9 كانون الأول/ديسمبر 2019

يعتبر التغيير التقني في العصر الرقمي أمر تحويلي، لكنه لا يدفع دائمًا التنمية المستدامة أو يقلل من عدم المساواة. في بعض البلدان اليوم، تتوفر لعدد أكبر من الناس إمكانية الحصول على هواتف ذكية أكثر من إمكانية الحصول على المياه النظيفة أو الصرف الصحي الملائم. على مدى السنوات الثلاث الماضية، نمت تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) ولكن زاد أيضًا عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة جوع.

يجادل الكثيرون بأن عدم المساواة العالمية قد تفاقم بسبب تركيز مجموعات المهارات والثروة المولدة رقميًا في عدد محدود من الشركات من عدد قليل من البلدان. الوصول إلى العالم الرقمي هو أيضاً غير متكافئ بين الرجال والنساء لأن أكثر المستفيدين من التطورات في هذا العالم هم من الرجال. يشير تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض المعنية بالتنمية المستدامة والتي أنشأتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والاتحاد الدولي للاتصالات في آذار/ مارس 2017، إلى وجود فجوة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم في مجال التقنية الرقمية تصل إلى 12 بالمئة في مجال وصول الذكور والإناث إلى الإنترنت والذي يرتفع إلى ما يقرب من 31 بالمئة في أقل البلدان نمواً.

التغيّر التقني اليوم مدفوع إلى حد كبير بالشركات الخاصة مما يجعل من الصعب على علماء الاجتماع وصناع السياسات والحكومات والمشرعين مواكبة ذلك. حدثت ابتكارات كبرى في وقت مبكر من حياة الأمم المتحدة، مثل تسخير الطاقة الذرية واستكشاف الفضاء المأهول، تحت رعاية الحكومة. خلال تلك الفترة، حافظت السياسة الوطنية والدولية على وتيرة أفضل. ومن الأمثلة على ذلك هي معاهدة الفضاء الخارجي الموقعة في وقت مبكر من عصر الفضاء في عام 1967. مثال آخر هو الوثيقة التأسيسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA)) والتي أدت إلى الموافقة على النظام الأساسي للمنظمة في تشرين الأول/ أكتوبر 1956.

صياغة السياسات في العصر الرقمي أمر صعب. في حين أن لدينا بعض الوضوح حول الاختراعات الجديدة في طور الإعداد، فإن لدينا فهم أقل بكثير لما تنطوي عليه بالنسبة للبشرية.

نحن نعلم أنه بحلول عام 2030، سيتم ربط جميع البشر تقريبًا بالإنترنت وكذلك بالنسبة لغالبية الأشياء من حولنا. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لدى الكثير منا غرسات متصلة بالإنترنت وغيرها من الأجهزة الطبية. نحن نعلم أن الجمع بين البيانات الضخمة، والتعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي سيحل محل العامل البشري في مهام متعددة بدءاً من قيادة السيارات إلى إدارة الحرب والمراقبة الشرطية. نحن نعلم أن التقدم في تقنية الجينات والهندسة الحيوية سيسمح بإجراء فحص ومعالجة أفضل للأجنة مما يسمح بالولادة فقط لأولئك الذين ليس لديهم ميزات غير مرغوب فيها.

ما الذي بالكاد نفهمه هو ما ستعنيه كل هذه التغييرات بالنسبة لنا اجتماعيًا وسياسيًا ونفسيًا: ما الذي ستعنيه بالنسبة للعلاقة بين المواطن والدولة، وسلوك الصراع، واقتصاداتنا، ونفسنا وحقوقنا الإنسانية.

يمكن لشركات التقنية التي تقدر بمليارات الدولارات والمهندسين الذين يعملون لديها عدم ادراكهم لعواقب اختراعاتهم. تربطنا منصات وسائل التواصل الاجتماعي ولكن كما تظهر مجموعة متزايدة من الأبحاث يمكن استخدامها أيضًا لنشر الكراهية ونشر المعلومات الخاطئة وتأجيج الصراع وبالتالي تقويض الديمقراطية والتماسك الاجتماعي. تسمح وسائل التواصل الاجتماعي بذلك على نطاق واسع بتكلفة لا تذكر.

