السيد رئيس الجمعية العامة، أصحاب السعادة، حضرات السيدات والسادة،
إن عالمنا يوجد اليوم في حَيْص بَيْص.
فشروخ الانقسام تزداد عمقا.
ومظاهر عدم المساواة تزداد تفاقما.
ونطاق التحديات يزداد اتساعا.
لكن على الرغم من أننا نلتقي والعالمُ يموج بالاضطرابات، تتبادر إلى ذهني صورة تبعث على التفاؤل والأمل.
فهذه الصورة هي للسفينة Brave Commander. فقد جابت البحر الأسود وعلم الأمم المتحدة يرفرف فوقها خفاقا وبكل فخر.
قد تبدو لكم هذه السفينة مثل أي سفينة أخرى تمخر عباب البحار.
لكنكم إن تمعنتم فسترون أن هذه السفينة هي في جوهرها رمز يجسد ما يمكننا أن نحققه عندما نعمل معا.
فهي محملة بالحبوب الأوكرانية الموجهة إلى شعوب منطقة القرن الأفريقي التي يقف الملايين من أفرادها على حافة المجاعة.
لقد أبحرت عبر منطقة حرب - بإرشاد من طرفي النزاع أنفسهما - في إطار مبادرة شاملة غير مسبوقة تستهدف توريد المزيد من الأغذية والأسمدة من أوكرانيا وروسيا،
بغاية توفير المساعدات المطلوبة بإلحاح إلى من يحتاجونها،
وتهدئة أسواق السلع الأساسية، وتأمين المحاصيل المقبلة، وخفض الأسعار لصالح المستهلكين في كل مكان.
فقد اتفقت أوكرانيا والاتحاد الروسي، بدعم من تركيا، على تحقيق هذا الإنجاز على الرغم من التعقيدات الهائلة، وعلى الرغم من الممانعين، بل وعلى الرغم من جحيم الحرب.
وقد يقول قائل إن هذا الإنجاز معجزة انفلق لها البحر.
لكنه في الواقع إنجاز تم بفضل العمل الدبلوماسي المتعدد الأطراف.
فقد فتحت مبادرة البحر الأسود للحبوب الطريق أمام الملاحة الآمنة لعشرات السفن المحملة بالإمدادات الغذائية التي تمس الحاجة إليها.
لكن كل سفينة منها هي محملة أيضا بسلعة من أندر السلع في الوقت الراهن، ألا وهي الأمل.
أصحاب السعادة،
نحن في حاجة إلى هذا الأمل ... بل نحتاج إلى أكثر من الأمل.
إننا بحاجة إلى العمل.
فيجب علينا الآن أن نتصدى على وجه الاستعجال لأزمة سوق الأسمدة العالمية من أجل التخفيف من حدة أزمة الغذاء العالمية.
ولئن كان لدى العالم ما يكفي من الأغذية هذا العام؛ فإن المشكلة تكمن في توزيعها.
ولكن إذا لم يتحقق الاستقرار في سوق الأسمدة، فقد تكون المشكلة المطروحة العام المقبل مشكلة إمدادات غذائية نفسها.
وقد وردت علينا بالفعل تقارير عن لجوء مزارعين في منطقة غرب أفريقيا وغيرها إلى زرع محاصيل بكميات أقل بسبب أسعار الأسمدة أو عدم توافرها.
لذا من الضروري المضي في إزالة العقبات المتبقية التي تعترض تصدير الأسمدة الروسية ومكوناتها، بما في ذلك الأمونيا. فهذه المنتجات غير خاضعة للجزاءات - وسنواصل بذل جهودنا من أجل إزالة الآثار غير المباشرة.
ويتمثل أحد الشواغل الرئيسية الأخرى في تأثير أسعار الغاز المرتفعة على إنتاج الأسمدة النيتروجينية. لذا يجب أيضا التصدي لهذه المسألة بالجدية المطلوبة.
وإذا لم يتخذ أي إجراء الآن، فسيتحول النقص العالمي في الأسمدة بسرعة إلى نقص عالمي في الأغذية.
