لقد مر العالم في العام الماضي بأزمات متزايدة التعقيد من تجلياتها الفقر وعدم المساواة والجوع وارتفاع معدلات البطالة؛ ومشهد اقتصادي عالمي يطبعه التذبذب وتلفه الشكوك؛ وحالة متصاعدة من الطوارئ المناخية؛ والنزاعات، وخاصة غزو الاتحاد الروسي لأوكرانيا. وفي كل حالة من هذه الحالات، كان أشد الناس والمجتمعات فقرا وضعفا هم الأشد تضررا.
وفي الوقت نفسه، تتعرض حقوق الإنسان للتعدي، ويزداد الأمر سوءا بسبب اتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والآثار المستمرة لجائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19). ويستمر استبعاد النساء والشباب من المجالات الاقتصادية والمدنية والاجتماعية، الأمر الذي يحرم مجتمعات بأسرها من إسهامات هاتين الفئتين وأفكارهما. كما أن تقلص الحيز المدني، والانتشار السريع للمعلومات المضللة والمعلومات المغلوطة، وتصاعد خطاب الكراهية ومعاداة المرأة، تزيد من الفرقة بين الناس في وقت نحتاج فيه إلى الوحدة والتضامن أكثر من أي وقت مضى.
ونحن نواجه اليوم أعلى درجات انعدام الثقة والسباق على الصعيد الجيوسياسي منذ عقود. فالانقسامات الحادة ماضية تتعمق داخل البلدان وعلى صعيد المجتمع العالمي. وصارت بلدان ومناطق بأكملها بعضها يتجاهل بعضا، تاركة للإهمال مهمتها العاجلة والأساسية المتمثلة في العمل معا من أجل مستقبل أفضل.
وفي الوقت نفسه، ما زالت البشرية تحاول جاهدة تحقيق التوازن بين الوعد الكبير الذي تنطوي عليه الابتكارات التكنولوجية من قبيل الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي من جهة، والحاجة إلى معالجة التهديدات الواضحة التي تشكلها تلك الابتكارات لحقوق الأفراد في السلامة والخصوصية من جهة أخرى.
ومع ذلك فإننا، نحن نساء ورجال الأمم المتحدة، مصممون، كما يوضح هذا التقرير، على مواصلة جهودنا للتصدي لتلك الأزمات ووضع البشرية على مسار جديد نحو السلام والاستقرار والازدهار. فأنا أسلط الضوء في هذا التقرير على أمثلة ملهمة لتصميمنا الذي يغذيه إيماننا بأن إيجاد عالم أفضل ليس أمرا ضروريا فحسب، بل هو في متناول أيدينا أيضا.
والاحتياجات تكون في حالات الطوارئ أكبر منها في أي ظرف آخر.
ففي عام 2022، قمنا بمعية شركائنا على الصعيد الميداني بتنسيق خطط الاستجابة الإنسانية لمصلحة 216 مليون شخص في 69 بلدا وإقليما، وقدمنا المساعدة اللازمة لإنقاذ أرواح الناس والحماية لما يقرب من 160 مليون شخص ممن هم في حاجة ماسة إليها. وبفضل سخاء الجهات المانحة، حشدنا مبلغا غير مسبوق قدره 30 بليون دولار من المساعدات الإنسانية.
وتدخلنا للتصدي للأزمات الإقليمية على صعيد منطقتي الساحل والقرن الأفريقي اللتين تواجهان مزيجا مُهلكا من الجفاف والفقر وانعدام الأمن وخطر المجاعة الذي يلوح في الأفق. فقد أوصلنا المساعدات الإنسانية إلى 17 مليون شخص في منطقة القرن الأفريقي في عام 2022، وإلى حوالي 20 مليون شخص على صعيد منطقة الساحل.
وفي أفغانستان، قدمت الأمم المتحدة وشركاؤها المساعدات الإنسانية والحماية لأكثر من 26 مليون شخص في عام 2022، بما في ذلك في مواقع كان في السابق يتعذر الوصول إليها، ووقفنا في الوقت نفسه في وجه التضييق غير المقبول على حقوق النساء والفتيات، ولا سيما إمكانية حصولهن على التعليم وسبل كسب العيش.
إن السلام هو القلب النابض للأمم المتحدة. ففي عام 2022، استعانت أفرقتنا بمجموعة واسعة من الأدوات لمنع نشوب النزاعات والتخفيف من حدتها وإدارتها وحلها، مع قيامها في الوقت نفسه بحماية الأشخاص المتضررين من تلك النزاعات.
