7 شباط/فبراير 2017

        أرى أن التوسع الحضري المستدام في أفريقيا يرتبط بإقامة الشراكات. ففي مدينة جينجا في أوغندا، بلدي، أقام الاتحاد الوطني لسكان الأحياء الفقيرة في أوغندا شراكة عمل متينة مع الحكومة. وفي هذه المقالة، سألقي الضوء على بعض الدروس المستخلصة من العوامل الرئيسية لهذه الشراكة التي من شأنها أن تعود بالفائدة على تجمّعات ومدن أخرى. وتجربتي في جينجا تجسّد أيضا ما تعلّمتُه من الرابطات العالمية المنتمية للشبكة الدولية لمنظمات سكان الأحياء الفقيرة.

         فأنا أرى أن إحداث تحوّل في مستوطنات المناطق الحضرية الفقيرة يتطلب أن يشكّل هذا التغيير عمليةً مجتمعية يتمحور فيها الاهتمام على المرأة من أجل تحقيق استدامة المستوطنات والإمساك بزمام الأمور انطلاقا من القاعدة الشعبية. وينبغي أن ينطوي إحداث ذلك التحوّل على تعبئة سكان الأحياء الفقيرة وتوعيتهم لكي يُدركوا أهمية هذا التغيير. وتوعية المجتمعات المحلية يعني تمكينهم من المشاركة في تخطيط وتنفيذ عملية تحسين المستوطنات. وخلال تلك العملية، يتعين أن نولي اهتماما خاصا للمرأة، التي يهمين صوت الرجل أحيانا على صوتها. وما لم يُمسك السكان بزمام هذه العملية، فإن عبارة التحوّل يمكن أن يُساء استعمالها ويمكن أن تستعملها السلطات الحكومية لتبرير الإخلاء القسري والتطوير العمراني الذي يستبعد الفقراء من حسابه. فتعبئة الفقراء في إطار ’مجموعات ادخار‘ يمثّل إحدى الاستراتيجيات الرئيسية التي وضعتها الشبكة الدولية لمنظمات سكان الأحياء الفقيرة من أجل التأثير في النساء من سكان المناطق الحضرية ومساعدتهن على التنظيم في سبيل تحقيق التحوّل المنشود في مستوطناتهن.

         وكان ذلك هو شأن مدينة جينجا. فقد رأى الاتحاد الوطني لسكان الأحياء الفقيرة في أوغندا النور في هذه البلدية خلال اجتماع عُقد في أيلول/سبتمبر 2002 في مدرسة كامولي الابتدائية. فقد عقد الاجتماع وفد من كمبالا ضمّ رئيس الشبكة الدولية لمنظمات سكان الأحياء الفقيرة، وأعضاءً في الاتحاد ينتمون إلى منظمات منتسبة للشبكة الدولية، ومسؤولين حكوميين من وزارة الأراضي والإسكان والتنمية الحضرية في أوغندا. وأوضح الفريق أن اتحادات المناطق الحضرية الفقيرة في الشبكة الدولية تستعين بمدخراتها لوحيد أبناء المجتمعات المحلية وبناء قدراتها على العمل الجماعي والتعلم من غيرهم من سكان الأحياء الفقيرة الأعضاء في الشبكة، وبالتالي تحسين حياة فقراء المناطق الحضرية وإقامة الشراكات مع الحكومة للعمل على تحقيق تلك الأهداف. وقد اتفق المشاركون في الاجتماع على اختبار هذه الفكرة الجديدة. ونظمت الشبكة الدولية اجتماعات لتبادل الآراء لإطلاع سكان أحياء جينجا الفقيرة على عمل أقرانهم في كينيا.

         وفي أعقاب ذلك التبادل للآراء، انتشر الاتحاد في جميع شعب بلدية جينجا. ففي البداية، كانت مجموعات الادخار تبدأ عملها بالتركيز كثيرا على المسائل المترتبطة بأسباب معيشة أعضائها، ولكن المجتمعات المحلية بدأت، من خلال تبادل الآراء وزيادة التعرّض لأدوات الاتحاد وممارساته، وضعَ خطة عمل حضرية انتقل فيه الاهتمام من التركيز على أعضاء المجموعة إلى إحداث التحوّل في المستوطنات التي يعيشون فيها.