أصحاب السعادة،
نحن بحاجة إلى العمل على جميع الجبهات.
ولندع الأوهام جانبا.
فنحن بالفعل وسط بحر هائج.
ويلوح في الأفق شتاء يعمه السخط على المستوى العالمي.
وتستعر أزمة تكلفة المعيشة.
وتتهاوى أسس الثقة.
وتشتد مظاهر عدم المساواة بشكل صارخ.
ويحترق كوكبنا.
ويعاني الناس الأمرّين، علما أن أكثر الفئات ضعفا هي أشدها معاناة.
ويتعرض ميثاق الأمم المتحدة وما يجسده من مثل عليا لخطر محدق.
ويقع على عاتقنا واجب العمل من أجل مواجهة هذا الواقع.
ولكننا نتخبط، مع ذلك، في مأزق الاختلال الوظيفي العالمي الهائل.
وليس للمجتمع الدولي الاستعداد ولا الإرادة لمواجهة تحديات عصرنا الكبرى والهائلة.
وتهدد هذه الأزمات مستقبل البشرية ذاته ومصير كوكبنا.
أزمات مثل الحرب الجارية في أوكرانيا وتناسل النزاعات في أنحاء المعمورة.
ومثل حالة الطوارئ المناخية وفقدان التنوع البيولوجي.
ومثل الوضع المالي المتردي للبلدان النامية ومآل أهداف التنمية المستدامة.
ومثل الافتقار إلى حواجز واقية تحيط بالتكنولوجيات الجديدة الواعدة الهادفة لعلاج الأمراض وربط الاتصال بين الناس وتوسيع الفرص المتاحة.
وبالفعل، تم، في غضون الفترة التي شغلت خلالها منصب الأمين العام، تطوير أداة لتحوير الجينات.
وشهد ميدان التكنولوجيا العصبية - الذي يربط التكنولوجيا بالجهاز العصبي البشري - انتقالا من مرحلة الأفكار إلى مرحلة إثبات جدوى المفهوم.
وأضحت العملات المشفرة وتكنولوجيات الكتل المتسلسلة الأخرى شائعة.
ولكن تبرز، في خضم طائفة عريضة من التكنولوجيات الجديدة، علامات شتى تنذر بالخطر.
حيث إن منصات التواصل الاجتماعي، القائمة على نموذج للعمل التجاري يستغل مشاعر الاستنكار والغضب والنزعات السلبية كمصدر يدر الأموال، تتسبب في إلحاق أضرار لا توصف بالمجتمعات، صغيرها وكبيرها.
وينتشر خطاب الكراهية والإعلام المضلل وسوء المعاملة - مع استهداف النساء والفئات الضعيفة بشكل خاص.
وتُباع بياناتنا وتُشترى من أجل التأثير على سلوكنا، بينما أصبحت برامج التجسس الحاسوبي والترصد خارج السيطرة، وكل ذلك دونما أي اعتبار للخصوصية.
ويمكن أن يعرّض الذكاء الاصطناعي سلامة نظم المعلومات ووسائل الإعلام للخطر، بل يعرّض الديمقراطية نفسها للخطر.
ويمكن أن تؤدي الحوسبة الكمية إلى تدمير الأمن السيبراني وزيادة خطر حدوث أعطال في النظم المعقدة.
وليست لدينا ولو نواة هيكل عالمي للتصدي لأي من هذه الأخطار.
أصحاب السعادة،
إن إحراز تقدم في معالجة جميع هذه المسائل وغيرها يوجد رهينة للتوترات الجيوسياسية.
فعالمنا يوجد في خطر - ولا يستطيع حراكاً.
وتتسبب الانقسامات الجيوسياسية في:
تقويض عمل مجلس الأمن.
وتقويض القانون الدولي.
وتقويض ثقة الناس في المؤسسات الديمقراطية وإيمانهم بها.
وتقويض جميع أشكال التعاون الدولي.
والمؤكد هو أنه لا يمكن أن نستمر على هذه الحال.
