10 تموز/يوليه 2019

إن السياسات السكانية اليوم تتعلق بالأشخاص، وليس بالأرقام، وبشأن حقوق الأفراد والأزواج في أن يقرروا بحرية ما إذا كانوا سينجبون أطفالاً، ومتى سينجبون، وعدد هؤلاء الأطفال. لكنها لم تكن دائما بهذه الطريقة.

في عام 1969، وهو العام الذي تم فيه إنشاء صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، وهو وكالة الأمم المتحدة للصحة الجنسية والإنجابية، بلغ عدد سكان العالم 3.6 مليار نسمة وكان هذا العدد ينمو بسرعة. وكانت معدلات الخصوبة في جميع أنحاء العالم حينها ضعف ما هي عليه اليوم.

  وفي ذلك الوقت، شعرت العديد من الحكومات بالقلق إزاء تأثير النمو السكاني على اقتصاداتها ومجتمعاتها وبيئاتها. قبل عام واحد فقط، صدر كتاب بول إيرليخ، القنبلة السكانية، [i]، محذراً من أنَّ "الزيادة السكانية" من شأنها أن تؤدي إلى المجاعات وتدمير الكوكب، ويدعو إلى السيطرة على النمو السكاني لوقف الأعداد المتزايدة من البشر. ومع ذلك، لم يشارك الجميع رأي إيرليخ حول النمو السكاني وأفضل السبل للتعامل معه. اجتمع المجتمع الدولي في نفس العام في طهران، بإيران، حيث اتفقت الحكومات على أنَّ "للآباء حقًا إنسانيًا أساسيًا في تحديد عدد أطفالهم ومباعدتهم بحرية وبمسؤولية".[ii]

وفي هذا السياق، تم إنشاء صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) لتقديم المشورة للبلدان النامية بشأن الآثار المترتبة على النمو السكاني السريع ودعم البرامج السكانية الوطنية، التي بدأت في توزيع وسائل منع الحمل على نطاق غير مسبوق. من خلال هذه البرامج، أصبحت الخيارات الإنجابية الحقيقية حقيقة واقعة بالنسبة إلى المزيد والمزيد من النساء. ونتيجة لذلك، اكتسبت النساء القوة للسيطرة على خصوبتهن وبدأن في إنجاب عدد أقل من الأطفال. على الرغم من زيادة توافر وسائل منع الحمل، ظلت مئات الملايين من النساء غير قادرات على الوصول إلى تلك الوسائل. إن الحواجز التي تراوحت بين ارتفاع التكاليف والإمدادات المحدودة في المناطق النائية والمواقف السلبية تجاه وسائل منع الحمل منعت العديد من النساء من اتخاذ قرارات بشأن أجسادهن، بما في ذلك ما إذا كن يرغبن في الحمل ومتى يكون ذلك.

خلال ربع القرن المقبل، دفعت حركة شعبية بقيادة مجموعات نسائية ليس فقط إلى توفر المزيد من وسائل منع الحمل ولكن أيضاً من أجل الإجراءات التي من شأنها أن تساعد في هدم الحواجز المتبقية أمام المعلومات والخدمات. مهدت هذه الحركة الطريق إلى إحداث تحول أساسي في الطريقة التي تعاملت بها الحكومات في كل مكان مع السياسات السكانية. والعديد من البرامج السابقة كانت تهدف فقط إلى تقليل عدد الأطفال لدى الأزواج. بينما ركزت البرامج الأحدث على أهمية إعطاء المرأة السلطة والوسائل اللازمة لإدارة خصوبتها.

 وبلغ هذا التحول ذروته في اعتماد 179 حكومة لبرنامج العمل الرائد للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) في القاهرة في عام 1994. يهدف برنامج العمل إلى تمكين المرأة وجعل الصحة الإنجابية حقيقة واقعة للجميع، مع إعادة التأكيد على حق الأفراد والأزواج في أن يقرروا بحرية وبمسؤولية عدد أطفالهم ومباعدتهم - وهو نفس الحق الذي تم الاعتراف به قبل 26 عامًا في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في طهران.

لدينا الآن أدلة لا جدال فيها على أنَّ السياسات السكانية القائمة على الحقوق والخيارات الفردية تعمل على تحسين رفاهية النساء والفتيات، وتحويل الأسر والمجتمعات، وتسريع التنمية العالمية. عادة ما يختار الأزواج والأفراد المستنيرون والمتمتعون بحرية اتخاذ القرار بشأن الحمل وتوقيته ومباعدته، أن تكون لديهم أسرًا أصغر.

