13/10/2023

لماذا يجب على إسرائيل إعادة النظر في أمر إخلاء غزة

كتبها: أنطونيو غوتيريش

مقال بقلم أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.
 (تم النشر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 13  تشرين الأول/أكتوبر 2023)

ان الأمر الذي أصدره جيش الدفاع الإسرائيلي ليلة الخميس للفلسطينيين في غزة بإخلاء منازلهم في غضون 24 ساعة أمرًا خطيرًا ومقلقًا للغاية. وأي طلب لإجلاء جماعي في مدة وجيزة للغاية يمكن أن يكون له عواقب إنسانية مدمرة.
 

يؤثر أمر الإجلاء هذا على ما يقرب من 1.1 مليون شخص، ويستهدف إقليماً يتعرض للقصف الجوي ومحاصراً بالفعل بدون وقود أو كهرباء أو مياه أو غذاء. وينطبق هذا القرار على منطقة عانت من أضرار جسيمة طالت الطرق والبنية التحتية خلال الأسبوع الماضي، مما يجعل عملية الإخلاء شبه مستحيلة في المقام الأول. كما ينطبق القرار ايضاً على موظفي الأمم المتحدة وأكثر من200 الف شخص يحتمون في مرافق الأمم المتحدة هناك، بما في ذلك المدارس والمراكز الصحية والعيادات، وعلى مئات الآلاف من الأطفال، علماً بأن ما يقرب من نصف سكان غزة هم دون سن 18 عاما.

وبصفتي أمينا عاما للأمم المتحدة، أناشد السلطات الإسرائيلية أن تعيد النظر في هذا القرار.

لقد اقتربنا من لحظة تصعيد كارثي، ونجد أنفسنا أمام مفترق طرق حرج. ومن الضروري أن تبذل جميع الأطراف – بما في ذلك الجهات التي لها نفوذ عليها - كل ما في وسعها لتجنب وقوع أعمال عنف جديدة أو امتداد الصراع إلى الضفة الغربية والمنطقة برمتها.

نحن بحاجة ماسة إلى مخرج من هذا الطريق المسدود الكارثي قبل فقدان المزيد من الأرواح.

هناك العديد من الأولويات الرئيسية التي يجب التركيز عليها الآن من أجل تجنب العالم من الانزلاق في هذه الهاوية. تحتاج الأمم المتحدة وشركاؤها إلى ايصال المساعدات الإنسانية وبسرعة ودون عوائق الى جميع أنحاء قطاع غزة، ويجب السماح بدخول هذه المساعدات الإنسانية بما في ذلك الوقود والغذاء والماء.

كما يجب إطلاق سراح جميع الرهائن في غزة. ويجب ألا يُستخدم المدنيون كدروع بشرية.

ويجب احترام القانون الإنساني الدولي - بما في ذلك اتفاقيات جنيف - والتمسك به. ويجب حماية المدنيين من كلا الجانبين وفي جميع الأوقات. ولا ينبغي أبدا استهداف المستشفيات والمدارس والعيادات ومباني الأمم المتحدة. وإذ يعتريني الحزن على زملائي في غزة ممن قضوا نحبهم بالفعل خلال الأسبوع الماضي، يستمر موظفو الأمم المتحدة بالعمل بلا كلل لدعم شعب غزة، وسنواصل القيام بذلك.

لقد كنت على اتصال دائم بقادة المنطقة. ومن الواضح أن الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط تؤدي إلى استقطاب المجتمعات في أرجاء العالم وتعمق الانقسامات وتغذي خطابات الكراهية وتضخمها. إذا كانت الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب، فإن العقل ليس بعيدًا عن ركب الضحايا.

كم أشعر بالرعب لسماع لغة الإبادة الجماعية تدخل الخطاب الشعبوي وعندما يغفل الناس عن إنسانية بعضهم البعض. فلا يمكن السماح للوحشية والعنف ان تجلي حقيقة أساسية: وهي اننا جميعًا نتاج واقعنا المعيشي وتاريخنا الجماعي.

