بيان رؤية 

تمهيد: 45 سنة من الخدمة العامة في دولة عضو من الدول المؤسسة للأمم المتحدة

أعلنت حكومة جمهورية تركيا ترشحها لمنصب رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، من مجموعة أوروبا الغربية ودول أخرى في عام 2014. وفي 12 أيلول/سبتمبر 2019، رشحتني حكومة جمهورية تركيا رسمياً لهذا المنصب وأيدت المجموعة ترشيحي في 27 شباط/فبراير 2020.

ومن المقرر أن تجري الانتخابات في 8 حزيران/يونيه 2020. ومع الثقة التي ستعرب عنها الدول الأعضاء، سأكون أول مواطن تركي يترأس الجمعية العامة.

وبصفتي دبلوماسيا وسياسيا محترفا لأكثر من 45 عاماً، قضيت حياتي المهنية كلها في الخدمة العامة.

وفي الجزء الأخير من حياتي المهنية، اهتممت اهتماما كبيرا بعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، بصفتي نائب وكيل وزارة الخارجية المسؤول عن شؤون الاتحاد الأوروبي، والأمين العام لشؤون الاتحاد الأوروبي، ومؤخرا بصفتي وزير تركيا لشؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين.

وبهذه الصفات، قمت بقيادة برنامج الإصلاح في بلدي، بما في ذلك التغييرات الدستورية الرامية إلى تعزيز الحقوق السياسية والمدنية.

وتركيا عضو مؤسس في الأمم المتحدة، وأحد أكبر المساهمين في ميزانيتها وأحد المساهمين الدائمين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وتستضيف تركيا وجودا كبيرا للأمم المتحدة، يضم فريقا قطريا كبيرا وعددا من المكاتب الإقليمية لكيانات مختلفة من منظومة الأمم المتحدة، واسطنبول ماضية شيئا فشيئا لتصبح مركزا إقليميا للأمم المتحدة.

ويوجّه وجود الأمم المتحدة في تركيا الاهتمام لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية لنحو 4 ملايين سوري تشملهم الحماية المؤقتة في بلدي، وكذلك للمحتاجين في سورية من خلال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

وبوجه عام، كانت علاقات تركيا المؤسسية مع الأمم المتحدة متينة دائماً.


ما الذي يجعل الجمعية العامة بالغة الأهمية؟

الجمعية العامة هي الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تتمتع فيها جميع الدول الأعضاء بصوت متساو، والتي تجسد الضمير الجمعي للمجتمع الدولي وإرادته الجماعية.

ويسرني أن ألاحظ أن هناك شعورا متزايدا بالوعي بين الدول الأعضاء بشأن ما تتمتع به الجمعية العامة من شرعية وصلاحية للدعوة إلى عقد الاجتماعات على نحو لا مثيل له. وبناء على ذلك، تطورت طبيعة دور رئيس الجمعية العامة على مر السنين وتوسع نطاقها لتتسم بطابع سياسي أكبر.

وإذ آتي من تركيا، وهي دولة عضو تؤمن إيمانا حقيقيا بالدور البالغ الأهمية للجمعية العامة، أدركُ تماما هذا التغيير والمسؤوليات الكبيرة التي ينطوي عليها. وأنا أيضا على استعداد للاضطلاع بهذه المسؤوليات بأقصى قدر من العناية وأعرب عن التزامي بذلك.

وتتيح لنا الذكرى السنوية الخامسة والسبعون لإنشاء الأمم المتحدة فرصة فريدة لتجديد التزامنا بتعددية الأطراف والدور المركزي للأمم المتحدة فيها.


هذا ما أتعهد به لرئاسة الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة:

خلال فترة ولايتي، سأكون ممثلا لأعضاء المنظمة جميعا، وسآخذ بعين الاعتبار آراء واهتمامات جميع الدول الأعضاء، وسأبذل كل ما في وسعي للتوفيق فيما بينها.

وسأكون الحارس الأمين على النظام الداخلي للجمعية العامة، ضمن ما يتيحه النطاق الحالي للولاية المنوطة برئيس الجمعية العامة. وسأعمل في هذا الصدد على ضمان التنفيذ السلس لجدول الأعمال والإدارة الفعالة للجلسات، متقيِّدا في كل ذلك بمدونة قواعد سلوك رؤساء الجمعية العامة.

وأنا أرى أنه من المهم أن يسود الانسجام بين الأمين العام ورئيس الجمعية العامة فيما يقومان به من أعمال. ولذلك ستكون جهودي وأنشطتي مكمِّلة لخطة الأمين العام وأولوياته. وهذا يعني ضمن ما يعني تقديمَ الدعم في تنفيذ خطة الأمين العام لإصلاح الأمم المتحدة ورؤيته لعام 2020.

