بصفتي رئيس مجموعة الـ 77 والصين في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 27) - المؤتمر السابع والعشرين (2022) للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ - تقع على عاتقي مسؤولية جمع بلدان العالم لكي تتخذ أخيراً خطوات واقعية وهامة لمعالجة الآثار الحالية والمستقبلية لتغيّر المناخ والاحترار العالمي مع الاهتمام بوجه خاص إلى العالم النامي. بالنسبة لي، لم تكن هذه مسؤولية مهنية فحسب بل مسؤولية شخصية عميقة، حيث أعمل أيضاً كوزير لخارجية باكستان، البلد الذي دمرته كارثة تغير المناخ في عام 2022. إن القرار الذي اتخذ في شرم الشيخ بمصر بإنشاء صندوق لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع الخسائر والأضرار الناجمة عن الآثار الضارة لتغيّر المناخ كان خطوة أولى بالغة الأهمية وإشارة إلى الأمل للبشرية والكوكب.
وقد أصبحت الآثار السلبية لتغيّر المناخ والاحترار العالمي أكثر تواتراً ووحشية تدريجياً. أولئك الذين ساهموا بأقل قدر في الاحترار العالمي هم الأكثر معاناة. وعلى مدى 30 عاماً، ضغطت البلدان الأكثر ضعفاً من أجل إنشاء صندوق يمكن من خلاله للبلدان التي أضافت أكثر من غيرها إلى انبعاثات الكربون العالمية أن تساعد البلدان الضعيفة على التعافي من الكوارث المناخية وغيرها من تبعات تغيّر المناخ بما في ذلك ارتفاع مستويات سطح البحر والجفاف والأعاصير والفيضانات.
لقد أكدت الفيضانات الملحمية في باكستان هذا العام بشكل واضح ووحشي الحجم المتزايد للكوارث المناخية. لقد تركت خلفها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى؛ الملايين من النازحين؛ و13,000 كم من الطرق ومليوني منزل و500 جسر و5 مليون فدان من المحاصيل المدمرة وأصبح ثلث البلاد حرفياً تحت الماء. وكانت مقاطعة السند، مسقط رأسي، الأكثر دماراً. فقط بعد أن شاهدت عن كثب حجم الكارثة والمعاناة التي لا توصف للأبرياء والأضرار التي لا تُحصى، وبعد أن أدركت أنه لا توجد آلية مالية دولية للتصدي لكوارث بهذا الحجم، فهمت تماماً حجم الخسائر والأضرار والضرورة المطلقة لاتخاذ خطوات جريئة لإنقاذ شعبنا وكوكبنا. وقد عززت هذه الكارثة الهائلة إلى جانب الفيضانات المتزامنة في نيجيريا والجفاف في القرن الأفريقي والأعاصير في المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي، تصميم البلدان النامية على ضمان العدالة المناخية.
في حين أن الاتفاقية لا تحدد المسؤولية القانونية لأولئك الذين ساهموا أكثر في تغيّر المناخ والاحترار العالمي، إلا أنها تؤكد المبدأ المركزي للعدالة المناخية.
بصفتي رئيس وفد مجموعة الـ 77 والصين (G-77 and China)، اقترحت مناقشة مرفق تمويل الخسائر والأضرار في حزيران/ يونيو الماضي أثناء الاستعدادات للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 27). لقد واجهنا مقاومة مألوفة لوضع هذه القضية على جدول أعمال المؤتمر، ولكننا نجحنا في النهاية بصعوبة، بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها باكستان والتي حظيت بدعم نشط من أشد البلدان ضعفاً وغيرها من البلدان النامية.
وأعتقد أنه من المهم أن تقود باكستان البلدان النامية في المفاوضات اللاحقة في المؤتمر للضغط من أجل إنشاء الصندوق. ونشيد بتضامن مجموعة الـ 77 والصين في متابعة إنشاء ترتيبات تمويل الخسائر والأضرار والصندوق نفسه ونقدر القبول النهائي للاقتراح من قبل الدول المتقدمة بما في ذلك الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.
وتتطلع البلدان النامية إلى العمل العاجل في اللجنة الانتقالية المؤلفة من 24 عضواً لوضع الصيغة النهائية للترتيبات المؤسسية للصندوق وهيكله وإدارته واختصاصاته وتحديد عناصر ترتيبات التمويل الجديدة وتحديد مصادر التمويل وتوسيعها ووضع وسائل لضمان التنسيق والتكامل مع الترتيبات القائمة. ومن بين أهم المهام التي تضطلع بها اللجنة تحديد حجم التمويل اللازم لمواجهة العواقب الحالية لتغيّر المناخ. قد يبدو هذا أمر تقني للقارئ العادي لكنه يعني حرفياً الحياة أو الموت لأبنائنا وأحفادنا ولأجيال لم تولد بعد.
في حين أن الاتفاقية لا تحدد المسؤولية القانونية لأولئك الذين ساهموا أكثر في تغيّر المناخ والاحترار العالمي، إلا أنها تؤكد المبدأ المركزي للعدالة المناخية بأن أولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم من آثار تغيّر المناخ، على الرغم من أنهم ساهموا أقل في الاحترار العالمي، يستحقون الدعم المالي من أولئك الذين أضافوا أكبر قدر من المشكلة وألحقوا أكبر قدر من الضرر بالبيئة.