وحتى المجموعات المختلفة التي أنشأها بعض أعضاء المجتمع الدولي خارج النظام المتعدد الأطراف وقعت في فخ الانقسامات الجيوسياسية، مثل مجموعة العشرين.
وكانت تبدو العلاقات الدولية في مرحلة من المراحل متجهة صوب عالم تتزعمه مجموعة الاثنين؛ أما الآن، فيحتمل أن يؤول الأمر في النهاية إلى عدم وجود أي مجموعة.
فلا تعاون، ولا حوار، ولا عمل من أجل حل المشاكل جماعيا.
ولكن الحقيقة هي أننا نعيش في عالم لا سبيل فيه إلى المضي قدما إلا باتباع منطق التعاون والحوار.
فلا يمكن لأي قوة أو مجموعة أن تقرر بمفردها ما يجب القيام به.
ولا يمكن تسوية أي من التحديات العالمية الكبرى من قبل تحالف للراغبين في ذلك فقط.
إننا في حاجة إلى تحالف يشمل العالم برمته.
أصحاب السعادة،
أود اليوم أن أرسم الخطوط العريضة لثلاثة مجالات يجب فيها على التحالف العالمي أن يتجاوز الانقسامات ويعمل يدا في يد على وجه الاستعجال.
ويتعلق الأمر بداية بالمهمة الأساسية المسندة إلى الأمم المتحدة – وهي إرساء السلام والحفاظ عليه.
ويظل اهتمام العالم مركزا في معظمه على الغزو الروسي لأوكرانيا.
فهذه الحرب تسببت في دمار واسع النطاق في ظل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وتبعث أحدث التقارير الواردة بشأن مواقع الدفن في إزيوم على القلق البالغ.
وأدت أعمال القتال إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، ويطال تأثيرها البلايين من الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
ونلمس التهديد الذي تمثله الانقسامات الخطيرة بين الغرب والجنوب.
وتحدق بالسلام والأمن العالميين مخاطر هائلة من جراء ذلك.
ولكن يجب علينا المضي في العمل من أجل السلام وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وفي الوقت نفسه، تنتشر النزاعات والأزمات الإنسانية وكثيرا ما يقع ذلك في أماكن بعيدة عن الأضواء.
ومقابل ذلك، يبلغ العجز في تمويل ندائنا الإنساني العالمي 32 بليون دولار - وهو أكبر عجز يسجل على الإطلاق.
مع العلم أن الاضطرابات المشهودة كثيرة.
ففي أفغانستان، يوجد الاقتصاد في حالة متردية، ويواجه أكثر من نصف جميع الأفغان الجوع بمستويات شديدة، بينما تداس حقوق الإنسان بالأقدام، ولا سيما حقوق النساء والفتيات.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعمد الجماعات المسلحة في المنطقة الشرقية إلى ترهيب المدنيين وتأجيج التوترات الإقليمية.
وفي إثيوبيا، استؤنفت أعمال القتال، مما يسلط الضوء على ضرورة أن توقِف الأطراف الأعمال العدائية على الفور وأن تعود إلى طاولة السلام برعاية الاتحاد الأفريقي.
وفي هايتي، تقدِم العصابات على تدمير اللبنات الأساسية للمجتمع.
وفي القرن الأفريقي، تهدد آفة جفاف لم يسبق لها مثيل حياة وسبل عيش 22 مليون شخص.
وفي ليبيا، لا يزال تهديد الانقسامات يحدق بالبلد.
وفي العراق، تهدد التوترات المستمرة بزعزعة الاستقرار.
وفي إسرائيل وفلسطين، تتواصل أعمال العنف الدورية في ظل الاحتلال وتبتعد آفاق تحقيق السلام القائم على حل الدولتين أكثر من أي وقت مضى.
وفي ميانمار، تتدهور يوما بعد يوم الحالة الإنسانية وحالة حقوق الإنسان والحالة الأمنية المروعة.