         وكانت السنوات الأولى للاتحاد الوطني لسكان الأحياء الفقيرة في أوغندا، أي الفترة 2002-2004، مرحلة تعلّم حيث شارك الاتحاد في العديد من لقاءات تبادل الآراء لبناء قدراته والحث على أنماط تفكير جديدة بشأن التحديات الحضرية. وكانت تلك هي الفترة التي أدرك فيها فقراء المناطق الحضرية في جينجا أن بإمكانهم العمل جماعيا على التعبئة الذاتية والتفاوض مع السلطات وكسب تأييدها بطرق كان من غير الممكن تصوّرها حتى ذلك الحين. فقد كان ذلك ميلاد نموذج جديد لتنظيم المجتمعات المحلية اضطلعت المرأة بدور محوري فيه. فالنموذج الجديد جعل الوضع الراهن محل تساؤل وشّجع فقراء المناطق الحضرية على المطالبة بحقهم في العيش في وسط حضري.

         وتعلّم أعضاء الاتحاد الوطني لسكان المناطق الحضرية في أوغندا أن الادخار يوميا والانضمام إلى عضوية اتحاد قد ساعدهم في جمع الأموال والانكباب على مسائل تتجاوز مجرّد أسباب معيشتهم. وتعلّموا أن عملية التوصيف والتعداد قد تساعدهم في جمع معلومات وإعداد بيانات عن مستوطناتهم كانت مفيدة لمجلس جينجا البلدي. بل قد اكتشفوا أن موظفي المجلس مستعدون للمشاركة في عملية التعداد إلى جانبهم. وفي النهاية، فإن تلك الأنشطة لا تنحصر في تشجيع الناس على الادخار بل تسهم في توحيد المجتمعات المحلية لتبادل المعلومات عن المسائل الملحة التي تمسهم.

         وفي الفترة بين عامَي 2005 و 2009، وسّع الاتحاد عضويته ونطاق أنشطته من عدد قليل من مجموعات الادخار فضفاضة الترابط، ليصل عددها إلى 34 مجموعة بحلول حزيران/ يونيه 2010. فقد شُكّلت شبكات وأُعدّت قيادات وأصبحت اللجان المواضيعية نشطة وبدأ تنفيذ مشاريع التحسين. أما نمو الاتحاد وهياكل حوكمته فقد تحقق أساسا عن طريق تبادل التعلّم بالممارسة مع سائر أعضاء الاتحاد. وخلال العملية بأكملها، اضطررنا إلى تشجيع النساء على إعلاء أصواتهن، وتولّي المناصب القيادية والاعتقاد بأن لديهن القدرة الكامنة على إيجاد الحلول.

         ولقد كان برنامج إحداث التحوّل في مستوطنات فقراء المناطق الحضرية في أوغندا مبادرةً من مبادرات تحالف المدن، وهو ائتلاف عالمي، وحكومة أوغندا، والشبكة الدولية لمنظمات سكان الأحياء الفقيرة. والبرنامج الذي بدأ في 2009، هو الأول من نوعه في البلد وكان إيذانا بانطلاق مرحلة جديدة لاتحادنا. وقد اعترف بالدور المحوري الذي يؤديه سكان الأحياء الفقيرة في خطة التنمية الحضرية وإضفاء الطابع المؤسسي على حيز المشاركة بين المجتمعات المحلية والحكومات المحلية.

         ومن الإنجازات الرئيسية الأولى للاتحاد في ذلك الوقت هو توصيف وتعداد جينجا بأكملها. فجمع البيانات المجتمعية ينشئ أساسا للشراكة لأن هذه العملية تمكّن المجتمعات المحلية وقادتها من توحيد جهودهم للتخطيط لشؤون مستوطناتهم. ونظرا إلى أننا دعَوْنا الحكومة المحلية إلى المشاركة في عملية جمع البيانات والإذن بإصدار تقاريرنا، فقد كان الطرفان يعتقدان أن لتلك البيانات أهمية موثوق بها. وتلك العملية تجمع أيضا بين المجتمعات المحلية من جميع أنحاء المدينة على التفكير في كيفية تحسين أحوالها. ثم توصّلوا إلى إدراك مدى ارتباط المسائل السائدة في مستوطناتهم بتلك التي تواجه المدينة بأكملها. وبصفتي مسؤولة مجتمعية، أود أن أشير إلى أن عملية التوصيف والتعداد تشكّل دعامة من دعامات التنمية لأنها تنير استراتيجياتنا وشراكاتنا.

