إن الأمطار في كينيا، حيث مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، تجعل أجزاء كبيرة من البلاد جنة خضراء خصبة. وعندما تبدأ الأمطار في التحول، كما هي الحال الآن، فإننا لا نرى المشاكل الكبرى المرتبطة بالجفاف والحصاد فحسب، بل وأيضاً الفيضانات التي تجتاح المجتمعات والبنية الأساسية. وهذا نمط عالمي حيث يؤثر تغيّر المناخ في أغلب الأحيان على المياه. فالجفاف والفيضانات وسقوط الأمطار غير المنتظمة ليست وحدها التي تغير مستويات الجريان السطحي والمياه الجوفية. كما نشهد تغيرات في التبخّر والرطوبة فضلاً عن تراكم الثلج وذوبان الجليد.
فالأمن الغذائي والصحة البشرية والمستوطنات الحضرية والريفية وإنتاج الطاقة والتنمية الصناعية والنمو الاقتصادي والنظم الإيكولوجية المزدهرة كلها تعتمد على المناخ والمياه. وهذا التحدي في طريقه إلى النمو مع تزايد عدد السكان مما سيتطلب مزيداً من الغذاء والماء وبالتالي سيفرض مزيداً من الضغط على موارد المياه ويضر بالبيئة.
ولمعالجة هذه المشاكل المتزايدة، سيكون تحسين إدارة موارد المياه مع الحفاظ على التنوع البيولوجي واستدامة النظم الايكولوجية للمياه العذبة أمراً حاسماً.
إدارة المياه في مدننا أمر بالغ الأهمية
إن موازنة المعادلة مهمة بشكل خاص بالنسبة للمدن الكبيرة. ومع التوسع الحضري المتزايد، أصبحت إمدادات المياه في المدن عرضة بشكل خاص لتغيّر المناخ. وبحلول عام 2050، سيواجه 685 مليون شخص يعيشون في أكثر من 570 مدينة انخفاضاً إضافياً بنسبة 10 في المئة في توافر المياه العذبة بسبب تغيّر المناخ. بعض المدن مثل عمّان بالأردن وكيب تاون بجنوب أفريقيا وملبورن بأستراليا، قد تشهد انخفاضاً في إمدادات المياه يتراوح بين 30 و49 في المئة. وقد تشهد سانتياغو بشيلي انخفاضاً بنسبة تزيد على 50 في المئة.1 نحتاج إلى أن نكون أكثر كفاءة في استخدام المياه، وأن نكون أذكى في كيفية التفكير في البنية التحتية وبناءها وأن نحمي مصادر المياه نفسها.
ومن المرجح أن تكون الحاجة إلى تحسين كفاءة استخدام المياه وإدارة الطلب ومراقبة التسرب وتحسين الهياكل الأساسية للمياه شديدة في العديد من المدن في السنوات المقبلة. وفي الوقت نفسه، فإن تزايد التباين في كثافة الأمطار وأنماطها الناجم عن تغيّر المناخ له أثر كبير على نظم الصرف الحضري مع زيادة التدفقات المجمعة من مياه الأمطار والفيضانات خلال الهطول الغزير للأمطار.2
إن دمج البنية الأساسية الرمادية والخضراء واتباع نهجاً يركز على النظام البيئي، من الممكن أن يوفر حلولاً قيمة لتقليل قابلية التأثر مع تعزيز قدرة أنظمتنا على الصمود في ذات الوقت. يمكن لتدابير مثل إنشاء المزيد من المساحات الخضراء الحضرية وبناء الأراضي الرطبة أن تحمي المدن من العواصف والفيضانات عن طريق امتصاص المياه الزائدة وتقليل الجريان السطحي من خلال التسرب مع تحسين جودة المياه عن طريق تصفية وامتصاص العناصر الغذائية والملوثات الأخرى.
تعتبر استعادة أو بناء الأراضي الرطبة وغابات المنغروف الساحلية والسهول الفيضية الطبيعية ذات أهمية كبيرة وهي تمثل نُهج تكيّف قائمة على الطبيعة للحفاظ على المياه وكذلك التخفيف من آثار تغيّر المناخ.