وكما قال الفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيجا إي جاسيت: "أنا هو انا وواقعي معا". وأحيانًا يكون هذه الواقع لا يطاق.

عندما أضع نفسي مكان يهودي من إسرائيل، فإنني أستشعر الفظائع الأخيرة في سياق ألفيتين من التمييز والطرد والنفي والإبادة، والتي أدت إلى المحرقة. وخلال القرن الخامس عشر، قامت بلدي البرتغال بطرد الجالية اليهودية أو حولتها قسراً عن معتقدهاً، وبعد فترة من التمييز، أُجبروا على المغادرة. وباعتباري يهودياً إسرائيلياً، سأدرك بشكل مؤلم أن البعض في جوارنا لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود.

وإذا رأيت اليوم، بصفتي يهوديًا إسرائيليًا، شبابًا يُذبحون في حفل موسيقي وجدات يقتلون بإطلاق النار في البيوت وبدم بارد وعشرات المدنيين - بمن فيهم الأطفال- يُختطفون بوحشية ويحتجزون تحت تهديد السلاح، فمن الطبيعي أن أشعر بألم شديد وانعدام الأمن، وبالتأكيد سأشعر بغضب أعمى.

وكم أحاول ايضا التفكر في الطرف الآخر وإذا كنت فلسطينيًا أعيش في غزة. لقد تم تهميش مجتمعي ونسيانه لأجيال. وربما أُجبر أجدادي على مغادرة قراهم ومنازلهم. وإذا كنت من المحظوظين، فربما نجا أطفالي بالفعل من العديد من الحروب التي دمرت أحيائهم وقتلت أصدقائهم.

بصفتي فلسطينيًا، ليس لدي مكان أذهب إليه ولا يوجد حل سياسي في الأفق وانا أرى المجتمع الدولي يتجاهل عملية السلام بشكل أساسي، في وقت تزداد فيه المستوطنات وعمليات الإخلاء ويتوغل الاحتلال الذي لا نهاية له. فمن الطبيعي أن أشعر بإحساس هائل من الألم وانعدام الأمن، ومرة أخرى، أشعر ايضا بالغضب الأعمى.

أن المظالم التي يشعر بها الشعب الفلسطيني لا تبرر الإرهاب الذي طال المدنيين في إسرائيل. وانا أدين مرة أخرى، إدانة قاطعة، الهجمات البغيضة التي شنتها حماس وغيرها من الهجمات التي أرهبت إسرائيل.

ومن الواضح أن الأعمال المروعة التي قامت بها حماس لا تبرر الرد بعقاب جماعي يطال الشعب الفلسطيني. ولكن أي حل لهذه المحنة المأساوية، التي دامت عقودا وخلفت الموت والدمار، يتطلب اعترافا كاملا بتطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء وواقعهم ووجهات نظرهم.

لا يمكننا أن نتجاهل قوة الذاكرة الجماعية التي تشدنا والظروف التي تحدد هويتنا وجوهرنا. وكما تستحق إسرائيل أن ترى احتياجاتها المشروعة في الأمن تتحقق، يستحق الفلسطينيون أن يروا منظوراً واضحاً لإنشاء دولتهم بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات السابقة. إذا كان المجتمع الدولي يؤمن حقا بهذين الهدفين، فيتعين علينا أن نجد طريقة للعمل معا لإيجاد حلول حقيقية ودائمة - حلول تقوم على إنسانيتنا المشتركة وتعترف بحاجة الناس إلى العيش معا على الرغم من التاريخ ورغم الظروف التي تمزقهم.

يختتم الفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيجا اقتباسه بالقول: "إذا لم اتمكن من أنقاذ واقعي، فلن أتمكن من إنقاذ نفسي".

يجب أن تنتهي هذه الدورة المرعبة من العنف وإراقة الدماء المتصاعد باستمرار. من الواضح أن طرفي هذا الصراع لا يمكنهما التوصل إلى حل بدون عمل متضافر ودعم قوي من جانبنا؛ نحن في المجتمع الدولي. هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على الأمن وفرص كلٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين.