أهداف التنمية المستدامة وصحة أفضل في عام 2030 

الصحة أساسية في التنمية البشرية. ويعتبر جميع الناس بثبات، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي، أن الصحة الجيدة أولوية الأولويات([i])، وأن الأشخاص الأصحاء لهم أهمية حاسمة في بقاء المجتمعات. ولذلك، فليس من المستغرب أن تكون أربعة من بين الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية تتصل اتصالا مباشرا بالصحة([ii]).

         وقد نجحت الأهداف الإنمائية للألفية في تركيز الاهتمام والموارد العالمية على تحديات عالمية محددة وملحة، منها الجوع وصحة الأم والطفل وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والملاريا. ووُضعت هذه المسائل على رأس جدول الأعمال العالمي، ودُعيت الوكالات الدولية، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، وشركات القطاع الخاص، وغيرها من الجهات صاحبة المصلحة إلى العمل معا من أجل تحقيق تلك الأهداف. ونتيجة لذلك، انخفض الفقر المدقع بمقدار النصف، وأُحرز تقدم كبير في مكافحة الملاريا والسل، وحظي أكثر من ملياري شخص بإمكانية الوصول إلى مياه شرب أكثر أمانا.

         ومع ذلك، وكما هو الحال مع العديد من الغايات العالمية، وإلى جانب مواطن القوة والنجاحات التي تحققت، هناك أيضا تحديات ومواطن ضعف. فقد كان التقدم المحرز متفاوتا، داخل البلدان ذاتها وفيما بينها على السواء. وعلى الرغم من تراجع نقص التغذية المزمن ووفيات الأطفال والوفيات النفاسية، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به. وقد قلص التثقيف العام والفحوص التشخيصية السريعة لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز من عدد حالات الإصابة الجديدة، وباتت العلاجات الأكثر فعالية تسمح للمصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بالعيش لوقت أطول. غير أن إمكانية الحصول على العلاج ينبغي أن تنتشر على نطاق أوسع، كما تنبغي الوقاية من حدوث حالات إصابة جديدة، والحد من الوصمة والتمييز.

         وشجعت الأهداف الإنمائية للألفية تدخلات محددة لفائدة الفئات السكانية الفرعية، خاصة الحوامل والأطفال دون سن الخامسة، بدلا من استهداف كل الناس. غير أن بعض البلدان سعت إلى تحسين المؤشرات من خلال استثمارات في نظمها الصحية من أجل دعم جميع السكان، مما أسفر عن إحراز تقدم هائل في صحة جميع الناس من جميع الأعمار. وركزت بلدان أخرى تدخلاتها على تقديم الخدمات الصحية للحوامل والأطفال الصغار إلى حد كبير، ولم تشهد إلا القليل من التحسن في الصحة العامة لعموم السكان. ولذلك فإن هناك حاجة لخطة جديدة من أجل إعطاء الأولوية للإنصاف في النتائج، ومعالجة النظم الصحية، إضافة إلى استهداف أمراض محددة.

         وعلاوة على ذلك، شهد العبء العالمي للأمراض تحولا كبيرا في السنوات الثلاثين الماضية، حيث زادت الحاجة إلى التركيز على النظم الصحية. وتُعد الأمراض غير السارية مثل السكتة والسرطان والسكري مسؤولة عن نسبة متنامية من الوفيات وحالات الاعتلال في البلدان المتقدمة والبلدان النامية على السواء([iii]). وأدى النمو الاقتصادي السريع في العديد من البلدان النامية، في واقع الأمر، إلى تركها تواجه مفارقة شكلت تحديا أمامها؛ إذ هناك في المناطق الأشد فقرا والنائية جدا الكثير مما ينبغي عمله بشأن خطة الأهداف الإنمائية للألفية، في حين يزداد السكري وأمراض القلب في المدن الأكثر ثراء. وحتى داخل نفس الأسر المعيشية، قد تجعل الديناميات الأسرية بعض أفراد الأسرة يعانون من نقص في السعرات الحرارية أو المغذيات الدقيقة، في حين قد يعاني آخرون من السمنة. ونحن نتطلع إلى المستقبل، نحن بحاجة إلى خطة تنميةٍ لما بعد عام 2015 تكون قادرة على دعم البلدان في معالجة جميع تلك المسائل.

