروف على كل من الأم والطفل. ولحسن الحظ، تم إحراز بعض التقدم في الحد من حالات الحمل في سن المراهقة على مدى النصف قرن الماضي. ويذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في تقريره بعنوان Girlhood, Not Motherhood: Preventing Adolescent Pregnancy (الطفلة والأمومة: منع حمل المراهقات) أنه في أفقر مناطق العالم "بلغت معدلات المواليد للمراهقين ما بين 15 و19 سنة في الفترة من 1950 إلى 1955، معدل متوسط بقيمة 170 حالة ولادة لكل 1000 فتاة؛ وفي عام 2010 كانت هناك 106 حالة ولادة. إلا إن معدل الـ 106 حالة ولادة لكل 1000 فتاة لا يزال أعلى أربع مرات من مثيله في المناطق ذات الدخل المرتفع في العالم".23

الصحة النفسية

تمثل المعالجة النفسية للمراهقين، وبخاصة الفتيات، إحدى أكثر الحاجات إلحاحاً في مجال صحة الطفل، والتي لم يتم تلبيتها بعد. ففي عام 2016، أوضح تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن الانتحار هو الآن السبب الثاني الرئيسي لوفاة المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 10 و19 عاماً على مستوى العالم، كما أنه السبب الرئيسي للوفاة بين اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً.24 وهناك عامل مشترك يسهم في هذا الوباء، وهو تعرضهن الزائد بشكل مفرط للعنف: حيث تتعرض واحدة من كل ثلاث فتيات للعنف خلال حياتها، وكثير منهن يتعرضن للعنف خلال فترة المراهقة. في المتوسط، على الصعيد العالمي، تتوفى فتاة مراهقة كل 10 دقائق نتيجة للعنف. ولا عجب أن يؤدي الاكتئاب والقلق المنهكين إلى أضرار فادحة في الصحة النفسية للفتيات المراهقات، وهو مرض لا يزال مهملاً إلى حد كبير للغاية، ويتجاوزه أخصائيو الطب. ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان:

عندما تبدأ [فتاة ما] في البلوغ، يبدأ الواقع في التدهور: الزواج الوشيك، وترك المدرسة، والشروع في حياة العبودية، وفي كثير من الأحيان الفقر المدقع. ... هذه الحقائق المؤلمة يمكن أن تؤثر سلباً على صحتها النفسية، وتتجلى في زيادة القلق والاكتئاب وإيذاء النفس والانتحار. وتصبح الفتيات اللاتي يبقين على قيد الحياة حتى سن العشرين، أكثر عرضة للحمل غير المقصود والمضاعفات القاتلة الناجمة عن الحمل والولادة.25

الإدمان

هناك مؤشر آخر لسوء أوضاع المراهقين جدير بالملاحظة، ألا وهو الانتشار الواسع جداً للإدمان، حيث يبدأ تعاطي كل من الكحول والمخدرات في أوائل سن المراهقة. يؤدي تعاطي الكحول إلى عواقب وخيمة على صحة الأطفال في العقد الثاني من حياتهم، وهو مصدر متزايد للقلق في العديد من الدول. وأوردت تقارير لمنظمة الصحة العالمية (WHO) بأن 14 % من المراهقات، و18% من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً في الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، يتناولون الكحول، و5% من مجموع وفيات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، تعزى إلى تعاطي الكحول.26 ويحدث إدمان المخدرات بنسبة جغرافية مختلفة ولكنه عامل مرضي قوي بنفس القدر بالنسبة للأفراد في سن المراهقة المتأخرة وأوائل سن البلوغ.

خاتمة

تحققت خطوات كبيرة على الصعيد العالمي في تعزيز الحق في الصحة للأطفال، مع ورود تقارير عن إنجاز تحسينات هائلة في بعض المجالات الرئيسية. غير أن الصورة العامة أقل تفاؤلاً لسببين. فحتى في المجالات التي شهدت تحسينات، فلا تزال هناك نزاعات هائلة بسبب الدخول وشقاقات أخرى إقليمية، مع ما يترتب على ذلك من آثار تمييزية على المجتمعات التي تعاني لأقصى درجة من الضعف والتهميش. كما أن التمييز على أساس السن يؤثر أيضاً تأثيراً شديداً على إمكانية الحصول على الحق في الصحة، ففي حين أن الأطفال الصغار استفادوا من تركيز الاهتمام، بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية (MDG)، إلا أن المشاكل التي يعاني منها المراهقون قد حظيت باهتمام أقل كثيراً. ولا تزال معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات الحادة مستمرة، بما في ذلك الحالات والأمراض التي يمكن الوقاية منها. وفي حالة الرغبة في تحقيق الأهداف الصحية العظيمة والطموحة، والتي ينص عليها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الوقت المناسب للاحتفالات بالذكرى السنوية المئوية له، سيلزم بذل جهود أكثر نشاطاً وابتكاراً لضمان تمتع كل طفل وشاب فعلاً "بأعلى مستو يمكن بلوغه من الصحة البدنية والنفسية" طوال حياتهم.
 

