29 حزيران/ يونيو 2022
 

في أوائل عام 2005، كان دوري لأخذ دورية المراقبة المسائية. انطلقت من دولة غينيا بيساو الواقعة في غرب إفريقيا قبل حوالي ثلاث ساعات على متن رحلة عبر المحيط الأطلسي بالمركب الشراعي إلى البرازيل مع عائلتي. إنه طريق غير معتاد، بعيداً عن المسار المطروق، وكنت أتطلع إلى تجربة "حالة الركود" وسط المحيط الأطلسي وفرصة رؤية المزيد من الحياة البرية التي تعد بها هذه المياه الهادئة.

ما لم أتوقع رؤيته هو ما بدا وكأنه توهج مدينة في البحر.

كنا على بعد حوالي 10 أميال بحرية من الساحل وكان الظلام قد حل. بالكاد كان هناك ضوء كهربائي مرئي خلفنا باتجاه اليابسة على ساحل بلد يحتل حالياً المرتبة 175 على مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020. ومع ذلك، باتجاه المحيط الأطلسي المفتوح، كان جدار من الأضواء المتوهجة يتحرك بقدر ما يمكن أن تراه العين. عند إلقاء نظرة على الرادار، حددت هذه الأجسام على أنها سفن، وعندما اقتربنا، وجدنا أنها كانت قوارب صيد صناعية كبيرة، العشرات والعشرات منها. اضطررنا إلى التعرج بينهما لمدة خمس ساعات. بالقرب من الشاطئ، كانت السفن تجر على القاع، وهو شكل مدمر بشكل خاص من طرق الصيد. علاوة على ذلك، تحركت سفن الصيد الضخمة في المياه الوسطى لتستهدف المصيد الضخم لأنواع الأسماك السطحية الصغيرة التي تتحرك ببطء عبر الماء.

كانت هذه أول تجربة لي مع النطاق الهائل لعمليات الصيد الصناعي في غرب إفريقيا. في ذلك الوقت، لم يكن لدي أي فكرة عن مصدر هذه السفن أو شرعية هذه العمليات. ولكن بعد أن أمضيت الأسابيع الثلاثة الماضية في أرخبيل بيجاغوس الجميل بغينيا بيساو مع صيادين محليين في زوارقهم المصنوعة من جذوع الأشجار، من الواضح أن هذا لم يكن متكافئاً.

أردت أن أفهم أكثر. بعد فترة وجيزة، بدأت العمل على توثيق الصيد غير القانوني في غرب إفريقيا مع مؤسسة العدالة البيئية. في ذلك الوقت، في منتصف إلى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان بإمكانك الجلوس على شاطئ في بلدان مثل سيراليون ومشاهدة العديد من سفن الصيد وهي تحرث صعوداً وهبوطاً على الساحل في غضون نصف ميل من المكان الذي جلست فيه. غالباً ما كنت تجلس مع أفراد مجتمعات الصيد الذين كانوا يشاهدون مناطق صيدهم تتضرر وشباكهم تتعرض للتلف وتدمير سبل عيشهم ومصادرهم الرئيسية للبروتين الحيواني. كانت سفن الصيد إما غير مرخصة أو إذا كانت مرخصة، فهي تصطاد بشكل غير قانوني داخل المناطق الحصرية الشاطئية المخصصة للصيد على نطاق ضيق.

على الرغم من أن المشكلة لم يتم حلها بالكامل إلا أن هذا المستوى من الصيد غير المشروع على الشاطئ قد انخفض لحسن الحظ في العديد من مناطق غرب إفريقيا بسبب الكم الهائل من العمل الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية ومجتمعات الصيد المحلية والحكومات والمنظمات الحكومية الدولية. لسوء الحظ، لم يكن هذا يعني بأي حال من الأحوال نهاية الصيد غير القانوني لا سيما من خلال ما يعرف باسم "سفن الصيد في المياه البعيدة"، والتي إما أنها ترفع علم بلد ما أو تكون مملوكه له ولكنها تعمل في بلد آخر. ينصب تركيز سفن الصيد في المياه البعيدة على المياه الساحلية للبلدان النامية أو على المشاعات العالمية في أعالي البحار. أصبحت طريقة عمل مشغلي الصيد غير القانوني أكثر تعقيداً مع تحسن جهود الإنفاذ.

صغار الصيادين في سيراليون. ‎© TM-Tracking

تم تحديد الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم (IUU) من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) على أنه مشكلة عالمية تتطلب تعاوناً دولياً لحلها. إنه يقوض الاستدامة البيئية والاقتصادية لمصايد الأسماك ويحرم الدول من ما يصل إلى 23 مليار دولار سنوياً. يدمر الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم البيئات البحرية ويهدد الأرصدة السمكية الهشة في جميع أنحاء العالم ويقوض سبل عيش صائدي الأسماك الشرعيين والقانونيين لا سيما في الدول النامية مع تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي العالمي. يستفيد الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم من سوء الإدارة ويستغل أنظمة الإدارة الضعيفة خاصة تلك الموجودة في البلدان النامية التي تفتقر إلى القدرات والموارد اللازمة لرصد مصايد الأسماك ومراقبتها والأشراف عليها بشكل فعال (MCS).  يستفيد مشغلو الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم من نقاط ضعف الحوكمة العالمية الأوسع مثل الشركات الوهمية وسجلات العلم المفتوح التي تسمح للمالكين المستفيدين بإخفاء أنفسهم وأرباحهم. وكثيراً ما يرتبط الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم بالجريمة المنظمة، بما في ذلك انتهاكات العمل والممنوعات فضلاً عن الإخفاق في احترام حقوق الإنسان الأساسية والمعايير البيئية.

