على مدار السنوات العشرين الماضية شهدت المناطق الحضرية نمواً مشهوداً. وفي الوقت الحالي يوجَد أكثر من 3.5 بليون نسمة يسكنون المناطق الحضرية (ما يقرب من نصف سكان المعمورة). والبلدان النامية بالذات هي التي تتعرّض للتغيُّر السريع ما بين الاقتصادات الريفية إلى الاقتصادات ذات الأساس الحضري باعتبار أنها تتحوَّل من خلال سكانها المتحوّلين إلى الحَضَر (الأمم المتحدة - الموئل والمجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2009، ص. 7). وبرغم أن نطاق التحضُّر في البلدان النامية يختلف من حيث الحجم والإيقاع إلاّ أن تحدّياته تتمثّل في إشباع جوع متزايد من أجل الإمدادات المأمونة من الطاقة، وتشييد جسور الإتاحة، وتحقيق الإنصاف والتمكين، والحدّ من التدهور البيئي، وتعزيز صحة ومعايش البشر ورسم اتجاهات جديدة في مجال التنمية (Droege 2008K p.1).

ولقد تضاعَف سكان العالم منذ عام 1960، ومن المتوقّع أن يتجاوز عددهم تسعة بلايين بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن تشهد البلدان النامية نسبة 99 في المائة من هذا النمو السكاني، إضافة إلى 50 في المائة من النمو الحضري. (Chu and MajumdarK 2012: Curry and pillay, 2012). وطبقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تتسم بدرجة عالية من التحوُّل الحضري باعتبار أن نسبة 78 في المائة من السكان كانوا يعيشون في المُدن في عام 2007. وبحلول عام 2050 من المتوقّع أن تزيد هذه النسبة إلى 89 في المائة. وفيما تتسم أفريقيا وآسيا بدرجة أقل من التحضُّر، حيث أن ما يقرب من 40 في المائة من السكان يعيشون حالياً في المُدن، إلاّ أن المنطقتين شهدتا بدورهما معدلات مرتفعة من النمو. ومن المتوقّع أن يزيد سكانهما الحضريون إلى 62 في المائة بحلول عام 2050 (على نحو ما يرد في موئل الأمم المتحدة والمجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، 2009، ص. 7). وتتوقّع الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050 سيكون هناك 6 بلايين من البشر مقيمين في المُدن.

أما أزمة الطاقة العالمية، مقترنة بتهديد تغيُّر المناخ، فتقتضي مراعاة الابتكار في قطاعات الطاقة والأخذ بأسلوب الاستهلاك المسؤول بالنسبة للبلدان المتقدمة والنامية على السواء. وفي دراسة تحوُّل الطاقة الحضرية: من المحروقات الأحفورية إلى الطاقة المتجددة، ورد القول بأنه بحلول عام 2030 فإن متطلبات الطاقة العالمية من المتوقّع زيادتها بمقدار 60 إلى 85 في المائة. وطبقاً لتوصيات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيُّر المناخ، فإذا ما كان لنا أن نحدّ من الاحترار الكوكبي بحيث لا يزيد على درجتين مئويتين عن مستويات عصر ما قبل الصناعة، فنحن لا نستطيع تجاوز مستوى من تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي يبلغ 450 جزءاً في المليون. ولكن في آذار/مارس 2015 كشفت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) عن أن مستوى 400 جزء لكل مليون تم تجاوزه. ومن أجل ضمان مستقبل متاح وممكن وصحّي وسليم من الناحية البيئية يحتاج العالم إلى ثورة صناعية جديدة حيث يتم تزويد التنمية بموارد من الطاقة تتسم بأنها ميسورة التكاليف ومتاحة ومستدامة. وفي محاولة للحدّ من مُدخلات الموارد والآثار البيئية، عملت بعض الدول المتقدمة، بنجاح بالفعل، على الفصل بين النمو الاقتصادي وبين واقع استهلاك الطاقة. وأمكن إحراز هذا الهدف من خلال سدّ ثغرة الطاقة في مجال الإنتاج، ومن ذلك مثلاً إعادة استيعاب الحرارة التي تنطلق من توليد الكهرباء (موئل الأمم المتحدة، المجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، 2009، ص. 7). ومن ثم فإن كفاءة وحفظ الطاقة، فضلاً عن عمليات فصل الكربون في مصادر الطاقة أصبحت ضرورات أساسية بالنسبة لهذه الثورة.