إن حماية مصادر المياه سواء السطحية أو الجوفية لضمان استدامة خدمات النظام البيئي هذه سوف تكون على نفس القدر من الأهمية التي تتمتع بها البنية التحتية لزيادة التخزين ونقل المياه من أجل تلبية الطلبات المتزايدة والتعامل مع عمليات تجديد موارد المياه في المناطق الحضرية بشكل غير منتظم وغير متكرر.
تجلب الحلول القائمة على الطبيعة فوائد متعددة
تعتبر استعادة أو بناء الأراضي الرطبة وغابات المنغروف الساحلية والسهول الفيضية الطبيعية ذات أهمية كبيرة وهي تمثل نُهج تكيّف قائمة على الطبيعة للحفاظ على المياه وكذلك التخفيف من آثار تغيّر المناخ. وإذا ما قمنا بالحد من التأثيرات المترتبة على تغيّر المناخ، فإننا بذلك نعمل على الحد من الحاجة إلى التكيّف حيث تعمل هذه الأنظمة البيئية كبالوعات للكربون فتمتص انبعاثات غازات الدفيئة.3 تخزّن الأراضي الخثية ما لا يقل عن ضعف الكربون الذي تخزنه كل غابات الأرض،4 في حين أن تربة المنغروف تحتوي على أكثر من 6 مليار طن من الكربون ويمكنها أن تنفصل ما يصل إلى أربعة أضعاف الكربون مقارنة بغيرها من الأرضي.5
وتعرف هذه النُهج مجتمعة بالحلول القائمة على الطبيعة (NBS) لأغراض التكيّف أو التخفيف أو تدابير التكيّف القائمة على النظم الإيكولوجية التي تضع الناس في قلب التدخلات كجزء من النظم المعقدة. وتكتسب هذه التدابير الاهتمام والتمويل وتشكل جزءاً أساسياً من عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في مجال المناخ.
ويقوم برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حالياً بدعم جمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية في وضع برنامج لحماية الأراضي الخثية المركزية في كوافيت وإدارتها بصورة مستدامة والتي تمثل أكبر مجمع استوائي مستمر في العالم ويغطي مساحة بحجم إنجلترا. وهو يحتوي على ما يعادل عامين من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية،7 والتي يمكن أن تنطلق إذا تدهورت الأراضي الخثية أو استنزفت بسبب التدخل البشري أو فترات الجفاف الطويلة.
الواقع أن تبني تدابير التكيّف والتخفيف من خلال المياه يشكل مقترحاً يكسب فيه الجميع.
كما أن هذا النظام الإيكولوجي الكبير للمياه العذبة يحتوي على تنوع بيولوجي فريد ويؤدي دوراً حاسماً في الحفاظ على أعداد كبيرة من سكان المصب. وبالمقارنة بالحلول القائمة على التكنولوجيا لمواجهة التحديات المناخية فإن الحلول القائمة على الطبيعة مثل حفظ الأراضي الرطبة واستعادتها كثيراً ما تكون أقل تكلفة ولها فوائد متعددة لمجموعة متنوعة من القطاعات والأهداف السياسية.8،9 ويمكنها بالتالي أن تساعد على سد الفجوة في الاستثمار في البنية التحتية، ولا سيما في البلدان النامية، بطريقة فعالة من حيث التكلفة. ولكن لكي نرفع مستوى الحلول القائمة على الطبيعة، هناك حاجة إلى ضمان الوصول الطويل الأجل إلى الأرض والتضاريس الطبيعية لهذه الأغراض. وفي كثير من البلدان، تقع إدارة المياه والأراضي في إطار وزارات مختلفة، مما يمكن أن يزيد من المنافسة على نفس الأرض والموارد المائية ولكن لتحقيق أهداف مختلفة مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج دون المستوى الأمثل وإلى تدهور النظم الإيكولوجية. يمكن لمعالجة التجزئة المؤسسية ومواءمة السياسات لترقية الحلول القائمة على الطبيعة قلب هذه المعادلة.
