27 أيلول/سبتمبر 2017

تواجه محيطات العالم تحديات متزايدة، في ظل التهديدات التي يمثلها تغير المناخ، والتلوث والصيد الجائر. وفي ضوء هذه التحديات، أصبح من الهام بصورة متزايدة ترك مساحات واسعة من المحيط للسماح للنظم البيئية بالعمل في حالتها الطبيعية. وعلى الصعيد العالمي، أصبحت المزيد من الدول تعتمد على المناطق البحرية المحمية والمحميات البحرية، مما يتيح لمناطقها على كوكبنا الأزرق فرصة صعبة.

تستحوذ أستراليا على العديد من القضايا على المحك باعتبارها صاحبة ثالث أكبر منطقة بحرية في العالم، وبعض من الحياة البحرية الأكثر تنوعا على الأرض. إن قارتنا نشأت عن تقاطع ثلاثة محيطات رئيسية، وتحتوي على نظم بيئية استوائية، ومعتدلة، وشبه قطبية جنوبية، مع الكثير من الحياة البحرية التي لا توجد في أي مكان آخر. ومن منظور تاريخي، فإن أستراليا قد مهدت الطريق نحو الحفاظ على الحياة البحرية العالمية. ففي ثمانينيات القرن العشرين، قمنا بإنشاء المنتزه البحري للحاجز المرجاني العظيم، وفي عام 2012، أعلنا عما كان سيصبح أكبر شبكة وطنية في العالم ممثلة للمنتزهات البحرية والمحميات. وتفخر هذه الشبكة بوجود 60 منتزه بحري كبير حول السواحل الوطنية للدولة، حيث كان الهدف الرئيسي منها الحفاظ على التنوع البيولوجي.

حظي إعلان تشكيل شبكة المحميات البحرية بأغلبية ساحقة من الشعب الاسترالي. فقد تحقق بعد 15 عاما من الدعم والبحث العلمي والتشاور، وأكثر من عقد من العمل من جانب الحكومات المتعاقبة من كلا الحزبين الرئيسيين. وقد اجتاز نظام الاحتياطي البحري ست جولات من المشاورات الشعبية، حيث قدم أكثر من ثلاثة أرباع مليون شخص مذكرات، أي ما يمثل 95%، لصالح حماية أكبر للمناطق البحرية الأسترالية.

وشملت الشبكة قرابة ثلث مياه الكومنولث البحرية الأسترالية، مع تحديد 14% منها كمناطق محرمة عالية الحماية. ورغم أن ذلك لا زال أقل من توصية مؤتمر المنتزهات العالمية بحماية 20 إلى 30% من المناطق البحرية والساحلية في المناطق المحرمة، إلا أنه يمثل زيادة كبيرة عن نسبة 4% السابقة.

وعلى الرغم من هذا التقدم، تم إيقاف الاحتياطيات البحرية الأسترالية عن التشغيل من جانب حكومة حديثة التعيين، حيث أمرت بإجراء مراجعة في خلال أول 100 يوم من توليها مقاليد الأمور.1 وأشارت المؤسسات البحثية الرائدة، بما في ذلك رابطة العلوم البحرية الأسترالية ومركز البيئة في جامعة كوينزلاند، إلى عدم وجود أبحاث وراء قرار الحكومة بتعليق شبكة المحمية البحرية 2، ولكن هذه الحجج لم تلق غير آذان صماء.

يقع أكبر وأهم منتزه في نظام المحميات، محمية كومنولث بحر المرجان البحرية، بالقرب من الحاجز المرجاني العظيم. وهو يمثل أيضاً المحمية التي من المرجح أن تتأثر بشدة من المراجعة.

بحر المرجان - نقطة حية للتنوع البيولوجي

يقع بحر المرجان شمال شرق ساحل كوينزلاند في استراليا. ويحيط به من الغرب الحاجز المرجاني العظيم، ومن الشمال منطقة مضيق توريس المحمية. وترتبط بيئات المحيطات هذه ارتباطاً وثيقاً، ويجب أن يتم إدارتها كنظام بيئي واسع النطاق، ولا سيما في ضوء حالة انهيار الحاجز المرجاني العظيم، التي يتعرض لضغوط كبيرة وفقد نصف غطاءه المرجاني في السنوات الـ 27 الماضية. وقد عانى في الأشهر الـ 13 الماضية، من حادثي تبييض شديد متتاليين، إلى جانب إعصار من الفئة الرابعة. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يتم بعد تحديد نتائج هذه الآثار الأخيرة.

