تمثل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) حرفياً أسس الاقتصاد العالمي. فهي محركات للنمو الاقتصادي والعمالة وتمثل 90 في المئة من الأعمال التجارية وما يصل إلى 70 في المئة من جميع الوظائف و50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على الصعيد العالمي.
ولكي نفهم حقاً أهمية المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في التجارة والنمو الاقتصادي، يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من الأرقام المجردة. لا تتعلق قصة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بالإحصاءات الإجمالية بقدر ما تتعلق بتحسين حياة الأفراد وأصحاب المشاريع ومجتمعاتهم.
استخدم بهاء الدين آغا وهو مزارع في منطقة بيشين في باكستان، منحة ممولة من المساعدات لتركيب نظام ري يعمل بالألواح الشمسية. ونمى مشتل العنب الذي يملكه بهاء الدين من موظف واحد إلى ستة موظفين وغالباً ما يزور المزارعون المجاورون مزارع الكروم الخاصة به لدراسة نظام الري. ويأمل بهاء الدين أن تصبح مزرعته نموذجاً للآخرين في المجتمع الزراعي في بيشين وأن تشجعهم على تبني ممارسات زراعية أكثر استدامة. هذه مجرد قصة واحدة من قصص عديدة تسلط الضوء على الأثر الذي يمكن أن تحدثه سياسات التجارة والمعونة والتنمية على المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لا سيما في بلد مثل باكستان والتي تضررت كثيراً من الكوارث الأخيرة لتغيّر المناخ.
مع احتفالنا بيوم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، تذكرنا قصص مثل قصة بهاء الدين بالدور الهام الذي تلعبه المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في ضمان أن يكون النمو الاقتصادي شاملاً ومستداماً ومتواصلاً.
في الوقت الذي تتحول فيه العديد من خطوط الاتجاه للاستدامة العالمية إلى الاتجاه المعاكس، تعد المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة شركاء مهمين وعوامل تغيير يمكن أن تساعد في إعادة أهداف التنمية المستدامة إلى مسارها الصحيح. تلعب المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة دوراً حاسماً في خلق 600 مليون وظيفة مطلوبة لتلبية متطلبات القوى العاملة العالمية المتنامية بحلول عام 2030. وتشكل المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وصغار المزارعين أيضاً غالبية منتجي الأغذية في العالم، وهي بالغة الأهمية لسلاسل القيمة الغذائية الزراعية المستدامة في العديد من البلدان. فهي محركات للابتكار والإبداع والتكنولوجيات الجديدة مما يجعلها محفزات نحو تحقيق نظم إنتاج واستهلاك أكثر استدامة.
ومع ذلك، غالباً ما تكون المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً عند حدوث صدمات خارجية كما رأينا في الأزمات المتعددة لجائحة كوفيد-19 والنزاعات وتغير المناخ وارتفاع تكاليف المعيشة. وجد البحث الذي أجراه مركز التجارة الدولية (ITC) أن 60 في المئة من المؤسسات المتناهية الصغر و57 في المئة من الشركات الصغيرة تأثرت بالجائحة مقارنة بنسبة 43 في المئة من الشركات الكبيرة. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى ثلث المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي شملتها الدراسة الاستقصائية قد أغلقت بشكل دائم بسبب الجائحة.
من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن يعترف المجتمع الدولي بمساهمات المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وأن تنشئ الحكومات نظاماً إيكولوجياً للأعمال التجارية للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لا يسمح لها بالبقاء فحسب بل بالازدهار أيضاً. وبصفتي المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية، أود أن أقترح ثلاث مجالات رئيسية يمكن للحكومات وأصحاب المصلحة الرئيسيين فيها دعم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
أولاً، بناء ودعم دراسة جدوى واضحة للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لإجراء التحول الأخضر. تتعرض المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية بشكل خاص للنقص الناجم عن تغيّر المناخ وتقلبات الأسعار. ووفقاً للأبحاث التي أجراها مركز التجارة الدولية (ITC)، فإن ما يقرب من 70 في المئة من الشركات الصغيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تقول إن المخاطر البيئية كبيرة بالنسبة لأعمالها ولكن أقل من 40 في المئة منها تمكنت من الاستثمار في تدابير للحد من المخاطر البيئية.
ولتهيئة بيئة تكون فيها المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة قادرة على الصمود في وجه تغيرات المناخ والتكيّف معه، فإن مجموعة من أصحاب المصلحة من واضعي السياسات إلى الشركات الكبيرة تلعب دوراً رئيسياً في هذا المجال. يقدم مركز التجارة الدولية دليلاً من 10 خطوات لصانعي السياسات والجهات الفاعلة في سلسلة القيمة لدعم قدرة الأعمال التجارية الصغيرة على التصدي لتغيّر المناخ.