يجب أن تكون إدارة الموارد المائية مركزية في خطط العمل المتعلقة بالمناخ
الواقع أن تبني تدابير التكيّف والتخفيف من خلال المياه يشكل مقترحاً يكسب فيه الجميع. ويستفيد من الإدارة المستدامة لموارد المياه وحق الإنسان في مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي. وهو يعالج مباشرة أسباب تغيّر المناخ وتأثيراته بما في ذلك الظواهر الجوية المتطرفة. كما يساهم أيضاً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) متضمنة أهداف الجوع والفقر والصحة والصناعة ــ ناهيك عن هدف التنمية المستدامة 6، وهو هدف المياه ذاته.10

في عام 2020، الذي أُطلق عليه وصف "عاماً رائعاً" للطبيعة، تعكف البلدان الآن على مراجعة وتنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً في إطار اتفاق باريس. ولدينا فرصة فريدة لتحسين وتعزيز ممارسات إدارة المياه بطرق تتيح للمجتمعات المحلية والبلدان وسلطات الأحواض اتخاذ قرارات واثقة مستنيرة يمكن أن تساعد على زيادة القدرة على التكيّف مع المناخ وتحسين صحة النظم الإيكولوجية والحد من مخاطر الكوارث المتصلة بالمياه. إن تعزيز أهداف التنمية المستدامة في مجال المياه - وبشكل أكثر تحديداً الهدف المتمثل في تنظيم وإدارة الموارد المائية من خلال نهج متكامل (الغاية 6.5 لهدف التنمية المستدامة)11- يتيح للبلدان فرصاً كبيرة للنهوض ببرامجها الإنمائية والمناخية الأوسع نطاقاً بفعالية على نحو متسق عبر القطاعات ومع قابلية البقاء على المدى الطويل.12
ولا يمكننا تحمل نتائج الانتظار. ويتعين على صناع السياسات المناخية أن يضعوا المياه في قلب خطط العمل. تؤكد حملة يوم المياه العالمي لعام 2020 13 على أن لكل شخص دور يلعبه. وفي حياتنا اليومية، هناك خطوات فورية نستطيع أن نتخذها جميعاً لمعالجة تغيّر المناخ والحفاظ على المياه. يمكننا الاستحمام لفترات قصيرة بدلاً من أخذ حمام غامر. يمكننا تجنب ترك الصنابير تنساب أثناء غسل أيدينا أو تنظيف أسناننا ويمكننا تركيب صنابير ومراحيض أكثر كفاءة في استخدام المياه. ومن المهم أيضاً الحد من استهلاك المنتجات والخدمات التي تتطلب كميات كبيرة من المياه مثل اللحوم الحمراء والكهرباء والنقل. فعلى سبيل المثال، نعرف أن العمد في مدن عديدة يمكنهم معالجة فقدان المياه الناجم عن عدم كفاءة العرض والتوزيع الذي يبلغ في كثير من الأحيان 50 في المئة؛ والتركيز على حماية النظم الإيكولوجية التي تعتمد على المياه واستعادتها؛ وتوفير المياه. وعندما نتحرك بهذه الأنواع من الجهود، يمكننا أن نحدث فارقاً كبيراً في حماية النظم الإيكولوجية للمياه العذبة وتحديات المناخ والاستدامة وفي رفاه مجتمعاتنا.
ملاحظات
1. شبكة (C40 Cities)، "استعادة التدفق"، 2020. متاح على الرابط التالي:
https://www.c40.org/other/the-future-we-don-t-want-restoring-the-flow (تم الوصول إليه في 13 آذار/ مارس 2020).
2. هسام تافاكول - دافاني وآخرون، "كيف يؤثر تغيّر المناخ على تدفق الصرف الصحي في نظام يستفيد من نظم جمع مياه الأمطار؟"، مجلة المدن والمجتمعات المستدامة (Sustainable Cities and Society)، المجلد 27 (تموز/ يوليو 2016)، الصفحات 430-438. متاح على الرابط التالي: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2210670716301494.
