16 تشرين الأول/أكتوبر 2023

 

12 تشرين الأول/ أكتوبر 202
 

شُح المياه هي واحدة من التحديات الإنمائية الأكثر إلحاحاً في عصرنا. ويعيش اليوم 2.4 مليارات شخص في بلدان تعاني من شُح المياه. وكثير منهم من صغار المزارعين الذين يكافحون بالفعل لتلبية احتياجاتهم اليومية من مياه الشرب والأطعمة المغذية والخدمات الأساسية مثل النظافة والصرف الصحي. وتتأثر النساء والشعوب الأصلية والمهاجرون واللاجئون بشكل خاص.

إن المنافسة على هذا المورد الثمين آخذة في الازدياد، حيث أصبحت شُح المياه على نحو متزايد سبباً للصراع. وانخفضت موارد المياه العذبة للفرد الواحد بنسبة 20 في المئة على مدى العقدين الماضيين، في حين أن توافر المياه ونوعيتها يتدهوران بسرعة بسبب عقود من سوء الاستخدام، والافتقار إلى الإدارة المنسقة، والإفراط في استخراج المياه الجوفية، والتلوث، وتغيُّر المناخ.

ومما يزيد الوضع سوءاً، أن الظواهر الجوية المتطرفة المتزايدة والمتكررة، وحالات الجفاف والفيضانات، تؤثر على أنظمتنا البيئية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة على الأمن الغذائي العالمي.

تمثل الزراعة 72 في المئة من عمليات سحب المياه العذبة في العالم، وهي أعلى نسبة بين جميع القطاعات، فهي تحمل الحلول لهذه الأزمة العالمية.

نهج شامل لعالم متغير

لمواجهة هذه التحديات المتعددة الأوجه، فإن تأمين موارد مائية كافية للزراعة بطريقة فعالة يعد أمراً بالغ الأهمية. ويصبح هذا الأمر أكثر أهمية مع الحاجة إلى إنتاج المزيد من الغذاء لمواكبة زيادة عدد سكان العالم وتسارع التحضر، مما يؤدي إلى تكثيف المنافسة بين مختلف القطاعات الاقتصادية والتي تعتمد كلها على المياه.

ولذلك، فإن ضمان الإدارة الفعالة أمر أساسي لتوزيع المياه على نحو مستدام ومنصف. ويتطلب ذلك اعتماد نهج شامل ومتكامل يشمل جميع أصحاب المصلحة من واضعي السياسات إلى المجتمعات الشعبية. إن حوكمة المياه وحيازتها، والمحاسبة المائية، ضرورية لتحفيز التغيير التحويلي وضمان الوصول العادل إلى المياه.

وتعد الاستثمارات والحوافز المستهدفة في ممارسات إدارة المياه المبتكرة والفعالة من الأمور الأساسية. ويشمل ذلك التكنولوجيات الجديدة للري والتخزين، والنهوض بمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري والحلول القائمة على النظم الإيكولوجية لمعالجة شُح المياه.

ومن شأن الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية من خلال تنسيق تنمية وإدارة المياه والتربة والأراضي على جميع المستويات أن تزيد إلى أقصى حد من رفاه الإنسان مع الحفاظ على سلامة النظم الإيكولوجية الحيوية واستدامتها. وتتطلب مثل هذه الجهود، وضع استراتيجيات، وطنية وإقليمية.

ومع تفاقم شُح المياه وتغيُّر المناخ الذي يؤدي إلى المزيد من حالات الجفاف والفيضانات، يتعين على المجتمع الدولي أن يكثف ويتبنى نهجاً شاملاً تجاه أجندة المناخ يتجاوز مشكلتي المياه والغذاء. يجب تسريع وتوسيع نطاق حلول المناخ الملموسة والشاملة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) واتفاقية باريس بشأن تغيُّر المناخ.

العمل مع البلدان لتنفيذ السياسات على أرض الواقع

تعمل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، إلى جانب البلدان الأعضاء والشركاء الآخرين، على تحقيق هذه التغييرات.

لا شك أن مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لعام 2023 يمثل منعطفاً محورياً، حيث حشد القادة العالميين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والأفراد لتوحيد صفوفهم في عمل هادف والتعهد بالتزامهم بتحقيق الأهداف والغايات المتعلقة بالمياه الواردة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

ولأن ما يقرب من ثلاثة أرباع عمليات سحب المياه العذبة تذهب إلى الزراعة، فإن المنظمة في وضع فريد يمكنها من تقديم حلول لمواجهة التحديات المتعلقة بشُح المياه. وينطبق الشيء نفسه على الكوارث المتصلة بالمياه، بما في ذلك الجفاف والفيضانات، التي يؤثر الكثير منها بشكل غير متناسب على المزارعين الأسريين.

وتماشياً مع "رحلة المياه الجديدة" التي أطلقتها المنظمة، والتي تؤكد على الإدارة المتكاملة للموارد المائية من أجل الأمن الزراعي والغذائي لتعزيز العديد من أهداف التنمية المستدامة، تتبنى المنظمة جدول أعمال العمل العالمي للمياه كما تم اعتماده خلال مؤتمر المياه لعام 2023.

وتعمل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) مع الحكومات والمجتمعات المحلية على وضع خرائط وطنية للمياه تملكها وتقودها البلدان، وهي أداة تهدف إلى تعزيز التنسيق بين القطاعات في مجال المياه على الصعيد الوطني. وتقوم المنظمة أيضاً ببناء مجموعات البيانات والتكنولوجيا التي تحتاجها البلدان لاتخاذ‑قرارات مستنيرة.

