27 أيلول/سبتمبر 2017

إنَّ المحيط في حاجة ماسة لمساعدتنا. وإذا تَمَّ السماح لدورة التدهور، التي وقعنا فيها حالياً، بالاستمرار، فإن الآثار الضارة على أشكال الحياة التي تسكن المحيط وما فوقه وما يجاوره، قد تصبح غير قابلة للإصلاح.

إنَّ مختلف أشكال الحياة على هذا الكوكب تعتمد في نهاية المطاف على محيطات صحية، وبالتالي فإنَّ وقف تدهورها هو واحد من أهم التحديات في عصرنا. وإذا أردنا ضمان كوكب سخي لأنفسنا وللأجيال المقبلة، فإنَّ وقت العمل قد حل علينا.

إنَّ المحيط هو الذي يحدد حياة ساكن الجزر. بعد أن وُلِدَت وترعرعت في فيجي، لاحظت منذ طفولتي المبكرة وضع المحيط كمانح للحياة في نهاية المطاف. في مرحلة طفولتي بفيجي، فإنَّ سخاء أشكال الحياة تحيط بك في كل مرة كنت تسبح في مياهها. فالغيوم المتراكمة المنتفخة، التي ولدت في رحم المحيط، والتي دفعتها الرياح التجارية جلبت لنا الأمطار النقية في فترة ما بعد الظهيرة لتملأ خزانات المياه لدينا. الصيادين يحيون السوق بصيدهم بجانب الصيادات الإناث اللاتي يبعن أكياس مصنوعة من أوراق جوز الهند ومليئة بالمحارات والأعشاب البحرية الصالحة للأكل. لقد عشنا في حضن المحيط.

وفي مساهمة سابقة لهذه المجلة (وقائع الأمم المتحدة، المجلد الخمسون، العدد 1، نيسان/ أبريل 2013)، قدمت منظوراً معاصراً من فيجي، وهي دولة جزرية صغيرة نامية (SIDS)، بتسليط الضوء على التحديات البيئية والمناخية التي تواجه ضمان الإدارة المستدامة لموارد المحيط. وعندما كتبت عن تلك التحديات، أكدت حقيقة أن تلك التحديات لا تنفرد بها بلدي وحدها، ولكنها مشتركة بين جميع الدول الجزرية الصغيرة النامية.

وتوسع هذا المقال في عرض منظور تلك الدول الجزرية الصغيرة النامية، وقَدَّمَ صورة شاملة لحالة المحيطات وأثبت أنَّ مشاكلها الحالية تؤثر علينا جميعاً في نهاية المطاف، من الدول الجزرية إلى البلدان غير الساحلية والدول القارية. وهذا المنظور يقودني إلى مؤتمر المحيط الذي سيعقد في الأمم المتحدة بنيويورك في الفترة من 5 إلى 9 حزيران/ يونيو 2017. وربما يكون هذا المؤتمر أفضل فرصة حقيقية وأخيرة للعالم لكي يجتمع معاً لاتخاذ التدابير الشاملة اللازمة لعكس اتجاه تدهور صحة المحيطات.

المحيطات باعتبارها شريان الحياة لكوكبنا

المحيط يوحدنا. مع سخاء موارده، والطاقة التي لا حدود لها وطرق التجارة التي لا غنى عنها، فإنَّه يعتبر شريان الحياة لكوكبنا. وصحته حاسمة بالنسبة لرفاه البشرية؛ لقد حان الوقت لكي ندرك جميعاً أنَّ تزايد النشاط البشري قد وضع المحيط في خطر.

وبما أنَّ المحيطات تغطي ثلاثة أرباع سطح الأرض وتحتوي على 97 في المائة من مياه الكوكب، فإنَّها تنتج أنماطاً مناخية عالمية، وتمتص حوالي 30 في المائة من ثاني أكسيد الكربون المنتج من البشر، وتعمل كعازل مهم للآثار المتزايدة باستمرار للاحترار العالمي. إنَّ أكثر من 50 في المائة من الأكسجين الذي نتنفسه يأتي من المحيط. وهو موطن ما يقرب من 200,000 نوع محدد، مع وجود أنواع فعلية تقدر بالملايين، وهو مستودع ضخم للتنوع البيولوجي. ويعتمد عليه مليارات البشر من أجل كسب رزقهم وأمنهم الغذائي وهويتهم الثقافية. هل نريد حقاً أن نتنازل عن كل ذلك؟

وبما أنَّ سلامة النظام الإيكولوجي الثمين للمحيطات أمر ضروري لبقاء البشرية، فإن المنطق يملي علينا أن نكفل رفاهها بأقصى قدر من العناية. للأسف، فإنَّ الوضع الآن أصبح عكس ذلك. ولقبول صحة هذه العبارة، لا بد من النظر في حقيقة أننا نقوم بتفريغ ما يعادل شاحنة كبيرة للقمامة من النفايات البلاستيكية في المحيط كل دقيقة من كل يوم. إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فبحلول عام 2050، سيكون البلاستيك في المحيط أكثر من الأسماك. هذه ليست سوى واحدة من العديد من الأنشطة الإنسانية المخزية التي دفعت المحيط إلى دورة التراجع. إنَّ التحديات الوجودية المتمثلة في عكس تلك الدورة أصبحت الآن واحدة من أهم الضرورات الإنسانية.

