أهمية البيئة البحرية
تشير التقديرات إلى أن المحيطات تغطي 70 في المائة من مساحة الكرة الأرضية([1])، وهي أكثر الموائل إنتاجا، حيث تحتوي على 75 في المائة من جميع أنواع الكائنات المعروفة. وهذه البيئة الفريدة، التي ما زالت غير مستكشفة إلى حد كبير وبعيدة عن أنظار العالم، تؤدي دورا مهما في تنظيم درجة حرارة الكرة الأرضية وهي المنتج الرئيسي للأكسوجين. والشعاب المرجانية التي لا تشكل سوى 0,5 في المائة من مساحة قاع المحيطات، هي هياكل معقدة ثلاثية الأبعاد بنيت على مدى آلاف السنين نتيجة لترسيب هياكل كربونات الكالسيوم التي كونتها أنواع المرجان البانية للشعاب. وكثيرا ما يشار إلى هذه الشعاب بأنها تعد بمثابة “الغابات المطيرة للبحار”. وهذه الاستعارة تبخس مدى تعقد الشعاب المرجانية، التي تتميز بقدر من تنوع الحياة الحيوانية والنباتية يفوق ما تتميز به الغابات المطيرة، وتقوم بتدوير المغذيات من خلال الشبكة الغذائية المعقدة وتوفر الأغذية على جميع مستويات السلسلة الغذائية.
وعلى مر التاريخ، ما برحت البحار توفر شبكة نقل رئيسية، ومصدرا للأغذية، ومنطقة ترويح مفضلة. وقد نشأت معظم المدن الرئيسية على طول السواحل كمناطق للتجارة. ويتبدى نمو هذه المدن اليوم في النسبة المئوية من سكان العالم (نحو 80 في المائة) الذين يعيشون في حدود 100 كيلومتر من الساحل ويعتمدون على البحار في الحصول على معايشهم (نحو 3,5 بلايين شخص)([2]). وفي الواقع، فإن أفقر سكان العالم يعتمدون في بقائهم على علاقاتهم الوثيقة بالبحار. ومما يشهد على الأهمية الاقتصادية للبحار ما تقدمه نظمها الإيكولوجية من خدمات من خلال مصائد الأسماك، والسياحة، والحماية الساحلية، وما تقوم به من دور كمصدر للمواد الأولية. وهذا الاعتماد على البحار يتعرض حاليا للمخاطر جراء الأوضاع البيئية التي أحدثها تغير المناخ العالمي.
الدليل على تغير المناخ
قدم تقرير التقييم الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (2007)([3]) أدلة قوية على أن الاحترار العالمي على مدى القرن الماضي يرجع بالدرجة الأولى إلى الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، وتحويل الأراضي إلى الاستخدامات الزراعية. وتشير سجلات درجات الحرارة من عام 1850 إلى أن الكرة الأرضية قد ارتفعت درجة حرارتها بمقدار 0,8 درجة مئوية في المتوسط، كما تشير تحليلات أخرى إلى أن درجة حرارتها ارتفعت منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي عن العقد الذي يليه. كما تشير التركيزات العالمية لغاز ثاني أكسيد الكربون إلى ارتفاع مستوياتها من 280 جزءا في المليون في المتوسط في منتصف القرن التاسع عشر، عند بداية الثورة الصناعية، إلى نحو 388 جزءا في المليون في بداية القرن الحادي والعشرين. ومن المتوقع أن يستمر الاتجاه نحو الاحترار العالمي، حيث يقدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أن متوسط درجة حرارة العالم سيرتفع بمقدار 2,5 – 4,7 درجة مئوية في عام 2100 بالمقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة([4]).
التغيرات البيئية المتنبأ بها
بغية تقييم أثر تغير المناخ على الشعاب المرجانية والبيئة البحرية، يلزم أن ندرس التغيرات البيئية المتنبأ بها وتقييم قدرة الكائنات البحرية على التكيف مع هذه التغيرات([5]). وتشير نماذج المناخ إلى أن درجة حرارة سطح البحار من المتوقع أن ترتفع بما يتراوح بين درجة واحدة وثلاث درجات مئوية، في حين يتوقع أن يرتفع منسوب سطح البحر بمقدار 0,18 إلى 0,79 من الأمتار. ومن المرجح أن تتغير أنماط الأحوال الجوية الإقليمية، الأمر الذي سيؤدي إلى تزايد شدة وتواتر العواصف، وبخاصة الأعاصير. وبالاضافة إلى ذلك، فإنه يتوقع حدوث تغيرات في أنماط دوران مياه المحيطات وانخفاض درجة تركيز أيونات الهيدروجين نتيجة لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون([6]).
