تم اقتباس هذا المقال من مقابلة أجراها موقع أخبار الأمم المتحدة مع المؤلف في 2 نيسان/ أبريل 2023.
كانت التجارة عبر الأطلسي في الأفارقة المستعبدين ظاهرة عالمية. وبالإضافة إلى تأثيرها الواضح والعميق على شعوب وبلدان أفريقيا، أثرت تجارة الأفارقة المستعبدين أيضاً على دول أوروبا. وأوجدت الدول الأمريكية - تلك الموجودة في أمريكا الشمالية والجنوبية والوسطى - وكان لها تداعيات على آسيا أيضاً.
وبصفتها المنظمة الدولية البارزة في العالم، فإن الأمم المتحدة هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن أن تربط بين الأطراف الفاعلة والشركاء المتعددين المتورطين في المأساة العالمية لتجارة الأفارقة المستعبدين عبر المحيط الأطلسي. ومن ثم، فمن المناسب والهام أن تتناول مؤسسة مثل الأمم المتحدة مسائل الإرث التي تحيط بتجارة الأفارقة المستعبدين وأن تركز على أهمية القصة.
أنا نتاج قرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة لعام 1954، براون ضد مجلس التعليم (Brown v. Board of Education)، الذي وجدت فيه المحكمة أن الفصل العنصري في المدارس العامة كان غير دستوري ولكنني بدأت دراستي في "مدرسة ملونة"، لأن الأطفال السود لم يسمح لهم بالذهاب إلى المدارس العامة حيث كنت أعيش.
لقد قام المحامون بتعطيل هذا الواقع. لقد جاؤوا إلى مجتمعي ولديهم سلطة فرض سيادة القانون على الرغم من أن غالبية الناس الذين يعيشون هناك لم يكونوا ليصوتوا للسماح لأطفال مثلي بدخول المدارس. لذلك، كنت منجذباً إلى ما يمكن أن يفعله المحامون لحماية الأشخاص المحرومين والمهمشين والمستبعدين، والتحقت بكلية الحقوق وجعلت هذا الهدف نصب عيني.
عندما أكملت دراستي في كلية الحقوق في ثمانينيات القرن الماضي، صدمني الناس في سجوننا ومحابسنا بصفتهم الجزء الأكثر ضعفاً من سكاننا. ارتفع عدد السجناء في الولايات المتحدة من 300,000 في عام 1973 إلى 2.2 مليون في عام 2009. كان هناك الكثير من الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام بما في ذلك الأطفال المحكوم عليهم بالموت في السجن، لذا قررت التركيز على هذا الجزء من المشكلة. وما زلنا نقوم بهذا العمل.
ولكن منذ حوالي 12 عاماً، بدأت أخشى أننا قد لا نكون قادرين على الوفاء بالوعد الذي قطعه حكم المحكمة العليا التاريخي الذي خلق فرصاً لي. لقد شعرت بتراجع عن الالتزام بتطبيق حكم القانون نيابة عن الأشخاص المحرومين. وهذا ما دفعني إلى البحث في العلوم الإنسانية.
بدأت أعتقد أنه كان علينا الانخراط في العمل السردي للبدء في جعل الناس يفهمون سياق العديد من القضايا التي تواجه السود في الولايات المتحدة. وجدت فرصة قوية لإشراك الناس في الثقافة وفي المتاحف تحديداً التي تمثل مجال التاريخ العام. بدأنا في تطوير المنح الدراسية والمحتوى حول التجارة عبر الأطلسي في الأفارقة المستعبدين والاستعباد في أمريكا والقتل العشوائي والفصل العنصري، لكننا أنشأنا أيضاً مساحات ثقافية من شأنها أن تدعو الناس إلى المشاركة.
أعتقد أن هذا النوع من الدعوة للتعلم والفهم مطلوب بشدة إذا كنا نأمل في تحقيق مستوى الوعي حول العالم المطلوب لمعالجة إرث العبودية والتمييز والتعصب والعنف الذي ما زلنا نراه اليوم.
متحف الإرث
في عام 2018، افتتحت مبادرة المساواة في العدالة (EJI) متحف الإرث: من الاستعباد إلى السجن الجماعي كمتحف سردي في مونتغمري، ألاباما. يوجه المتحف زواره في رحلة تبدأ بالتجارة عبر الأطلسي في الأفارقة المستعبدين. أول شيء ستراه في متحف الإرث هو جدار عملاق يمثل المحيط الأطلسي.