وقد عرّفت منظمة الأغذية والزراعة رسمياً الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم ولكن بشكل عام أن الصيد غير القانوني يعتبر انتهاكاً للقوانين الوطنية أو الدولية التي تنظم نشاط الصيد. ويحدث هذا في المياه الوطنية أو في مناطق أعالي البحار الخاضعة لاتفاقية صيد دولية. ويشمل الصيد غير المبلغ عنه المصيد الذي لم يتم الإبلاغ عنه أو الإبلاغ عنه بشكل خاطئ للسلطات الوطنية أو الدولية ذات الصلة بما يتعارض مع القوانين واللوائح. يحدث الصيد غير المنظم في مناطق أو للأرصدة السمكية التي ليس لها تدابير إدارية مطبقة. ينطبق هذا على بعض المصايد صغيرة النطاق في المياه الوطنية ولكنه وثيق الصلة بشكل خاص بالأنواع التي يتم صيدها في أعالي البحار والتي لا يزال عدد كبير منها لا يندرج تحت أي اتفاقية إدارة دولية.

منذ تلك الأيام الأولى في غرب إفريقيا، عملت مع كل من المنظمات والحكومات بشأن هذه القضية وقمت بدعم الحملات العالمية مع المنظمات غير الحكومية الدولية وعملت كمستشار للحكومات في مجال مصايد الأسماك والرصد والمراقبة والإشراف لا سيما في أفريقيا.

التدريب على مراقبة الموانئ في غانا. ‎© TM-Tracking

في أوائل عام 2010، قمت أنا وبعض الزملاء المقربين بتحديد الفرص والفجوات التي لم يتم معالجتها في جهود مكافحة الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم. كانت العديد من الدول المجاورة تعمل بمعزل عن بعضها البعض على الرغم من حقيقة أن سفن الصيد في المياه البعيدة والأسماك التي كانت تستهدفها، كانت تتنقل بين هؤلاء الجيران. وأصبحت مصادر البيانات الجديدة ولا سيما فرص تتبع السفن الساتلية، متاحة ولكن لا يمكن للدول النامية الوصول إليها. ومن المهم أيضاً الانفصال بين الجهات الفاعلة من غير الدول بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الدولية التي كانت تناضل من أجل اتخاذ إجراءات بشأن الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم في الدول النامية وقدرة (وأحياناً إرادة) الجهات الفاعلة الحكومية على الاستجابة لتلك الحملات.

تم تحديد الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة على أنه مشكلة عالمية تتطلب تعاوناً دولياً لحلها.

كان ردنا، في عام 2013، هو تأسيس منظمة الغذاء الآمن "Trygg Mat Tracking" المعروفة اليوم باسم TMT وهي منظمة غير حكومية في هيكلها ولكنها ليست منظمة حملات على وجه التحديد. وبدلاً من ذلك، ينصب تركيزنا على سد الفجوة بين الدول والجهات الفاعلة من غير الدول من خلال بناء العلاقات والعمل كشريك تقني موثوق به لتطوير الدول الساحلية ودول الميناء ودول العلم.

توفر منظمة (TMT) اليوم لسلطات مصايد الأسماك الوطنية والمنظمات الدولية معلومات عن مصايد الأسماك وتحليلها وبناء القدرات بهدف الحد من الصيد غير المشروع وتحسينات أوسع في إدارة المحيطات. نحن نعمل مع البلدان الشريكة، في أفريقيا بشكل أساسي وثنائي لكن بقدر الإمكان مع التجمعات الإقليمية للبلدان. نهدف إلى التعاون مع جميع الوكالات الحكومية ذات الصلة بإنفاذ قوانين مصايد الأسماك داخل كل بلد ليس فقط كوزارات مصايد الأسماك ولكن أيضاً كهيئات الموانئ والبحرية وخفر السواحل والسلطات البحرية ووكالات الجمارك والعمل والعديد من الهيئات الأخرى التي تلعب دوراً حاسماً.

دنكان كوبلاند يعمل مع لجنة مصايد الأسماك لغرب وسط خليج غينيا (FCWC) فريق عمل غرب أفريقيا لمعالجة الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم (IUU). ‎© TM-Tracking

بالتعاون مع دول المنطقة والشركاء الرئيسيين مثل لجنة أوقفوا الصيد غير المشروع ولجنة مصايد أسماك غرب وسط خليج غينيا، لقد دعمنا ريادة المبادرات الإقليمية الرئيسية لمكافحة الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، بما في ذلك تحالف FISH-i Africa وفرق عمل غرب أفريقيا. وتتمثل هذه العناصر في جوهرها في تبادل المعلومات والتعاون، والأهم من ذلك أنها تمثل تعاوناً وثيقاً بين الدول الأعضاء والمنظمات الشريكة من غير الدول. وقد تم الاعتراف بنتائج هذه الجهود دولياً وتم تحديدها من قبل البلدان المشاركة كجزء أساسي من الجهود المبذولة ضد الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم. والأهم من ذلك، أن هذه البلدان تعتبر تلك الأساليب بمثابة تأثيراً رادعاً لعمليات الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم في مياهها.