وضاعفنا من جهودنا في جميع أنحاء العالم سعيا إلى إحلال السلام، من الهدنة التي تحققت في اليمن بوساطة من الأمم المتحدة، إلى مكاتبنا وبعثاتنا السياسية الخاصة البالغ عددها 41 مكتبا وبعثة، وعمليات حفظ السلام البالغ عددها 12 بعثة. ورصد صندوق بناء السلام 231 مليون دولار لدعم جهود بناء السلام في 37 بلدا، مع توجيه أكثر من ثلث المبلغ لدعم النساء والشباب.
واحتفظت الأمم المتحدة بوجودها في أوكرانيا وأوفت بمهامها، حيث قدمت الدعم لما يقرب من 16 مليون شخص من خلال خطة الاستجابة الإنسانية.
وسعيا للتخفيف من حدة انعدام الأمن على الصعيد العالمي وتأثيره في المجال الإنساني، اقترحنا المبادرة المتعلقة بالنقل الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية (مبادرة البحر الأسود) على الاتحاد الروسي وأوكرانيا وتركيا. وقد مكّنت هذه المبادرة حتى منتصف حزيران/يونيه 2023 من تصدير أكثر من 32 مليون طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى، مع ذهاب أكثر من نصف الصادرات من الأغذية إلى البلدان النامية. وفي الوقت نفسه، واصلت الأمم المتحدة بذل الجهود في إطار مذكرة التفاهم بين الاتحاد الروسي والأمانة العامة للأمم المتحدة لتيسير وصول المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية، التي لا تخضع لجزاءات، إلى الأسواق العالمية دون عوائق. وسنواصل الضغط من أجل إحلال السلام العادل والمستدام، في انسجام مع ميثاق الأمم المتحدة.
ونحن نتعاون مع المنظمات الإقليمية، بما في ذلك مع الاتحاد الأفريقي، لبناء أسس السلام في البلدان التي لم يكد يكون لها من السلام نصيب.
وواصلنا في عام 2022 حشد البلدان حول الحاجة الملحة لإنهاء التهديد الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل، وذلك بعقد اجتماعات مهمة بشأن معاهدة حظر الأسلحة النووية والمؤتمر الاستعراضي للأطراف في اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة.
وكان مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لضحايا الإرهاب، وهو الأول من نوعه، فرصة للاستماع إلى فئة لها دور حاسم تؤديه في جهود مكافحة هذه الآفة في جميع أنحاء العالم.
وعملت أفرقتنا القطرية بلا كلل طوال العام الماضي لمساعدة الحكومات على بناء اقتصادات ومجتمعات ونُظم أكثر مَنعةً ومساواةً وقادرةٍ على دعم شعوبها.
ومع ذلك، فاليوم وقد بقي نصف المدة حتى عام 2030، توقف التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بل انقلب إلى تراجُع في بعض الحالات.
والبلدان النامية ضحية لنظام مالي عالمي مختل وغير عادل يحرمها مما تحتاج إليه من تمويل ومن إجراءات لتخفيف عبء الدين لكي تتمكن من الاستثمار في الطاقة المتجددة، والحماية الاجتماعية الشاملة، والتعليم الجيد، وإيجاد فرص العمل اللائق، والتغطية الصحية الشاملة، والمنظومات الغذائية المستدامة، والبنيات التحتية، والتحول الرقمي.
وسعيا لمعالجة أزمة التمويل العالمية، قمنا بإعلان مقترح يتعلق بخطة لتحفيز أهداف التنمية المستدامة غايتها التعجيل بتحقيق تلك الأهداف، وذلك بهدف حشد 500 بليون دولار من الاستثمارات الجديدة. ومن خلال مقترح خطة التحفيز، نستهدف ثلاثة إجراءات يمكن للهيكل المالي الدولي الحالي أن يحقق نتائج بشأنها وهي: (أ) معالجة الديون المكلِّفة وتزايد المديونية الحرجة؛ (ب) إحداث زيادة كبيرة في التمويل الطويل الأجل الميسّر التكلفة؛ (ج) توسيع نطاق موارد الطوارئ المتاحة لمن يحتاجها من البلدان.
