8 نيسان/أبريل 2015

تمثل المحيطات النقطة التي يلتقي فيها الكوكب والناس والازدهار معا. وهذا ما تعنيه التنمية المستدامة. فهي تتعلق بنا جميعا بوصفنا أصحاب مصلحة في الأرض، متحدين، ومقرين بمسؤوليتنا تجاه الكوكب والناس وشرايين حياتهم، المحيطات، ومتصرفين بما تمليه علينا هذه المسؤولية.

         إليزابيث تومبسون، المنسقة التنفيذية المشتركة لمؤتمر ريو + 20، في يوم المحيطات في مؤتمر ريو + 20، 16 حزيران/يونيه 2012

         في الوقت الذي تنظر الجمعية العامة للأمم المتحدة في توصيات الفريق العامل المفتوح باب العضوية المعني بأهداف التنمية المستدامة، من الأساسي أن يحتل الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة بشأن المحيطات والبحار والموارد البحرية مكانة مركزية في خطة التنمية لما بعد عام 2015.

الأهمية المحورية للمحيطات للركائز الثلاث للتنمية المستدامة كلها

         تُمثل المحيطات أبرز سمات الكوكب، إذ تغطي ما يقرب من ثلاثة أرباع الأرض، وهي أساسية لبقاء الكوكب. ومثلما لا يمكن لأي شخص أن يعيش بدون قلب ورئتين سليمين، فإن الأرض لا تستطيع البقاء من دون محيطات وبحار سليمة. ذلك أنها تعمل بمثابة الجهاز التنفسي للأرض، حيث تنتج الأوكسجين للحياة، وتمتص ثاني أكسيد الكربون والنفايات. وتوفر المحيطات مستودع تخزين وتمتص 30 في المائة من ثاني أكسيد الكربون العالمي، في حين تُفرز العوالق النباتية البحرية 50 في المائة من الأكسجين اللازم للبقاء. كما تقوم المحيطات بتنظيم المناخ والحرارة، مما يجعل الكوكب قابلا لاستضافة مختلف أشكال الحياة.

         وتبقى المحيطات والبحار ضرورية للرفاه الاقتصادي الوطني والعالمي. ويُقدر النشاط الاقتصادي العالمي المرتبط بالمحيطات بما بين 3 إلى 6 تريليونات دولار من دولارات الولايات المتحدة، وهو يساهم في الاقتصاد العالمي بعدة أوجه هامة، من قبيل ما يلي:

90 في المائة من التجارة العالمية تنقل بحرا.

تَنقل الكابلات البحرية 95 في المائة من مجموع الاتصالات السلكية واللاسلكية العالمية.

تمد مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية 4.3 ملايير شخص بأكثر من 15 في المائة من استهلاكهم السنوي من البروتين الحيواني.

يُستخرج أكثر من 30 في المائة من إنتاج النفط والغاز من البحار.

تمثل السياحة الساحلية أكبر حصة من السوق في الاقتصاد العالمي، حيث تشكل 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العالم وتشغل من 6 إلى 7 في المائة من العمالة العالمية.

أحدث توسع نطاق المعرفة بشأن التنوع البيولوجي البحري اختراقات كبيرة في قطاعات مثل المستحضرات الصيدلانية، وإنتاج الأغذية، وتربية الأحياء المائية.

13 من أضخم 20 مدينة في العالم هي مدن ساحلية.

         تَبرز الأمواج، والمد والجزر، والتيارات، والرياح البحرية باعتبارها مصادر للطاقة لديها إمكانات كبيرة للمساهمة في الطاقة المنخفضة الكربون في العديد من البلدان الساحلية.

         وتبقى المحيطات والبحار أساسية للرفاه الاجتماعي. ويعيش أكثر من 40 في المائة، أو 3.1 ملايير، من سكان العالم ضمن مسافة 100 كيلومتر من المحيط أو البحر في حوالي 150 من الدول الساحلية والجزرية. وبصرف النظر عما إذا كان البلد غير ساحلي، أو كان له شريط ساحلي، فإن جميع الدول مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمحيطات والبحار عن طريق الأنهار والبحيرات والمجاري المائية. وقد أولت الدول أهمية كبيرة للفوائد التي توفرها المحيطات والبحار، وهي تمثل مصدر أكثر من 60 في المائة من الناتج القومي الإجمالي في العالم. ويمثل النشاط الاقتصادي الساحلي، على وجه الخصوص، شريان حياة الدول الساحلية والدول الجزرية.