وفي هذا الإطار، سأعمل أيضا على توطيد الثقة والتلاحم، وما أشد الحاجة إليهما، بين الدول الأعضاء، والمجموعات الرئيسية من البلدان، والمنظمات الدولية الأخرى.

إن رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة سيجد بين يديه مجموعة واسعة من المهام الموروثة من الدورات السابقة. وبالنظر إلى أن الوفود تنوء بثقل أعباء العمل الحالية، ولا سيما منها الوفود الصغيرة، فإنه ليس في نيتي أن أعلن مبادرات جديدة أو أن أفتح مجالات جديدة لعمل الجمعية العامة.

إن خياري هو النوعية لا الكمية. وفي هذا الصدد، سأضع نصب عيني تبسيط جدول الأعمال، وإحراز نتائج ملموسة، والحفاظ على التوازن بين الركائز الثلاث التي ينبني عليها عمل المنظمة. وسأعمل أيضا على توجيه عمل الجمعية العامة بفعالية وشفافية وبطريقة تشرك الجميع.

وسأفسح المجال لتحقيق الاستمرارية مع عمل رؤساء الجمعية العامة السابقين من خلال الاستفادة من إنجازاتهم ومن مبادراتهم الناجحة، والعمل في الوقت نفسه على تحسين ما يتطلب التحسين. وستكون آراء الدول الأعضاء واقتراحاتها عاملا أساسيا في جعل هذا المبتغى ممكنا.

ويتطلب جدول أعمال منظمتنا في مجمله تنسيقا وثيقا بين الهيئات المقررة في الأمم المتحدة. وسأحاول معالجة الثغرات والازدواجية في مختلف جداول الأعمال. وسأثير هذه المسائل بانتظام خلال الاجتماعات الشهرية التي تُعقد مع رؤساء الأجهزة الرئيسية الأخرى للمنظمة، بما في ذلك مجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك مع الأمين العام للأمم المتحدة.


هذه هي القضايا التي سأعطيها الأولوية خلال فترة ولايتي

1 - نحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء الأمم المتحدة تحت شعار ”المستقبل الذي نصبو إليه، الأمم المتحدة التي ننشدها: إعادة تأكيد التزامنا الجماعي بتعددية الأطراف“. وهذا الشعار العام سيكون هو الموضوع المؤطِّر للمناقشة العامة في الدورة الخامسة والسبعين، بالإضافة إلى جميع الأنشطة والاجتماعات والمؤتمرات الأخرى التي تنظمها الأمم المتحدة في عام 2020.

وينبغي أن نغتنم هذه الذكرى السنوية التاريخية لنؤكد أنه لا غنى عن النظام الدولي المحكوم بالقواعد، فضلا عن تأكيد الحاجة إلى توطيد هذا النظام.

فمبدأ تعددية الأطراف والنظام الدولي المحكوم بالقواعد ضروريان أيضا للوفاء بالولايات الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

ولما كان برنامج الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين يعني رئيسي الدورتين الرابعة والسبعين والخامسة والسبعين للجمعية العامة، طلباً للاستمرارية والاتساق، سأنسق بشكل وثيق الأعمال التحضيرية واحتفالات الذكرى السنوية الخامسة والسبعين مع رئيس الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة.

2 – وأعتزم التركيز على النهوض بخطة عمل الأمم المتحدة الجماعية من أجل الإنسانية، مع إيلاء اهتمام خاص للفئات الضعيفة والمحتاجين ومن يتعرضون للقمع.

فهذه الخطة تتيح لنا الفرصة لنرى أين نحن من تلبية الاحتياجات الإنسانية، وللحد من الضعف والهشاشة، وزيادة القدرة على الصمود.

والأمم المتحدة هي أهم منبر لإسماع أصوات أكثر الفئات ضعفاً، فئات اللاجئين والمهاجرين وعديمي الجنسية.

ومن ثم كان لزاما علينا أيضا ألا يغيب عنا ونحن ننظر إلى مبتغى تحقيق أهداف التنمية المستدامة أن نركز على العمل الإنساني في عالمٍ تستفحل فيه أوجه عدم المساواة.

وسأحاول بوجه خاص أن أُسهِم في جهود المجتمع الدولي ومبادرات الأمم المتحدة الرامية إلى ضمان إيصالِ المساعدات الإنسانية بحياد ودون عوائق، وإلى ضمان الاحترامِ الكامل للقانون الدولي الإنساني في ظروف النزاعات والأزمات.

3 – إن أهداف التنمية المستدامة هي مجموعة الأهداف الأقدرُ على إحداث التغيير، غير أنها لا يمكن أن تتحقق دون شراكة عالمية متينة. ولكي أقدم الدعم في هذا الصدد خلال فترة ولايتي، سأعمل عن كثب مع نائبة الأمين العام.

