19 تشرين الأول/أكتوبر 2015

منذ سبعين عاما، اجتمع زعماء العالم في سان فرانسيسكو للتوقيع على وثيقة فريدة من نوعها وتاريخية - هي ميثاق الأمم المتحدة. وباسم “نحن شعوب”، رسموا طريقا إلى عالم يُعاد فيه التأكيد على الإيمان بكرامة الإنسان وقدره.

         وفي العقود السبعة التي مضت منذ ذلك الحين، تحول العالم بفضل التكنولوجيات الجديدة، وقوى العولمة، وكذلك، دون أن تكون أقل أهمية، إنجازات الأمم المتحدة نفسها. وبروح التعاون الدولي والدبلوماسية المتعددة الأطراف، اللذين يكمنان في قلب عمل المنظمة، انتُشل الملايين من وهدة الفقر المدقع، أو تمتعوا بالحماية من عنف الصراع المسلح، أو تم إيواؤهم من الدمار الناجم عن الكوارث الطبيعية.

         فالأمم المتحدة ألهمت وابتكرت وحفزت؛ وأصبحت الأهداف الإنمائية للألفية ثورة في الشؤون الدولية، ووضعت الفقر بكل مظاهره على رأس جدول الأعمال الدولي للمرة الأولى. وساهم إنشاء الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا في إنقاذ حياة الملايين، وقدم نموذجا جديدا للتعاون الدولي الفعال. وأعاد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وظهور نظرية المسؤولية عن الحماية تعريف مفهوم سيادة الدولة، وبثا الأمل في نفوس ضحايا أبشع الجرائم.

         والأمم المتحدة، بقواعدها ومؤسساتها، في قلب النظام الدولي. فهي تشجع الدول على منع نشوب النزاعات أو تسويتها بالطرق السلمية - وهذا هو السبب في أن عدد الذين يموتون جراء النزاع المسلح هو أقل من أي وقت مضى. وتدافع الأمم المتحدة عمن لا صوت لهم، وتطعم الجوعى، وتحمي المشردين، وتحارب الجريمة المنظمة والإرهاب، وتكافح المرض في أنحاء المعمورة.

         وهذه هي فحسب الإنجازات المتصدرة للعناوين الرئيسية. وتمس أعمال المنظمة، وهي في عامها السبعين، كل ركن من أركان المعمورة. ولا يقل عن ذلك أهمية٬ مثلا، أن عدد الاتفاقات والمعاهدات المتعددة الأطراف التي وضعت في الأمم المتحدة في العقود الستة الماضية أكثر مما وضع في التاريخ البشري كله، وكل إضافة إلى هذه المجموعة من صكوك القانون الدولي توثق بدرجة أكبر العرى التي تربط بين مجتمعنا العالمي.

         ويرجع الفضل في كثير من هذه الإنجازات إلى شجاعة واقتدار موظفي المنظمة، الذين يُكرسون أنفسهم للمبادئ الإنسانية، ويعملون بلا كلل في أخطر الأماكن على الأرض وأتعسها - حيث تكون الحاجة إليهم أشد.

         ومما يؤسف له، أنه على الرغم من هذه الجهود والإنجازات٬ ما زالت بعض التهديدات التي كُلفت الأمم المتحدة بوضع حد لها تطل برأسها.

         وتحتفل الأمم المتحدة بمرور سبعين عاما على ميلادها في وقت يتسع فيه التفاوت الاقتصادي العالمي إلى درجة غير مقبولة ويستمر في الاتساع؛ وتبلغ الهجرة الدولية مستويات غير مسبوقة، وما زال يمكن لجائحات فتاكة - مثل فيروس إيبولا - أن تنتشر بسرعة فتهدد مناطق بأسرها، وما زلنا نبتلى بصراع عنيف، تحركه غالبا انقسامات طائفية أو دينية غير محسومة.

         وكل من هذه التهديدات له بُعد عالمي لا يمكن حسمه إلا بعمل عالمي، ومع ذلك فإن الهيكل الدولي لعصر ما بعد الحرب العالمية الثانية - الذي أسست عليه الأمم المتحدة - ما زال يواجه الاعتراض بشكل متزايد. وفي عالم يتطور بسرعة كعالمنا، لا يمكن لمؤسسة تبقى على جمودها أن تظل فعالة. ولذا يجب أن نغتنم هذه الفرصة لنعيد تشكيل المنظمة حتى يمكنها مواجهة التحديات المعاصرة على نحو أفضل. وعلينا أن نُعيد تكريس أنفسنا لفكرة أمم متحدة ممثلة وشاملة؛ أمم متحدة تضع رفاه كل فرد، وليس مجرد سيادة كل دولة، في قلبها. مؤسسة ذات قيادة قوية تتاح فيها للحكومات ولمواطني جميع الدول فرصة الالتقاء لصياغة مستقبل مشترك يسوده السلام والرخاء.

         لقد علمتني أربعون سنة من العمل مع الأمم المتحدة دروسا عديدة، لكن درسا منها يظل الأهم في خاطري، وهو أن المجتمعات الصحية والمستدامة تقوم على ثلاث ركائز هي: السلام والأمن، والتنمية المستدامة، وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ولا يمكن أن يكون هناك أمن طويل الأجل بدون تنمية؛ ولا يمكن أن تكون هناك تنمية طويلة الأجل بدون أمن؛ ولا يمكن أن يدوم رخاء مجتمع بدون سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.