8 نيسان/أبريل 2015

ما سبب أهمية معالجة مسائل عدم المساواة

         انطلقت مفاوضات مؤتمر ريو + 20 في ظل تداعيات الأزمة المالية لعام 2008، الأمر الذي جعل من الواضح تماما أن الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تراكمت في الآونة الأخيرة لم يعد بالإمكان معالجتها كلا على حدة، أو بالتتابع، أو باتخاذ البلدان إجراءات منفردة. وعلى الرغم من سرعة نمو الصادرات، وقوة تدفقات رأس المال، وارتفاع أسعار السلع الأساسية في العالم النامي، فإن زيادات الدخل التي نتجت عن ذلك تُوزع بشكل متفاوت، حيث ظلت العديد من البلدان والمجتمعات المحلية الأكثر فقرا عرضة للصدمات والانتكاسات. وجاءت الأزمة في أعقاب تباطؤ النمو، وإعادة توزيع الدخل على نحو يصب بشكل كبير للغاية في صالح 1  في المائة في قمة الهرم، وانفجار في الدين الخاص، مما أدى ليس فقط إلى قدر من البحث الأخلاقي عن الروح، بل وإلى إثارة مخاوف بشأن هشاشة الميثاق الاجتماعي.

         وقد جرى التسليم بأن أهداف التنمية المستدامة يجب أن تكون أكثر عالمية وأكثر شمولا من الأهداف الإنمائية للألفية، من أجل معالجة مجموعة واسعة من الفوارق الاجتماعية الاقتصادية التي نشأ ونما حولها عدد من أوجه عدم المساواة.

حجم عدم المساواة

         بالمقارنة مع 30 سنة مضت، ازداد التفاوت في الدخل في عدد ملفت للنظر من البلدان وهو الآن في أعلى مستوياته في معظم البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلاوة على ذلك، انضاف إلى عدم المساواة في الدخل عدم المساواة في الثروة، ولا سيما في البلدان التي بها مستويات عالية سلفا من عدم المساواة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت بلدان أخرى كانت تقليديا أكثر مساواة، مثل ألمانيا والدانمرك والسويد، بدورها اتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء.

         وما فتئ الخبراء الاقتصاديون يربطون بين العولمة والتقارب في الدخل، ويبدو أن سد الفجوات في الدخل في جميع الدول قد بات اتجاها واضحا، مما يعكس تباطؤ النمو في البلدان الغنية واستمرار النمو السريع في الصين وفي وقت لاحق في الهند. ولكن هذا الاتجاه هو أقل أمنا مما كان يتصور كثيرون في البداية (ذي إيكونوميست إكسبلينز، 2014). وعلاوة على ذلك، حتى طفرات النمو التي حدثت مؤخرا في البلدان النامية هي نفسها تزامنت مع ارتفاع مستويات عدم المساواة، وهي في بعض الحالات بارزة في الاقتصادات المتقدمة بالقدر نفسه بل وأكثر أحيانا.

         ويمثل تراكب اتجاهات عدم المساواة هذه فيما بين البلدان وداخلها مهمة ليست بالسهلة، على الرغم من أن معامل جيني العالمي انخفض قليلا بشكل عام على مدى يزيد قليلا عن الـعشرين عاما الماضية، بحسب بعض التقديرات (لاكنر وميلانوفيش، 2013)، ويعود ذلك إلى حد كبير لكون المأجورين في البلدان المتقدمة شهدوا تقلصا في مداخيلهم. وحتى كذلك، وباستثناء بعض البلدان القليلة الأكثر تفاوتا، لا يزال مستوى انعدام المساواة أكبر، وبمراحل، فيما بين البلدان منه داخل البلدان.

         ولذلك فإن فهم ديناميات عدم المساواة وعلاقاتها داخل البلدان وفيما بينها هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه المحللين، وهو يوجد أيضا في صميم خطة التنمية لما بعد عام 2015.

ما الذي يجعل عدم المساواة مهما؟

         من الواضح أن عدم المساواة يمكن أن يكون تهديدا خطيرا للاستقرار الاجتماعي والسياسي. ولكن هناك إدراكا متناميا بأنها يمكن أن تهدد أيضا النمو المستدام. وقد أظهرت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي أن زيادة المساواة في الدخل تزيد مدة فترات النمو الاقتصادي للبلدان أكثر من التجارة الحرة وانخفاض الفساد الحكومي والاستثمار الأجنبي، أو انخفاض الديون الخارجية (بيرغ وأوستري، 2011). وهناك أدبيات تستكشف الصلات القائمة بين تنامي عدم المساواة والصدمات والأزمات الاقتصادية (بوردو وميسنر، 2012)، وهي صلة يبدو أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالوزن السياسي والاقتصادي الأكبر للتدفقات المالية والأسواق غير المنظمين (الأونكتاد، 2012).