وبرغم أن توليد الطاقة المستند إلى المحروقات الأحفورية لا يزال يلعب دوراً رئيسياً في المُدن، إلاّ أن من الواضح بشكل متزايد أن الطاقة المستدامة هي الخيار الوحيد الذي يتحرَّك قُدماً إلى الأمام. وعلى سبيل المثال، ففي المُدن، قد يظل نصيب المحروقات الأحفورية كبيراً برغم أنها غالباً ما تستخدِم التوليد المشتَرك والتسخين المحلي الذي يتميَّز بارتفاع كفاءة الوقود. أما تنفيذ الاستراتيجيات المتصلة بالطاقة المتجددة في بيئات ن فهو بدوره يتحول بوتيرة سريعة ليصبح واحداً من ”حتميات الطاقة“. ولا يتطلَّب تفعيل التحوُّل تحويل مصدر الطاقة فقط ولكن يقتضي أيضاً ضمان فعاليته من حيث التكاليف واستدامته وإفادته للتنمية. وقد أصبحت المُدن حول العالم تتعهّد حالياً باستخدام 100 في المائة من الطاقة النظيفة، حيث تعهّدت كوبنهاغن بأن تُصبح محايدة كربونياً بحلول عام 2025. أما أسبن، كولورادو فمن المتوقّع لها أن تستخدِم طاقات متجددة بنسبة 100 في المائة بحلول عام 2015، في حين أن ميونخ تخطط لأن تجعل نسبة 100 في المائة من كهربائها مولّدة بواسطة الطاقة المتجددة بحلول عام 2025.

التهضيم اللاهوائي

توليد الطاقة من النفايات الحضرية والتصرُّف فيها ما برح يشكّل مسألة جوهرية بسبب اتساع التحضُّر وزيادة السكان. أمّا التهضيم اللاهوائي حيث يتم تحليل النفايات الإحيائية في غياب الأوكسجين، مما يؤدّي إلى إنتاج غاز إحيائي غني بالميثان ومناسب لإنتاج الطاقة، فيمكن أن يهيئ حلاً جوهرياً لمسائل النفايات المتفاقمة، مع العمل في الوقت نفسه على الحدّ من متطلبات الطاقة الخارجية (Curry and Pillay, 2012). ويمكن إحراق الغاز الأحيائي سواء لإنتاج الحرارة أو الكهرباء باستخدام ماكينات الإحراق الداخلي أو التوربينات الدقيقة الحجم وسخّانات المياه الساخنة حيث تُستخدَم الحرارة المتولّدة لتسخين الهاضمات أو لتزويد المباني بالحرارة (المرجع نفسه). وإذا ما أمكن الإفادة من النفايات الحضرية لإنتاج الغاز الأحيائي، ومن ثم الحدّ من الطلب على مقالب القمامة لأمكن إنتاج طاقة مستدامة ومتجدّدة جنباً إلى جنب مع مُنتَج فرعي ومفيد من مُشتقَّات الغاز بحيث يمكن استخدامه كسماد. وقد توصّلت دراسة نشرها كيوري وبيلاي في مجلة الطاقة المتجددة إلى أن عدد محطّات الغاز الأحيائي في حال من التزايد كل سنة بما يقرب من نسبة 20 إلى 30 في المائة وبما يثبت أن التهضيم اللاهوائي ما زال يشكِّل مصدراً مهماً ومستداماً من مصادر الطاقة (2012).

الطاقة الشمسية

الفائدة الأساسية من استخدام الطاقة الشمسية باعتبارها مورداً للطاقة، بالمقارنة مع الكتلة الإحيائية والطاقة الكهرومائية أو النووية، تتمثّل في أنها لا تتطلّب المياه، ومن ثم فهي تستبعد الشواغل البيئية فيما يتعلق بزيادة استهلاك المياه، مما يؤدي إلى حالات نقص المياه. كذلك فإن ما شهدته الآونة الأخيرة من تخفيضات التكاليف في تنفيذ التكنولوجيات الشمسية (المركّزة أو الطاقة الشمسية الفولطا ضوئية) جعلها متنافسة من حيث التكاليف مع توليد الطاقة على أساس المحروقات الأحفورية، سواء ضمن النطاق المتوسط إلى النطاق المرتفع. وعلى المستوى العالمي نمت الطاقة الفولطاضوئية لتمثّل الأسرع من بين جميع التكنولوجيات المتجددة بين عامي 2006 و 2011 حيث زادت بنسبة 58 في المائة سنوياً وأعقبها طاقة الشمس المركَّزة التي زادت بدورها بنحو 37 في المائة ثم طاقة الرياح التي نمت بنسبة 26 في المائة على النحو الوارد في دراسة بشأن سياسة الطاقة (Purohiot, Purohit and Shekhar, 2013). وتُعَدّ الطاقة الشمسية لأغراض الاستخدام الحضري طاقة فعّالة باعتبار إمكانية وضع الألواح والمواد الفولطاضوئية فوق أسطح المباني حيث لا تعوق شيئاً فيما تتسم بالكفاءة وبانخفاض الصيانة. ومن المقدَّر للطاقة الشمسية العالمية المركَّزة أن تبلغ قدرتها 147 غيغاواط في عام 2020 ثم 337 غيغاواط في عام 2013 إلى أن تصل إلى 089 1 غيغاواط في عام 2050 (المرجع نفسه).