         وقد استطاعت الدول، من خلال أنشطة من قبيل صيد الأسماك المستدام وإنتاج الطاقة المتجددة والسياحة الإيكولوجية والنقل البحري "الأخضر"، زيادة معدلات العمالة وخدمات الصرف الصحي الجيدة وفي الوقت نفسه الحد من الفقر وسوء التغذية والتلوث. وتوفر الاقتصادات القائمة على المحيطات المزيد من فرص التمكين والعمالة لفائدة النساء، اللائي يشكلن غالبية القوة العاملة في الأنشطة الثانوية في مصائد الأسماك البحرية وتربية الأحياء المائية. وتشمل النتائج الناجمة عن زيادة عمالة المرأة تعزيز الحيوية الاقتصادية للمجتمعات المحلية الصغيرة والمعزولة والنهوض بوضع المرأة في البلدان النامية.

         وفي نفس الوقت، يعد سكان المناطق الساحلية والجزرية بعض أشد الناس ضعفا في مواجهة آثار تغير المناخ. وتشهد المحيطات والبحار والمناطق الساحلية زيادة في تواتر وقوة الظروف الجوية الشديدة، بما في ذلك الأعاصير وأعاصير التيفون والأعاصير الحلزونية المدارية التي لا تفتأ تزداد قوة. ويعانون أيضا من تحمض المحيطات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والتقلبات في دوران المحيطات، والملوحة. وستُستشعر هذه التغييرات ليس فقط على طول الشرائط الساحلية، بل وفي البر كذلك، نظرا لاتساع نطاق تأثير تيارات المحيطات على النظم الجوية. وبحلول عام 2050، يُقدر أن ينزح 50 إلى 200 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ، مما يهدد الأمن الغذائي وسبل العيش والاستقرار الاجتماعي ليس فقط في الدول الساحلية والجزرية، ولكن في جميع البلدان التي ستكون تساعد السكان المشردين. ولذلك يجب تعزيز التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه من أجل توفير المزيد من الدعم للتأهب للطوارئ والاستجابة للكوارث، فضلا عن نظم الإنذار المبكر، وعمليات الرصد، وتخطيط وإدارة المناطق الساحلية.

المحيطات والبحار في خطة التنمية لما بعد عام 2015

         جرى التأكيد بصورة مركزية على المحيطات والبحار في الوثيقة الختامية لمؤتمر ريو +20، "المستقبل الذي نصبو إليه". ولكن بما أن المحيطات والبحار لم تكد تظهر ضمن الأهداف الإنمائية للألفية، فإنه عندما بدأت أعمال الفريق المفتوح باب العضوية في عام 2013، كانت هناك حاجة إلى تعبئة مكثفة للدول الأعضاء والمجتمع المدني من أجل التعبير عن الأهمية المحورية للمحيطات بالنسبة للتنمية المستدامة. ورأى البعض في المحيطات والبحار مسألة بيئية بالأساس، غير مدركين تماما لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية. ولكن وابتداء من صيف عام 2013، عبرت دفعة قوية من الدول الأعضاء، بقيادة الدول الجزرية الصغيرة النامية في المحيط الهادئ وتيمور-ليشتي، وبدعم من المجتمع المدني، بما في ذلك المنتدى العالمي للمحيطات، عن الحاجة إلى وضع هدف خاص بالمحيطات من أجل بقاء الأرض ومن أجل الرفاه الاقتصادي والاجتماعي العالمي والوطني. وقد أسهمت الفرص العديدة التي أتاحها رئيسا الفريق المفتوح باب العضوية للأمم المتحدة، الذي أدار "عملية مفتوحة" فعلا، لمساهمات المجتمع المدني في اعتماد الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، الذي حظي بدعم عدد كبير وطيف واسع من الدول-البلدان المتقدمة والنامية، والبلدان الساحلية والداخلية، والدول الجزرية الصغيرة والدول القارية.

