دور العمل الخيري في ترسيخ التضامن العالمي
العمل الخيري هو في جوهره تجلٍّ للتضامن العالمي. فهو يوحّد البشر على اختلاف مشاربهم لبناء مجتمعات أعدل وأكثر صلابة، سواء تجسّد في العطاء المباشر، أو في العمل التطوعي، أو في المبادرات الجماعية. وهو لا يقتصر على الإغاثة الفورية، بل يسهم في دعم نظم الرعاية الصحية والتعليم، وصون التراث الثقافي، وحماية الفئات الهشة (منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، 2021).
وفي عالمنا اليوم، يشهد العمل الخيري تحوّلات عميقة، إذ أصبح يسعى إلى معالجة الأسباب الجذرية للفقر والتفاوت. وأضحت المبادرات الخيرية تؤثر في رسم السياسات العامة، وتمويل الابتكار، ودعم المجتمعات المحلية حين تعجز الخدمات العامة عن تلبية الاحتياجات (البنك الدولي، 2023). وفي المناطق الهشّة، كثيراً ما يسدّ العمل الخيري ثغرات تعجز الحكومات عن معالجتها.
وقد جعلت خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 القضاء على الفقر، بجميع أبعاده، محوراً للعمل العالمي المشترك. فالفقر لا يُختزل في غياب الدخل، بل يشمل الجوع، والتهميش، ورداءة ظروف المعيشة، وتقييد الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية. وتحقيق أهداف التنمية المستدامة يقتضي إقامة شراكات متينة بين الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والمنظمات الخيرية، في إطار من التعاون والتكامل.
مقومات العمل الخيري الفعّال في العصر الحديث
من العطاء التقليدي إلى العمل الخيري الاستراتيجي، أضحى العمل الخيري اليوم قوةً محركةً للابتكار الاجتماعي، وخفض الفقر، وتحقيق التنمية الشاملة.
العطاء المدفوع بالتقانة
أتاحت الوسائط الرقمية—من منصات التمويل الجماعي، والتبرعات عبر الأجهزة المحمولة، إلى أدوات الذكاء الاصطناعي—مجالات أوسع للعطاء، ورفعت مستوى الشفافية (مؤسسة العطاء الخيري، 2023).
الريادة الشبابية
يضطلع الشباب حول العالم بإنشاء مبادرات اجتماعية، وقيادة جهود مكافحة تغيّر المناخ، وإعادة تصوّر سبل النهوض بالمجتمعات. ودعم ريادتهم شرطٌ للتحوّل المستدام (يونيسف، 2022).
العدالة والشمول
يتداخل الفقر مع العِرق والنوع والإعاقة والموقع الجغرافي. والعمل الخيري الشامل يعترف بهذه العوائق المتشابكة، ويستثمر في حلول تقودها المجتمعات نفسها (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2020).
العطاء الأخلاقي الخاضع للمساءلة
كلما اتسع نطاق العمل الخيري، زادت الحاجة إلى ممارسته في إطار من الأخلاق والمسؤولية. فالعمل الخيري ينبغي أن يقوم على الشفافية، ويستجيب لأولويات المجتمعات، ويُؤسَّس على التواضع والتعاون (مراجعة ستانفورد للابتكار الاجتماعي، 2021).
الفقر والمناخ
يفاقم تغيّر المناخ هشاشة من يرزحون تحت وطأة الفقر، ويزيد من اضطراب سُبل تأمين الغذاء والماء والمأوى. وقد باتت كثير من المبادرات الخيرية تدمج بين الحلول البيئية وتلك الرامية إلى الحد من الفقر، بما يعزز القدرة على الصمود على المدى الطويل.
فالعمل الخيري، حين يُبنى على أسس العدالة والأخلاق، لا يُعَدّ مجرّد فعل كرم، بل يُعَدّ تعبيراً راسخاً عن المسؤولية العالمية. إنه جسر يوصل بين الأفراد عبر الحدود والقطاعات، لمواجهة الفقر، وتمكين المجتمعات، وبناء عالم أكثر شمولاً واستدامةً لكل الناس.
معلومات أساسية
يتيح العمل الخيري، مثله في ذلك مثل مفهومي التطوع والإحسان، فرصة لتعزيز الأواصر الاجتماعية والإسهام في خلق مجتمعات أكثر شمولا ومرونة. فللعمل الخيري القدرة على رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، كما أنه له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال. والعمل الخيري فاعل جدا في تحسين الثقافة والعلوم والرياضة وحماية الموروثات الثقافية، فضلا عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع.
وتم اقرار اليوم الدولي للعمل الخيري بهدف توعية وتحفيز الناس والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية.
وأختير تاريخ 5 أيلول/ سبتمبر من أجل إحياء ذكرى وفاة الأم تيريزا، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 1979 تكريما للعمل الخيري الذي اضطلعت به من أجل التغلب على الفقر، والذي يشكل تهديدا للسلام العالمي
ولدت آغنيس غونكزا بوجاكسيو، الراهبة والمبشرة المعروفة بالأم تريزا، في عام 1910. وانتقلت للعيش إلى الهند في العام 1928، وكرست حياتها لمساعدة المهمشين والفقراء منذ ذلك الحين وحتى وفاتها. وفي عام 1948 أصبحت مواطنة هندية وأسست منظمة للبعثات الخيرية في مدينة كالكتا الهندية في العام 1950، والتي كرسّت عملها لخدمة الفقراء والمعدمين ممن يموتون في تلك المدينة من آثار الجوع والفقر.
لأكثر من 45 عاما، وفرّت جمعية الأم تيريزا العون للفقراء والمرضى والأيتام، في حين ابتعثت الجمعية افرادها لجميع انحاء الهند والعالم، بهدف مساعدة الضعفاء والتطوع في دور العجزة والأيتام وبيوت ايوآء المشردين.
وتلقت الأم تيريزا عددا من الجوائز والأوسمة، بما في ذلك جائزة نوبل للسلام، اعترافا بجهودها الانسانية وامتنانا بأعمالها الخيرية التي انتشرت في جميع أرجاء العالم.
وقد توفيت الأم تيريزا في 5 أيلول/سبتمبر 1997 عن عمر يناهز الـ87 عاما.

