في الفترة بين 30 تموز/ يوليو و2 آب/ أغسطس 2010، وقعت سلسلة من الهجمات في إقليم واليكالي في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي تمزقه الصراعات. وخلال هذه الهجمات على المدنيين، تعرض 303 أشخاص على الأقل في 13 قرية للاغتصاب المنهجي من قبل جماعة ندوما للدفاع عن الكونغو (NDC) وغيرها من الجماعات المسلحة غير المشروعة.1 وكانت هذه مأساة ذات أبعاد بشرية كبيرة في منطقة عانت بالفعل من عدة سنوات من العنف. وعلاوة على ذلك، ارتكب أعضاء الجماعة جرائم خطيرة أخرى في المنطقة قبل هذه الأحداث وبعدها.
وفي 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، حكمت محكمة كونغولية على زعيم جماعة (NDC) السابق، نتابو نتابيري شكا، بالسجن لمدى الحياة لارتكاب جرائم الحرب بما في ذلك القتل والاغتصاب والاسترقاق الجنسي وتجنيد الأطفال لجرائم ارتكبت في الفترة بين 2007 و2017 في إقليم واليكالي.2 وقد وفرت بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO) الحماية للضحايا والشهود وقدمت الدعم التقني واللوجستي والمالي للسلطات القضائية الكونغولية خلال التحقيقات المشتركة وأثناء المحاكمة.
وتوضح هذه القضية من نواح عديدة، أهمية دعم عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام للمؤسسات الوطنية للعدالة والأمن. إن مثل هذا الدعم ضروري لتخفيف الدوافع المحتملة للصراع. وهو أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في الأماكن التي تنعدم فيها الثقة بين السكان وممثلي الدولة أو رغبة المتضررين في تحقيق العدالة بأيديهم. تعزز مثل تلك النتائج التي تم التوصل إليها في القضية ضد الزعيم السابق لجماعة (NDC) مصداقية ومشروعية ومساءلة مؤسسات الدولة بما في ذلك قوات الأمن، وتساعد في الحفاظ على حقوق الإنسان وحمايتها.
إن غياب العدالة من شأنه أن يغذي الصراع بشكل مباشر. فالشاب الذي وقع أصدقاؤه أو أقاربه ضحية قد يصبح مجنداً لدى الجماعات المسلحة غير المشروعة. فانعدام العدالة، سواء كان فعلياً أو متصوراً، يسبب الاستياء والصراع على الصعيدين الفردي والمجتمعي.
إن الإصلاح الجوهري لأنظمة العدالة والأمن يستغرق عقوداً من الزمان. والأهم من ذلك، يمكن أن يشكل عدم وجود تقليد لسلطة قضائية مستقلة أو تمثيلية وشاملة عائقاً أساسياً للإصلاح.
وتخضع عمليات الأمم المتحدة للسلام التي تقدم الدعم إلى المؤسسات الوطنية للعدالة والأمن لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهذه الولايات تندرج تاريخياً ضمن ثلاث فئات عامة: الدعم التنفيذي ودعم بناء القدرات والدعم الأمني المباشر. ولا يزال الهدف العام هو تعزيز القدرات الوطنية؛ وتوسيع سلطة الدولة؛ وتعزيز فعالية المؤسسات القضائية والأمنية وشمولها، فضلاً عن تعزيز الثقة في تلك المؤسسات، بغية منع العنف ومكافحة الإفلات من العقاب وإدامة السلام. وتُقدّم هذه المساعدة أساساً من منظور تعزيز سلسلة العدالة الجنائية، التي تشمل إنفاذ القانون، والمؤسسات القضائية ومؤسسات السجون، وهي عنصر أساسي لتحقيق الاستقرار والجهود الأمنية في حالات الصراع وما بعد الصراع.
في تقرير تاريخي صادر في عام 2011،،3 أظهر البنك الدولي العلاقة الحاسمة بين مؤسسات العدالة والأمن القوية وخلق فرص العمل وتخفيف دورات العنف. وهذه هي الحال بالتأكيد في مجتمعات الصراع وما بعد الصراع حيث تكون القيادة على مستوى الدولة والرؤية الواضحة والأهداف الشاملة حاسمة بالنسبة لإصلاح العدالة والأمن. وعلى النقيض من ذلك، فإن غياب القيادة أو وجود مقاومة للإصلاح من قبل أصحاب المصلحة الرئيسيين غالباً ما يشكل عقبات كبيرة أمام التنمية المجدية أو الأمن المستدام.