         وتمثل حزمة المسائل المتعلقة بالمحيطات والبحار التي تبرز في الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، "حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة"، مع غاياته السبع وأحكامه الثلاث الخاصة بوسائل التنفيذ حزمة مهمة للغاية. ويعزز الهدف نفسه، وكذا غاياته ووسائل تنفيذه، الوصفات الدولية القائمة بشأن المحيطات والبحار الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية لعام 1992، ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة لعام 2002، ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو +20) لعام 2012، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي دخلت حيز النفاذ في عام 1994، ويجدد التركيز على هذه الوصفات ويبرز استعجاليتها.

         وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى الغاية 14-7 التي تحث على "زيادة الفوائد الاقتصادية التي تتحقق للدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا من الاستخدام المستدام للموارد البحرية، بما في ذلك من خلال الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والسياحة، بحلول عام 2030". وقد تأخر هذا التركيز على الفوائد المعزَّزة لصالح الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا كثيرا وسوف يؤدي إلى تحول عميق في النظر إلى القرارات المتعلقة بإدارة المحيطات من أجل إبراز آثارها الاقتصادية والاجتماعية.

         ومع أنه يمكن أن تكون هناك "تحويرات" طفيفة لتحسين بعض أحكام الهدف 14، فإن الحزمة، في رأيي، جيدة ويمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعتمدها، كما هي إلى حد كبير. ويمكن أن تكون هناك إضافة مهمة، إذا اقتضى الأمر، وهي حكم من أجل تعزيز إدارة المحيطات؛ من قبيل تعزيز عمليات صنع القرار المتعلقة بالمحيطات والمناطق الساحلية، بما في ذلك من خلال سن قوانين للمحيطات والمناطق الساحلية ومن خلال تنمية القدرات.

         وترتبط العديد من أهداف التنمية المستدامة الأخرى بدورها بالهدف 14 المتعلق بالمحيطات والبحار ويمكن أن تُستخدم في المساعدة في تحقيقه، بما في ذلك الهدف 1 من أهداف التنمية المستدامة (بشأن الفقر)، والهدف 2 (بشأن الأمن الغذائي)، والهدف 6 ( بشأن المياه والصرف الصحي)، والهدف 7 (بشأن الطاقة)، والهدف 8 (بشأن النمو الاقتصادي)، والهدف 9 (بشأن البنى التحتية)، والهدف 10 (بشأن الحد من انعدام المساواة)، والهدف 11 (بشأن المدن والمستوطنات البشرية)، والهدف 12 (بشأن الاستهلاك والإنتاج المستدامين)، والهدف 13 (بشأن تغير المناخ)، والهدف 15 (بشأن التنوع البيولوجي)، والهدف 17 (بشأن وسائل التنفيذ والشراكات). وهذا هو بالضبط ما كان المقصود في مقترح الفريق العامل المفتوح باب العضوية، كما أشير إلى ذلك في مقدمة الوثيقة: "تشكل هذه الأهداف مجموعة متكاملة، لا تقبل التجزئة من الأولويات العالمية من أجل التنمية المستدامة. . . وتضم الأهداف والغايات جوانب اقتصادية، واجتماعية، وبيئية وتعترف بالصلات فيما بينها لتحقيق التنمية المستدامة بجميع أبعادها "(1).

         وستستمر المفاوضات الحكومية الدولية بشأن خطة التنمية لما بعد عام 2015 حتى آب/أغسطس 2015، عندما سيكون بالإمكان إدخال تنقيحات وتعديلات على الحزمة. وستُعتمد مجموعة الأهداف والغايات ووسائل التنفيذ الشاملة، التي ستؤثر تأثيرا عميقا على المسار المستقبلي لجميع المسائل المتعلقة بالتنمية المستدامة، في مؤتمر قمة الأمم المتحدة المكرسة لخطة التنمية لما بعد عام 2015 في أيلول/سبتمبر 2015.  ولذلك، فإنه من المهم للدول الأعضاء والمجتمع المدني أن يواصلا التعبير عن دعمهما لأهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدف 14 بشأن المحيطات والبحار، وأن يبدآ التخطيط لتنفيذها. 

مع الشكر لميريام بالغوس وألكسيس مارتن وإيريكا ويلز.

الحواشي

١ -  تقرير الفريق العامل المفتوح باب العضوية المعني بأهداف التنمية المستدامة التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة 12  آب/أغسطس 2014 (A/68/970).

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.