جزيل الامتنان لكريستا أوهليك للمساعدة البحثية المميزة التي قدمتها.

 

ملاحظات

1 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الديباجة.

2 بيث أ. سيمونز (Beth A. Simmons)، Mobilizing for Human Rights: International Law in Domestic Politics (تعزيز الارتقاء بحقوق الإنسان: القانون الدولي في السياسة المحلية) (كامبريدج، مطابع جامعة كامبريدج، 2009)، صفحات 332؛ 337-348.

3 الأمم المتحدة، سلسلة المعاهدات، المجلد 993، رقم 14531، الفقرة 2(1).

4 Philip Alston (فيليب ألستون)، وGerard Quinn (جيرارد كوين)، "The nature and scope of States Parties’ obligations under the International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights (طبيعة ونطاق التزامات الدول الأطراف بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)"، Human Rights Quarterly (التقرير ربع السنوي لحقوق الإنسان)، المجلد 9، رقم 2 (أيار/ مايو 1987)، الصفحات 156 إلى 229. 

5 الأمم المتحدة، سلسلة المعاهدات، المجلد 1577، رقم 27531، الفقرة 1.

6 صندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)،  The State of the World’s Children 2016 (حالة أطفال العالم في عام 2016)، تقرير (نيويورك 2016)، صفحة 6، متاح على https://www.unicef.org/sowc2016/.

7 فريق الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات، والمكلف بتقدير وفيات الأطفال (UN IGME)، "مستويات واتجاهات وفيات الأطفال"، تقرير 2015، (نيويورك، UNICEF، أيلول/ سبتمبر 2015)/ صفحة 3. متاح على الرابط  http://www.childmortality.org/files_v20/download/igme%20report%202015%20....

8 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، حالة أطفال العالم في عام 2016، صفحة 12.

9 المرجع نفسه.

10 منظمة الصحة العالمية (WHO)، ملف التحصين العالمي والإقليمي. 18 تشرين ثان/ نوفمبر 2016. متاح على http://www.who.int/immunization/monitoring_surveillance/data/gs_gloprofi... منظمة الصحة العالمية (WHO)، تقديرات منظمة الصحة العالمية-صندوق الأمم المتحدة للطفولة، مراجعة عام 2015، لعدد 194 دولة أعضاء في منظمة الصحة العالمية. متاح على الرابط http://apps.who.int/immunization_monitoring/globalsummary/timeseries/tsw... إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، شعبة السكان، التوقعات السكانية في العالم، مراجعة عام 2015. الجولة الرابعة والعشرون للتقديرات والإسقاطات السكانية الرسمية للأمم المتحدة. متاح على https://esa.un.org/unpd/wpp/ (تم الوصول إليه في 17 كانون ثان/ يناير 2017)؛ تم إعداد البيانات في شريحة "تقدم وتحديات تحقيق التغطية الشاملة للتحصينات: تقديرات عام 2015 لتغطية التحصين: تقديرات منظمة الصحة العالمية/صندوق الأمم المتحدة للطفولة للتغطية الوطنية للتحصينات (البيانات بدءاً من تموز/ يوليو 2016)"، إعداد بواسطة تطعيمات وبيولوجيات التحصين (IVB)، منظمة الصحة العالمية. متاح على الرابط  https://www.unicef.org/immunization/files/unicef-who-immunization-covera....

11 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، "الملاريا تقتل 1200 طفل يومياً: UNICIF"، نشرة حقائق، 23 نيسان/ أبريل 2015. متاح على https://www.unicef.org/media/media_81674.html.

12 المرجع نفسه.

13 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، حالة أطفال العالم في عام 2016، صفحة 3؛ فريق الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات، والمكلف بتقدير وفيات الأطفال (UNIGME)، "مستويات واتجاهات وفيات الأطفال"، صفحة 3.  

14 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، "دعم المجتمع والنظم الصحية الأساسية لمرض السل: "استشارة بشأن مرض السل في الطفولة" (نيويورك، 2016)، صفحة 3. متاح على الرابط  https://www.unicef.org/health/files/2016_UNICEF_Strengthening_PHC_system...(Web).pdf.

15 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، حالة أطفال العالم في عام 2016، صفحة 10؛ صندوق الأمم المتحدة للطفولة، الالتزام بالحفاظ على حياة الأطفال: الوعد المتجدد، تقرير عن التقدم المحرز 2015 (نيويورك، 2015)، صفحة 35. متاح على https://www.unicef.org/publications/files/APR_2015_9_Sep_15.pdf. 

16 صندوق الأمم المتحدة للطفولة، حالة أطفال العالم في عام 2016، صفحة 5؛ منظمة الصحة العالمية، تقييم المخاطر الكمية لآثار تغير المناخ على أسباب محددة للوفاة، خلال الثلاثينيات والخمسينات من القرن الحالي (جنيف، 2014)، صفحة 13. متاح على الرابط  http://apps.who.int/iris/bitstream/10665/134014/1/9789241507691_eng.pdf?ua.  