وفي منطقة الساحل، تتزايد باستمرار مستويات اللاأمن والنشاط الإرهابي المثيرة للجزع في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية.
وفي سوريا، لا تزال أعمال العنف والمشاق سائدة.
والقائمة تطول.
وفي أثناء ذلك، تزيد استعراضات القدرات النووية والتهديدات التي تواجه سلامة المحطات النووية من زعزعة الاستقرار العالمي.
وفشل المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في التوصل إلى توافق في الآراء، ويظل التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران بعيد المنال.
ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات الخافتة التي تبعث على الأمل.
ففي اليمن، لا تزال الهدنة في جميع أنحاء البلد صامدة وإن كانت هشة. وفي كولومبيا، تزيد جذور عملية السلام رسوخا.
لذلك نحن في حاجة، في كل مكان، إلى العمل بشكل أكثر تضافرا بكثير على أساس احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان.
ونحن في حاجة، في ظل عالم يسوده الشقاق، إلى إرساء آليات للحوار والوساطة من أجل رأب الصدع.
لذا عرضتُ الخطوط العريضة لعناصر خطة جديدة للسلام في تقريري عن خطتنا المشتركة.
ونحن ملتزمون بالاستعانة إلى أقصى حد بكل أداة دبلوماسية للتسوية السلمية للمنازعات، على النحو المبين في ميثاق الأمم المتحدة، من مفاوضة وتحقيق ووساطة وتوفيق وتحكيم وتسوية قضائية.
وفي إطار هذه المساعي، يجب أن تحتل قيادة المرأة ومشاركتها مكان الصدارة.
ويجب علينا أيضا أن نعطي الأولوية لمنع نشوب النزاعات وبناء السلام.
ويعني ذلك ترسيخ الرؤى الاستراتيجية المتبصرة، والتصدي بشكل استباقي لنقاط التوتر التي يمكن أن تؤدي إلى اندلاع العنف، ومعالجة التهديدات الناشئة التي تشكلها الحرب السيبرانية والأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل.
ويعني أيضا توسيع دور المجموعات الإقليمية، وتعزيز حفظ السلام، وتكثيف نزع السلاح وعدم الانتشار، ومنع الإرهاب ومكافحته، وكفالة المساءلة.
ويعني كذلك الاعتراف بحقوق الإنسان باعتبارها عنصرا محوريا في أنشطة المنع.
إن ندائي إلى العمل من أجل حقوق الإنسان يسلط الضوء على الدور المحوري لقانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنساني.
لذا يجب علينا أن نعترف، في كل ما نقوم به من أعمال، بأن حقوق الإنسان هي السبيل إلى نزع فتيل التوترات وإنهاء النزاعات وإرساء السلام الدائم.
أصحاب السعادة،
هناك معركة أخرى يجب علينا أن نضع حدا لها، وأعني بذلك حربنا الانتحارية على الطبيعة.
حيث تشكّل حالة الطوارئ المناخية القضية الحاسمة في عصرنا هذا.
ويجب أن تُعتَبر أولى الأولويات لدى كل حكومة وكل منظمة متعددة الأطراف.
ومع ذلك، لا يولَى للعمل المناخي سوى اهتمام ثانوي، على الرغم من الدعم الشعبي الساحق لهذا العمل في جميع أنحاء العالم.
ويجب خفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2030 للحفاظ على أي أمل في الوصول بالانبعاثات لمستوى الصفر بحلول عام 2050.
ومع ذلك، يشهد مستوى الانبعاثات ارتفاعا قياسيا، حيث يرتقب أن تبلغ الزيادة فيها 14 في المائة خلال هذا العقد.
نحن إذن على موعد مع كارثة مناخية.
وقد رأيت مؤخرا بأم عيني ما يؤشر إلى ذلك في باكستان - حيث أضحى ثلث مساحة البلاد مغمورا بالمياه من جراء الأمطار الموسمية الطوفانية.
ونرى الدلائل على ذلك في كل مكان.
وكوكب الأرض ضحية لسياسات الأرض المحروقة.