         وخلال تلك الفترة حقق الاتحاد نموا سريعا من حيث النطاق والمهارات. فاليوم، أصبح يضم أكثر من 000 4 عضو و 48 مجموعة ادخار. وقد نفّذ مشاريع تحسين في جميع أنحاء البلدية، في إطار شراكة مع الحكومة المحلية، مستخدماً الصندوق الأهلي لتحسين أحوال الأحياء الفقيرة وصندوق المناطق الحضرية الفقيرة التابع للاتحاد. ولديه ورشة كبيرة لمواد البناء وموقع تدريبي يتعلم فيه أعضاؤه صنع وبيع المواد التي تُستخدم في عملية تحسين الأحياء الفقيرة، مما يمكّنهم من استغلال سلسلة الإمداد اللازمة لتعزيز استمرارية هذه الجهود.

         وانطلاقاً من تجربتي في الاتحاد الوطني لسكان الأحياء الفقيرة في أوغندا، فإن مشاركة المجتمعات المحلية مع المجلس كانت، قبل أن يشرع الاتحاد في تنظيم المجتمعات المحلية في جينجا، تتسم بما يلي:

     •  كان المجلس يُعتبر مقدما للخدمات أكثر منه شريكا.

     •  لم تكن إمكانية الوصول إلى المجلس تعتبر في متناول فقراء المناطق الحضرية.

     •  استعانت المنظمات الأهلية بأدوات المساعدة الذاتية بدلا من الخدمات الإنمائية البلدية.

     •  لم يكن يُنظر إلى فقراء المناطق الحضرية على أن لهم دورا يؤدونه في التخطيط.

         وبعد أن عبأ الاتحاد أعضاءه باتباع ممارسات الشبكة الدولية لمنظمات سكان الأحياء الفقيرة، تغيّرت الأمور. فقد قام بتنمية القدرات الجماعية بتشكيل مجموعات ادخار وتنظيمها في اتحاد، وشرع في جمع البيانات بقيادة المجتمعات المحلية عبر التعداد والتوصيف. وتوصّل المجلس إلى الاعتراف بالاتحاد باعتباره شريكا قادرا على سد ثغرات التي تعتري المعلومات في المناطق الحضرية.

         وبيّنت مشاريع تحسين أحوال المستوطنات التي نفّذها الاتحاد على سبيل التجربة وشملت مرافق الإسكان والصرف الصحي والمناسبات الأهلية أن فقراء المناطق الحضرية يمتلكون أيضا القدرة على استخدام المعلومات لتحديد وتنفيذ المشاريع الكفيلة بتذليل صعوبات محددة. وبرهنت تلك المشاريع على أن المجتمعات المحلية يمكن أن تسهم في تصميم أشكال تحسين أحوالهم التي تلبّي احتياجاتهم باستخدام المهارات والمواد المستمدة من داخل المجتمع المحلية، ويمكن أن تحافظ على هذه المشاريع وتكرّرها بأدنى قدر من المساعدة الحكومية. وبتزايد الضغط من المنظمات المحلية والحكومة الوطنية، أصبحت معالجة مسائل الأحياء الفقيرة ضرورة قائمة، فبرز الاتحاد بصفته شريكا استراتيجيا يمكن أن يعمل معه المجلس. وأدى هذا النهج إلى وضع مبادرات مشتركة للتخطيط التشاركي المنحى، بما في ذلك مع الفريق العامل المشترك، ومنتدى التنمية البلدية والصندوق الأهلي لتحسين أحوال الأحياء الفقيرة، وهو ما اعترف بالشراكة المثمرة بين الاتحاد ومجلس جينجا البلدي وإضفاء الطابع المؤسسي عليها. وضمِن هذا التحسّن في العلاقات أن أصبحت الرؤية الحضرية التي لدى الاتحاد والمجلس - ولا سيما استراتيجية تنفيذ هذه الرؤية - منسَّقة على نحو متزايد.

         ونتيجة لذلك، يمكن أن نلاحظ أن مجلس جينجا البلدي أصبح أكثر استجابة لاحتياجات فقراء المناطق الحضرية وأن التخطيط أصبح يغلب عليه الطابع التشاركي. وحدّد المجلس وفقراء المناطق الحضرية استراتيجيات ملموسة لتعاونهم ويعكفون على تنفيذها. فالممارسة تتغيّر وأُفسح مجال للتعلم، بطرائق واضحة للتأثير في السياسات.