إن الإصلاح الجوهري لأنظمة العدالة والأمن يستغرق عقوداً من الزمان. والأهم من ذلك، يمكن أن يشكل عدم وجود تقليد لسلطة قضائية مستقلة أو تمثيلية وشاملة عائقاً أساسياً للإصلاح. وبالنظر إلى هذا المسعى طويل الأمد، يمكن لعمليات السلام أن يكون لها أثر فوري بالتركيز على مبادرات محددة لا سيما فيما يتعلق بالمساءلة عن الجرائم التي تعمل كمحركات للصراع وحالة عدم الاستقرار.
ويتم ذلك في السياقات التي يخدم فيها الفساد والمحسوبية غالباً مصالح أساسية مكتسبة لمن هم في السلطة والذين قد يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن. علاوة على ذلك، نادراً ما يُنظر إلى إصلاح السجون كأولوية رئيسية لأن الأشخاص المحتجزين هم من بين أكثر الأفراد حرماناً في المجتمع.

ورغم ذلك، يمكن أن تكون هناك فرص عديدة للإصلاح في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع. إن اتفاقات السلام ومبادرات الإصلاح الدستوري بالاقتران مع القيادة المناسبة على أعلى المستويات السياسية، يمكن أن تعزز التغيير الحقيقي. وقد يلزم إعادة بناء مؤسسات العدالة والأمن بالكامل نتيجة للصراع مما يخلق إمكانيات لفحص واختيار وتوظيف وتدريب جيلاً جديداً من موظفي إنفاذ القانون والموظفين القضائيين وموظفي السجون. كما أن تعيين موظفين مؤهلين ومدربين تدريباً جيداً وإنشاء نظم دعم إداري كافية يمكن أن يكون أيضاً فرصة فريدة للإصلاح المجدي. وهذا يمكن أن يخلق نموذجاً جديداً للعدالة وتوفير العدالة والأمن داخل الدولة إلى جانب إنشاء مؤسسات وظيفية داخلية وخارجية للمساءلة والتأديب.
وقد ظهرت بعض الدروس الرئيسية من تجربة عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. في المقام الأول، تم الاعتراف الآن بأهمية اتباع نهج شامل وتعاوني يتم فيه دعم الخطط والأولويات الوطنية في إطار تنفيذ الولاية. ثانياً، يجب أن تكون أي مبادرة مستنيرة وتؤسس لأهداف سياسية وأمنية واضحة ونادراً ما يكون إصلاح مؤسسات العدالة والأمن مسألة فنية بحتة. ثالثاً، قد يكون النهج التدريجي مفيداً في بناء الزخم داخل قطاعات محددة يمكنها أن تعمل كنماذج لمجالات أخرى. رابعاً، على الرغم من الأولويات المتنافسة، فإن مثل هذه المبادرات تشكل دوماً جهوداً طويلة الأمد وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة في رأس المال البشري والمالي. وفي الوقت نفسه، من الأهمية التركيز في الأجل القصير على مبادرات محددة يمكن أن يكون لها أثر فوري، لا سيما فيما يتعلق بالمساءلة عن الجرائم التي تعمل كمحركات للصراع وعدم الاستقرار.
وأخيراً، يتمثل العنصر الأكثر أهمية في القيادة. ومن الضروري الحفاظ على رؤية واضحة على أعلى مستوى للدولة التي بمقدورها أن تؤثر بشكل عام على موقف السكان وتشجع ثقافة احترام سيادة القانون. وبينما يمثل أفراد شرطة الأمم المتحدة والعدالة والسجون أقل من 10 في المئة من إجمالي عمليات النشر في عمليات السلام، تظل أنشطتهم أساسية لتحقيق السلام والأمن المستدامين، وكذلك من أجل التنفيذ الناجح لولايات هذه البعثات. وتدعم تلك الولايات بشكل متزايد سيادة القانون في البلدان التي تتعافى من الصراع وبالتالي فهي تدعم تطوير مؤسسات شرعية وذات مصداقية. ويشكل هذا الدعم شرطاً أساسياً لتحقيق السلام والأمن المستدامين في هذه السياقات.
ملاحظات
1تقرير الأمين العام عن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2010، S/2010/512، الفقرة 8.
2تقرير الأمين العام عن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، S/2020/1150، الفقرة 44.
3البنك الدولي، تقرير التنمية في العالم: الصراع والأمن والتنمية، 2011، رقم النظام القياسي الدولي لترقيم الكتب (ISBN): 978-0-8213-8500-5.
وقائع الأمم المتحدة ليست سجلاً رسمياً. إنها تتشرف باستضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة وكذلك المساهمين البارزين من خارج منظومة الأمم المتحدة الذين لا تعبر آراءهم بالضرورة عن آراء الأمم المتحدة. وبالمثل، الحدود والأسماء المعروضة والتسميات المستخدمة في الخرائط أو المقالات، لا تعني بالضرورة موافقة أو قبول من قِبل الأمم المتحدة.