يوضح تقرير لبعثة تقصي الحقائق لمجلس حقوق الإنسان الصادر في آذار/ مارس 2018 كيف أن وسائل الإعلام الاجتماعية في ميانمار كانت تغذي الكراهية والعنف العرقي.  أظهرت دراسات أخرى، مثل تلك التي أجرتها جامعة برينستون وجامعة وارويك في عام 2017 حول المشاعر المعادية للاجئين في ألمانيا أيضًا كيف يمكن لوسائل الإعلام الاجتماعية أن تؤدي إلى تفاقم العنصرية وكراهية الأجانب.

يستفيد عدد متزايد باستمرار من الأطفال من استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة في سن أصغر من أي وقت مضى. بالنسبة للعديد من الآباء، استبدل الجهاز اللوحي أشكالًا أخرى من رعاية الأطفال. توفر هذه الأجهزة وصولاً مفيدًا إلى أدوات التعلم والترفيه ولكن إلى أي مدى نستوعب تأثير ذلك على تنمية تركيز الطفل ومهاراته المعرفية الأخرى؟ تُستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مناطق آخذة في التوسع في حياتنا بدءًا من تطبيقات المواعدة وحتى التشخيص الطبي. ومع ذلك، لا نعرف ما الذي سيفعله الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بفرص عمل أطفالنا أو الحرب أو التفويض الشخصي في السياسة أو للتفاوتات بين الجنسين. يقول يوفال هاراري وهو عالم ومؤرخ إسرائيلي، سيعني التعلم الآلي وهيمنة الخوارزميات بأن النمو الاقتصادي وإدارة الحرب لن يتوقفا على العمل البشري. يزعم هراري أيضًا أنه من خلال الخوارزميات والوصول الكبير للبيانات إلى الأفكار حول كل شيء بدءًا من اتخاذ القرارات الرومانسية المناسبة إلى الخيارات السياسية، فإن مفهوم الإرادة الحرة الذي يدعم النظام العالمي الليبرالي سوف يصبح قديمًا وكذلك الليبرالية ذاتها.

من ناحية أخرى، يجادل العديد من التقنيين بأن التهديدات مبالغ فيها وأنه لا يوجد تحدي تفرضه التقنية الجديدة لن تتمكن تلك التقنية الجديدة من حله بنفسها. يمكن أن يكون النقاش حول المخاطر والتهديدات مستقطباً إلا أن قلة منهم لا يوافقون على ملاحظة الأمين العام أنطونيو غوتيريس في خطابه في 25 أيلول/ سبتمبر، 2018 أمام الجمعية العامة،  بأن تحديات القرن الحادي والعشرين تفوق مؤسسات وعقليات القرن العشرين.

لمعالجة هذا التباين، نحتاج أن نبدأ بفهم أفضل للتقنية الجديدة وآثارها. وهذا مطلوب لتسخيرها من أجل متابعة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والحد من الضرر المحتمل الناجم عن الاستخدام الضار والعواقب غير المقصودة.

أطلق الأمين العام سلسلة من المبادرات لوضع المنظمة على نحو أفضل لمعالجة الإمكانات الهائلة للتقنيات الجديدة وما يرتبط بها من اضطراب. يتمثل هدف استراتيجية الأمين العام بشأن التكنولوجيات الجديدة، والتي تعتبر أول استراتيجية داخلية لمنظومة الأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع، في تحديد الكيفية التي سيدعم بها النظام استخدام التكنولوجيات الجديدة للتعجيل بإنجاز ولاياته لا سيما خطة عام 2030. يشرح القسم الأول من الاستراتيجية خمسة مبادئ لتوجيه مشاركة الأمم المتحدة في التكنولوجيات الجديدة بينما يتناول القسم الثاني بالتفصيل أربع التزامات.