وساهمت قمة تحويل التعليم في إعادة إدراج مسألة التعليم في جدول الأعمال العالمي، وتمخضت عن التزامات بإصلاح النظم التعليمية لتتماشى مع متطلبات العالم الحديث، وتدارك التأخر الذي شهده قطاع التعليم أثناء فترة الجائحة وتسخير ما تنطوي عليه التكنولوجيا من إمكانات لتعليم الفتيات.

إن نساء ورجال الأمم المتحدة مصممون فيما نبذله من جهود في سبيل التصدي لسيل الأزمات المندلعة في الوقت الحاضر والسير بالبشرية على الطريق الذي يفضي بها إلى السلام والاستقرار والازدهار .
أنطونيو غوتيريش
الأمين العام

يتعين علينا أن ننقذ أهداف التنمية المستدامة الآن وقد بلغنا منتصف الطريق الذي يفضي بنا إلى عام 2030. إننا بحاجة إلى انخراط الجميع في هذا المسعى كما أننا بحاجة إلى تحقيق طفرة في القيادة وفي التمويل والتضامن لما فيه مصلحة الناس والكوكب.
أمينة ج. محمد
نائبة الأمين العام

في عالمنا المضطرب، نعمل من أجل مستقبل أكثر عدلا وشمولا واستدامة يعود بنفعه على كل فرد من أفراد الأسرة البشرية.
إ. كورتيناي راتراي
رئيس ديوان الأمين العام

يجب أن نركز على الأزمات التي تواجه العالم في الوقت الراهن وعلى تزويد الأمم المتحدة بالوسائل التي تمكنها من التصدي بطريقة وقائية وفعالة لما كان من تلك الأزمات خطرا على مستقبلنا الجماعي.
غي رايدر
وكيل الأمين العام للسياسات
تحت المجهر
خطتنا المشتركة
خطتنا المشتركة هي الوثيقة التي ضمنها الأمين العام رؤيته لمستقبل التعاون الدولي، وقدم فيها توصيات عملية لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وتحريك عجلة تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فريق الاستجابة للأزمات العالمية المعني بالغذاء والطاقة والتمويل
في آذار/مارس 2022، أنشأت الأمم المتحدة فريق الاستجابة للأزمات العالمية للتصدي للحرب في أوكرانيا وآثارها العالمية على الغذاء والطاقة والتمويل.
مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب ومذكرة التفاهم
وقعت المبادرة المتعلقة بالنقل الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية (مبادرة البحر الأسود) ومذكرة التفاهم بين الاتحاد الروسي والأمانة العامة للأمم المتحدة بشأن الترويج للمنتجات الغذائية والأسمدة الروسية في السوق العالمية في 22 تموز/يوليه 2022.
النفقات في المجالات ذات الأولوية في عام 2022

* يستند إلى مبالغ عام 2021. هذا الرسم البياني مقدم لأغراض توضيحية لا غير. وتختلف السنة المالية للميزانية العادية (2022) والسنة المالية لعمليات حفظ السالم (2022/2021). والموارد توزع على الأولويات بالاستناد إلى الميزانية البرنامجية للأمم المتحدة. وترتكز البيانات المتعلقة بمنظومة الأمم المتحدة على التقارير الإرشادية المقدمة إلى أمانة مجلس الرؤساء التنفيذيين في منظومة الأمم المتحدة المعني بالتنسيق. وللحصول على مزيد من التفاصيل العودة إلى البيانات المالية المراجعة.
يقدم الرسم البياني لمحة إرشادية عن نفقات الأمم المتحدة في عام 2022 في المجالات الثمانية ذات الأولوية فببلوغ الإنفاق زهاء 14,8 بليون دولار، يكون قد شهد زيادة طفيفة في عام 2021. ويعين الرسم أيضا على المقارنة بين نفقات كيانات الأمانة العامة ونفقات منظومة الأمم المتحدة برمتها (بما في ذلك الوكالات المتخصصة والصناديق والبرامج) التي تبلغ 56 بليون دولار.
ووافقت الجمعية العامة على إنشاء مكتب للشباب تابع للأمم المتحدة يضع أصوات الشباب في الصميم من عملية صنع القرار المتعددة الأطراف.
