27 أيلول/سبتمبر 2017

في عام 1997، حدث مشهد درامي بالقرب من لوس انجليس، حيث تم اكتشاف أنثى حوت رمادي حديثة الولادة محصورة في مارينا ديل ري. وقد انفصلت عن أمها خلال الهجرة السنوية من ألاسكا إلى المكسيك. وقام المئات من المتطوعين بقيادة القوارب وشاحنات النقل واستخدموا نقالات مؤقتة لنقل أنثى الحوت الصغيرة الوحيدة هذه لأكثر من 100 ميل إلى سان دييغو في محاولة يائسة لإنقاذ حياتها.

سميت "جيه جيه" من قبل منقذيها، وصلت ضعيفة، متعطشة للماء وفاقدة للإحساس بالمكان والزمان، ولكن بعد 18 شهراً في الرعاية، استعادت عافيتها وتَمَّ إطلاق سراحها مرة أخرى إلى المحيط.   بينما كان العديد من الناس يحتفلون في ذلك اليوم، فإنَّ التحديات التي تغلبت عليها "جيه جيه" لا تمثل شيئاً بالمقارنة بالتهديدات التي تواجهها هي وفصيلة الحوت الرمادي برمتها الآن بعد 20 عاماً.

يتمثل التهديد في تغير المناخ.

واليوم تتعرض محيطاتنا لضغوط هائلة نظراً لأنَّ مياهها تمتص الكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة التي   يتم ضخها في الهواء بسبب النشاط البشري، مما يؤدي إلى زيادة حموضتها بنسبة 30 في المائة. وقد أدى تقدم الجنس البشري، ولا سيما منذ الثورة الصناعية، إلى آثار مدمرة على مناخنا بأكمله، وهذه الآثار سائدة بشكل خاص في محيطاتنا.

الاصداف البحرية ضعفت، والتكوينات المرجانية القديمة الضخمة تبييض، والنظم الإيكولوجية الأساسية تموت. وتتعرض السلسلة الغذائية البحرية للخطر: حيث أنَّ المحارات الملزمية، والمحارات، وجراد البحر، والسلطعون، التي تشكل غذاءاً رئيسياً لمخلوقات بحرية كبيرة مثل الفقمة، وثعالب الماء، وعجل البحر، تتعرض لخطر الانقراض. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو يتمثل في أنَّ العوالق، ومزدوجات الأرجل (مخلوقات صغيرة تشبه الروبيان) وغيرها من الكائنات المجهرية التي تحافظ على الحيتان العملاقة والأسماك من جميع الأنواع والأحجام، أصبحت من الصعب العثور عليها. هذا الاتجاه المخيف يعني أنَّه من المرجح ل جيه جيه أن تموت جوعاً قبل نهاية عمرها الطبيعي، والكثير من الحياة البحرية التي يعتمد عليها مليارات البشر سوف تختفي.

وخلافاً للتهديدات الأخرى التي تتعرض لها المحيطات، مثل التلوث البلاستيكي والصيد الجائر، فإنَّ هذه التغييرات ليس من السهل ترقبها، ولكن هناك تحذيرات واضحة. ويتعرض أكثر من نصف أنواع البطريق السبعة عشر في العالم للخطر الآن، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى الانخفاض في إمداداتها الغذائية، ذلك الانخفاض المرتبط بتغير المناخ. كما أنَّ المحارات الشائعة أصبحت أصغر حجماً من أي وقت مضى، وهي تختفي بالفعل أمام أعيننا، وسوف يعاني البشر أيضاً من تلك الخسارة. وقد تبين أنَّ البروتين الموجود في صدفة المحار الشائع يمكنه علاج السرطان. فلمن سنلجأ عندما تختفي؟

ونتيجة لتغير المناخ، فإن محيطات العالم ترتفع درجة احترارها إلى درجة لا يمكنها فيها استيعاب تلوثناً، مما يعني أن الجهود الرامية إلى خفض انبعاثات الكربون يجب أن تذهب إلى ما هو أبعد من المستويات التي حددها اتفاق باريس لعام 2015 إذا ما أردنا أن نتجنب معظم الآثار الكارثية.