فقد اجتاحت أوروبا في العام الماضي أسوأ موجة حر منذ العصور الوسطى.
وتشهد الصين والولايات المتحدة وغيرهما ظاهرة جفاف مطول.
ويخيم شبح المجاعة على منطقة القرن الأفريقي.
ويحدق خطر الانقراض بمليون من الأنواع.
ولم تسلم أي منطقة من المخاطر.
والآتي أسوأ بكثير مما مضى.
فقد يكون أكثر فصول الصيف حرارة اليوم هو أكثرها برودة في القادم من الأيام.
ويمكن أن تصير في وقت قريب الصدمات المناخية التي لا تحدث سوى مرة واحدة في العمر أحداثا تقع كل سنة.
ونحن نعلم أن النساء والفتيات هن الأكثر تضررا عند وقوع كل كارثة مناخية.
وأزمة المناخ مثال صارخ عن الإجحاف الأخلاقي والاقتصادي.
ذلك أن مجموعة العشرين مسؤولة عن 80 في المائة من مجموع انبعاثات غازات الدفيئة.
ولكن أفقر وأضعف الأمم التي أسهمت بأدنى قدر في هذه الأزمة تتحمل أشد آثارها فظاعة.
وفي أثناء ذلك، تستمتع صناعة الوقود الأحفوري بجني مئات بلايين الدولارات في شكل إعانات وأرباح استثنائية، بينما تنكمش ميزانيات الأسر ويحترق كوكبنا.
أصحاب السعادة،
دعونا نسمي الأمور بمسمياتها.
إن عالمنا مدمن على الوقود الأحفوري. وقد آن الأوان للتدخل من أجل معالجته.
يتعين علينا محاسبة شركات الوقود الأحفوري والجهات التي تعمل على تمكينها.
وهي تشمل المصارف وشركات الاستثمار الخاصة ومؤسسات إدارة الأصول والمؤسسات المالية الأخرى التي تواصل الاستثمار في التلوث الكربوني وإحاطته بالضمانات.
وتشمل كذلك آلة العلاقات العامة الضخمة التي تجني البلايين من الأموال لحجب صناعة الوقود الأحفوري عن العيون الممحصة.
وتعمل جماعات الضغط ومراكز الخبرة المتحيزة، تماما كما كانت تفعل قبل عقود فيما يتعلق بصناعة التبغ، على إشاعة المعلومات المضللة والضارة.
وينبغي للجهات التي لها مصلحة في الوقود الأحفوري أن تنفق وقتا أقل على تجنب كوارث العلاقات العامة، ومزيدا من الوقت على تجنب الكوارث الحقيقية التي تطال الكوكب.
وبطبيعة الحال، لا يمكن التوقف عن استعمال الوقود الأحفوري بين عشية وضحاها.
حيث إن متطلبات الانتقال العادل في مجال الطاقة تقتضي عدم ترك أي شخص أو بلد خلف الركب.
ولكن الوقت حان لتوجيه إنذار لمنتجي الوقود الأحفوري والمستثمرين فيه وللجهات التي تعمل على تمكينهم.
يجب على الملوثين أن يدفعوا ثمن تلويثهم.
واليوم، أدعو جميع الاقتصادات المتقدمة النمو إلى فرض ضرائب على الأرباح الاستثنائية التي تجنيها شركات الوقود الأحفوري.
وينبغي إعادة توجيه هذه الأموال نحو وجهتين هما: البِلْدان التي تعاني من خسائر وأضرار ناجمة عن أزمة المناخ؛ والأشخاص الذين يعانون من ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة.
وأناشد جميع القادة، عشية انعقاد الدورة 27 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ في مصر، بأن يعملوا على تحقيق أهداف اتفاق باريس.
ارفعوا سقف طموحاتكم المناخية، وأنصتوا لنداءات شعوبكم من أجل التغيير، واستثمروا في الحلول المؤدية إلى النمو الاقتصادي المستدام.
واسمحوا لي أن أشير إلى ثلاثة حلول منها.
أولا، الطاقة المتجددة.