         وتُعرّض عدم المساواة للخطر تحقيق الأهداف الاقتصادية الشاملة التي اقترحها الفريق العامل المفتوح باب العضوية المعني بأهداف التنمية المستدامة التابع للجمعية العامة، من قبيل القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز العمل اللائق، وتحويل الهياكل الاقتصادية. وعدم المساواة ليست مسألة قدر أو حظ، وبالإمكان عكس اتجاهها من خلال السياسات والإصلاحات، وهي وجهة نظر انتُصر لها مؤخرا في البحوث الرائدة لتوماس بيكيتي. وفي حين أن الحلول تبقى بيد واضعي السياسات الوطنيين والإقليميين، تلعب الإجراءات والتدابير على الصعيد الدولي دورا حاسما أيضا.

 

هدف التنمية المستدامة 10: الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها بحلول 2030

 

         اقترح الفريق العامل المفتوح باب العضوية المعني بأهداف التنمية المستدامة هدفا قائما بذاته بشأن عدم المساواة بسبع غايات وثلاث وسائل لتحقيقه. تدعو الغاية الأولى إلى جعل دخل فئة 40 في المائة الدنيا من السكان ينمو بوتيرة أسرع من المتوسط الوطني؛ وتدعو الغاية الثانية إلى التمكين والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للجميع، بغض النظر عن العرق أو الأصل الإثني أو الوضع الاقتصادي؛ وتدعو الغاية الثالثة إلى ضمان تكافؤ الفرص والحد من أوجه انعدام المساواة في النواتج، بما يشمل القضاء على التمييز من خلال سياسات وإجراءات ملائمة.

         وتركز أربع غايات أخرى على اعتماد السياسات تدريجيا من أجل تحقيق المزيد من المساواة، بما في ذلك السياسات المالية، وتنظيم ورصد الأسواق والمؤسسات المالية العالمية، واعتماد سياسات تشجع هجرة وتنقل الأشخاص بشكل منظم وآمن ومسؤول، وكذا المسألة التي طال أمدها والمتعلقة بالتمثيل العادل للبلدان النامية وصوتها في نظام الحوكمة العالمي.

         وتبدو وسائل التنفيذ فضفاضة أكثر وتحديدها الكمي أصعب وكذا وضع مؤشرات من شأنها أن تساعد على قياس التقدم المحرز صوب الحد من أوجه انعدام المساواة. وهناك حاجة إلى المزيد من التفكير. وتشمل الوسائل المحددة المقترحة ما يلي: 1) التقيد بمبدأ المعاملة الخاصة والتفاضلية لصالح أقل البلدان نموا؛ 2) وتوجيه المساعدة الإنمائية الرسمية وتشجيع التدفقات المالية، بما في ذلك الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان التي تعيش في وضعية خاصة، مثل أقل البلدان نموا، والبلدان الأفريقية، والدول الجزرية الصغيرة النامية، والبلدان النامية غير الساحلية؛ 3) والحد من تكلفة نقل تحويلات المهاجرين إلى أقل من 5 في المائة.

         فهل يمكننا تحقيق هذا الهدف بحلول عام 2030؟

         سيتوقف ما إذا كانت هذه الغايات والوسائل المدرجة في إطار هدفي التنمية المستدامة 10 و17 ستحد من أوجه انعدام المساواة بحلول عام 2030، على متانة المؤشرات المختارة من أجل إرشاد ورصد التقدم، وعلى وجود الإرادة السياسية للتعاون الإقليمي والدولي من أجل إعادة التوازن إلى النظام العالمي، وتعزيز اتساق السياسات.

         وستتطلب معالجة أوجه انعدام المساواة داخل البلدان توسيع حيز السياسة العامة والضريبة على الصعيد الوطني من أجل اعتماد تشكيلة سياسات خاصة بكل بلد مما يلزم للنهوض بالجميع، وعلى وجه الخصوص، لزيادة دخل من هم في القاعدة. وستكون الوظائف والأجور متغيرين حاسمين. ولا يزال إيجاد الوظائف هو السبيل المضمون الوحيد للتصدي للفقر على أساس مستدام، ولا سيما في الوقت الذي تزداد القوة العاملة اتساعا بوتيرة سريعة. ولكن ارتفاع الأجور ضروري أيضا لزيادة الطلب المحلي، الذي بات يُنظر إليه على نحو متزايد باعتباره عنصرا أساسيا من عناصر نمو أكثر استدامة (الأونكتاد، 2013). وعليه، فإنه سيتعين على البلدان أن تبني ذلك النوع من البنى التحتية والقدرة الإنتاجية التي تؤدي إلى اقتصاد أكثر تنوعا، بحيث تبتعد عن الاعتماد على السلع الأساسية وتحقيق قدر من النجاح في الأنشطة الصناعية الأكثر تطورا، التي تعتمد على السياسات الصناعية.

