البيانات موجودة في كل مكان، يتم إنشاؤها باستمرار بواسطة البشر والآلات في جميع أنحاء العالم. لكن بينما يبدو نصف العالم غارقاً في البيانات، لا يزال الكثير من الناس والأماكن غير محسوبين ضمن الأرقام التي تحرك القرارات.

إن تضمينك في البيانات يعني أنه يمكن تمثيلك بشكل أفضل بواسطة قيادتك. هذا يعني أنه يمكن لصانعي السياسات تخصيص الموارد لاحتياجاتك ويمكنك مناصرة نفسك ومجتمعك بشكل أفضل. إن قدرتك على أن تكون مرئياً وأن ترى نفسك في البيانات يمكن أو يكون لها آثار تمكينية وتحويلية هائلة. سيبحث معظمنا أولاً عن مدينتنا ومجتمعنا وأنفسنا عندما نواجه بمجموعة من البيانات. لكن هذا الحق يحرم منه العديد من الناس. إن الوصول المقيد إلى البيانات يعكس التباينات الأخرى والشخص الفقير في بلد فقير هو أكثر إنسان غير مرئي.

هناك فجوات في البيانات حول الأشخاص والأماكن ومدى توفر تلك البيانات في الوقت المناسب. لا يتم تسجيل طفلين من بين كل خمسة أطفال في العالم عند الولادة مما يعني أنهم غير محسوبين عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للخدمات لتلبية احتياجاتهم. لا يتم رسم خرائط للقرى النائية في العديد من البلدان مما يعني أن المساعدة تكون أبطأ في الوصول إليها عند حدوث الأزمة، سواء كان ذلك وباء مثل الإيبولا أو كارثة الطبيعية. في عصرنا الذي يتميز بالتقنية سريعة التطور، من المذهل أن يتم جمع الكثير من البيانات المستخدمة لرصد أهداف التنمية المستدامة (SDGs) قبل الاتفاق على أهداف التنمية المستدامة.

لذلك، من المشجع أن نرى الأمم المتحدة تتبنى التقنية كأداة للتغيير الاجتماعي الإيجابي. يأتي الفريق الرفيع المستوى المعني بالتعاون الرقمي التابع للأمين العام واستراتيجيته بشأن التقنيات الجديدة في وقت حرج: نحن نقترب من عام 2020 الذي سيصادف العد التنازلي لعشر سنوات حتى الموعد المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تم الإقرار بذلك في إعلان دبي الذي تم إطلاقه في منتدى الأمم المتحدة العالمي الثاني للبيانات في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.إن متطلبات خطة عام 2030 ملحة وتتطلب قوة مصادر وتقنيات جديدة للبيانات مدعومة من خلال شراكات قوية ومتنوعة.

إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة هو سباق ماراثوني، وليس سباقًا عادياً، ولكن عندما نصل إلى طريق مسدود، يمكن أن تساعدنا الابتكارات المغيرة لقواعد اللعبة على اكتساب قوة هائلة تساعدنا على تجاوز الصعاب بسرعة ومدى غير مسبوقين. أحد الأمثلة هو مكعب بيانات أفريقيا الإقليمي ،  جعلت هذه المبادرة 17 عامًا من صور الأقمار الصناعية وبيانات رصد الأرض متاحة وجاهزة للتحليل مما يمكّن غانا وكينيا والسنغال وسيراليون وتنزانيا من تحسين الإنتاج الزراعي ومراقبة البيئة وحمايتها وتحسين التخطيط الحضري للاستجابة السريعة للكوارث، بالإضافة إلى أشياء أخرى. تستخدم حكومة غانا بالفعل رؤى من هذه البيانات لتوجيه الفرق إلى المواقع التي، كما تشير البيانات، تجري بها عمليات تعدين غير قانونية. يوضح هذا التطور كيف يمكن استخدام الموارد بشكل أكثر فعالية لحماية الصحة والبيئة في المناطق النائية من البلاد.

هناك الكثير من الأمثلة الأخرى. تختبر ممرات الطائرات المسيّرة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) طرقًا لاستخدام المركبات الجوية غير المأهولة للإغاثة الإنسانية، ورسم خرائط الكوارث لتحسين التنسيق والاستجابة، وغير ذلك الكثير. يستخدم برنامج الأغذية العالمي (WFP) برنامج الدردشة (chatbots) لمراقبة انعدام الأمن الغذائي، وهي طريقة فعالة بشكل خاص في المناطق التي يصعب الوصول إليها والمتأثرة بالصراع. تستكشف المنظمات الفوائد التي يمكن أن يحققها المعيار الجديد لهذه المجالات وغيرها من مجالات التنمية، مثل المساعدة الإنسانية والسلام والأمن مع بدء تشغيل شبكة اتصالات الجيل الخامس (5G) العام المقبل.

في الوقت الذي نطور فيه مقاربات جديدة ومبتكرة للتحديات العالمية، من المهم للغاية ضمان أن يكون لدى الدول أسس قوية للبناء عليها. توفر التقنية والتطورات الرقمية مصادر جديدة للبيانات التي لا تقدر بثمن من أجل التنمية المستدامة، ولكن لا يمكننا الاستفادة من هذه الفرص إلا إذا كانت أنظمة البيانات الأساسية تعمل بشكل جيد.

كثير من البلدان ببساطة لا تملك الموارد اللازمة لنظم شاملة لتسجيل المواليد أو الوفيات ولرسم خرائط الحقول والمنازل ولجمع وتبادل المعلومات حول صحة الناس والحصول على المياه والغذاء والخدمات الأساسية الأخرى. حتى عندما يتم إجراء استثمارات في هذه المجالات، فإن العديد من البلدان لا تزال محجوبة بسبب تكنولوجيا المعلومات القديمة، وضعف الاتصال بالإنترنت، وعمليات جمع البيانات ذات التقنية المنخفضة والتي تؤدي إلى معلومات غير قابلة للتشغيل البيني أو للمشاركة أو للقراءة آلياً.