         وأظهرت الأبحاث الطبية أن المسائل الصحية التي كان يلقى بها في وقت من الأوقات إلى مؤخرة الاهتمامات تلعب دورا أكبر بكثير في صحتنا ورفاهيتنا بشكل عام. وتمثل الصحة العقلية إحدى هذه المسائل. وهناك توافق متزايد في الآراء على أننا في حاجة إلى المزيد من العمل من أجل الحد من وصم الأمراض العقلية وتقديم خدمات الصحة العقلية للناس. وتمثل معالجة جودة الهواء داخل البيوت وخارجها، وجودة المياه، وغيرها من المحددات البيئية للصحة مثالا آخر في هذا السياق. وعليه فإن معالجة هذه المسائل أمر حاسم في حماية الصحة العالمية، وينبغي أن تلعب دورا أكبر في خطة التنمية لما بعد عام 2015.

         ولذلك نوصي باعتماد خطة للتنمية لما بعد عام 2015 بصيغة تجدد تأكيد الالتزام بالأهداف الإنمائية للألفية وتتوسع إلى ما وراءها من أجل تغطية مسائل جديدة تستحق الاهتمام العالمي الملح. وبإمكان صياغة الهدف 3- ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار-  أن تستوعب بسهولة مثل هذه الخطة الواسعة. ويمكن للنص الحالي، الذي يشمل غايات محددة بالأرقام فيما يتعلق بوفيات الأطفال والوفيات النفاسية، أن يعيد تنشيط العمل على استكمال تحقيق خطة الأهداف الإنمائية للألفية. وستزيد الغايات التي تعالج الأمراض غير السارية، وتعاطي مواد الإدمان، والصحة البيئية من مستوى الوعي العالمي بأهمية هذه المسائل وستحفز التقدم.

         ولعل أكثر الجوانب ثورية في الهدف الحالي هو الغاية المتعلقة بالتغطية الصحية الشاملة. وتبقى هذه الغاية عُرضة للانتقاد لكونها واسعة جدا وبالتالي من الصعب تحقيقها أو قياسها. غير أن الحاجة للغايات الطموحة عادة ما تبقى قائمة من أجل حفز التقدم. وفي حين أن الأهداف الإنمائية للألفية أعطت الأولوية لتدخلات محددة لفائدة الحوامل والأطفال دون سن الخامسة، تساهم غاية التغطية الصحية الشاملة في تعزيز أنماط عيش أكثر صحية لفائدة الجميع من خلال الاستثمار في النظم الصحية. وهناك عدد متزايد من الأدلة التي تثبت أن الاستثمارات في النظم الصحية عامل أساسي من أجل تحسين النتائج الصحية([iv]).

         وباختصار، تسعى التغطية الصحية الشاملة إلى كفالة أن تكون لجميع الناس إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الجيدة التي يحتاجونها دون أن يعانوا من صعوبات مالية. وهي تدعم زيادة الإنصاف في النتائج الصحية، لأنها تتيح حتى لأشد الناس فقرا إمكانية تحمل نفقات الرعاية اللازمة. وتدعم كذلك اعتماد نهج قائم على مجمل مجرى الحياة من خلال معالجة المسائل الصحية في جميع الأعمار. وعند تنفيذ هذه التغطية تنفيذا سليما، فستلبي الطلب على الرعاية الأساسية للجميع، وستدعم الخدمات التعزيزية والوقائية والعلاجية والمسكنة وخدمات إعادة التأهيل. وأخيرا، يمكن أن تُنفذ التغطية الصحية الشاملة بطريقة تفيد من المحددات الاجتماعية والبيئية للصحة، بما في ذلك الاختيارات السلوكية (الأنماط الغذائية، وممارسة التمارين الرياضية، ونوعية الهواء، وتعاطي التبغ، وما إلى ذلك).

         ويمكن للتركيز على التغطية الصحية الشاملة خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة أن يحدث تحولا حقيقيا في البلدان الغنية والفقيرة على السواء. فمن الأهمية بمكان أن يحظى الناس أجمعون بتحسين الصحة، وليس فقط بعض الفئات. وتبين التحليلات السببية من 153 دولة أن "التغطية الصحية الأوسع نطاقا تؤدي بوجه عام إلى تحسين فرص الوصول إلى الرعاية الصحية الضرورية وتحسن الصحة العامة للسكان، وفي ظلها يحقق الناس الأشد فقرا أكبر قدر من المكاسب"([v]). وقد أظهر تقرير الصحة العالمية لعام 2010 الآثار الكارثية لتكاليف الرعاية الصحية، إذ يعاني حوالي 150 مليون شخص في جميع أنحاء العالم صعوبات مالية وأن 100 مليون يُجبرون على التدحرج تحت خط الفقر نتيجة الإنفاق من أموالهم الخاصة([vi]). وتركز التغطية الصحية الشاملة الاهتمام والجهود على إزالة العقبات المالية التي تحول دون الحصول على الرعاية، والعمل من أجل حصول الجميع عليها، وضمان ألا يتنازل أحد عن العلاج الذي يحتاج إليه بسبب التكاليف.

