19 تشرين الأول/أكتوبر 2015

منذ سبعين سنة، طرحت فكرة ثورية لتغيير الصورة في مشهد متعدد الأطراف هش. وكان إنشاء الأمم المتحدة الاستجابة الضرورية لعالم يتعافى من الدمار الذي لحق به جراء حربين عالميتين. وكانت الفكرة بسيطة، ولكنها جسورة جدا؛ هيئة عالمية تعزز مبادئ “الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره .... وتعزيز التقدم الاجتماعي والنهوض بمستويات المعيشة”. ونحن إذ ننظر إلى العالم اليوم، نرى أن الأمم المتحدة قد أوفت بأغلب مسؤولياتها بتشبثها بهذه المبادئ. غير أنه لا يزال هناك عمل كثير ينبغي القيام به، وبخاصة فيما يتعلق بإدماج شباب العالم في عمليتي التنمية وصُنع القرار.

         والهيئة العالمية ذات السبعين عاما تُقدِم على وعد جديد للناس وللكوكب باعتماد جيل جديد من الأهداف الإنمائية واتفاق بشأن تغير المناخ بحلول نهاية العام. وتتيح أهداف التنمية المستدامة واتفاق المناخ الفرصة الفريدة لتغيير مسار التاريخ بوضع الكوكب على مسار مستدام وإطلاق إمكانات سكانه. ولكن قبل اعتماد هذه الاتفاقات التاريخية، وبينما نحتفل بالذكرى السنوية السبعين لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة، يتعين على المجتمع الدولي أن يفكر مليا في التحديات غير المسبوقة التي يواجهها اليوم جراء تصاعد التطرف وانتشار الصراعات، والخطر الواضح لتغير المناخ، وانتهاكات حقوق الإنسان والحالة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، فضلا عن الافتقار إلى هياكل حوكمة شاملة. ومع ذلك، فمما يُعد أساسيا في كل هذه القضايا وواحدا من أبرز التحديات التي تختبر التزامنا بمبادئ الأمم المتحدة، هو التحدي المتمثل في النمو المطرد في عدد الشباب، حيث تقل أعمار نصف سكان العالم حاليا تقريبا عن 25 سنة.

         والتحديات التي تواجه هذا الجيل الضخم من الشباب لا تُماثلها تحديات، ولكن معها تأتي ثروة من الفرص. فللشباب القدرة على التنظيم والقيام بعمل فردي وجماعي بشأن القضايا التي تهمه. ولقد شهدنا ذلك مرارا وتكرارا حيث يحشد الشباب اهتماما أكبر ويقود مشاريع ومبادرات واسعة النطاق على المستويين الشعبي والعالمي.

         ومنذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، وهي تعترف بشكل متزايد بالدور الفريد الذي يمكن أن يضطلع به الشباب في عملية التنمية. وتجلى ذلك بشكل خاص خلال العقدين الماضيين، حيث تحولت الأمم المتحدة إلى الاعتماد بشكل أكبر على الشباب في النهوض برسالتها وقيمها. ومع هذا التقدم، شهدنا تحولا عالميا في إدراك دور الشباب في صُنع السياسات والبرمجة، وأصبحت قضايا الشباب تدريجيا مجال التركيز لكثير من الوكالات الإنمائية العالمية، وداخل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

         وعندما اعترفت الأمم المتحدة لأول مرة رسميا بأهمية الشباب كشريحة ديمغرافية فريدة بإعلان إشراب الشباب مُثل السلام والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب الصادر في عام 1965، لم تكن أولويات الشباب معروفة فعليا، ناهيك عن تناولها بطريقة جدية. وبعد مضي ثلاثة عقود، بلغت المناظرات والمناقشات الدولية التي يشترك فيها الشباب ذروتها باعتماد برنامج العمل العالمي للشباب في عام 1995، الذي يظل حتى الآن الإطار الرئيسي للسياسة العالمية بشأن النهوض بتنمية الشباب. وكان اعتماده دلالة على التزام المجتمع العالمي بمواجهة تحديات تنمية الشباب بطريقة شاملة وتعاونية. وعلى الرغم من أن هذه كانت خطوة هامة في النهوض بتنمية الشباب، فقد غدا واضحا أنه يلزم إدخال تحسينات إضافية من أجل تنفيذ أهداف هذا الإطار تنفيذا تاما.

         وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2014، كان 127 بلدا قد اعتمد سياسة وطنية للشباب، بعد أن كان عددها 99 بلدا في العام السابق. وهذا الارتفاع في السياسات المتعلقة بالشباب يدل على إدراك الحكومات المتزايد لقدرة الشباب على تنفيذ التغيير، فضلا عن الدور الفريد الذي سيقومون به في خطة التنمية المقبلة. وفي حين ثبت ما لهذه التطورات من أثر عظيم في تعزيز إشراك الشباب، لم تُفعِّل بلدان كثيرة بعد سياساتها المتعلقة بالشباب بما يلزم من قوانين داعمة وآليات تمويل مناسبة. وبعد زيارة أكثر من 60 بلدا واستعراض سياسات الشباب في بلدان كثيرة أخرى، يمكنني أن أقول بثقة أن الالتزام الخطابي بجدول أعمال الشباب على المستوى العالمي، وكذلك على المستويات الوطنية، لا يقترن باستثمار كاف في الشباب.