إن التمويل اللازم لتلبية حتى متطلبات نظام البيانات الأساسية غير كافي لهذا الغرض. ويجب تزويد هذه الاحتياجات الأساسية بالموارد اللازمة. في نطاق الأشياء، تكون المبالغ المطلوبة صغيرة إلى حد ما: تقدر فجوة الميزانية لتحسين جمع البيانات الأساسية بحوالي 200 مليون دولار  وهو مبلغ متواضع نسبياً بالمقارنة مع الاستثمارات الأخرى اللازمة لتحقيق التغيير التحويلي.

يوفر الاستثمار في أنظمة البيانات التأسيسية الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه الابتكار الضروري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. علاوة على ذلك، فإنه ينقذ الأرواح. الاستثمارات في جمع البيانات الأساسية في الأحياء الفقيرة في بنغلاديش سمحت لمنظمة غير حكومية محلية بالتخطيط لبرامج صحية فعالة والتي خفضت معدل وفيات الأمهات ووفيات الرضع بنسبة 60 بالمئة تقريباً وهو معدل أعلى بكثير منه في البلد ككل.  خفضت الاستثمارات في جمع البيانات ومشاركة البيانات باستخدام الأجهزة المحمولة عبر نظام الرعاية الصحية الأوغندي زمن الاستجابة للأوبئة وتحسين المراقبة الصحية وخفض التكاليف.

تعد الاستثمارات في البيانات الأساسية جزءًا مهمًا لتحقيق نتائج أفضل في جميع أهداف التنمية المستدامة. تمثل البيانات الأفضل عن الزراعة أولوية كبيرة بالنسبة للعديد من الحكومات التي نعمل معها في الشراكة العالمية من أجل بيانات التنمية المستدامة، وقد بدأ المانحون في الاستجابة. يتعهد نموذج التمويل التابع مبادرة "50 × 2030 "  بتخصيص أموال جديدة لبيانات الزراعة التأسيسية في 50 دولة على الأقل من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهو يتيح المواءمة مع الأولويات الوطنية وتقاسم التكاليف مع البلدان المشاركة والتي من المتوقع أن تسهم بنحو 200 مليون دولار لاستكمال التمويل من مجموعة من شركاء التنمية.

إن مبادرة (50 X 2030)، التي أطلقت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2018، هي عبارة عن خطة لجمع بيانات الزراعة الأساسية التي تعد بالغة الأهمية لتحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، للقضاء على الجوع. غالبًا ما تكون المعلومات الأساسية حول ما يزرعه المزارعون وعوائدهم والوصول إلى التمويل أو التأمين غير موجودة أو غير مكتملة في أحسن الظروف.  تستثمر الحكومات والشركات والقطاع الخاص مئات المليارات من الدولارات في الزراعة كل عام باعتبارها محركاً رئيسياً للعديد من الاقتصادات. يؤدي وضع سياسات بدون هذه المعلومات إلى عدم كفاءة تؤثر سلبًا على الإنتاجية الزراعية، مما يؤدي إلى الجوع والآثار الصحية الثانوية مثل التقزّم وسوء التغذية.

لقد ظل التقدم في القضاء على الجوع يسير في الاتجاه الخاطئ على مدار السنوات الثلاث الماضية. في عام 2017، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون الحرمان المزمن من الغذاء إلى مستويات تم الوصول إليها قبل عقد من الزمن ليصل إلى 821 مليون شخص وفقاً لأحدث الأرقام.  ويبين هذا الانعكاس أن هناك حاجة إلى عمل عاجل ومنسق من جانب وكالات الأمم المتحدة والدول الأعضاء والجهات المانحة على جميع القطاعات. يعتبر هذا التنسيق جزء لا يتجزأ من خطة (50 × 2030)، التي تمثل صورة حديثة للتعاون الإنمائي، تتجاوز به النماذج التقليدية بين الشمال والجنوب والتمويل الثنائي في اتجاه واحد.

سيؤدي هذا النوع من المبادرات إلى وضع هذه الدول في وضع أفضل لاستخدام التقنيات الجديدة ومصادر البيانات الجديدة بأكبر قدر ممكن من الفعالية. تم التأكيد عليه في خطة عمل كيب تاون العالمية لبيانات التنمية المستدامة،  كما تم التأكيد عليه في إعلان دبي، بأنه يجب على المكاتب الإحصائية الوطنية إجراء تغييرات وتحديثات عاجلة. يجب أيضًا أن تكون قادرة على اختبار طرق جديدة للعمل غير مترددة في ذلك. كما أنها تحتاج إلى برامج قوية لجمع البيانات التأسيسية مدعومة بموارد كافية وشراكات متعددة مع أصحاب المصالح للقيام بذلك. عندما يتعلق الأمر بالبيانات، لن نتمكن من الصمود عبر هذه المسافة وعبور خط النهاية الخاص بأهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 إلا من خلال تضمين الجميع في هذه الرحلة.

تعد "الشراكة العالمية من أجل بيانات التنمية المستدامة" شبكة متنامية تضم أكثر من 300 مؤسسة بما في ذلك حكومات وشركات ومنظمات المجتمع المدني. وتعمل في جميع أنحاء العالم لتسخير ثورة البيانات من أجل التنمية المستدامة. لمزيد من المعلومات، قُم بزيارة الموقع الإلكتروني التالي: www.data4sdgs.org.

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إن الآراء التي يعبر عنها المؤلفون الأفراد، وكذلك الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول رسمي من قِبل الأمم المتحدة.