الدكتورة ناتاليا كانيم تقضي بعض الوقت مع القابلات وموظفي صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) في عيادة (D5) للصحة الإنجابية في كوكس بازار، بنغلاديش. يونيو/ حزيران، 2018. Lauren Anders Brown/ UNFPA Bangladesh©
 

 منذ خمسة وعشرين عامًا، كانت المرأة في أقل البلدان نمواً تنجب ستة أطفال تقريبًا؛ اليوم لديها أقل من أربعة. يمكن أن يعزى الكثير من هذا الانخفاض في معدلات الخصوبة إلى التوسع في الوصول إلى وسائل منع الحمل الحديثة في جميع أنحاء العالم النامي. فمئات الملايين من النساء اللائي يرغبن في منع الحمل لديهن الآن الوسائل اللازمة للقيام بذلك. ومع ذلك، لا يزال هناك مئات الملايين من النساء لا يتوفر لهن ذلك. وفقا لأحدث البيانات المتاحة، لا تزال هناك 214 مليون امرأة ترغب كل منهن في منع الحمل ولكنهن لا يستخدمن وسائل منع الحمل، و57 في المائة فقط من النساء المتزوجات من مجموعة من 51 دولة، تتوفر فيها البيانات، لديهن القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بهن حول استخدام وسائل منع الحمل، وطلب الرعاية الصحية، وممارسة الجنس مع شركائهن.

من الواضح أن الطريق طويل قبل تحقيق هدف برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) المتمثل في توفير الصحة الجنسية والإنجابية للجميع. تواجه أفقر النساء والفتيات والأشخاص ذوي الإعاقة والسكان الأصليين والأقليات العرقية والإثنية والأشخاص ذوي الميول الجنسية المتنوعة عدم المساواة والوصم المستمر. إن العالمية هي مبدأ توجيهي للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD). إن الوفاء بالالتزامات التي قطعناها على أنفسنا في عام 1994 هو قبل كل شيء مسألة تمكين الجميع، في كل مكان، من التمتع بحقوقهم. ولكنه يعتمد أيضًا على الأهداف العالمية الأخرى ويساهم فيها، بما في ذلك خطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) السبعة عشر.

فعلى سبيل المثال، الوفاء بالهدف رقم 1 من أهداف التنمية المستدامة: القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، يعتمد جزئياً على ما إذا كان بإمكان الفتيات الانتقال بشكل آمن وصحي من خلال مرحلة المراهقة إلى مرحلة البلوغ والوصول إلى إمكاناتهن الكاملة في الحياة. وبالمثل، لتحقيق الهدف رقم 3 من أهداف التنمية المستدامة: ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاه للجميع في جميع الأعمار، فيجب أن تكتسب المرأة القدرة على الحمل الصحي والولادة المأمونة، وكذلك لحماية أنفسهن من الحمل غير المقصود والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). الهدف رقم 5 من أهداف التنمية المستدامة: تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، لا يمكن تحقيقه إلا عندما تتخذ النساء والفتيات قراراتهن الخاصة بشأن متى ومع من يمارسن الجنس، وما إذا كنَّ سيصبحن حوامل. إذا لم نتمكن من تحقيق الأهداف المحددة في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD)، فسيكون من المستحيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). وبعبارة أخرى، لا يمكن أن يكون هناك أهداف للتنمية المستدامة دون المؤتمر الدولي للسكان والتنمية.

يعتمد النجاح أيضًا على البيانات السكانية عالية الجودة لرفع عباءة الاختفاء عن أكتاف الفئات الأكثر ضعفًا. وتحقيقاً لهذه الغاية، يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) مع البلدان ومنظومة الأمم المتحدة على بناء نظم بيانات سكانية أقوى يمكنها أن تجد من تخلفوا عن الركب وتحديد احتياجاتهم

يساعد تنظيم الأسرة النساء في ميانمار على حماية صحتهن وعائلاتهن. يانغون، ميانمار، تشرين الأول/ أكتوبر 2016. UNFPA Myanmar©

إن الطريق إلى الأمام يتمثل في الإعمال الكامل للحقوق والخيارات لكل فرد وزوج، بغض النظر عن مكان معيشتهم أو كيف يعيشون، أو مقدار ما يكسبونه. ويشمل ذلك تفكيك جميع الحواجز الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية التي تعرقل الطريق. إن رفع هذه العقبات لا يوفر إمكانية تحسين حياة الأفراد فحسب، بل يساعد الاقتصاد في المضي قدماً، وبناء أساس جديد لمجتمعات أكثر ازدهارًا وإنصافًا ومرونة.