3. آلية الأمم المتحدة للمياه (UN-Water)، "تغير المناخ والمياه"، موجز سياساتي (جنيف، نسخة أيلول/ سبتمبر 2019). متاح على الرابط التالي: https://www.gwp.org/globalassets/global/events/cop25/gwp_synthesisreport.pdf.
4. الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، "الأراضي الخثية وتغير المناخ"، موجز القضايا (غلاند، تشرين الثاني/ نوفمبر 2017). متاح على الرابط التالي: https://www.iucn.org/sites/dev/files/peatlands_and_climate_change_issues_brief_final.pdf).
5. تحالف مانغروف العالمي وآخرون، "الأراضي الرطبة الساحلية وأشجار المانغروف: مسار حل مناخي طبيعي لتغير المناخ"، طرح مشترك إلى حوار تالانوا (2018). متاح على الرابط التالي: https://www.wetlands.org/download/15663/.
6. برنامج الأمم المتحدة للبيئة، "برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN) يطرحان برنامجاً جديداً بقيمة 20 مليون يورو عن عمليات التكيّف القائمة على النظم الإيكولوجية"، تصريح صحفي لهيئة النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي (نيروبي، 21 كانون الثاني/ يناير 2020).
متاح على الرابط التالي: https://www.unenvironment.org/news-and-stories/press-release/unep-iucn-launch-new-eu20m-programme-ecosystem-based-adaptation.
7. غريتا سي. دارجي وآخرون، "العمر والمدى ومخزن الكربون في مجمع الأراضي الخثية في حوض الكونغو الأوسط"، مجلة الطبيعة (Nature)، المجلد 2، العدد 542 (7639) (2017)، الصفحات 86-90. https://www.nature.com/articles/nature21048.
8. ساندرا ناومان وآخرون، "النُهج القائمة على الطبيعة في التعامل مع تخفيف تغيّر المناخ والتكيّف معه. تحديات تغيّر المناخ - الشراكة مع الطبيعة" (بون، الوكالة الفيدرالية الألمانية لحفظ الطبيعة، 2014). متاح على الرابط التالي: https://www.ecologic.eu/sites/files/publication/2014/eco_bfn_nature-based-solutions_sept2014_en.pdf.
9. برنامج الأمم المتحدة لتقييم المياه في العالم وآلية الأمم المتحدة للمياه (UN-Water)، تقرير الأمم المتحدة عن تنمية المياه في العالم لعام 2018: حلول المياه القائمة على الطبيعة (باريس، اليونسكو، 2018). متاح على الرابط التالي: https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/261424e.pdf.
10. برنامج الأمم المتحدة لتقييم المياه في العالم وآلية الأمم المتحدة للمياه (UN-Water)، تقرير الأمم المتحدة عن تنمية المياه في العالم لعام 2020: المياه وتغير المناخ (باريس، اليونسكو، 2020). متاح على الرابط التالي: https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000372985.locale=en.
11. شراكة المياه العالمية، "التعجيل برصد وتنفيذ مبادرة الإدارة المتكاملة للموارد المائية (IWRM) في 60 بلداً"،11 آذار/ مارس 2020. متاح على الرابط التالي: https://www.gwp.org/en/About/more/news/2020/accelerating-iwrm-monitoring-and-implementation-in-60-countries/.
12. الشراكة العالمية للمياه والمعهد الدولي للتنمية فيما وراء البحار، القصة غير المحكية عن المياه في التكيّف مع المناخ، الجزء الثاني: 15 دولة تتحدث، تقرير توليفي (ستوكهولم، الشراكة العالمية للمياه، 2019). متاح على الرابط التالي: https://www.gwp.org/globalassets/global/events/cop25/gwp_synthesisreport.pdf.
13. لمزيد من المعلومات حول اليوم العالمي للمياه، انظر موقع الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت، على الرابط https://www.worldwaterday.org/.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.