خلال جائحة كوفيد-19 العالمية، سعت بعض عمليات الصيد في المياه البعيدة إلى الاستفادة من انخفاض الضوابط والعمليات الحكومية لإجراء أنشطة الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم. وهكذا أبرزت الجائحة كذلك قيمة التعاون الوثيق بين الدول والجهات الفاعلة من غير الدول للاستفادة من المجموعة الواسعة من القدرات والأدوات ومصادر البيانات والتغطية الجغرافية التي يمثلها هؤلاء الشركاء المحتملون. تمكّننا الأدوات والتقنيات الجديدة مثل التتبع بالسواتل وتحليلات البيانات من مراقبة أنشطة الصيد بطرق كان من الممكن أن تكون مستحيلة قبل بضع سنوات فقط. يوفر هذا فرصاً جديدة لتغيير الطريقة التي نحكم بها محيطنا وفتح طرق لإغلاق الشبكة على الصيد غير القانوني. لكن التعاون الدولي المطلوب لتحقيق مثل هذه النتائج لا يزال متفرقاً والعديد من البلدان لا تملك حتى الآن المعلومات أو القدرة التي تحتاجها للعمل على أساسها.

اليوم، نحن نهدف إلى تغيير هذا الواقع. لقد قمنا في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة للمحيط لعام 2022 في لشبونة، البرتغال، بالتعاون مع شبكة المراقبة والتحكم والإشراف الدولية (IMCS) وموقع مراقبة الصيد العالمي ومنظمة (TMT)، بتأسيس الخلية التحليلية المشتركة (JAC) التي تقوم بتسخير التكنولوجيا المبتكرة والخبرة التكميلية والموارد لمنظماتها المتعاونة الأوسع بما في ذلك الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية ومقدمي التكنولوجيا. تهدف الخلية التحليلية المشتركة (JAC) إلى تحويل حوكمة المحيطات من خلال تسهيل التعاون ومشاركة المعلومات والرصد والمراقبة والإشراف المستندة إلى المعلومات وبناء القدرات. نسعى إلى تمكين الوصول إلى البيانات والتكنولوجيا والتحليلات مع التركيز بشكل خاص على دعم الدول الساحلية النامية المسؤولة عن الإشراف على مناطق شاسعة من المحيط ولكنها قد لا تمتلك القدرات اللازمة للقيام بذلك.

من خلال توفير معلومات استخبارية عالية الجودة وبناء القدرات لمن هم في أمس الحاجة إليها، ستتعامل الخلية التحليلية المشتركة (JAC) مع الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم بشكل فعال من حيث التكلفة وعلى نطاق واسع. وستكون بمثابة مركزاً لتبادل المعلومات الاستخبارية وفهم التكنولوجيا المتعددة وعروض البيانات الموجودة اليوم وتوفير الدعم التشغيلي والتدريب للعمل التعاوني لمكافحة الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم في جميع أنحاء العالم. وستدعم سلطات إنفاذ القانون في تنفيذ عمليات الرصد المراقبة والإشراف المستهدفة والقائمة على المخاطر والفعالة. ستدعم الرؤى والتحليلات التي توفرها الخلية التحليلية المشتركة (JAC) أيضاً السياسات القائمة على الأدلة والإصلاحات التنظيمية والقانونية لتعزيز إدارة المحيطات. من خلال فتح الوصول إلى البيانات والتكنولوجيا والتحليلات، سيعزز هذا التعاون الفريد إدارة مصايد الأسماك في جميع أنحاء العالم ويدعم العمل الفعال لإنهاء بلاء الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم.

مع تعرض المخزونات السمكية والنظم البيئية البحرية لضغوط متزايدة من النشاط البشري، لم يكن تضييق الخناق على الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى وهي مهمة بدت مستحيلة عندما كنت في غينيا بيساو منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. عندما ألقي نظرة على سنوات عملي في قضايا الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، تخبرني كل تجربة أن هذا النموذج التعاوني هو الطريق إلى الأمام. جميع الجهات الفاعلة المهتمة بهذه القضية لها دور تلعبه، ولحسن الحظ فإن المزيد والمزيد من الناس على جانبي الدولة والجهات الفاعلة غير الحكومية في جميع أنحاء العالم يعترفون بهذا النهج التعاوني ويشاركون فيه.

يعتمد مشغلو الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم على بيئة يمكنهم فيها الصيد بعيداً عن الأنظار وحيث يمكنهم الاستفادة من فجوات المعلومات وإنفاذ القانون والتعاون. أنا مقتنع بإمكانية سد هذه الفجوات بالعمل معاً.

 

وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.