توكل كرمان، الحائز على جائزة نوبل، تتحدث إلى الصحافة عقب إجراءات مجلس الأمن بشأن اليمن، يونيو/حزيران ©UN Photo/Eskinder Debebe

لن ينسى أحد مشاهد النساء اللاتي تجمعن في الشوارع والساحات العامة في العالم العربي، مطالبين بالإطاحة بالنظم القمعية التي استمرت في السلطة لعقود. وكانت تلك المشاهد إشارة هامة إلى أن المجتمع العربي يتغير نحو الأفضل.

وقد صدمت المشاركة الواسعة للمرأة في ثورات الربيع العربي الأنظمة السلطوية التي كانت تتوقع أن تظل النساء حذرات وألا تشاركن في مظاهرات شعبية يمكن أن تشكل مخاطر خطيرة على حياتهن. وقد أربكت مشاركة النساء في احتجاجات عام 2011 الديكتاتوريات وأجهزة الاستخبارات، حيث أظهرت مدى الرفض الشعبي لهذه الكيانات وساهمت في سقوط العديد من الأنظمة القمعية بسرعة. كما كشفت عن الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه المرأة في تحدي مقاومة التغيير، وعدم وجود أي إصلاح سياسي ذي معنى، وأنظمة سلطوية مليئة بالمحسوبية والفساد والرشوة. ولم تتوقع النخب السياسية والثقافية أن تشارك المرأة في الانتفاضات الشعبية.

واليوم، يتحسر البعض على الأوضاع المتدهورة للمرأة نتيجة للثورات المضادة التي استخدمت أشكالاً مختلفة من القمع والعنف المسلح ومصادرة الأماكن العامة. لقد ألقوا باللوم على الربيع العربي، وهو أمر مثير للدهشة.

فالانتفاضات الشعبية العربية لم تكن استجابة لمتطلبات أجنبية، ولم تنفجر من مكائد ودوافع بلدان أخرى أو كنزوة للأطراف المحلية. إن الاستعراض الشامل لحالة حقوق الإنسان، فضلاً عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان التي وقعت فيها الانتفاضات، تشير جميعها إلى حتمية قيام تلك الثورات. فالشباب الذين سئموا من الاستبداد والفساد والرشوة لم يكن لديهم خيار آخر سوى المضي قدماً بهذه الطريقة.

وفي عام 2011، فاجأت النساء الجميع عندما قررن التغيير من كونهن ضحايا إلى قائدات ملهمات. ويمكننا الآن أن نقول بثقة إنَّ النساء والشباب هم من جلبوا الربيع العربي، وقدموا تضحيات ودفعوا ثمناً باهظاً لمشاركتهم خلال الانتفاضات وبعدها.

لماذا قامت النساء بتلك الخطوة غير المتوقعة؟ ربما لأنهن، شأنهن في ذلك شأن شباب تلك البلدان، كانوا أكبر ضحايا تلك الأنظمة الفاسدة التي أخفقت في احترام الكرامة الإنسانية وفشلت في أن توفر لهن الحرية والحريات الأساسية والمساواة في الحقوق. ومن ثَمَّ، فهن المستفيدات الرئيسيات من التغيير، وقد حرصن على استمرار التغيير كل يوم.

ومثلما شكلت النساء طليعة الثورات، فقد كن أيضاً أكبر ضحايا الثورات المضادة، مما أدى إلى الانتقام منهن بمجرد أن تصور المضطهدون أنهن حققن انتصاراً. لكن الثوار لا ينسوا ثورتهم؛ وأحلام الشعوب لا تتلاشى، لكنها تتحقق في النهاية.

وعلى الرغم من مشاركتهن في طليعة مظاهرات الربيع العربي، إلا أنه من المحبط أن يتم تجاهل النساء في الترتيبات السياسية، وأن يكون وجودهن في أعلى المستويات الحكومية أقل مما ينبغي. إنَّ المشاركة المنخفضة جداً للنساء والشباب في الحكومات الانتقالية هي نتيجة للثورات غير المكتملة. غير أنَّ الأحداث اللاحقة أثبتت أنَّ من مصلحتهم البقاء خارج هذه الحكومات، لأنَّ ذلك مكنهم من أداء دور المراقبين، وإبراز أوجه القصور وإخفاقات السلطات. وتمكنوا من المساهمة بأصوات مخالفة خلال الفترة الانتقالية، وانتقدوا أوجه القصور الحكومي. ومنذ ذلك الحين، بذلت النساء قصارى جهدهن لدعم التحولات الديمقراطية وشاركن بأعداد غفيرة في جميع الانتخابات. ومع ذلك، فإن العملية السياسية وجهود النهوض بالمرأة، التي بلغت ذروتها خلال الربيع العربي، فقدت زخمها منذ ذلك الحين.