نشأت على ساحل المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة، ولكن فقط عندما سافرت إلى أفريقيا ووقفت على الجانب الآخر من المحيط بدأت أدرك أهمية هذا المسطح المائي عندما يتعلق الأمر بالشتات الأفريقي. نستكشف هذا التاريخ في المتحف مع الرسوم المتحركة التي توثق جميع السفن التي نقلت 12 مليون أفريقي عبر المحيط الأطلسي. ندقق بعمق في مواقع الموانئ والأماكن التي تم فيها اختطاف الأشخاص واحتجازهم. تروي الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار لوبيتا نيونغو قصة التجارة عبر الأطلسي في الأفارقة المستعبدين في أحد مقاطع فيديو الرسوم المتحركة.
يحتوي متحف الإرث أيضاً على كثير من الفنون. يتألف أحد المعارض من 300 منحوتة للفنان الغاني كوامي أكوتو بامفو والتي تجسد إنسانية الأشخاص الذين تم استعبادهم. في كثير من الأحيان عندما نناقش الاستعباد، نجعله يبدو بعيداً جداً ومادياً جداً لدرجة أننا ننسى أننا نتحدث عن البشر. يؤكد متحف التراث على تأثير الاستعباد على ضحاياه من البشر.
تقود رحلة المتحف الزوار إلى غرفة بها المزيد من المنحوتات والصور لمساعدة الناس على فهم إرث الأذى والوحشية. من هناك، يحدد المتحف التاريخ. وهو يتعمق في التجارة الداخلية للأفارقة المستعبدين في الولايات المتحدة حيث تم الاتجار بمليون شخص ونقلهم إلى الجنوب الأمريكي.
بعد ذلك، ندرس المكونات الاقتصادية للاستعباد والتي كان لها آثار عالمية لم نكن قد حسبناها بالكامل بعد. من هناك نتحدث عن إعادة الإعمار في أمريكا ولاحقاً الإعدام خارج نطاق القانون، والذي أراه نتيجة مباشرة لعصر الاستعباد هذا. نناقش الفصل العنصري المقنن والتسلسل الهرمي العنصري الذي كان موجوداً في الولايات المتحدة. في جميع أنحاء العالم، تستمر الفكرة الخاطئة بأن السود ليسوا جيدين مثل البيض. لم يتم التعامل مع هذه المغالطة بنوع التصميم والنية اللذين نشعر أنهما ضروريان.
القضايا المعاصرة في السياق: مقتل جورج فلويد
كان أحد أكبر شرور الاستعباد الأمريكي هو أنه أوجد رواية يفترض فيها أن السود خطرين ومن المفترض أنهم مذنبون وليسوا مثل البيض. وقد أدى هذا السرد إلى ظهور أيديولوجية تفوق البيض. ربما يكون الشمال قد فاز في الحرب الأهلية الأمريكية، لكن الجنوب فاز بالسرد لأننا تمسكنا بأفكار التسلسل الهرمي العنصري بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب. وقد أدى ذلك إلى قرن من الإرهاب العنيف الموجه ضد الأمريكيين المنحدرين من أصل أفريقي. تم إخراج السود من منازلهم وإغراقهم وتعذيبهم وقتلهم ولم يستجب نظامنا القانوني.
ونتيجة لهذا التقاعس القانوني، أصبحنا مثقفين على التسامح مع العنف الشديد ضد الأمريكيين الأفارقة الذين لم يرتكبوا أي خطأ في معظم الحالات. وقد قمنا بتقنين هذا التسلسل الهرمي العرقي واستمر افتراض الخطورة والذنب حتى بعد إقرار قوانين الحقوق المدنية في الستينيات من القرن الماضي. ما زلنا نواجه هذه الافتراضات الخاطئة والسلبية اليوم.
العبء الكبير في أمريكا - الذي يمثل سبب خروج الكثير من الناس إلى الشوارع عندما قُتل جورج فلويد على أيدي ضباط الشرطة في مينيابوليس، مينيسوتا، في عام 2020 - هو أنك يمكن أن تكون طبيباً أو محامياً أو معلماً وأن تكون شخصاً لطيفاً وودوداً، ولكن إذا كانت بشرتك سوداء أو بُنية، فهناك أماكن في هذا البلد يتعين عليك فيها المرور عبر افتراضات الخطورة والشعور بالذنب. لقد تقدم بي العمر، ويمكنني أن أقول لكم أن الاضطرار إلى المرور باستمرار عبر هذه الافتراضات أمر مرهق.