ويمثل بحر المرجان، الذي يمتد بطول الحاجز المرجاني العظيم، نقطة حية للتنوع البيولوجي تحتوي على 49 موطناً مختلفاً يدعم أكثر من 300 فصيلة مهددة من الكائنات. وهو يحظى بشهرة عالمية لما فيه من تنوع من الكائنات المفترسة الكبيرة، مثل أسماك القرش، والتونة، وسمك مارلين، وسمك أبو سيف، والسمك الشراعي، وهو أحد الأماكن الأخيرة على الأرض التي لم يقم السكان بإنهاكه بشدة. يوفر بحر المرجان موطن لكثير من الأنواع المهددة بالانقراض، بما في ذلك سلاحف منقار الصقر والسلاحف الخضراء. وهو موطن لـ 28 نوعاً من الحيتان والدلافين و27 فصيلة من الطيور البحرية.

حلقة وصل بيولوجية هامة

يشكل بحر المرجان حلقة وصل هامة بين غرب المحيط الهادئ والحاجز المرجاني العظيم، وكذلك إلى مثلث المرجان في جنوب شرق آسيا. وهو يوفر العديد من المراحل الضرورية التي تسمح بالتبادل الجيني بين الفصائل عبر تيارات المحيطات، والتي تنقل الجراثيم واليرقات والحيوانات المهاجرة. كما يلعب أيضاً بحر المرجان دوراً هاماً في تجديد الحاجز المرجاني العظيم بحياة جديدة. وهو يتلقى تيارات المحيطات التي تتدفق غربا من فانواتو التي تستعيد المجتمعات البيولوجية التي تنمو على شعابها الناشئة.

ما هي الأجزاء المعرضة للخطر بموجب الاقتطاعات المقترحة؟

بحر المرجان هو أحد الأماكن القليلة جدا في العالم، التي يمكن فيها حماية الحياة البحرية الاستوائية السليمة نسبيا على نطاق واسع. في الواقع، وجدت الدكتورة دانييلا سيكاريلي، مستشارة البيئة البحرية في مركز التميز لدراسات الشعاب المرجانية التابع لمجلس الأبحاث الأسترالي (ARC)، أن مناطق محمية بحر المرجان تمثل "على الأرجح البيئة السطحية الاستوائية الوحيدة التي لم تتأثر بشكل ملحوظ بالصيد، حيث يمكن إنشاء منطقة ذات نطاق واسع جدا وإدارتها بفعالية.3 وتعد المحمية البحرية، وفقاً للاقتراح الأصلي، موطناً لأكبر منطقة محمية في أستراليا، وإحدى الأماكن القليلة في العالم التي يمكن فيها إنشاء مثل هذه المحمية البحرية الكبيرة لحماية بيئة بحرية استوائية صحية نسبيا. وهو ما يجعل قيم حماية بحر المرجان ذات أهمية عالمية.4

هضبة ماريون هي إحدى ثلاث سمات بيئية لبحر المرجان.5 تزيد منطقة المحمية في شعاب ماريون من حماية الشعاب المرجانية، وجز الشعاب، والأسماك التي تتغذى على الأعشاب من الهضبة. وعلى نفس الدرجة من الأهمية، فإن محمية كومنولث بحر المرجان البحرية في بحر المرجان هي المكان الوحيد في أستراليا حيث يتم حماية بيئات الجبال البحرية الاستوائية.

كشفت عملية تقييم المخاطر الخاصة بالحكومة أن هناك ثماني ممارسات صيد تجارية غير متماشية مع قيم حماية بحر المرجان.6 غير أن مشروع خطة الإدارة الجديد للمراجعة يقترح إزاحة الستار عن ممارسات الصيد المكثفة هذه في المحمية. وعلاوة على ذلك، فإن هناك مخاوف رئيسية داخل المجتمع العلمي بخصوص المستوى المنخفض لخطة الإدارة الجديدة لحماية المواطن الفريدة من نوعها في بحر المرجان، ولا سيما أحواض المياه العميقة، والنظم البيئية المفتوحة (المياه السطحية) والشعاب المرجانية الفريدة من نوعها.7