ترتبط المبادئ الخمسة بالالتزام بالقيم العالمية ودعم الشفافية وتعزيز الشراكات والحفاظ على عقلية التعلم. وقد وضعت تلك المبادئ لتوجيه عمل الأمم المتحدة أثناء تعاملها مع التكنولوجيات الجديدة مثل العملات المشفرة والتقنية الحيوية والذكاء الاصطناعي. الالتزامات الأربعة في الاستراتيجية هي:

1) تعميق القدرات الداخلية للأمم المتحدة والتعرض للتقنيات الجديدة؛

2) زيادة التفاهم والمناصرة والحوار حول التكنولوجيات الجديدة؛

3) دعم الحوار حول الأطر المعيارية والتعاونية؛ و

4) تعزيز دعم منظومة الأمم المتحدة لتنمية القدرات الحكومية في هذه المجالات.

ويجري بالفعل الوفاء بالالتزامات. وقد تم تفصيلها في مجموعة من 24 نقطة عمل. لتنفيذ ذلك، تم إنشاء مجموعة عمل داخلية يقوم أعضاؤها بتقديم نقاط العمل على مدار الـ 12 شهرًا القادمة. وتشمل نقاط العمل هذه من بين أمور أخرى، التدريب التقني الجديد لموظفي الأمم المتحدة والدول الأعضاء وتوظيف مواهب التكنولوجيا الخارجية وتحديث معايير التقييم لكبار الموظفين لتشجيع الابتكار والاستخدام المبتكر للتقنيات الجديدة.

أنشأ الأمين العام أيضًا مختبرًا للابتكار في مكتبه كمساحة لاختبار الأفكار الجديدة والدعوة للحلول التقنية وبناء شراكات مع شركات التقنية لتحسين عملية صنع القرار لدينا.

أعلن الأمين العام في 12 تموز/ يوليو 2018 عن إطلاق فريقه الرفيع المستوى المعني بالتعاون الرقمي. سيوصي الفريق، المكون من شخصيات بارزة ويشارك في رئاسته جاك ما وميليندا جيتس، بنماذج جديدة للتعاون العالمي في الفضاء الرقمي. تضم المجموعة طلائع الصناعة ورجال الأعمال الشباب في مجال التقنية وخبير اقتصادي حائز على جائزة نوبل ووزراء حكوميين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان.

تمكن الفريق في أول اجتماع شخصي لهم على هامش الجمعية العامة في أيلول/ سبتمبر 2018 من الاتفاق على مخطط لتقريرهم. سيسعى الفريق إلى تقديم توصيات في مجالات القيم والمبادئ الرقمية، فضلاً عن أساليب وآليات التعاون الرقمي. وسيحدد أيضًا أمثلة مبتكرة للتعاون الرقمي المستمر في مجالات مثل خصوصية البيانات والتمويل الشامل وحقوق الإنسان في العصر الرقمي.

يقوم الفريق حاليًا بجمع الآراء من مجموعة واسعة من أصحاب المصالح وإجراء البحوث الموضوعية. سيبدأ اجتماعهم التالي، الذي سيعقد في سويسرا في كانون الثاني/ يناير 2019، عملية إضفاء الطابع الرسمي على التوصيات بتقرير من المقرر صدوره في النصف الأول من عام 2019.

شارك الأمين العام أيضاً بالإضافة إلى عمله مع الفريق الرفيع المستوى المعني بالتعاون الرقمي في جهود واسعة النطاق لمناصرة التقنية. وهو يتحدث بشكل متزايد عن استخدام التقنية في التنمية وإساءة استخداماتها المحتملة. كما أنه يعزز مشاركته مع مجتمع التقنية للفت الانتباه إلى الفرص والمخاطر ومناصرة السعي لتحقيق التقدم تماشياً مع قيم وأهداف الأمم المتحدة.

يود الأمين العام إدخال الأمم المتحدة في العصر الرقمي وضمان أن تكون في وضع أفضل لدعم الدول الأعضاء في جعل التقنية تعمل لصالح الجميع ولا سيما بالنسبة لأولئك الذين يمكن استخدامها ضدهم عن قصد أو عن غير قصد لتهديدهم أو استبعادهم أو لجعلهم يتخلفون عن الركب.

ملاحظات

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إن الآراء التي يعبر عنها المؤلفون الأفراد، وكذلك الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول رسمي من قِبل الأمم المتحدة.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.