وقدمت الأمانة العامة الدعم لأجزاء أخرى من أسرة الأمم المتحدة في تسريع الوصل بالإنترنت على صعيد العالم، وأسدت المشورة للحكومات والبرامج في مجال السياسات المتعلقة بالمدارس في المناطق الريفية والمجتمعات المحلية الريفية. وقد انضم في العام الماضي أكثر من 400 مليون مستخدم جديد إلى المجتمع الرقمي العالمي، وأصبح حالياً أكثر من 5,3 بلايين شخص موصولين بالإنترنت وقادرين على الوصول إلى التعليم والخدمات العامة والأدوات الرقمية للدفع قُدما بعجلة التنمية والازدهار.
وشهد العام الماضي عددا من أوجه التقدم على مسار معالجة أزمة الكوكب الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي. ومن أوجه ذلك التقدم اعتماد إطار عالمي للتنوع البيولوجي؛ والاتفاق الذي تم التوصل إليه في المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المعقود في شرم الشيخ، مصر، بشأن صندوق لمعالجة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ؛ وبدء المفاوضات لوضع صك عالمي ملزم قانونا للتصدي للتلوث بالمواد البلاستيكية؛ واعتراف الجمعية العامة بحق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة.
وقمنا في الأمم المتحدة، على مدار العام، بتعزيز عملنا من أجل إحلال حقوق الناس وأصواتهم مكانة مركزية من برامجنا وخدماتنا وجهودنا في مجال الدعوة.
وقدمنا المساعدة في تشجيع مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلى قدم المساواة في عمليات السلام والعمليات السياسية في الجمهورية العربية السورية والعراق وليبيا واليمن، وفي غيرها. وبالإضافة إلى ذلك، تساعد استراتيجية الأمم المتحدة لإدماج ذوي الإعاقة على ضمان قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على المشاركة على قدم المساواة في كل جانب من جوانب مجتمعاتهم.
وفي كل خطوة قطعناها، لم ندخر أي جهد لتجديد التزام العالم بتعددية الأطراف وبميثاق الأمم المتحدة. فقد مضينا قُدما في العديد من المقترحات الواردة في تقريري عن خطتنا المشتركة، إذ قمنا بالعمل الأساسي الضروري لاتخاذ قرارات هامة بشأن تعددية الأطراف والحوكمة العالمية في الأشهر والسنوات المقبلة.
وواصلنا أيضا العمل على برنامجنا الإصلاحي في المقر وعلى الصعيد الميداني.
وحظي نظام المنسقين المقيمين المعاد تنشيطه بتأييد قوي من الدول الأعضاء لأنه زاد من مواءمة عملنا مع أولويات الحكومات وارتقى بمستوى تنسيق عمليات التنفيذ في الميدان. وسيساعد الانتقال إلى نمط الميزانية السنوية على دعم العملية الحيوية لإصلاح الأمم المتحدة في المستقبل.
وعلى الصعيد الداخلي، بقينا ثابتين على توجهنا المناصر للمساواة والتنوع في صفوف موظفينا من خلال استراتيجية التكافؤ بين الجنسين على نطاق المنظومة واستراتيجية التنوُّع الجغرافي المنقَّحة.
ووضعنا إطار الأمم المتحدة الجديد للقيم والسلوكيات، وهو يجسد هدفنا الرامي إلى إرساء ثقافة مؤسسية تقوم على الإدماج والنزاهة والتواضع والإنسانية. وعلاوة على ذلك، وتمشيا مع التزامنا بعدم التسامح إطلاقاً مع الاستغلال والانتهاك الجنسيين، واصلنا تعزيز التنسيق والمساءلة في منع هذه الآفة والتصدي لها.
لقد صار عمل الأمم المتحدة والرسالة التي تحملها أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل هذه الأوقات المطبوعة بالاضطراب والمحفوفة بالشكوك.
إن النتائج المبينة في هذا التقرير - والتي أحرزها موظفونا المتفانون يومًا وراء يوم - تساعد في منع الأزمات والتخفيف من آثارها، وتقربُنا من عالم أكثر سلماً واستدامة.
والأمم المتحدة لن تتوقف أبداً عن الكفاح من أجل مستقبل أفضل.
أسرة الأمم المتحدة الأوسع نطاقا
الأمانة العامة للأمم المتحدة هي جزء من أسرة الأمم المتحدة الأوسع نطاقا التي تضم أكثر من 100 هيئة تشمل نحو 30 وكالة وصندوقا وبرنامجا. وكل عام تنفق أسرة الأمم المتحدة نحوا من 56 بليون دولار منها زهاء 41 بليون دولار ترصد للأنشطة الإنسانية والإنمائية و9 بلايين دولار تنفق على عمليات السلام.