بالإضافة إلى دعم النظام البيئي، فإن دراسة الجدوى للشركات الصغيرة التي تتجه نحو دعم البيئة واضحة. فالمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الذكية مناخياً أكثر صموداً وتكتسب ميزة تنافسية من خلال توقع الطلبات على المنتجات والخدمات المتعلقة بالاستدامة أو من خلال العمل في إطار نموذج أعمال أكثر كفاءة في استخدام الموارد. ولتعزيز هذه الجهود، أطلق مركز التجارة الدولية برنامجه GreenToCompete لوضع الاستدامة البيئية في صميم القدرة التنافسية للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. كما أقام مركز التجارة الدولية شراكة مع حكومة الولايات المتحدة لإطلاق الشبكة الذكية للمناخ (Climate Smart Network) التي تربط المشترين بالمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الذكية مناخياً.

ثانياً، إعادة تشكيل سلاسل التوريد لصالح المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة المملوكة للنساء. تلعب النساء دوراً رئيسياً في الاقتصاد العالمي، وتظهر الدراسات أنه عندما تجد النساء عملاً مأجوراً فإن النتائج تحدث تحولاً بالنسبة للنساء ومجتمعاتهن. ومن المؤسف أن مشاركة المرأة في الاقتصاد أبعد ما تكون عن مشاركة الرجل، وقد أدت الجائحة إلى تراجع قضية المساواة بين الجنسين لنصف قرن. ولا تزال المرأة تواجه تحديات كبيرة بما في ذلك القيام بالمزيد من أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر وعدم الحصول على التمويل ومجموعة من الحواجز الثقافية والهيكلية. إن الحجة التجارية لتمكين المرأة في التجارة واضحة: فالشركات المصدرة المملوكة للنساء تميل إلى أن تكون أكثر ربحية من الشركات المملوكة للنساء التي لا تصدر ومع ذلك فإن حوالي 20 في المئة فقط من الشركات المصدرة في جميع أنحاء العالم مملوكة للنساء أو تقودها النساء.
يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم الشركات التي تقودها النساء باتخاذ تدابير لتوفير دعم محدد الهدف لها، مثل التدريب المناسب وفرص التواصل وضمان بيئة سياساتية مواتية لمشاركة المرأة في الأعمال التجارية والتجارة. ويعمل المركز من خلال مبادرة (SheTrades Initiative) مع الحكومات الشريكة لوضع سياسات للمشتريات العامة تراعي المنظور الجنساني. وعلى الرغم من كون السوق مجالاً متخصصاً إلى حد ما في السياسة التجارية، إلا أنها سوق ضخمة: ففي البلدان المتقدمة، تمثل المشتريات العامة ما يقرب من 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ وفي بعض البلدان النامية يمكن أن يصل هذا الرقم إلى 40 في المئة. ومع ذلك، من المثير للصدمة أن الشركات المملوكة للنساء لا تشكل سوى 1 في المئة من السوق العالمية للمشتريات العامة التي يقدر البنك الدولي أنها تبلغ 11 تريليون دولار- أي ما يقرب من 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتعد المشتريات العامة المراعية للمنظور الجنساني إحدى الخطوات الرئيسية التي يمكن أن تتخذها الحكومات لدعم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء وتملكها النساء.
ثالثاً، مساعدة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على تحقيق القفزة الرقمية. في عالمنا المترابط، تتدفق التجارة بشكل متزايد من خلال القنوات الرقمية. تبين البحوث التي أجراها مركز التجارة الدولية (ITC) أن النجاح بالنسبة للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كثيراً ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحصول على خدمات متصلة عالية الجودة بما في ذلك النقل واللوجستيات والخدمات المالية وتكنولوجيات المعلومات والاتصالات والخدمات التجارية والمهنية. ويجذب الوصول إلى الخدمات المتصلة الاستثمار الأجنبي ويحفز الابتكار ويؤدي إلى زيادة صادرات الأعمال التجارية الصغيرة مع مساعدتها في الوقت نفسه على الاندماج في سلاسل القيمة الدولية.
وكما رأينا خلال الجائحة، كان الاتصال الرقمي في كثير من الأحيان أمراً بالغ الأهمية لقدرة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على الصمود والقدرة التنافسية. ولدعم رقمنة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، أطلق مركز التجارة الدولية مبادرة (Switch ON Initiative) لمساعدة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على اكتساب مهارات المعرفة الرقمية التي يمكن أن تحول الاتصال بالإنترنت إلى فرصة اقتصادية. ويجب أن تستكمل هذه الجهود بإجراءات حكومية لضمان وصول الجميع إلى الإنترنت بأسعار معقولة مع توفير الحماية اللازمة مثل حماية الخصوصية وقابلية التشغيل البيني للخدمات.
في 27 حزيران/ يونيو، وبينما نحتفل بالطرق التي تدفع بها المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التنمية المستدامة من أجل غد أفضل، دعونا نعمل معاً لخلق بيئة مواتية للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لتحقيق كامل إمكاناتها. دعونا نضمن جميعاً أن تكون المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة محورية في الانتقال نحو مستقبل أكثر شمولاً واستدامة واتصالاً.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.