17 فريق الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات، والمكلف بتقدير وفيات الأطفال (UN IGME)، "مستويات واتجاهات وفيات الأطفال"، صفحة 24؛ صندوق الأمم المتحدة للطفولة، حالة أطفال العالم في عام 2016، صفحة 10.

18 منظمة الصحة العالمية، الوفيات والأمراض والإعاقة عند المراهقين، الصحة لمراهقين العالم: فرصة ثانية للعقد الثاني. تقرير تفاعلي عبر الإنترنت. 2014. متاح على الرابط http://apps.who.int/adolescent/second-decade/section3/page2/mortality.html؛ برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (UNAIDS)، "القضاء على وباء الإيدز للمراهقين، مع المراهقين: دليل عملي لإشراك المراهقين بصورة مجدية في التصدي للإيدز (جنيف، 2016)، صفحة 2. متاح على الرابط  https://www.unfpa.org/sites/default/files/pub-pdf/210079_UNAIDS_ENDING_T....

19 المرجع ذاته، صفحة 6

20 صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، كيف يعتمد مستقبلنا على فتاة في هذا العصر الحاسم: حالة سكان العالم 2016 (نيويورك، 2016)، صفحة 32. متاح على الرابط  http://palestine.unfpa.org/sites/arabstates/files/pub-pdf/SWOP2016%20Eng....

21 20 صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، الزواج في سن مبكرة للغاية: القضاء على زواج الأطفال، تقرير (نيويورك، 2012)، صفحة 10. متاح على الرابط https://www.unfpa.org/sites/default/files/pub-pdf/MarryingTooYoung.pdf; United Nations Population Fund (UNFPA), كيف يعتمد مستقبلنا على فتاة في هذا السن الحاسم، صفحة 33.

22 لجان لانسيت، "مستقبلنا: لجنة لانسيت لصحة المراهقين ورفاهيتهم"، لانسيت، المجلد 387، رقم 10036 (أيار/ مايو 2016)، صفحات 2423 إلى 2478 (2430). متاح على الرابط http://www.thelancet.com/pdfs/journals/lancet/PIIS0140-6736(16)00579-1.pdf. صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، كيف يعتمد مستقبلنا على فتاة في هذا السن الحاسم، صفحة 33.

23 صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، الطفولة، وليس الأمومة: منع حمل المراهقات (نيويورك، 2015)، صفحة 7. متاح على الرابط https://www.unfpa.org/sites/default/files/pub-pdf/Girlhood_not_motherhoo...؛ إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، شعبة السكان، توقعات تعداد سكان العالم، مراجعة عام 2015. الجولة الرابعة والعشرون للتقديرات والإسقاطات السكانية الرسمية للأمم المتحدة. استعلام البيانات. متاح على الرابط  https://esa.un.org/unpd/wpp/DataQuery/  (تم الوصول إليه في 17 كانون ثان/ يناير، 2017).

24 صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، كيف يعتمد مستقبلنا على فتاة في هذا السن الحاسم، صفحة 24؛ منظمة الصحة العالمية، تصورات مرصد الصحة العالمية، صحة المراهقين: الوفيات وسنوات العمر المعدلة حسب الإعاقة لدى المراهقين حسب إقليم منظمة الصحة العالمية، 2000 و2012، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً. عام 2016. متاح على الرابط http://apps.who.int/gho/data/view.wrapper.MortAdov?lang=en&menu=hide (تم الوصول إليه في 22 حزيران/ يونيو، 2016)؛ 

25 صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، كيف يعتمد مستقبلنا على فتاة في هذا السن الحاسم، صفحة 34؛ لجان لانسيت، "مستقبلنا: لجنة لانسيت لصحة المراهقين ورفاهيتهم"، لانسيت، المجلد 387، رقم 10036 (أيار/ مايو 2016)، الصفحات 2423-2478؛ 

26 منظمة الصحة العالمية، الصحة المدرسية وصحة الشباب، تعزيز الصحة المدرسية وصحة الشباب: الحقائق. 2017. متاح على الرابط  http://www.who.int/school_youth_health/facts/en/ (تم الوصول إليه في 17 كانون ثان/ يناير، 2017)؛ مبعوث مكتب الأمين العام للشباب، #YouthStats، "تعاطي المواد المخدرة". متاح على الرابط http://www.un.org/youthenvoy/wp-content/uploads/2015/06/YouthStatssubsta... (تم الوصول إليه في 20 كانون أول/ ديسمبر، 2016)؛ منظمة الصحة العالمية، "نشرة حقائق عن صحة المراهقين"، يوليو/تموز 2015. متاح على الرابط  http://www.wpro.who.int/mediacentre/factsheets/docs/fs_201202_adolescent....

 

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.