إنَّ الأدلة العلمية على التراجع قوية. وسواء كانت متعلقة بتدمير الموائل، أو فقدان التنوع البيولوجي، أو الإفراط في صيد الأسماك، أو انهيار الأرصدة السمكية، أو التلوث البحري، أو آثار تغير المناخ التي تتجلى في تحمض المحيطات والاحترار، فإنَّ التحديات التي تواجهنا معقدة وشاقة على حد سواء.

وبالنظر إلى المستويات التي لا تطاق من التلوث البحري والقمامة التي تتكدس في المحيط وتتراكم على شواطئنا. فهناك دوامات هائلة من القمامة تجوب أعالي البحار. ومن المأساوي أنَّ البلاستيك يدخل الآن في سلسلة الأغذية البحرية التي لها آثار سامة واضحة على الحياة البحرية وفي نهاية المطاف على حياتنا أيضاً. وتتوسع المناطق الميتة ناقصة الأكسجين على طول سواحلنا، في حين تتحول الشعاب المرجانية الداعمة لحياة الأشكال المتعددة من المرجان إلى مقابر بيضاء خالية من الحياة.

وفي الوقت نفسه، لا يزال النشاط البشري يسبب ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهذا بدوره يزيد من حموضة المحيط. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإنَّ التوقعات المتعلقة بالحياة البحرية القائمة على الكالسيوم ستتعرض لعواقب وخيمة. وتؤدي الغازات الدفيئة هذه أيضاً إلى ارتفاع درجة حرارة المحيط، وهي عملية من شأنها أن تزيد من تفاقم ارتفاع منسوب مياه البحر، بينما تجذب الأسماك من المناطق الاستوائية الساخنة. إنَّ ما سيفعله هذا النظام الإيكولوجي للكوكب لا يزال يتعين رؤيته، ولكن العواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للإنسانية لا يمكن أن تكون جيدة.

وفي الوقت الذي تصطدم فيه هذه المشاكل بالمحيط، لا يزال السلوك البشري المتهور يضع ضغوطاً هائلة على بقاء العديد من الأنواع البحرية من خلال ممارسات الصيد المدمرة، والدعم الضار لمصايد الأسماك، والصيد غير المشروع وغير المنظم، والأنماط غير المنطقية للصيد الجائر. وتشير المصادر الرسمية إلى أنَّ ما يقرب من ثلث الأرصدة السمكية الآن أقل من المستويات المستدامة.

وتنبع كل هذه المشكلات من النشاط البشري. ولذلك، فإنَّ النشاط البشري هو الذي يجب أن ينتج الحلول، وقد حان الوقت للعمل المتضافر.

جدول أعمال عام 2030 وهدف التنمية المستدامة رقم 14

اعترف زعماء العالم بالأهمية الأساسية للمحيطات بالنسبة للإنسانية والكوكب في أيلول/ سبتمبر 2015 باعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وهي الخطة الرئيسية للإنسانية من أجل مستقبل مستدام على هذا الكوكب.

وفي صميم خطة عام 2030، تمثل أهداف التنمية المستدامة الـ 17 (SDGs)، حيث حدد الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة غايات محددة يتعين الوفاء بها من أجل حفظ موارد المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام من أجل التنمية المستدامة. وتتناول أهداف العمل المتعلقة بالهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة التلوث البحري؛ والنظم الإيكولوجية البحرية والساحلية؛ وترميم الأرصدة السمكية؛ والقضاء على الإعانات الضارة بمصايد الأسماك؛ والحفظ البحري؛ وتحمض المحيطات؛ وتنفيذ القانون الدولي ذي الصلة؛ وتعزيز المعرفة العلمية والتعاون؛ وزيادة الفوائد بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً؛ وتوفير الموارد وإمكانية وصول صغار الصيادين الحرفيين إلى الأسواق.

إن الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة هو خارطة الطريق الوحيدة المتفق عليها عالمياً لحفظ الموارد البحرية وإدارتها على نحو مستدام. ولذلك فإن تنفيذه المخلص هو أفضل أمل لنا في معالجة مشاكل المحيط.

مؤتمر المحيط

وبإدراج هدف قوي للمحيط في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، تم تمهيد الطريق للمرحلة القادمة من الإجراءات العلاجية. وهناك حاجة إلى نظام يضمن وفاءً حقيقياً لتنفيذ الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة. وبعد مفاوضات مطولة في عام 2016، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع على عقد مؤتمر للتنمية المستدامة في عام 2017، ويهدف هذا المؤتمر إلى حفز العمل المتضافر والتعاوني، من خلال الشراكات بين جميع أصحاب المصلحة، لدعم غايات الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة.