إنها توفر فرص عمل أكثر بثلاثة أضعاف، وهي بالفعل أقل تكلفة من الوقود الأحفوري، وهي أيضاً الطريق إلى تحقيق أمن الطاقة واستقرار الأسعار ونشوء صناعات جديدة.
غير أن البلدان النامية في حاجة إلى المساعدة من أجل تحقيق هذا التحول، بسبل منها التحالفات الدولية لدعم الانتقال العادل في مجال الطاقة في الاقتصادات الناشئة الرئيسية.
ثانيا، مساعدة البلدان على التكيف مع الصدمات المناخية المتفاقمة.
حيث إن بناء القدرة على الصمود في البلدان النامية هو استثمار ذكي - في سلاسل التوريد الموثوقة والاستقرار الإقليمي والهجرة المنظمة.
وفي العام الماضي، اتفقت البلدان المتقدمة النمو في غلاسكو على مضاعفة تمويل إجراءات التكيف بحلول عام 2025. ويجب الوفاء بهذا الاتفاق بالكامل، كنقطة انطلاق.
ويجب، على أدنى تقدير، أن يُرصَد للتكيف ما يصل إلى نصف إجمالي التمويل المناخي.
ويجب على المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف أن تكثف جهودها وأن تؤدي دورها. ويجب على الاقتصادات الكبرى، باعتبارها مالكة أسهم تلك المصارف، أن تحوّل ذلك إلى حقيقة.
ثالثا، معالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث.
لقد حان الوقت لتجاوز المناقشات المطولة التي لا نهاية لها. لأن البلدان الضعيفة تحتاج إلى إجراءات هادفة.
وكما أن الخسائر والأضرار هي حقيقة واقعة تضر بالناس والاقتصادات الآن، فإنه يجب معالجتها الآن، بدءا من الدورة 27 لمؤتمر الأطراف.
فتلك مسألة أساسية مرتبطة بإحقاق العدالة المناخية والتضامن الدولي وإشاعة الثقة.
وفي الوقت نفسه، يجب أن نكفل لكل شخص ولكل مجتمع محلي ولكل دولة سبل الوصول إلى نظم فعالة للإنذار المبكر في غضون السنوات الخمس المقبلة.
ويجب علينا أن نتصدى لأزمة التنوع البيولوجي من خلال ضمان النجاح لمؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي المقرر عقده في كانون الأول/ديسمبر.
ويجب على العالم أن يتفق على إطار عالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 يحدد أهدافا طموحة لوقف فقدان التنوع البيولوجي وعكس مساره، ويوفر التمويل بالقدر الكافي، ويلغي الإعانات الضارة التي تدمر النظم الإيكولوجية التي نعتمد عليها جميعا.
وأحثكم أيضا على تكثيف الجهود من أجل وضع الصيغة النهائية لاتفاق دولي ملزم قانونا بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري واستخدامه المستدام. إذ يجب علينا حماية المحيطات الآن من أجل المستقبل.
أصحاب السعادة،
تأتي أزمة المناخ لتنضاف إلى ظواهر جوية قاسية أخرى.
وهي تتمثل في أزمة تكلفة المعيشة العالمية الجارية أطوارها التي لم يعرف الجيل الراهن مثيلا لها، والتي تسهم الحرب في أوكرانيا في تأجيجها.
إذ يواجه نحو 94 بلدا، يوجد العديد منها في أفريقيا، أو ما يمثل 1,6 بليون نسمة، عاصفة بمعنى الكلمة تتمثل في التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة، والارتفاع الصاروخي لأسعار الأغذية والطاقة، وأعباء الديون القاصمة، والتضخم المتنامي، والافتقار إلى سبل الحصول على التمويل.
وتستمد هذه الأزمات المتتالية زخمها من بعضها البعض، فتؤدي إلى تفاقم أوجه عدم المساواة، وإثارة مشاق طاحنة، وتأخير الانتقال في مجال الطاقة، والتهديد بانهيار مالي عالمي.