سوف نقيس نجاحنا ليس فقط من خلال انخفاض معدلات الخصوبة، ولكن أيضًا بالتقدم الذي يقوم الناس بإحرازه، من خلال المزيد من النساء والفتيات اللائي يقرّرن بحرية ما إذا كن يرغبن في الحصول على التعليم، أو الدخول في القوى العاملة، أو الزواج أو الإنجاب.

إن عقارب الساعة تتجه نحو عام 2030. نحن بحاجة إلى مزيد من الموارد لتقديمها للجميع بإلحاح يتناسب مع المهمة المنوطة بنا. إن فوائد الاستثمار في الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك تنظيم الأسرة، تتقاطع مع القطاعات، ومع ذلك فإن عبء التمويل يتحمله في الغالب قطاع الصحة، الذي لا يزال يعاني من نقص كبير في التمويل. تتمثل مهمتنا في جذب مجموعة واسعة من الشركاء، وقبل كل شيء، التمويل القوي اللازم لتقديم حلول جريئة ومتكاملة ومبتكرة. وهذا يعني الجمع بين القطاع الصحي وقطاعات التعليم والنوع الاجتماعي والسكان والتنمية، وبشكل حاسم، مع وزارات المالية والخزانة.

لهذا السبب يشارك صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، جنبًا إلى جنب مع حكومتي كينيا والدانمارك، في عقد قمة في تشرين الثاني/ نوفمبر في نيروبي بكينيا، تهدف إلى تعبئة التزامات عالمية ووطنية ومحلية ملموسة—بما في ذلك، وخاصة الالتزامات المالية—من الحكومات، من المؤسسات المالية الدولية، ومن المجتمع المدني والقطاع الخاص وأكثر من ذلك.

 في نيروبي، نريد أن نرى التزامات سياسية ومالية جريئة لتحقيق الصحة الجنسية والإنجابية الشاملة، بما في ذلك إجراءات لإنهاء جميع الطلبات غير الملباة على وسائل منع الحمل؛ وإنهاء وفاة الأم التي يمكن الوقاية منه؛ ووضع حد للعنف القائم على نوع الجنس وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج الأطفال—كل ذلك بحلول عام 2030، وهو نفس العام الذي سيتم فيه تحقيق أهداف التنمية المستدامة. نأمل أن تكون نيروبي نقطة انطلاق للحلول. نحن بحاجة إلى التعاون والابتكار الآن أكثر من أي وقت مضى—خاصة في مجال البيانات.

 سيؤدي الوصول إلى هذه الأهداف إلى تمهيد الطريق إلى عالم يكون فيه كل حمل مطلوبًا، وكل ولادة آمنة، وتُحقق فيه إمكانات كل شاب وشابة. هذا هو العالم الذي نريده جميعًا—ويمكن أن نحققه، إذا انضممنا معًا في نيروبي وما بعده لاستكمال العمل غير المكتمل الذي بدأناه قبل 25 عامًا.

في هذا اليوم العالمي للسكان، 11 تموز/ يوليو 2019، يدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) الحكومات والمجتمع المدني والمجتمعات والأفراد من جميع القطاعات إلى الالتزام بأهداف برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) والإسراع بالتقدم المحرز في جعل الحقوق والخيارات حقيقة واقعة للجميع.

 

ملاحظات

[i] إيرليخ، بول آر.، القنبلة السكانية (نيويورك، كتب بلانتين، 1968).

[ii] الوثيقة الختامية للمؤتمر الدولي لحقوق الإنسان، طهران، 22 نيسان/ أبريل إلى 13 أيار/ مايو ،1968 (منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع E.68.XIV.2) ، الفقرة 16.

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إن الآراء التي يعبر عنها المؤلفون الأفراد، وكذلك الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول رسمي من قِبل الأمم المتحدة.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.