ويتمثل أحد أسباب عدم استفادة أحد من رؤى وقدرات النساء والشباب في غياب الكيانات السياسية التي تؤمن بأهمية أدوار تلك الفئات في صنع القرار وبناء الدولة. وسيظل هذا المنظور قائماً حتى يقوم الشباب والنساء بإنشاء أحزاب سياسية جديدة يمكنها أن تستوعب طاقتهم وأفكارهم. وعلى الرغم من عدم مشاركة النساء في مؤسسات الدولة، فقد تمتعن بحريات سياسية أكبر خلال الفترة الانتقالية في بلدان الربيع العربي، ومارسن أشكالاً مختلفة من التعبير، مثل المشاركة في المظاهرات وفي المعارضة المنظمة.

وبعد أن لجأت قوى الثورة المضادة إلى العنف، لم تمنح الحكومات الانتقالية ولا القوى الثورية أية فرصة لتحقيق التنمية السياسية وبناء المؤسسات الديمقراطية للنهوض بدولها. ويبدو أن تونس وحدها هي التي تمكنت من اجتياز تداعيات الثورات المضادة حتى الآن. وخلافاً لما حدث في مصر واليمن وليبيا، حيث تمَّ فقد كل التقدم المُحرَز بسبب الانقلابات والثورات المضادة، فإن الحقوق والحريات التي اكتسبها التونسيون بعد الانتفاضات ما زالت قائمة ويتمتع بها الجميع.

ومن المعروف أنه كان هناك هامش واسع من الحقوق والحريات في بلدان الربيع العربي، حيث ازدهرت أشكال الحرية المختلفة، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والصحافة، فضلاً عن حرية تكوين الجمعيات وحرية التظاهر. ولا يمكن التقليل من شأن هذه الحقوق، لأنها تقوم بتعبئة المجتمعات للمضي قدماً في التنمية السياسية وإجراء المزيد من الإصلاحات لتحقيق أهدافها.

لقد أثبت التاريخ أننا لا نستطيع الحديث عن حقوق المرأة دون الحديث عن حقوق الإنسان. وفقط، في الدول الديمقراطية التي تكفل حقوق وحريات جميع المواطنين، يُمكن الاعتراف بالمرأة على أنَّها على قدم المساواة مع الرجل بموجب القانون. إن المعركة التي يجب أن تشنها المرأة اليوم لا ينبغي أن تكون معركة تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية، وإنما تلك التي ستحرر المجتمعات من الخوف والفقر والاستبداد. وهذه الأهداف لن تتحقق بدون تغييرات جذرية تؤثر حتماً على الدكتاتوريين والقوانين والدساتير والمؤسسات والسياسات. تبدأ المرحلة الأولى بإطاحة الطغاة. ثُم يتعين إدخال تغييرات جوهرية على المؤسسات القائمة. ويمكن بعد ذلك تغيير السياسات من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وينبغي فهم معركة الربيع العربي وخارطة الطريق للنضالات المستقبلية بهذه الطريقة. هذا هو ما يجب على النساء الكفاح من أجله، ولا ينبغي أن يصرن ضحايا للخداع والمعارك التي لا طائل منها. إن تعزيز حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحمايتها هي الطريق الصحيح للمرأة للحصول على حقوق متساوية. ولا يتعين علينا القبول بمكاسب طفيفة مثل تلك التي كانت قائمة قبل الربيع العربي.

اليوم، وباستثناء تونس، تدفع النساء في بلدان الربيع العربي ثمن الوقوف من أجل التغيير. وقد قرر المناهضون للثورات معاقبة النساء على دورهن في الانتفاضات، ولكن هذه التدابير لم تنجح في كسرهن. ففي العاصمة اليمنية صنعاء التي تخضع حالياً لسيطرة الميليشيات الحوثية الإيديولوجية، فقط النساء هُن مَن يقمن بتنظيم مظاهرات احتجاجية والمشاركة في الاعتصامات، مما يدل بوضوح على أنهن قررن مواصلة الكفاح من أجل الحرية. وفي سوريا، تبقى المرأة ثابتة في مواجهة كلٍ من الطغيان والتطرف، في حين أنَّ المرأة في مصر جريئة بما فيه الكفاية لانتقاد عدم وجود الحقوق والحريات الأساسية في ظل الحكم العسكري. ويدل ذلك على أنه بعد الربيع العربي، اختلفت النساء عمَّ كن عليه من قبل.

إن هذا التغيير يشكل أيضاً عنصراً هاماً في استعادة الثورات. ومن الصعب الاستمرار في الكذب نيابة عن المرأة، كما حدث في الماضي. ويجب على النساء، وكذلك الرجال، أن يدركوا أن كل شيء قد تغير.