الآثار على البيئة البحرية
بالرغم من أن نشوء الكائنات البحرية وتطورها استغرق ملايين السنوات، فإنه في ظل الظروف الحالية يتعين عليها أن تتكيف على نحو سريع للغاية للأوضاع الجديدة. وستتأثر الكائنات البحرية بالتغيرات التي تحدث في جانبين رئيسيين من الوسط الذي تعيش فيه، وهما التغيرات في موائلها الطبيعية وإمداداتها الغذائية، والتغيرات في كيمياء المحيطات. فالنباتات البحرية، وبالأخص العوالق النباتية، هي منتِجات الغذاء الأولية التي تشكل قاعدة السلسلة الغذائية. ومن المتوقع أن يحدث تراجع تدريجي في كمية هذه النباتات في المياه الأكثر دفئا، الأمر الذي سيؤدي عمليا إلى خفض كمية المغذيات المتاحة للحيوانات على طول السلسلة الغذائية. وبالاضافة إلى ذلك، فإن درجات الحرارة تعد عاملا مهما في دورات حياة الكثير من النباتات والحيوانات البحرية، وغالبا ما تكون بداية دورات التغذية والنمو والتكاثر متزامنة. وعندما يدب الخلل في هذه العمليات، من المرجح أن تظهر الكائنات على الساحة عندما تكون مصادرها الغذائية قد اختفت منذ وقت طويل.
ويُتنبأ أن تؤدي الزيادة المتوقعة في درجة حرارة المحيطات إلى تنشيط هجرة الكائنات البحرية حسب تحملها للحرارة، حيث ستوسع الأنواع الأكثر تحملا للحرارة من نطاق تواجدها شمالا وستنحسر الأنواع الأقل تحملا للحرارة. وسيترتب على هذا التغير في ديناميات المحيطات أثر سلبي على الأنواع التي لا تكون قادرة على الهجرة وقد يؤدي إلى فنائها. وتحمض المحيطات، أو زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون فيها مما سيؤدي إلى خفض درجة تركيز أيونات الهيدروجين في مياه البحر، لن يؤدي فحسب إلى تناقص كمية العوالق النباتية، بل سيؤدي أيضا إلى خفض درجة التكلس في حيوانات بحرية معينة مثل المرجانيات والمحاريات، مما سيؤدي بالتالي إلى ضعف هياكلها وإعاقة نموها.
ومع ذلك، فإنه قد يكون من أكبر المخاطر التي تواجه المرجانيات هو خطر تعرضها للابيضاض نتيجة لارتفاع درجة حرارة سطح البحر. ويحدث الابيضاض عندما يتسبب طول فترة ارتفاع درجة حرارة البحر في تعطيل العلاقة التكافلية بين المرجانيات وكائنات الزوزانتللي (الطحالب) المصاحبة لها. ويلفظ المرجان الزوزانتللي نتيجة لذلك، ويفقد لونه (يحدث الابيضاض) ويصبح ضعيفا. وتتميز بعض المرجانيات بقدرتها على التعافي، غالبا مع ضعف أجهزة المناعة لديها، ولكنها تموت في كثير من الحالات.