البنى الأساسية ذات الكفاءة

في المستقبل يمكن أن يؤدّي تطوير إنتاج الطاقة المتجددة في موقع من المواقع إلى مبانٍ صفرية الانبعاثات، وإلى مُدن إيكولوجية تتسم بمستوى مرتفع من ناحية كفاءة الطاقة المنخفضة الكربون (Lund, 2012). ذلك لأن التكنولوجيات الجديدة المبتكرة تتقدّم خطاها كل يوم وتجعل المُدن أكثر استدامة من ناحية الطاقة. وعلى سبيل المثال يتم تطوير حاصد لطاقة الرياح والطاقة الشمسية ومياه الأمطار لاستخدامه في المباني الحضرية الشاهقة من أجل الوصول بإنتاج الطاقة إلى المستوى الأمثل، كما يساعد على خفض الصعوبات التي تصادِف الاستخدامات الحضرية الراهنة لتوربينات الرياح.

الإيكو - مُدن

في ظل تقدُّم التكنولوجيا ثمة زيادة في عدد الإيكو - مُدن حول العالم، وهناك من أمثلة هذه ”المناطق الحضرية المستدامة“ ما يتمثّل في مدينة مصدر في أبو ظبي ووادي  المدن الذكية (PlanIT) في البرتغال. وهناك ما يستهدف أن يصبح الأكبر من نوعه في هذا الصدد متمثلاً في مدينة تيانجين الإيكولوجية وهي عبارة عن مشروع تعاوني بين الصين وسنغافورة من شأنه بحلول عام 2020 أن يزوِّد منازل أكثر من 000 350 ساكن بسُبل الحياة في بيئة خضراء منخفضة الكربون وهي تبلغ نحو نصف مساحة ضاحية مانهاتن. وهذه المُدن تضم هياكل أساسية مزوَّدة بأجهزة لتوفير المياه وجدران معزولة ونوافذ مضاعَفة الزجاج لامتصاص الأصوات وتوجُّهات نحو الجنوب من أجل زيادة الحرارة السلبية، إضافة إلى الأسطح والجدران التي تحتوي الطاقة الشمسية الفولطاضوئية، فضلاً عن محطات موقعية لتوليد الطاقة.

على أن تنفيذ الطاقات المتجددة في البيئات الحضرية أحياناً ما يصادِف عقبات بسبب عدم التواؤم بين العرض والطلب فضلاً عن إدماجها ضمن منظومة الطاقة. وبإمكان الشبكات الذكية أن توفِّر التوصيلات وسُبل التحكُّم الضرورية من أجل الإدارة الفعّالة لتوفير الطاقة. كما أن تنفيذ هذه التدابير في البيئة الحضرية تنجم عنه منافع عديدة بما في ذلك تحسين أمن وموثوقية الطاقة، وخفض تكاليف التوزيع من خلال جعل مجموعة إمداد الطاقة المحلي أقرب ما تكون من مستوى الطلب، مع استخدام الهياكل الأساسية القائمة بالفعل، والعمل من أجل خفض الطلب على الأرض إلى أقل حدّ ممكن (المرجع نفسه).

 

 

الخلاصة

يتسم التوقع إلى استخدام الطاقة المتجددة على صعيد البيئات الحضرية بأهمية كبيرة باعتباره خياراً مستقبلياً للطاقة المستدامة، سواء من أجل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الحضرية أو للحد من الانبعاثات (المرجع نفسه). ومع استمرار تقدم التكنولوجيا سوف تصبح الطاقات المتجددة أكثر كفاءة باستمرار فيما تظل مناسبة للاستخدام وفعالة من حيث التكاليف ومتاحة ومستدامة.

 

المراجع

Chu, Steven, and Arun Majumdar (2012). Opportunities and challenges for a sustainable energy future. Nature, 488, (August), pp. 294-303. Available from http://www.nature.com/nature/journal/v488/n7411/full/nature11475.html.

Curry, Nathan, and Pragasen Pillay (2012). Biogas prediction and design of a food waste to energy system for the urban environment. Renewable Energy, vol. 41 (May), pp. 200-209.

Droege, Peter, ed. (2008). Urban Energy Transition: From Fossil Fuels to Renewable Power. Oxford: Elsevier Ltd.

Lund, Peter (2012). Large-scale urban renewable electricity schemes—Integration and interfacing aspects. Energy Conversion and Management, vol. 63 (November), pp. 162–172.

Purohit, Ishan, Pallav Purohit, and Sashaank Shekhar (2013). Evaluating the potential of concentrating solar power generation in North-western India. Energy Policy, vol. 62, pp. 157-175.

الأمم المتحدة – الموئل. الحكومات المحلية من أجل الاستدامة. وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (2009) تخطيط الطاقة الحضرية المستدامة: دليل للمدن والحواضر في البلدان النامية، نيروبي: برنامج الأمم المتحدة للبيئة، متاح من http://www.unep.org/urban_environment/PDFs/Sustainable_Energy_Handbook.pdf.