سيكون الاختبار الأول للعدالة المناخية هو الاستجابة لخطة باكستان لإعادة التأهيل وإعادة الإعمار التي اقتضتها كارثة الفيضانات وبناء القدرة على الصمود ضد الكوارث المستقبلية. سيتم تقديم الخطة إلى مؤتمر إعلان التبرعات الذي سيعقد بشكل مشترك بين باكستان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كانون الثاني/ يناير 2023. وقَدَّر البنك الدولي أن باكستان تعرضت لأضرار تجاوزت 30 مليار دولار وستحتاج إلى ما لا يقل عن 16.5 مليار دولار في شكل دعم خارجي عاجل.

إن صندوق الخسائر والأضرار لم يتم تفعيله بعد. وتتوقع باكستان أن يأتي تمويل خطتها لإعادة التأهيل وإعادة الإعمار من البلدان الصناعية والمؤسسات المالية الدولية بما في ذلك صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف. ويمكن أن يشمل هذا الدعم شطب الديون ومقايضتها وإعادة هيكلتها ومخصصات جديدة لحقوق السحب الخاصة (SDRs) أو إعادة توجيه حقوق السحب الخاصة غير المستخدمة في البلدان النامية والدعم المباشر لمشاريع إعادة الإعمار والاستثمار الخاص للمشاريع التي يمكن تنظيمها بتمويل مختلط لتكون مجدية تجارياً، على سبيل المثال. ونتوقع أيضاً الإعراب عن التضامن من أصدقاء باكستان في العالم الإسلامي وفي الجنوب العالمي.
على الرغم من أن تأثيرات المناخ أصبحت حتمية بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية والذي حدث بالفعل على مدى السنوات الـ 150 الماضية إلا أنه لا يزال من الضروري الحد من آثار تغيّر المناخ إلى أقصى حد ممكن في المستقبل وكان ينبغي عمل المزيد من قبل. ومع ذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية عدم الشكوى من الماضي ولكن اتخاذ إجراءات في الوقت الحاضر.
ولذلك، فإن من دواعي القلق أن خطط التكيّف في العديد من البلدان النامية لا تزال غير ممولة. ويجب الوفاء على وجه السرعة بميثاق غلاسكو للمناخ الذي يقضي على الأقل "بمضاعفة" التمويل المتعلق بالمناخ لأغراض التكيّف. اقترحت باكستان في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 27) التنفيذ الفوري لهذا القرار. ونتوقع أن نتمكن في الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 28)، التي ستعقد في الإمارات العربية المتحدة في العام المقبل، من إنشاء آلية لقياس ورصد التدفقات المالية للتكيّف مع تغيّر المناخ.
إن عبء ضمان أن يقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية يقع بشكل رئيسي على البلدان الصناعية التي استهلكت ثلثي "ميزانية الكربون" على مدى السنوات الـ 150 الماضية.
والأهم من ذلك، أن الالتزام الذي تم التعهد به منذ عام 2009 لحشد 100 مليار دولار سنوياً في مجال تمويل المناخ لم يتحقق. ويتعين على البلدان المتقدمة أن تفي على وجه السرعة بهذا الالتزام وتوافق على هدف جماعي كمي جديد (NCQG) لزيادة التمويل المتعلق بالمناخ من الحد الأدنى البالغ 100 مليار دولار بحلول المؤتمر القادم للأطراف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
بطبيعة الحال، فإن الهدف المشترك والنهائي هو وقف الاحترار العالمي وتجنب "نقاط التحول" التي يتوقع علماء المناخ أنها ستؤدي إلى كارثة عالمية. ومع ذلك، فإن عبء ضمان أن يقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية يقع بشكل رئيسي على البلدان الصناعية التي استهلكت ثلثي "ميزانية الكربون" على مدى السنوات الـ 150 الماضية. والثلث المتبقي من هذه "الميزانية" هو ما ستحتاجه البلدان النامية للخروج من الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). ولذلك، يجب تعزيز وتسريع التزامات التخفيف في الشمال العالمي. لسوء الحظ، كان واضحاً في الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 27) أن البلدان الصناعية لم تنفذ التزامات التخفيف المفترضة في غلاسكو وكانت مترددة في الموافقة على مسار أكبر وأسرع لتقليل الانبعاثات والحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية على قيد الحياة.
إن العمل المناخي ليس سوى أحد مكونات الجهود التعاونية المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الجوع والفقر وتعزيز الصحة والتعليم واستعادة النمو العالمي وضمان حياة كريمة ورفاهية لجميع الأمم والشعوب.
ومع اختتام باكستان فترة رئاستها لمجموعة الـ 77 والصين في نهاية هذا العام، فإنها ستقوم بحملة أخيرة لتعزيز أهداف التنمية المستدامة والأهداف المناخية في مؤتمر وزاري للدول النامية سيعقد في نيويورك في منتصف كانون الأول/ ديسمبر. ونأمل أن تحدد نتائج هذا الاجتماع جدول الأعمال الذي يمكن أن يروج له الجنوب العالمي في قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023 والدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف (COP 28) في العام المقبل.
وقد يكون الوقت قد فات لضحايا الفيضانات في باكستان ولكن يحدوني أمل كبير في أن يكون مرفق الخسائر والأضرار جاهزاً لمساعدة البلد التالي الذي سيصيبه الدمار. لأن ما حدث لباكستان لن يبقى في باكستان. في عام 2022 أصاب الدمار بلدي؛ في العام المقبل يمكن أن يحدث أي مكان أو في كل مكان. إن مستقبل الكوكب يعتمد على جهودنا المشتركة والتي يجب أن تمضي قدماً الآن.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.