مسببات الإجهاد التي من صنع الإنسان
يتمثل التحدي الحقيقي في أن التغيرات الناجمة عن آثار تغير المناخ تحدث في ظل بيئة بحرية تعاني بالفعل من الإجهاد جراء مسببات الإجهاد المباشرة وغير المباشرة التي من صنع الإنسان والمرتبطة بالصيد المفرط وممارسات الصيد غير السليمة، واستغلال السواحل، والترسيب، والمصادر البرية للتلوث، والتلوث البحري. وهذا التضافر للعوامل المتعددة المسببة للإحهاد يضع ضغوطا كبيرة على الشعاب المرجانية في العالم ويقدر أن ما يقرب من ثلث أنواع المرجان الكبيرة البانية للشعاب تواجه خطر الانقراض. وتعاني الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم تدهورا كبيرا. ومع ذلك، فإن ثمة اعتقادا في الأوساط العلمية أن هذا التدهور حدث قبل الاضطلاع بدراسات علمية تفصيلية([7]). ونظرا لتعذر الوصول إلى الشعاب المرجانية، فإن الدراسات الخاصة بها حديثة نسبيا، عند مقارنتها بالتخصصات الأخرى، حيث ترجع إلى نحو 50 سنة فقط، ولكن حتى على مدى هذه الفترة الزمنية القصيرة لوحظ تدهور كبير في حالة الشعاب المرجانية على النطاق العالمي([8])([9]). وخلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تزايد تفاقم تدهور الغطاء المرجاني جراء فقدان الأنواع السائدة من آكلات الطحالب (قنافذ البحر والأسماك الآكلة للأعشاب)، وابيضاض المرجان، وأمراض المرجان([10]). ولم يتجل هذا التدهور كما تجلى في منطقة البحر الكاريبي، التي تعد حاليا المثال النموذجي لاختفاء الشعاب المرجانية. وتشير البيانات التي جرى تقييمها من ستينيات القرن الماضي، بصورة قاطعة، إلى التدهور التدريجي الذي حدث في الغطاء المرجاني عموما وتزايد وفرة الطحالب البحرية الكبيرة([11])([12]).
ما هي خياراتنا؟
الخيارات المتاحة لمعالجة القضايا المتصلة بالشعاب المرجانية ذات شقين: التكيف والتخفيف([13]). وينطوي التكيف على الاضطلاع بجهود بحثية وجهود للحفظ على الصعيد المحلي لبناء قدرة النظم الإيكولوجية للمرجان على مواجهة تغير المناخ من خلال أنشطة من قبيل العمل على استعادة الشعاب المرجانية، وتحديد الأنواع القادرة على تحمل الإحهاد، والحد من الصيد المفرط، وإنشاء مناطق بحرية محمية. ويعد إنشاء المناطق البحرية المحمية أفضل وسيلة للمحافطة على الشعاب المرجانية وغيرها من البيئات البحرية([14]) لأن مناطق حظر الصيد فيها توفر ملاذا آمنا يسمح بنمو أعداد الكائنات وبالتالي لتجديد موارد البيئة البحرية المحيطة. بيد أن التكيف وحده لا يكفي؛ إذ يلزم أن تكون هناك استجابة عالمية جادة للتخفيف من أثر تغير المناخ بالعمل بصورة مباشرة على الحد من الانبعاثات، وتحسين كفاءة الطاقة، والحد من إزالة الغابات، وزيادة بالوعات الكربون. وفي الوقت الحالي، لا يتوقع أن تؤدي تدابير التخفيف إلا إلى الحيلولة دون تفاقم الاحترار، حيث أن عكس مسار الأوضاع القائمة مستبعد جدا في الوقت الراهن([15]).
التوقعات
من المتفق عليه حاليا بين العلماء المتخصصين في الشعاب المرجانية حول العالم أن البيئة البحرية بصفة عامة والشعاب المرجانية بصفة خاصة تتعرضان لآثار سلبية جراء تغير المناخ. ويعتقد معظم العلماء أن معدل تغير الظروف المناخية يحتمل أن يتجاوز قدرة الشعاب المرجانية على التكيف والتعافي([16]).
والتوقعات المحتملة في منطقة البحر الكاريبي أقل تفاؤلا عنها بالنسبة لمنطقة المحيط الهندي والهادئ. ويبدو أن الأبحاث تشير إلى أن انخفاض أعداد قنافذ البحر تتيح للطحالب إمكانية إقصاء المرجانيات عن أماكن وجودها. ويتمثل أحد الحلول الممكنة في الإبقاء على أعداد كافية من السمك الببغائي (parrotfish) لكبح جماح الطحالب. وبالرغم من الأبحاث الجارية حاليا، فإن قدرة المرجانيات على التكيف مع المياه الأدفأ لم تثبت بالنسبة للكثير من الأنواع. ومع ذلك، فقد لاحظ العلماء أن الشعاب المرجانية في بعض المناطق، ولا سيما المناطق النائية في المحيط الهادئ، التي تكون فيها الشعاب بعيدة جدا عن آثار الأنشطة البشرية، تبين أن لديها القدرة على التكيف مع ارتفاع درجة حرارة سطح البحر والابيضاض.