لذا فلا مفر من اندلاع الاضطرابات الاجتماعية التي سرعان ما سيليها نشوب النزاعات.
لكن هذا المآل ليس قدرا محتوما.
فأن يتخلص العالم من الفقر المدقع أو العوز أو الجوع ليس حلما مستحيلا. بل إنه تطلع في المتناول.
إنه العالم المتوخى في خطة عام 2030 وفي أهداف التنمية المستدامة.
لكنه ليس العالم الذي يبدو أننا اخترنا أن يكون عالمنا.
وبسبب القرارات التي اتخذناها، تعترض سبيل التنمية المستدامة المخاطر في كل مكان.
وترسل أهداف التنمية المستدامة نداء استغاثة.
وحتى أهم الأهداف الأساسية المتعلقة بالفقر والجوع والتعليم تسير في اتجاه معاكس.
فأعداد الفقراء ومن يعانون من الجوع والمحرومين من الرعاية الصحية والتعليم في تزايد.
وتشهد المساواة بين الجنسين تراجعا وتزداد نوعية حياة النساء سوءا من جراء عوامل تتراوح بين الفقر والخيارات المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية وأمنهن الشخصي.
أصحاب السعادة،
تتوالى الضربات الموجعة على البلدان النامية من كل الجهات.
لذا يتعين علينا تنسيق عملنا.
إنني أدعو اليوم إلى الإعلان عن خطة لتحفيز أهداف التنمية المستدامة - بقيادة مجموعة العشرين - بغية تعزيز التنمية المستدامة بشكل مكثف في البلدان النامية.
والمحفل المناسب لبدء العمل في هذا الاتجاه هو مؤتمر قمة مجموعة العشرين المرتقب عقده في بالي.
وتتألف خطة تحفيز أهداف التنمية المستدامة هذه من أربعة عناصر:
أولا، يجب على مصارف التنمية المتعددة الأطراف - البنك الدولي ونظراؤه الإقليميون - أن تزيد من حجم التمويل الميسر المتاح للبلدان النامية والمرتبط بالاستثمارات في أهداف التنمية المستدامة.
والمصارف هي نفسها في حاجة على الفور إلى المزيد من التمويل.
ثم يتعين عليها التخفيف من شروط الاقتراض التي تفرضها وزيادة إقبالها على المجازفة، حتى يتسنى لجميع البلدان المحتاجة أن تستفيد من التمويل.
ذلك أن البلدان النامية، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية، تواجه عقبات كثيرة جدا في الحصول على التمويل الذي تحتاجه لتستثمر في مواطنيها وفي مستقبلهم.
ثانيا، تخفيف عبء الديون.
ينبغي توسيع نطاق مبادرة تعليق سداد خدمة الدين وتعزيزها.
ونحن في حاجة أيضا إلى آلية فعالة لتخفيف عبء الديون عن البلدان النامية - بما فيها البلدان المتوسطة الدخل - التي تعاني من المديونية الحرجة.
وينبغي للدائنين النظر في اعتماد آليات لخفض الديون مثل مقايضة الديون بإجراءات التكيف مع تغير المناخ.
حيث كان من شأن آليات من هذا القبيل إنقاذ الأرواح وحفظ سبل العيش في باكستان الغارقة ليس فقط في مياه الفيضانات، بل أيضا في بحر من الديون.
وينبغي أن تتجاوز معايير الإقراض اعتبارات الناتج المحلي الإجمالي وأن تشمل جميع أبعاد الضعف التي تؤثر على البلدان النامية.
ثالثا، التوسع في توفير السيولة.
أحث صندوق النقد الدولي والمصارف المركزية الكبرى على توسيع التسهيلات التي توفرها للحصول على السيولة وخطوط العملات فورا وبقدر كبير.
وتؤدي حقوق السحب الخاصة دورا هاما في تمكين البلدان النامية من الاستثمار في الإنعاش وفي أهداف التنمية المستدامة.