         ولطالما قلت إن ’جذور‘ العلاقة بمجلسنا هي الآن واضحة. فلا يمكن لأحد أن يزعزع تلك العلاقة. فهي قائمة. وقد شهد المجلس نمو الاتحاد. ويعرف تاريخنا. فنموذج جينجا، مسقط رأسي، يبيّن أن ما لا يقل عن ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في إقامة شراكات متينة بين مجلس جينجا البلدي وفقراء المناطق الحضرية، وهي عوامل يمكن أن تشكّل دروسا لغيرنا.

الدرس 1: أن تكتّل سكان الأحياء الفقيرة في عدد كبير يشكّل قوة لا يمكن أن تُغفلها المجالس. فالأشخاص، بكثرة عددهم وتنظيمهم، يمكن أن يشكّلوا قوة تستطيع أن ترسم خطتها ثم تتفاوض مع الآخرين وتُشركهم في تنفيذها.

الدرس 2: أن هذه الحركة تستلزم أيضا مساهمة هامة من المرأة فيها. فالاتحادات تبذل قصارى جهودها لضمان أن تكون أغلبية أعضائها من النساء وأن تشجعهن على تولّي مناصب قيادية. وتبيّن تجربتنا أن هذا الأمر يشجع على زيادة المساءلة أمام المجتمع المحلي ومصالحه الجماعية.

الدرس 3: أن البرامج التي تضفي الشرعية على دور المجتمعات المحلية المنظَّمة في مجال التخطيط الحضري على مستويات متعددة من الحكومة وتفسح مجالات المشاركة بين المجتمعات المحلية والحكومات تسهم في تهيئة بيئة مواتية لوضع خطة حضرية ذات منحى تقدّمي.

الدرس 4: أن المشاريع التجريبية يمكن أن تبيّن الأهمية العملية لمفهوم ’المشاركة المجتمعية‘ وتؤكد قدرات فقراء المناطق الحضرية بطريقة تحظى بتقدير سكان الأحياء الفقيرة والحكومات المحلية.

         ونحن بصفتها مجتمعات لفقراء المناطق الحضرية، نريد أن نشهد وضع خطة حضرية جديدة تعترف ببعض هذه النُهج المتبعة في إقامة الشراكات بين المجتمعات المحلية والحكومات بالصيغة التي خضعت بها للتجربة والاختبار. فلا سبيل لنا غير ذلك لتنفيذ التغيير على النطاق المطلوب لانتشال نحو بليون شخص من براثن الفقر. والمجتمعات المحلية مستعدة لأداء هذا الدور، ولكن يتعين أن تلتزم الحكومات والشركاء في التنمية بإضفاء الطابع المؤسسي على الأدوار التنفيذية لهذه المجتمعات. ونحن نعلم أن من الأسهل استقدام خبراء استشاريين لجمع البيانات، والتخطيط للمشاريع وتصميمها، ووضع خطط للمدن، ولكننا نعلم أيضا أن هذا الأمر لن يحدث التغيير في مُدننا أو يجعلها أشمل وأكثر استدامة وإنصافا من غيرها. فنحن نحتاج إلى شراكات حقيقية لتحقيق تلك الغايات.

         وفي ملاحظة شخصية، أود أن أضيف أنني قبل أن أنضمّ إلى الاتحاد الوطني لسكان الأحياء الفقيرة في أوغندا، لم أكن أعبر عن نفسي مثلما أفعل اليوم، وما كان سيُطلب مني قط الإسهام بمقالتي هذه لتصدر في منشور للأمم المتحدة. فقبل العمل مع الاتحاد، جرت العادة ألا يُعثر علي إلا في المطبخ منهمكةً في هطي الطعام. ولم أكن أعلم أنني قد أسهم أيضا في تنمية مدينتي وبلدي. ولم أكن أعلم أن بإمكاني طرح فكرة وأن تكون موضوع مناقشة وتحظى بالقبول.

         أما الآن فكلّما أخبرت أطفالي بأنني ذاهبةً إلى هذا المكان أو ذاك، فإنهم يقولون: ”هل ستترُكينَنا من جديد؟“ ولكنهم يقدّرون أن أمهم مسافرة لمناقشة قضايا ملحة. فأطفالي فخورون بي، سواء نتيجةً لعملي مع الاتحاد أو بما أصبحت عليه بفضله. لقد نَمَت قدراتي كشخص فاكتسبت أرادة أقوى على التعبير عن رأيي. فلم أعد أخشى أي مكتب حكومي أو مسؤوليه. فإذا كانت لدي مسألة للمناقشة، فإنني أثيرها دون تردّد، حتى أمام حشود كبيرة. فلا أتوانى عن عرض فكرتي.

 

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.