وقد أدى ارتفاع مستوى سطح البحر والأضرار التي لحقت بالمناطق الساحلية من العواصف الأكثر كثافة والأطول أمداً إلى القضاء على المجتمعات الضعيفة والمنخفضة وسبل عيش الصيادين المحليين والعمال السياحيين والمزارعين وغيرهم الكثيرين. وقد أدى تعطشنا للنفط إلى تسريبات نفطية ضخمة زادت الطين بلة.

ولكن هناك أمل.

لقد مهدت اتفاقية باريس الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة لكوكب الأرض وخاصة المحيطات. وقد دعمت مؤسستي البحث في مشروع الحلول (http://thesolutionsproject.org) الذي يبين أن العالم يمكن أن يكون مزوداً بنسبة 100 في المائة من الطاقة النظيفة والمتجددة بحلول عام 2050. وفي فييتنام، يجري استعادة أشجار المنغروف على طول الساحل لاستيعاب الكربون، وتوفير حضانات لأنواع الأسماك التي لا تعد ولا تحصى، وعزل الساحل وحمايته من العواصف العنيفة. وفي المياه نفسها بالقرب من لوس انجليس حيث تم العثور على جه جيه قبل عقدين من الزمن، يقوم المتطوعون بإعادة زراعة غابات عشب البحر العملاقة الحيوية التي هي موطن لـ 800 نوع من النباتات والحيوانات الأخرى، والتي توفر الأكسجين للجميع على كوكب الأرض.

هل سيكون ذلك كافياً؟ لقد جاء مئات المتطوعين معاً لإنقاذ "جيه جيه"- أناس من جميع مناحي الحياة، وجميع الأعمار، وجميع الخلفيات. لقد تركوا ذواتهم وجداول أعمالهم على الشاطئ وقاموا بالغطس، بالمعنى الحرفي تماماً، لإنقاذ مخلوق في حاجة ماسة للمساعدة. ويمكننا أن نفعل ذلك مرة أخرى من أجل محيطاتنا، وأنفسنا، ومستقبلنا. ولكن كما اتخذنا قراراً واعياً لإنقاذ "جيه جيه" ذات مرة، فنحن الآن بصدد اتخاذ خيار آخر عميق بنفس القدر يتعلق إما بمنحها حياة طبيعية كاملة، أو السماح بالمزيد من تدهور المحيطات، ذلك التدهور الذي سيؤدي إلى تجويعها، ودفعها للموت قبل الآوان. وإذا حدث ذلك، فإننا نحكم على أطفالنا أيضاً بنوعية حياة أكثر جفافاً من الحياة التي نعتبرها اليوم شيئاً مُسلَّماً به.

ونحن نعلم أن البشرية قوية بما فيه الكفاية - وعلى ما يبدو حمقاء بما فيه الكفاية - لتغيير نفس التركيب الكيميائي لثلثي الكوكب. إنَّ نفس الإنذار والإلحاح الذي نشأ لإنقاذ "جيه جيه" في عام 1997 يحتاج إلى أن يحدث اليوم مع تزايد التهديد الهائل لها ولفئة كاملة من التنوع البيولوجي البحري. إن هدف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة رقم 14 يطلب منا "الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام من أجل التنمية المستدامة". دعونا نتذكر أنَّ هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق فقط عن طريق الحد من عدد الأسماك التي نأخذها من البحر أو عن طريق إنهاء استكشاف النفط المحفوف بالمخاطر في المياه الساحلية، ولكن أيضا من خلال القضاء على التهديدات التي تواجه محيطاتنا من تغير المناخ والانبعاثات التي نحدثها هنا على الأرض.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.