وهي تعمل مع البلدان لزيادة وصول المزارعين وحقوقهم في المياه كجزء من جهودها لتحسين إدارة المياه.

وعلى الصعيد العالمي، تنتج الأراضي المروية 40 في المئة من الغذاء من 20 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، ومع ذلك تظل هذه الإمكانات غير مستغلة. وللمساعدة في تحقيق هذه الإمكانات، تقوم المنظمة بوضع منهجية لقياس احتياجات الري العالمية ورسم الخرائط المحتملة لها، إلى جانب البلدان التي ستنفذها.

وتشجع المنظمة أيضاً الاستثمارات الموجهة والتمويل المناسب للبنية التحتية للمياه والري، وتعمل مع الحكومات لإدارة مخاطر الجفاف قبل أن تتحول إلى أزمات.

وعلى الرغم من أن الفيضانات تسببت في خسائر عالمية بلغت حوالي 20 مليار دولار في عام 2021، فإن الحلول القائمة على النظم الإيكولوجية لإدارة الفيضانات وإدارة الأراضي الزراعية وتخزين المياه في الأراضي الرطبة وغيرها من ممارسات الحفاظ على التربة والمياه يمكن أن تخفف من هذه الفيضانات وتحد من آثارها.

إن الإدارة المتكاملة للأراضي والمياه يمكن أن توفر فوائد متعددة. ففي سري لانكا وزامبيا، على سبيل المثال، تقوم منظمة الأغذية والزراعة بتجربة حقول الأرز المتعددة الوظائف لزراعة الأسماك والجمبري بالإضافة إلى إنتاج الأرز. وتولد هذه البنية التحتية ذات القيمة المضافة فوائد من خلال إعادة تغذية المياه الجوفية، والسيطرة على الفيضانات، وتوفير خدمات النظام الإيكولوجي مع تعزيز سبل العيش.

نساء يقمن بنقل المياه إلى منازلهن بالقرب من القيروان. يتميز الصيف بالحرارة والجفاف في تونس ومصادر المياه على مدار العام غالباً ما تكون نادرة.  FAO/John Isaac©

وبوصفها المنظمة المضيفة لمبادرة الشراكة العالمية بشأن شُح المياه في الزراعة لمبادرة الشراكة العالمية بشأن شُح المياه في الزراعة (WASAG)، تجمع الفاو الحكومات والجهات الفاعلة الرئيسية الأخرى في جميع أنحاء العالم لتبادل المعرفة وتصميم سياسات واستراتيجيات وبرامج جديدة لتحويل شُح المياه إلى فرصة للأمن الغذائي والتغذوي.

حلول تعاونية لاستدامة المياه: دعوة إلى العمل لجميع أصحاب المصلحة

يمكننا، بل ويجب علينا، أن نفعل المزيد سوياً مع تقديم جميع الجهات الفاعلة المختلفة مساهماتها المتميزة والمترابطة:

إن إدارة المياه بحكمة أكبر تبدأ ببناء الشراكات. وهذا يعني أن الحكومات بحاجة إلى التعاون مع المنظمات الدولية ومؤسسات البحوث والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لوضع حلول مستدامة لمستقبل آمن للمياه والغذاء.

تحتاج الحكومات إلى تصميم سياسات قائمة على العلم والأدلة تستفيد من البيانات والابتكار لتحسين تخطيط المياه وإدارتها. وإدراكاً للعلاقة بين الماء والغذاء والطاقة، يتعين على السياسات أن تعطي الأولوية للتخطيط المشترك بين القطاعات، وإدارة المصالح المتنافسة في كثير من الأحيان، ولكنها متكاملة، دون المساس بصحة نظمنا الإيكولوجية.

ويحتاج المزارعون إلى أن يصبحوا وكلاء للإدارة المستدامة للمياه، وأن يكونوا مزودين بالأدوات المناسبة للقيام بذلك بفعالية. فالمزارعون والمجتمعات التي تعتمد على الغابات وصيادو الأسماك ومنتجو الماشية والعاملون في الاقتصاد الأزرق يتعاملون بالفعل مع المياه على أساس يومي. إن دعمهم وتمكينهم من أخذ زمام المبادرة في إيجاد وتنفيذ حلول المياه المناسبة لاحتياجاتهم هو الشيء الواضح والذكي الذي يجب القيام به. غير أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا إذا تم تزويدهم بالتكنولوجيات المناسبة والتدريب والمعلومات الدقيقة في الوقت المناسب. كما ينبغي إشراكهم في جميع مراحل عملية التخطيط وصنع القرار.

يحتاج القطاع الخاص إلى أن يصبح منخرطاً في الإشراف على المياه. وهذا يعني التعهد بالتزامات ملموسة لتحسين كفاءة استخدام المياه والحد من التلوث عبر سلسلة التوريد. ويمكن للجهات الفاعلة في هذا القطاع أن تمارس مسؤوليتها الاجتماعية للشركات بطريقة أكثر عملية وابتكاراً. ومن شأن إعطاء الأولوية لإدارة المياه أن يعزز سمعتها وأرباحها ويساعدها على تجنب المخاطر التي قد تشكلها شُح المياه والفيضانات والتلوث على العمليات في المستقبل.

وأخيرا، يحتاج كل واحد منا إلى تقدير قيمة المياه. ولا ينبغي لنا أن نعتبر المياه أمراً مفروغاً منه بعد الآن. إن اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المنتجات التي نشتريها وإهدار كميات أقل من المياه ومنع التلوث هي طرق بسيطة لنا جميعا للمساهمة في الإجراءات الإيجابية لمستقبل الغذاء والناس والكوكب.

 

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.