         وبطبيعة الحال، فإن تحديد أهداف وأولويات عالمية لا يمكن إلا أن يذهب بعيدا إلى هذا الحد. بيد أن الاختبار الحقيقي سيكون هو كيفية تنفيذ هذه الأهداف، وكيفية رصد تقدمها وتقييمه. وبالنظر إلى اتساع نطاق الهدف المتمثل في ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة الأخرى أن تكون عملية بشأن كيفية تنفيذ السياسات ورصد التقدم المحرز. ولا بد حتما أن يكون الاتفاق على أهداف وغايات عالمية، كما هو الحال مع جميع القرارات المتعلقة بالسياسة العامة، عملية سياسية فضلا عن كونها تقنية، حتى مع قبول أصحاب المصلحة المشاركين الانضمام. ولهذا تجب إدارة التوتر الحاصل بين ما هو سياسي وتقني لكي تُصبح الأهداف والغايات قابلة للتنفيذ، حتى يكون من الممكن تتبع ورصد التنفيذ.

         ولا تزال المناقشة بشأن المؤشرات التي يمكن استخدامها وكيفية تمويل أهداف التنمية المستدامة جارية. وقد اقترحت شبكة حلول التنمية المستدامة (www.unsdsn.org) إطارا لمؤشرات ما بعد عام 2015. ويجب أن تكون هذه المؤشرات واضحة وصريحة، ومختارة في إطار توافق آراء مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، ومستندة إلى مصادر البيانات القائمة. وينبغي لهذه المؤشرات أن تقيس النتائج بقدر الإمكان، وأن تكون مصنفة حسب مجموعة واسعة من المتغيرات الاجتماعية-الاقتصادية (السن، ونوع الجنس، والإقامة في مناطق حضرية/ريفية، وما إلى ذلك) من أجل كفالة تقدم متكافئ. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تدعم الحكومات دعوات "ثورة البيانات" والتحرك بأكبر قدر ممكن باتجاه إعداد التقارير السنوية حول البيانات المتاحة للعموم. وتجعل التكنولوجيات الجديدة مثل الهواتف المحمولة والاستشعار عن بعد من السهل بصورة متزايدة جمع وتحليل بيانات ذات جودة عالية على وجه السرعة؛ ولهذا ينبغي أن تستفيد خطة التنمية لما بعد عام 2015 من ذلك.

          ولقد أتيحت لنا فرصة وضع خطة تنمية طموحة قائمة على الإنصاف للسنوات الخمس عشرة المقبلة. هذا وتتقدم العمليات السياسية العالمية صوب تقديم نتيجة مجدية من شأنها أن تحدث حولا في الصحة العالمية. ومع اقترابنا من أيلول/سبتمبر 2015، يجب على أصحاب المصلحة أن يحملوا الحكومات مسؤولية الوفاء بوعودها بعقد اتفاق كبير، وبدء العمل معا من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. 

 

الحواشي

(1) John Helliwell, Richard Layard and Jeffrey Sachs, eds., World Happiness Report (New York, Sustainable Development Solutions Network, 2012).

(2) نحن نعدد هنا الأهداف الإنمائية للألفية 1 (الفقر والجوع)، و4 (وفيات الأطفال)، و5 (صحة الأم)، و6 (فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والملاريا، والسل).

 (3) Institute for Health Metrics and Evaluation (IHME), GBD Compare, Seattle, Washington, University of Washington, 2013. Available from http://vizhub.healthdata.org/gbd-compare.

(4) World Health Organization, Everybody’s Business: Strengthening Health Systems to Improve Outcomes (Geneva, 2007). Available from http://www.who.int/healthsystems/strategy/everybodys_business.pdf.

(5) Rodrigo Moreno-Serra and Peter C. Smith, “Does progress towards universal health coverage improve population health?” The Lancet, vol. 380, no. 9845, (September 2012), pp. 917–923. Available from http://www.thelancet.com/journals/lancet/issue/vol380no9845/pIIS0140-6736(12)X6037-9.

(6)    منظمة الصحة العالمية، تمويل النظم الصحية: السبيل إلى التغطية الشاملة. التقرير الخاص بالصحة في العالم لعام 2010 (جنيف، 2010). متاح على الموقع: http://www.who.int/whr/2010/whr10_ar.pdf?ua=1.