وكانت شبكة المحمية البحرية تهدف إلى تحقيق تغطية شاملة وتمثيلية للنظم البيئية الرئيسية في أستراليا. وبدلا من المبالغة في السعي لذلك، افترض العديد من العلماء بأن النسبة في مناطق المحمية غير كافية لتحقيق حماية التنوع البيولوجي.8 وفي الواقع، وبالنسبة لبحر المرجان على وجه التحديد، فإن البيان العلمي بإجماع الآراء -والذي قام بتسهيل الحصول عليه مركز التميز لدراسات الشعاب المرجانية التابع لمجلس الأبحاث الأسترالي (ARC)، وأقرته رابطة العلوم البحرية الأسترالية، وكذلك ما يزيد عن 300 عالم - قد أثار المخاوف بشأن عدم كفاية الحماية للمواطن الرئيسية في الأجزاء الجنوبية والغربية من بحر المرجان.9 وتسعى عملية المراجعة الأخيرة إلى الحد بشكل كبير مما حدده المجتمع العلمي بالفعل كوسائل حماية غير كافية أو ذات مستوى منخفض.

السياق الاقتصادي والاجتماعي

توصّل مركز جغرافيا الحماية إلى أن القيمة الاجتماعية والاقتصادية الصافية لمحمية كومنولث بحر المرجان البحرية، بالنسبة للمجتمع الاسترالي، تبلغ 1.2 مليار دولار.10 وبالإضافة لذلك، وجدوا أنه من المتوقع أن توفر المحمية زيادة صافية قدرها 100 وظيفة، فضلاً عن أن الآثار الإيجابية المترتبة على سياحة الطبيعة والصيد الترفيهي، تفوق أية آثار سلبية محتملة ناجمة عن الصيد التجاري بمقدار 5 ملايين دولار سنوياً على الأقل. تحقق المحمية نجاحا هائلاً في الحد من تغيير مواقع أنشطة الصيد التجارية، حيث تم تقدير أقصى تأثير سلبي محتمل بحوالي 4.2 مليون دولار.11 ومن المتوقع أن يؤدي إنشاء المحمية إلى توسيع قطاع السياحة بنسبة 150%، وهو ما يمثل عائداً في المبيعات المباشرة بقيمة 9 ملايين دولار.12

تم تخصيص ما يصل إلى ثلث المحمية ليصبح موقعاً مقصوراً على الصيد الترفيهي الخاضع للضوابط، وتأسيس ما يعد فعلياً أكبر منطقة صيد ترفيهية في التاريخ الاسترالي. لقد حقق التقسيم الأصلي المقترح في عام 2012 توازنا جيدا بين حماية عالية المستوى لمنطقة المحمية من جهة، والاستخدام التجاري من جهة أخرى. إلا أن المراجعة تغامر بذلك إلى حد بعيد، حيث تتم الآن دراسة إجراء اقتطاعات كبيرة من الحماية.

ما هو الموقف الحالي؟

أصدرت المراجعة تقريرها الأول الذي يوضح التخطيط المقترح للاقتطاعات من شبكة المحميات البحرية الأسترالية، مع اعتبار بحر المرجان في القلب منها، تلك المحمية التي تواجه أكبر التهديدات. تم استلام 50000 مذكرة مقنعة، تدعو حكومة أستراليا إلى عدم إجراء أية اقتطاعات، بل بدلا من ذلك تقوم باستعادة النظام الكامل للمحميات والمواقع البحرية المحرمة. ومن المهم ملاحظة أن ما يزيد على 5000 مذكرة قد وردت من محبي الصيد الترفيهي. وفي وقت كتابة هذا التقرير، يعمل العديد من العلماء الأستراليين، والمهتمين بالشأن البحري، ومحبي المحيطات، بكد للحيلولة دون تدهور محمية كومنولث بحر المرجان البحرية. وتعتقد الجمعية الأسترالية لحفظ الطبيعة البحرية (Australian Marine Conservation Society)، إلى جانب تحالف إنقاذ حياتنا البحرية (Save Our Marine Life) المكون من 25 مجموعة حماية، أنه يجب اعتبار المراجعة الحالية للمحميات البحرية كفرصة للتعامل مع نقاط الضعف في الخطة السابقة، وزيادة حماية المحيطات الأسترالية، وليس الاقتطاع منها. وهذا أمر ضروري إذا ما قررت أستراليا المضي قدماً للوفاء بالتزاماتها الدولية لحماية التنوع البيولوجي.

من المتوقع أن تقوم الحكومة بإصدار خطط الإدارة المنقحة الخاصة بالمحميات البحرية المعلقة، للقيام بجولة نهائية من المشاورات العامة في أواخر أيار/ مايو 2017.