واليوم ونحن مقبلون على عقد العمل من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يتعين علينا أن نعمل على إبقاء البلدان التي تمر بظروف خاصة، بما في ذلك أقل البلدان نموا، ضمن دائرة الأولوية بالنظر إلى كون هذه البلدان هي الأبعدَ عن الركب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ولما شاء حسن المصادفة أن تشهد فترة ولايتي تنظيم مؤتمر الأمم المتحدة الخامس لأقل البلدان نمواً، المقرر عقده في الدوحة من 21 إلى 25 آذار/مارس 2021، فإن المؤتمر سيكون فرصة لتجديد الشراكة وتعزيزها.

ومن شأن الاستعانة بالتكنولوجيات الناشئة أن يعجل بتحصيل الأثر المرجو من أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما بالنسبة لأشد الفئات ضعفا. وسأولي أهمية خاصة للعمل الذي يتوخى تحقيق النتائج كلما تعلق الأمر بتلبية الاحتياجات الإنمائية المعقدة لأقل البلدان نمواً. وآمل في هذا الصدد أن نتمكن من الاستفادة مما تراكم من خبرة خلال تشكيل مصرف التكنولوجيا لصالح أقل البلدان نمواً، والذي كان إنشاؤه أول هدف يتحقق على الإطلاق من أهداف التنمية المستدامة.

4 - لقد كنتُ طيلة حياتي المهنية ملتزماً تمام الالتزام بأهداف تحسينِ مستويات معيشة المرأة وحقوقها، وضمانِ مشاركتها الكاملة وعلى قدم المساواة مع الرجل في جميع مجالات الحياة، وتعزيزِ مركزها في المجتمع.

وأنا أؤيد الأمين العام من صميم قلبي في سعيه إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في الأمم المتحدة على جميع المستويات.

فالمرأة كانت على الدوام فاعلا نشطا في إحداث التغيير الإيجابي. والحالة هذه، بوسع المرأة أن تقوم بدور فريد من نوعه في بث الروح من جديد في التزامنا الجماعي بتعددية الأطراف وبرؤية أكثر شمولا لمستقبل أفضل.

إن الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن الذكرى السنوية الخامسة والعشرين للمؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، المقرر عقده في 23 أيلول/سبتمبر 2020 على هامش المناقشة العامة، سيكون مفيدا في التعجيل بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.


:هذه مبادئي

سيرا على نهج أسلافي، سأعمل مع فريق متعدد الجنسيات. والذي سيحدد تشكيلة فريقي هي مبادئ المهنية والجدارة والخبرة، فضلا عن التوازن الإقليمي والتوازن بين الجنسين. وأعتزم أن يظل الفريق بحجم لا يزيد على الضروري. وستكون الإسهامات القيمة للدول الأعضاء موضع ترحيب كبير لإنجاح هذا الجهد الجماعي.

وسأعمل عن كثب، خلال اضطلاعي بمسؤولياتي، مع ممثلي الدول الأعضاء باعتبارهم زملاء لي. وسيكون بناء التوافق في الآراء أحد الركائز الأساسية في الجهود التي سأبذلها خلال فترة ولايتي. ولبلوغ هذه الغاية، سأسخر، قدر الإمكان، السلطة المعنوية وقوة الإقناع التي يتمتع بها من يقوم بدور رئيس الجمعية العامة.

وستكون الكفاءة والفعالية والمساءلة وعدم التمييز هي المبادئ التي تستنير بها الرئاسة في عهدتي، وسيعمل فريقي وفق أسس الانفتاح والشمول والشفافية.

 

كلمة أخيرة

لقد تأكد في الآونة الأخيرة من جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) والتدابير التي اتُّخذت لاحتواء انتشارها أنَّ جدول أعمال الأمم المتحدة وأنشطتها ينبغي التركيز فيهما على الأمور التي يكون لها وقع مباشر على مواطنينا في جميع القارات.

وعماد نجاحنا في هذا الصدد هو التنسيق الوثيق على صعيد منظومة الأمم المتحدة ككل، واتباع نهج متكامل، واستغلال الوقت بفعالية. ورهنا بالتطورات التي ستشهدها الفترة المقبلة، سأسهم بكل ما أوتيت من قدرات، من موقع رئيس الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، في الجهود الجماعية التي يبذلها المجتمع الدولي لمكافحة هذه الجائحة والتخفيف من عواقبها.

في ضوء هذه الرؤية وهذه الأهداف، سأكون ممتنا غاية الامتنان للدول الأعضاء على دعمها القيم لترشيحي.

تحميل نسخة معدة للطباعة من بيان الرؤية