20 كانون الأول/ديسمبر 2022

نحن نعيش في أوقات تتسم بعدم اليقين. وهذه ليست المرة الأولى التي يقال فيها هذا، ولن تكون المرة الأخيرة.

فالسلام العالمي لا يزال يتدهور، كما أكد مؤشر السلام العالمي، وهو أمر واضح كل يوم في الأخبار. ويتعرض التماسك الاجتماعي أيضاً لضغوط حيث أبلغ 1 من كل 5 أشخاص بأنه تعرض للتمييز في مجال واحد على الأقل من المجالات المشمولة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم هذا الوضع، مما تسبب في أول ارتفاع في مستوى الفقر المدقع منذ عام 1998، مع دخول 93 مليون شخص إضافي في جميع أنحاء العالم إلى الفقر المدقع في العام الأول للجائحة وحده، وأدى ذلك إلى محو سنوات من المكاسب المطردة. وقد ثبت أن هذه الخسائر مستمرة حيث تبين التقديرات أنه بحلول نهاية عام 2022، يمكن أن يعيش ما يصل إلى 95 مليون شخص آخرين في فقر مدقع مقارنة بتوقعات ما قبل الجائحة. ويتناقض هذا بشكل صارخ، بالطبع، مع التركيز المتزايد للثروة والدخل في القمة حيث يمتلك أغنى عشرة أشخاص في العالم ثروات أكثر مما يمتلكه أفقر 3.1 مليار نسمة مجتمعين.

وقد ظهر هذا الاضطراب مع بلوغ أزمة المناخ مستويات جديدة من الإلحاح، حيث أظهرت البيانات أن ما بين 3.3 إلى 3.6 مليار نسمة يعيشون الآن في سياقات بالغة الضعف في مواجهة تغير المناخ مع ارتفاع مستويات سطح البحر بسرعة أكبر من أي قرن سابق وتزايد تواتر وشدة الكوارث وأحداث الطقس المتطرفة. في الواقع، لقد أصبح مستقبل كوكبنا نفسه يتسم بعدم اليقين.

مع تطور هذه الأزمات فوق بعضها البعض، فلا عجب أن مشاعر عدم الأمان آخذة في الازدياد وأن الثقة في الحكومات والإعلام والعلم آخذة في التراجع. حتى قبل جائحة كوفيد-19، شعر أكثر من 6 من كل 7 أشخاص بعدم الأمان واليوم تتصاعد مستويات انعدام الأمان المتصورة بسرعة. يعتقد أقل من 30 في المئة من الناس وفقاً لمؤشر التنمية البشرية، أنه يمكن الوثوق بمعظم الناس وهي أقل قيمة مسجلة.  وهذا لا يبشر بالخير للتعاون اللازم لمعالجة المشاكل المشتركة.

إن عدم اليقين الذي خلقته الأزمات المتعددة ليس بالأمر الجديد. ولكن المهم هو كيف نجد طرقاً للتعامل معه مع البقاء متحدين عبر اختلافاتنا. ولكي نواجه تحديات عالم يتسم بعدم اليقين، نحتاج إلى فهم  ودعم بعضنا البعض والعمل معاً جنباً إلى جنب. ولهذا، فإن إعادة بناء الثقة يجب أن تكون حتمية جماعية. ويجب علينا إعادة تنمية الروابط المفقودة وتعزيز التسامح الذي سيساعدنا على إيجاد حلول مشتركة وخلق الأمل.

كيف يمكننا القيام بذلك؟

في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، نعتقد أن الحوار بين الثقافات هو جوهر الحل.

يحدث الحوار بين الثقافات عندما تلتزم المجموعات المختلفة بالانخراط في التواصل المجدي والمفتوح الذي يخلق الروابط ويكسر الحواجز. وقد استخدم الحوار بين الثقافات في جميع أنحاء العالم لمكافحة التمييز ومعالجة الانقسام، وهو أداة هامة للتفاهم المتبادل والسلام والتماسك الاجتماعي.