هذا الوضع يجب أن يتغير. الكثير منا يدعو إلى تدشين عصر جديد من الحقيقة والعدالة في أمريكا. لكن لم يتم التطرق إلى الحقيقة والمصالحة، والحقيقة واستعادة الحقوق، والحقيقة وجبر الضرر حول هذه الرواية بشكل كافٍ. عنف الشرطة الذي نراه اليوم والتعصب الأعمى والافتراض بأن شخصاً ما في المقهى يفعل شيئاً خاطئاً عندما يقوم فقط باحتساء قهوته، كل هذه الأخطاء هي مظاهر لصراع سردي يجب أن ننخرط فيه.
هذا هو المجال الذي يمكن أن تلعب فيه الثقافة والفن والمتاحف وكل مؤسسة في العالم دوراً. عندما نسمي التاريخ ونعترف به، ونعقد العزم على معالجته، نبدأ في تغيير الديناميكية وخلق عصر جديد. إنني معجب بمتحف الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والنصب التذكاري للهولوكوست في برلين، اللذين يمثلان نوعاً من الحساب للتاريخ الصعب الذي لم نقم به بالكامل في أمريكا، أو في العديد من الأماكن التي نشعر فيها بإرث العبودية.
دور الأمم المتحدة
واحدة من المآسي العديدة للتجارة عبر الأطلسي في الأفارقة المستعبدين هي فصل الناس عن مجتمعاتهم وقبائلهم وعائلاتهم ومنازلهم. كان التمزق عنيفاً، وبالتالي فإن إعادة ربط هذه الأجزاء الأساسية من البنية الاجتماعية أمر صعب. إذا أجريت اختبار الحمض النووي لتحديد إرثي، فسيشير ذلك إلى وجود روابط مع حوالي 16 دولة في غرب أفريقيا.
يجب أن تكون هناك استجابة أكثر عالمية لكيفية تعافينا واصلاح الضرر، والتعافي من الطرق المتعددة التي بُنيت بها الثروة والسلطة في أماكن معينة، وكيف حدث الفقر والدمار والعنف في أماكن أخرى. أعتقد أن الاستجابة للتفاوت بين أولئك الذين تربحوا وأولئك الذين تعرضوا للضرب والتعذيب هو التزام أي مجتمع عادل. ولذلك، من الأهمية بمكان أن تضطلع الأمم المتحدة بدور قيادي في إبراز الحاجة إلى الحساب والإصلاح والنقاش والحوار حول الطرق المتعددة التي لا يزال إرث الاستعباد يثقل كاهلنا بها اليوم.
الأمل والعدالة
أنا متفائل للغاية بشأن المستقبل. حقيقة أن لدينا الآن متحفاً يجذب مئات الآلاف من الزوار كل عام، وأننا نشارك الآن في العمل السردي على مستوى عالٍ، يعطيني قدراً كبيراً من الأمل. لم أكن أتخيل أبداً حتى قبل عقد من الزمن، أننا سنكون قادرين على دفع عملية العدالة إلى الأمام بقدر ما وصلنا إليه الآن. وبالنسبة لي، فإن النضال من أجل العدالة يتطلب دائماً الأمل. في الواقع، أرى اليأس على أنه عدو للعدالة؛ يسود الظلم حيث يستمر اليأس. إنني أنظر إلى آبائي السابقين المستعبدين بحثاً عن هذا الأمل لأنني نتاج أناس كانوا مثقلين بالأعباء والإساءة والإذلال من العبودية ولكنهم أيضاً حملوا أملاً كافياً للعثور على الحب والعيش وإنشاء أجيال جديدة. أنا أحد أحفادهم، وأحمل أمل والدي السابقين تماماً كما أحمل وعياً بالصدمة والضرر.
يحدوني أمل كبير في أننا نجري الآن محادثات في أماكن مثل الأمم المتحدة؛ أننا نجري محادثات في المساحات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم؛ أن المتاحف التي ظلت صامتة منذ زمن طويل، عمدت الآن إلى معالجة هذه التواريخ والوقائع بعناية وفكر مع التركيز على أصوات الأشخاص الذين تم استعبادهم. وهذا يمثل خطوة رائعة إلى الأمام، ويعطيني المزيد من الأمل في أن نتمكن يوماً ما من الوصول إلى واقع مختلف.
النقطة الأخيرة التي نطرحها في متحف الإرث هي أن الغرض منه هو خلق عالم لم يعد فيه أطفال أطفالنا مثقلين بإرث الاستعباد، ولم يعودوا يواجهون افتراضات الخطر والذنب. هذا هو طموحنا النهائي، وسأحمله معي حتى نحقق تلك الغايات. وأشجع الجميع على تبني هذا الأمل نفسه.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.