         وستتطلب معالجة الاختلالات الناشئة عن النظام الاقتصادي الدولي إصلاحات عالمية للمنظومة المالية والاستثمارية والتجارية والنقدية والضريبية من أجل الحد من التقلبات. وستساعد الاتفاقيات الدولية لمكافحة تجنب الضرائب والتهرب منها ووقف استخدام التنافس الضريبي والملاذات الضريبية للالتفاف على المسؤوليات الضريبية على كفالة التمويل الكافي لمشاريع الاستثمار طويلة الأجل من النوع المطلوب لتحقيق مسارات التنمية الشاملة للجميع والمستدامة. ويُحتفظ بما بين 8 و15 في المائة من صافي الثروة المالية للأسر المعيشية في الملاذات الضريبية، وهو ما يكبد الإيرادات العامة خسائر تبلغ ما بين 190 و290 مليار دولار من دولارات الولايات المتحدة سنويا. وينتمي نصف تلك الثروة إلى البلدان النامية، التي ربما تفقد ما يزيد على 160 مليار دولار سنويا أيضا بسبب سوء استخدام "تسعير التحويلات" و"الرسملة السهمية الخفيفة" لنقل أرباح المحاسبة إلى الولايات القضائية المعدومة الضرائب أو ذات الضرائب المنخفضة. ومن شأن فرض إلزامية مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية وتوسيعها أن يساعد أيضا في تعبئة الموارد المحلية.

         ومع أن الإصلاح العالمي سيكون بطيئا، فإنه يمكن أن يخلق المزيد من الاستقرار على الصعيد الإقليمي عن طريق وضع قواعد ومؤسسات بديلة من أجل توفير درجة من الحماية من الصدمات المالية، وهو ما يتطلب قدرا كبيرا من بناء القدرات، والتعاون فيما بين بلدان الجنوب، والتعاون الثلاثي، وكذا إيجاد حيز للتعاون الضريبي. وعلى سبيل المثال، اعتمد نجاح الصين على مجموعة مختارة من ضوابط رأس المال، وسياسة ضريبية لمواجهة التقلبات الدورية، وسياسات نقدية نشطة هدفها استقرار أسعار الصرف، فضلا عن مجموعة كاملة من السياسات الصناعية النشيطة، بدلا من التركيز فقط على نمو الناتج المحلي الإجمالي (الأونكتاد، 2013).

         وختاما، ستكون هناك حاجة لوجود إطار متكامل للسياسات يعكس جميع النماذج الإنمائية ويكفل اتساق السياسات على نطاق جميع الأهداف من أجل كفالة أن يدعم بعض الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بعضاً. 

 

المراجع

Berg, Andrew G., and Jonathan D. Ostry (2011). Inequality and Unsustainable Growth: Two Sides of the Same Coin? Washington, D.C.: International Monetary Fund. IMF Staff Discussion Note SDN/11/08 (8 April). Available from https://www.imf.org/external/pubs/ft/sdn/2011/sdn1108.pdf.

 Bordo, Michael, and Christopher M. Meissner (2012). Does inequality lead to a financial crisis?, 24 March. Center for Economic and Policy Research (CEPR)’s Policy Portal. Available from http://www.voxeu. org/article/does-inequality-lead-financial-crisis.

C.W. (2014).

“Why globalization may not reduce inequality in poor countries” (2 September). The Economist explains. Available from http://www.economist.com/blogs/economist-explains/2014/09/ economist-explains-0.

Lakner, Christoph and Branko Milanovic (2013). Global income distribution: from the fall of the Berlin Wall to the great recession, vol. 1. Policy Research Working Paper, No. 6719. Washington, D.C.: World Bank. Available from http://econ.worldbank.org/external/default/ main?pagepK=64165259&thesitepK=469382&pipK=64165421&me nupK=64166093&entityiD=000158349_20131211100152

Organisation for Economic Co-Operation and Development (2011).

Divided We Stand: Why Inequality Keeps Rising. December 2011.

Available from http://www.oecd.org/els/soc /49170768.pdf.

 United Nations Conference on Trade and Development (2011). World Investment Report 2011: Non-equity Modes of International Production and Development. Sales No. E.11.ii.D. 2. Available from http://unctad.org/en/publicationslibrary/wir2011_en.pdf.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (2012). تمويل التجارة والمؤسسات المالية الإقليمية من منظور بلدان الجنوب. مجلس التجارة والتنمية. لجنة الاستثمار والمشاريع والتنمية. اجتماع الخبراء المتعدد السنوات بشأن التعاون الدولي: التعاون بين بلدان الجنوب والتكامل الإقليمي، جنيف، 24-25 تشرين الأول/أكتوبر 2012.   التوزيع: عام. 15 آب/أغسطس 2012. TD/B/C.II/MEM.2/11. متاح في العنوان:  http://unctad.org/meetings/en/sessionalDocuments/ciimem2d11_ar.pdf.

United Nations Conference on Trade and Development (2013).

Growth and Poverty Eradication: Why Addressing Inequality Matters. Post-2015 Policy Brief, no. 02, November 2013. New York and Geneva. Available from http://unctad.org/en/publicationslibrary/presspb2013d4_en.pdf.

 مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (2014). الموقع الشبكي للدورة الحادية والستين للأونكتاد، مجلس التجارة والتنمية.

متاح في العنوان:

http://unctad.org/en/pages/MeetingDetails.aspx?meetingid= 490.

          

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.