 

يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات في تقرير تم إعداده من طرف تحالف إنقاذ حياتنا البحرية، بعنوان محمية بحر المرجان البحرية: مركز جغرافيا المحميات. تقرير مقدم إلى عملية مراجعة المحميات البحرية التابعة للحكومة الأسترالية. متاح على الرابط:
 http://conservationgeography.org/content/ccg-coral-sea-report-australias....

 

ملاحظات

1 للاطلاع على مزيد من المعلومات عن عملية المراجعة المستقلة لمحميات الكومنولث البحرية، يُرجى مراجعة الموقع الإلكتروني للحكومة الأسترالية على العنوان http://www.environment.gov.au/marinereservesreview/home.

2 جوديث فرايدلاندر (Judith Friedlander)، التراجع في المحميات البحرية بالرغم من التوسع في الأبحاث (Marine reserves ditched despite tide of research)، جريدة سيدني مورنينج هيرالد، 13 أيلول/ سبتمبر 2014. متاح على الرابط: http://www.smh.com.au/environment/marine-reserves-ditched-despite-tide-o....

3 دانييلا سيكاريلي (Daniela Ceccarelli)، "بحر المرجان في استراليا: ملف بيولوجي فيزيائي" (Australia's Coral Sea: a biophysical profile)، تقرير ([كانبرا]، مجموعة Pew للبيئة. حماية بحر المرجان، 2011)، صفحة 3. متاح على الرابط:

http://www.hsi.org.au/editor/assets/marine_conservation/082011%20Austral....

4 دانيل بيفر (Daniel Beaver) وآخرون، محمية بحر المرجان البحرية: مركز جغرافيا المحميات. تقرير مقدم إلى عملية مراجعة المحميات البحرية التابعة للحكومة الاسترالية. (The Coral Sea Marine Reserve: Centre for Conservation Geography Report to the Australian Government's Marine Reserves Review.)، الإصدار 1.0 ([كانبرا]، مركز جغرافيا المحميات، 2015) صفحة 7، متاح على الرابط:  http://conservationgeography.org/sites/default/files/CoralSeaMarineReser....

5     كومنولث أستراليا/ 2012. الخصائص النظام البيئي الأساسيةhttp://www.environment.gov.au/metadataexplorer/full_metadata.jsp?docld={093A2086-7DE3-41A7-B407-SBCCA7F400AS}&Ioggedln=false.

6    بيفر (Beaver) وآخرون، المرجع السابق، صفحة 4.

7    المرجع نفسه.

8    نيك باكس (Nic Bax) وإيان كريسويل (Ian Cresswell)، "المحميات البحرية لا تعني بإغلاق مصايد الأسماك، بل الحفاظ على صحة المحيط" (Marine reserves not about closing fisheries, but about preserving ocean health)، الحوار، 27 آب/ أغسطس 2012. متاح على الرابط: http://theconversation.com/marine-reserves-not-about-closing-fisheries-b....

9    مركز التميز لدراسات الشعاب المرجانية التابع لمجلس الأبحاث الأسترالي: دراسات الشعاب المرجانية، اقتراح المحمية البحرية للشعاب المرجانية (Coral Reef Studies, Coral Sea Marine Reserve Proposal)،  مذكرة لمسودة اقتراح محمية الكومنولث البحرية لبحر الشعاب المرجانية (2012). مُشار إليه في بيفر وآخرون، صفحة 27.

10    بيفر (Beaver) وآخرون، المرجع السابق، صفحة 4.

11 كومنولث أستراليا، استكمال شبكة محميات الكومنولث البحرية: بيان الآثار التنظيمية (كانبرا، ACT، أستراليا، القسم البحري، قسم الاستدامة، والبيئة، والمياه، والتلوث، والمجتمعات، 2012)، صفحة 50. متاح على الرابط: http://ris.pmc.gov.au/sites/default/files/posts/2012/06/03-Completing-th.... مُشار إليه في بيفر وآخرون، المرجع السابق، صفحة 15.

12 كومنولث أستراليا، دليل إلى التكامل الإقليمي والساحلي المتكامل لأستراليا الإصدار 4.0. (كانبرا، أستراليا، قسم البيئة والتراث، 2006). متاح على الرابط: https://www.environment.gov.au/system/files/resources/2660e2d2-7623-459d.... مُشار إليه في بيفر وآخرون، المرجع السابق، صفحة 16.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.