لكن توزيعها تم وفقا للحصص القائمة، مما يعود بالفائدة على أقل البلدان حاجة إليها. ونحن ننتظر منذ 19 شهرا إجراء عملية إعادة توجيه الأموال؛ إلا أن المبالغ التي يجري الحديث عنها مبالغ محدودة.
لذا يجب أن تعالج عملية التخصيص الجديدة لحقوق السحب الخاصة بطريقة مختلفة بناء على أسس العدالة والتضامن مع البلدان النامية.
رابعا، أدعو الحكومات إلى تمكين الصناديق المتخصصة، مثل التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع والصندوق العالمي والصندوق الأخضر للمناخ.
وينبغي لاقتصادات مجموعة العشرين أن تمنح الضمانات لتوسيع هذه الصناديق باعتبار ذلك تمويلا إضافيا لأهداف التنمية المستدامة.
أصحاب السعادة،
دعوني أعلن بوضوح بأن خطة تحفيز أهداف التنمية المستدامة التي أقترحها، وإن كانت ضرورية، فهي ليست سوى إجراء مؤقت.
فالنظام المالي العالمي الراهن وضعته البلدان الغنية خدمة لمصالحها منذ عقود خَلَتْ. وهو يتسبب في توسيع وترسيخ أوجه عدم المساواة، لذا يلزم إخضاعه لإصلاح هيكلي معمق.
ويقترح تقريري عن خطتنا المشتركة عقد اتفاق عالمي جديد لإعادة توازن السلطة والموارد بين البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية.
فالبلدان الأفريقية، على وجه الخصوص، ممثلة تمثيلا ناقصا إلى حد ما في المؤسسات العالمية.
وآمل أن تغتنم الدول الأعضاء الفرصة لتجسيد هذه الأفكار في حلول عملية، بما في ذلك خلال مؤتمر القمة المعني بالمستقبل لعام 2024.
أصحاب السعادة،
إن الفوارق بين البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية، وبين بلدان الشمال والجنوب، وبين البلدان المتمتعة بالامتيازات وبقية البلدان أصبحت تكتسي خطورة أكبر يوما بعد يوم.
وهذه الفوارق هي السبب الأساسي للتوترات الجيوسياسية ولانعدام الثقة الذي يسمم كل مجالات التعاون العالمي، بدءا باللقاحات ومرورا بالجزاءات ووصولا إلى التجارة.
ولكن بفضل العمل ككيان واحد، بإمكاننا أن نقوي براعم الأمل الهشة.
ذلك الأمل الذي يشيعه النشطاء في مجالي المناخ والسلام في جميع أنحاء العالم، بدعوتهم إلى التغيير وبمطالبة قادتهم بأداء أفضل.
والأمل الذي يحييه الشباب، بعملهم كل يوم من أجل مستقبل أفضل أكثر سلاما.
والأمل الذي يُلمس في النساء والفتيات، بإبدائهن روح القيادة ونضالهن من أجل أولئك الذين ما زالوا محرومين من حقوق الإنسان الأساسية الواجبة لهم.
والأمل الذي يعبر عنه المجتمع المدني بشتى ألوانه، بسعيه إلى بناء مجتمعات وبلدان أكثر عدلا ومساواة.
والأمل الذي تمثله الأوساط العلمية والأكاديمية، بسباقها في سبيل الانتصار على الأمراض الفتاكة وإنهاء جائحة كوفيد-19.
والأمل الذي يبعثه أبطال العمل الإنساني، بمسارعتهم إلى إيصال المساعدات المنقذة للأرواح في جميع أنحاء العالم.
إن الأمم المتحدة تقف إلى جانب هؤلاء جميعا.
ونحن ندرك أن المثل النبيلة يجب تجسيدها بشكل ملموس في حياة الناس.
فلنعمل إذن على وضع حلول مشتركة للمشاكل المشتركة - انطلاقا من مبادئ الإرادة الحسنة والثقة والحقوق المشتركة بين بني البشر.
ولنعمل ككيان واحد، في تحالف عالمي، أمماً متحدة.
شكرا لكم.