وهكذا ظهرت فكرة مؤتمر المحيط. وتتم معرفة الاجتماع الذي ستشترك في استضافته حكومتا السويد وفيجي رسمياً باسم مؤتمر الأمم المتحدة لدعم تنفيذ الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة، وهذا هو بالضبط ما سيفعله.

وسيحشد المؤتمر إجراءات جماعية عاجلة من جانب جميع أصحاب المصلحة في رفاه المحيطات، بما في ذلك الحكومات ومنظومة الأمم المتحدة والمجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية والأوساط العلمية والأوساط الأكاديمية والخبراء التقنيون والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. وسنقوم سوياً برسم مسار لتعافي المحيطات.

وستكون إحدى نتائج المؤتمر عبارة عن إعلان "نداء للعمل"، تقوم بوضعه حالياً الدول الأعضاء، ومن شأنه أن يوفر الالتزام السياسي بتوافق الآراء اللازمة لدفع العمل من أجل التنفيذ الفعال لهدف التنمية المستدامة رقم 14. وهناك نتيجة أخرى تتمثل في زيادة الوعي العالمي بحالة المحيطات وضرورة أن تتخذ البشرية إجراءات علاجية.

وتتمثل النتائج الرئيسية الأخرى في الحلول المقترحة الناشئة عن الحوارات السبعة للشراكة التي ستعقد خلال المؤتمر. وستركز هذه الحوارات على جوانب معينة من الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة، مثل التلوث البحري، وتحمض المحيطات، وإدارة الأرصدة السمكية. ومن خلال حوارات الشراكة، وبهدف العمل المتضافر، سنقوم بجمع جميع الالتزامات الطوعية التي يجري وضعها لتحقيق غايات الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة.

التسجيل للالتزامات الطوعية

وبغية بذل جهود لدعم تنفيذ الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة لجميع من لديهم مساهمات يمكن تقديمها في هذا الصدد، أنشأ منظمو المؤتمر سجل الالتزامات الطوعية. ويمكن تسجيل أي التزام طوعي في إطار خطة عام 2030 التي تستهدف الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة على الموقع التالي: https://oceanconference.un.org/commitments/register/.

ومع وجود شراكات والتزامات متعلقة بالإجراءات يجري تسجيلها الآن على الموقع الشبكي، فإنَّ هذه تعتبر فرصة ملموسة للحكومات والوكالات والقطاع الخاص والمجتمع المدني - في الواقع، هي فرصة لأي شخص يهتم بصحة المحيط - لتقديم إسهامات ذات مغزى للقضية. وسترد الالتزامات في الوثيقة الختامية للمؤتمر وستكون بمثابة أداة مرجعية مركزية ونحن نمضي قدماً في خطة عملنا في السنوات المقبلة. ولذلك، أقوم بحث جميع الذين هم على استعداد للالتزام بالعمل لإنقاذ الحياة في المحيط على القيام بتسجيل التزاماتهم الطوعية الآن.

كلمات أخيرة

سيكون مؤتمر المحيط أول لحظة عالمية للمساءلة من أجل معالجة المشاكل التي وضعناها على كاهل المحيط. وسوف نخرج من المؤتمر مسلحين بمجموعة واسعة من الشراكات والالتزامات والتدابير التي ينبغي وضعها موضع التنفيذ.

وسنبدأ العمل فوراً بشأن هذه الحلول الشاملة، ولكن بالطبع لن تنتهي عملية تنفيذ الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة عند هذا الحد. فنحن مكلفون من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة بتحقيق غايات الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. وبالتالي، يجب أن نشارك في لحظات منتظمة من التفكير العالمي في التقدم وتجديد التزاماتنا في السنوات الفاصلة.

وبالنسبة لأولئك الذين لديهم الرؤية لتحقيق الهدف رقم 14 من أهداف مؤتمر التنمية المستدامة ومؤتمر المحيط، فإن الواجب الأخلاقي لضمان تحقيق النجاح له لن ينتهي إلا بعد أن تتحقق أهدافه. إنَّ جميع أولئك الذين يشتركون في تلك الرؤية، وهم على استعداد للعمل على حل مشاكل المحيط، كل أولئك الناس مُرَحَب بهم للانضمام إلينا.

والرسائل الرئيسية لهذه المقالة هي: تسجيل التزاماتكم الطوعية، والانضمام إلينا في الحلول الجماعية في مؤتمر المحيطات، وأن تكونوا جزءاً إيجابياً من هذا الحدث التاريخي. هذه هي الفرصة للقيام بدوركم في تمرير محيط مليء بالحياة إلى الأجيال القادمة، ألا وهو محيط يمكنهم إدارته على نحو مستدام تجاه المستقبل.   

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.