         إن مهمتنا الأولى ونحن ننتقل إلى أهداف التنمية المستدامة هي أن نُسخِّر الإمكانيات الهائلة لعدد الشباب المتزايد باطراد. ويجب أن نعترف بقدراتهم على مواجهة التحديات العالمية الكبيرة، بما فيها الفقر، وتغير المناخ، ومكافحة العنف، من جملة تحديات أخرى. والشباب أهل للقيام بالمهمة، ويمكنه أن يُقدِم حلولا مبتكرة لهذه التحديات الفريدة، إذا ما وُفِّّر له المجال والاستثمار اللازمان للقيام بذلك. ونحن بحاجة إلى تغيير العقلية فيما يتعلق بالكيفية التي نضع بها هذا الجيل من الشباب في مكانه المناسب، وتشجيع اتباع نهج قائم على الشراكة، وتسليط الضوء على الشباب بوصفهم فرصا متاحة لا أعباء على مجتمعاتهم.

         وخلال العقد الماضي، على سبيل المثال، تحول اهتمام العالم تدريجيا إلى الإرهاب والتطرف العنيف. وهذا التحدي المتزايد، الذي يظل أحد الأولويات العليا للأمم المتحدة٬ غالبا ما يُعزز بالباطل القوالب النمطية السلبية للشباب في أنحاء العالم. وهذه القوالب النمطية نجم عنها تصور مضلل وباطل للشباب بوصفهم “تهديدا” للأمن الوطني والمجتمع العالمي ككل. وإن وصم الشباب بوصفه مشكلة أو تهديدا محتملا ليس خطأ فقط، ولكنه يؤدي أيضا إلى نتائج عكسية لما نبذله من جهود لمكافحة العنف. ويضر ضررا جسيما بالجهود المبذولة في مجال التنمية.

         ثانيا، يجب أن نجمع بين المناقشات المتعلقة بالتنمية وبالسلام والأمن في مجال واحد - حيث أن هناك ترابطا جليا بين الميدانين. ولا بد أن نعمل جاهدين على تحسين فهم الصلات بين مجالات السياسة العامة وتوسيع نطاق ذلك التركيز ليشمل دور الشباب في التنمية جنبا إلى جنب مع مكافحة التطرف العنيف وتعزيز السلام. وسواء تناولنا هذه المهمة من منظور التنمية أو من منظور السلام والأمن، لا بد أن نُعطي الأولوية للشباب بغية إيجاد الحلول المبتكرة اللازمة لمواجهة هذه التحديات الضخمة بصورة ملائمة.

         وأخيرا، لا بد أن ندعم الجهود المبذولة لتوفير التعليم للجميع ومعالجة بطالة الشباب. إذ أنه لا يزال نحو 69 مليون شاب في سن الدراسة بالمرحلة الإعدادية خارج المدرسة، و 74 مليون شاب عاطل، وهناك حاجة إلى توليد أكثر من 600 مليون فرصة عمل على صعيد العالم بحلول عام 2030. وهذه مهمة مخيفة، تتطلب تحسين سُبل الحصول على التعليم في مرحلة ما بعد الدراسة الابتدائية وما فوقها، والتدريب المهني. وينطوي ذلك أيضا على جعل عمل الشباب قادرا على المنافسة في سوق العمل، وإتاحة فرص الحصول على التمويل والتدريب والدعم لمباشري الأعمال الحرة الشباب عندما يُنشئون مشاريعهم الخاصة ويديرونها.

         إن عام 2015 عام حاسم. ويجب أن نواصل تكوين الزخم لتعزيز أولويات الشباب وزيادة الاستثمار في الشباب في أنحاء العالم. ونحن نرى بالفعل تحسينات ملحوظة في هذه الجهود كما يتجلى في الأحداث والمبادرات العديدة، مثل المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية. ولأول مرة على الإطلاق، تشمل الوثيقة الختامية لمؤتمر لتمويل التنمية إشارة إلى الشباب - والاعتراف بأن الاستثمار في الشباب بالغ الأهمية لتحقيق تنمية شاملة ومنصفة ومستدامة للأجيال الحاضرة والمقبلة.

         وهذا الاعتراف المتزايد سيُتيح لنا جميعا فرصة لإعلاء شأن قضية تنمية الشباب المحورية بغية زيادة تمكين الشباب حتى يكونوا عناصر تغيير في مجتمعاتهم المحلية. إذاً فلنصحح الحساب هنا: إننا لم يكن لدينا قط هذا العدد الكبير من الشباب، وهذا واقع ديمغرافي لن يدوم طويلا؛ ولم تُتح لنا قط الفرصة لاستئصال الفقر المدقع، وعكس اتجاه تغير المناخ في 15 سنة فحسب، وقد لا تُتاح هذه الفرصة مرة أخرى؛ ولم نكن قط مجهزين بالأدوات والتكنولوجيات اللازمة لإنجاز هذه المهمة أفضل منا الآن. واليوم، يمكن دعم هذا التقارب بين الناس وجدول أعمال الكوكب بطاقة وابتكار الشباب، فلننجز هذه المهمة التي سيتحقق بها وعد الأمم المتحدة للشباب.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.