وكمثال واحد فقط، شهدت البوسنة والهرسك فوائد الحوار بين الثقافات بعد قرار مجتمع جاجسي (Jajce) بإنشاء فصول دراسية مختلطة عرقياً في مدرسة (Nikola Šop) الثانوية، على الرغم من أن البلاد لديها تقليدياً فصول دراسية منفصلة للمجموعات العرقية الرئيسية الثلاث.

وعندما حاولت الجمعية الإقليمية في عام 2016 إنشاء مدرسة منفصلة للطلاب البوسنيين، على أمل التخلص من الفصول الدراسية المختلطة عرقياً، احتج الطلاب ونجحوا في منع الخطة في عام 2018. وفي مقابلة أجريت معها، قالت الطالبة السابقة أجلا فريباك: "كان دافعي لشن حملة ضد المدرسة الجديدة هو الرغبة في الوحدة. هناك ثلاثة شعوب تعيش في بلدنا وتشكل جزء لا يتجزأ منه، ومن الخطأ أن نتعلم فقط عن اختلافاتنا. أعتقد أنه بالعمل سوياً يمكننا تحقيق الكثير".

واعترافاً بإمكانيات الحوار بين الثقافات والحاجة المتزايدة إلى أدوات تدعم التعاون، أطلقت اليونسكو مبادرة تمكين الحوار بين الثقافات. وبالشراكة مع معهد الاقتصاد والسلام، وضعت المبادرة إطار عمل اليونسكو لتمكين الحوار بين الثقافات الذي يتضمن بيانات تغطي أكثر من 160 بلداً في جميع المناطق. ولدينا الآن المعرفة ليس فقط لتحسين قدراتنا على الحوار بين الثقافات ولكن أيضاً الأدلة التي تظهر التأثير الذي يمكن أن يحدثه الحوار على القضايا المتعلقة بالسلام والشمول.  

تظهر النتائج التي توصلت إليها اليونسكو أن الحوار بين الثقافات يمكن أن يحدث فرقاً بل ويحدث فرقاً بالفعل. سجلت البلدان التي يزدهر فيها الحوار نتائج أعلى بنسبة 66 في المئة في التدابير المتعلقة بحماية حقوق الإنسان ومنع نشوب النزاعات وعدم الهشاشة مقارنة بالبلدان التي يتعطل الحوار فيها، وحوالي 89 في المئة من جميع النزاعات الحالية تحدث في سياقات ذات قدرة منخفضة على دعم حوار بين الثقافات.

ويمكن أن تكون للسياسات والاجراءات التي تمكّن الحوار بين الثقافات آثار واسعة النطاق. ويقدم الإطار الجديد الذي طورته اليونسكو للمجتمعات لأول مرة دليلاً حول كيفية تحقيق أقصى قدر من التأثير. ويتعين علينا أن نستفيد من هذه البيانات الجديدة المهمة للمساعدة في تعزيز التسامح والشمول في مختلف أنحاء العالم.  

تقدم اليونسكو أيضاً العديد من المنهجيات والمساحات للمجتمعات للتجمع والمشاركة والتعلّم، سواء من خلال حلقات رواية التجارب الشخصية أو مختبر الفن من أجل حقوق الإنسان والحوار أو الفصول الدراسية الرئيسية ضد العنصرية والتمييز. جمعنا بين أبطال العمل من خلال النسخة الثانية الأخيرة من المنتدى العالمي لليونسكو لمناهضة العنصرية والتمييز في مكسيكو سيتي، بما في ذلك الحائزة على جائزة نوبل للسلام كايلاش ساتيارثي، ورئيس مؤسسة فورد دارين ووكر، وسفير اليونسكو للنوايا الحسنة زويلي أبينج والممثل تينوك هويرتا، لإعادة التأكيد على الالتزامات السياسية على أعلى المستويات.
ولا يمكننا أن نسمح لعدم اليقين الذي يكتنف عالم اليوم بأن يقسّمنا. نحن بحاجة إلى التحدث لكي نظل متكيفين ومنفتحين ومتسامحين.

 

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.