وبالنظر إلى كل الشواهد التي تشير إلى الاختفاء شبه المحتم للشعاب المرجانية، ثمة حاجة ملحة في الوقت الراهن لأن يقوم علماء البحار بدور استباقي وتوعية الجمهور والمجتمعات المحلية المعرضة للخطر بحقيقة هذا الخطر. وهذه التوعية ضرورية إذا أريد إحداث تغيير في المواقف والسلوك. ويلزم تحويل المعارف العلمية إلى حلول عملية تؤدي إلى تعبئة الدعم العام. وعلى نطاق أوسع، يلزم أن يكون هناك تعاون بين الحكومات والمجتمعات المحلية المتضررة لكي يتسنى صياغة وتنفيذ سياسات تهدف إلى تحقيق الاستدامة على الأجل الطويل.
هل نحن نخوض معركة خاسرة؟ من الممكن جدا أن يكون تغير المناخ قد تجاوز نقطة اللاعودة. ومن الواضح أن أي حل لمشكلة تغير المناخ هو أيضا حل لمسألة تعافي الشعاب المرجانية.
([1]) www.usgs.gov.
([2]) http://www.savethesea.org.
([3]) ipcc (ipcc.ch/publications_and_data/ar4/wg1/en/contents.html).
([4]) The Royal Society, “Climate change: A Summary of the Science”, September 2010, p. 16. http://royalsociety.org/policy/publications/2010/.climate-change-summary-science/
([5]) Przeslawski, R. et al. (2008). “Beyond Corals and Fish: The Effects of Climate Change on Non-coral Benthic Invertebrates of Tropical Reefs”, Global Change Biology (2008) 14, 2773–2795, DOI: 10.1111/j.1365-2486.2008.01693.x.
([6]) IPCC (ipcc.ch/publications_and_data/ar4/wg1/en/contents.html).
([7]) Jackson, J. 2012. “The Future of Coral and Coral Reefs in a Rapidly Changing World”, International Coral Reef Symposium, Cairns, Australia, 9-13 July 2012.
([8]) C. Wilkinson (ed.) (2004). “Status of Coral Reefs of the World: 2004”, Vol. 1 and 2. Australian Institute of Marine science, Townsville, Queensland, Australia.
([9]) Wilkinson, C., Souter, D. (eds.) (2008). “Status of Caribbean Coral Reefs after Bleaching and Hurricanes in 2005”, Global Coral Reef Monitoring Network, and Reef and Rainforest Research Centre, Townsville, p. 152.
([10]) Sweatman, H. et al. (2011). “Assessing loss of coral cover on Australia’s Great Barrier Reef over two decades, with implications for longer-term trends”, Coral reefs (2011) 30:521-531. DOI 10.1007/s00338-010-0715-1.
([11]) Gardner et al. (2003). “Long-term region-wide decline in Caribbean Corals”, Science 301:958-960.
([12]) Jackson, J. (2012). “the future of coral and coral reefs in a rapidly changing world”, international coral reef symposium, cairns, australia, 9-13 July 2012.
([13]) Hoegh-Guldberg, O. (2012). “Coral reefs and global change: where do the solutions lie?”, International Coral Reef Symposium, Cairns, Australia, 9-13 July 2012.
([14]) Hughes, T. et al. (2003). “climate change, human impacts, and the resilience of coral reefs science”, 301, 929 (2003). doi: 10.1126/science.1085046.
([15]) Lowe, J. a.; et al. (2009). “how difficult is it to recover from dangerous levels of global warming?” environmental research letters 4:014012. doi:10.1088/1748-9326/4/1/014012.
([16]) Hoegh-Guldberg, O. (2012). “Coral Reefs and Global Change: Where do the solutions lie?”, International Coral Reef Symposium, Cairns, Australia,9-13 July 2012.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.