نهج التحليل ومعياره

السياق

ينفرد مجلس الأمن باتخاذ القرارات المتعلقة بنظام الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش). أما فيما يتعلق بقائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، فقد كلف مجلس الأمن لجنة الجزاءات ‏المفروضة على تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) بالبت في إدراج الأسماء في القائمة وشطبها ‏منها وفقا لمعايير شاملة حددها المجلس. ولم يغير إنشاء مكتب أمين المظالم ذلك الهيكل من ‏هياكل صنع القرار رغم ادخاله عملية جديدة. وكنتيجة طبيعية، من الواضح أن مجلس الأمن واللجنة مختصان بتحديد ‏المعايير التي ستطبقها

غير أن أمين المظالم كُلف بدور مهم في مساعدة اللجنة فيما تقرره بشأن الشطب ‏من القائمة. وفي أداء ذلك الدور، لكفالة أن يقدَّم تحليل أمين المظالم وملاحظاته وتوصياته بنزاهة ‏واتساق من حالة إلى أخرى، من الضروري الإفصاح بوضوح عن النهج المتبع والمعيار الذي ‏ستقيم به المعلومات.‏

ويجب أن يستنير النهج والمعيار على حد سواء بالسياق الفريد للقرارات التي يتخذها ‏جهاز من أجهزة مجلس الأمن والدور الخاص الذي يضطلع به أمين المظالم. وعلاوة على ‏ذلك، يجب أن يراعي الأسلوب والاختبار المتبعان التهديد الذي يتعرض له السلام والأمن ‏الدوليان الكامن وراء فرض الجزاءات، فضلا عن الطابع الخطير لتدابير الجزاءات عندما تطبق ‏على الأفراد والكيانات.‏

النهج

كلف مجلس الأمن أمين المظالم بمساعدة اللجنة في طلبات الشطب من القائمة، بجملة أمور ‏منها، تقديم تحليل لجميع المعلومات المتاحة لأمين المظالم ذات الصلة بطلب الشطب ‏من القائمة وإبداء ملاحظات بشأنها.‏ ويقدم أمين المظالم أيضا إلى اللجنة توصية بشأن الشطب.

ويقدم هذا البيان توجيهات واضحة بشأن طابع التحليل المتوقع والملاحظات المتوقعة. وبما أن ‏دور أمين المظالم هو تقديم المساعدة في اتخاذ قرارات الشطب من القائمة، فإنه من البديهي أن ‏أي تعليقات تقدم ينبغي أن تتصل بالسؤال الذي يجب على اللجنة أن تجيب عليه في البت في ‏طلب الشطب من القائمة.‏

ولم يحدد مجلس الأمن معايير مستقلة يجب استيفاؤها كي يتم الشطب من القائمة. ومع أن ‏القرار 1735، في فقرته 14، يحدد عوامل غير ذات طابع حصري، ”يجوز ... للجنة ... أن ‏تنظر“ فيها(1)، عند البت في شطب الأسماء من القائمة، فإنه لا يمكن تصنيفها كمعايير يجب ‏استيفاؤها كي يتم الشطب من القائمة.‏

ويتضح، بالأحرى، من القرارات ذات الصلة بالموضوع أن اللجنة، عند استعراض طلب من طلبات الشطب من القائمة، تنظر في جميع الظروف ذات الصلة بالموضوع، بغية تحديد ما إذا كان الفرد ما زال يلبي معايير الإدراج في القائمة التي حددها مجلس الأمن. ومن حيث الجوهر، الاختبار اللازم للشطب من القائمة هو عكس الاختبار اللازم للإدراج فيها. ولذلك، أرى أنه ينبغي لأمين المظالم بالمثل أن يركز في تحليله وملاحظاته على تلك المسألة.

وبالإضافة إلى ذلك، أرى أن مجلس الأمن أشار بما لا يدع مجالا للشك إلى أن اتخاذ قرار بالشطب من القائمة سيكون من جديد قرارا ينظر في الظروف كما هي وقت تقديم طلب الشطب من القائمة، للبت في استصواب استمرار الإدراج في القائمة. وفي هذا الصدد، ما يبرر اتباع هذا النهج هو إدراج مجلس الأمن في القرار 1735 (2006)، ”فك الارتباط“ كعامل يجوز النظر فيه فيما يتعلق بالشطب من القائمة. وبالمثل، مما يدعم النظر في الظروف التي تغيرت منذ الإدراج الأصلي في القائمة، الإشارة الواردة في القرار 1989 (2011) إلى أن تشطب من قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة أسماء ”أعضاء في تنظيم القاعدة أو أشخاص مرتبطين بتنظيم القاعدة ممن لم تعد تسري عليهم المعايير‏“(2). وفضلا عن ذلك، أعطى مجلس الأمن لأمين المظالم تعليمات واضحة بأن يقوم بتحليل جميع المعلومات المتاحة (3). ويبين بوضوح غياب القيود، ولا سيما القيود الزمنية، أن التقييم ينبغي أن يتناول جميع المواد ذات الصلة بالموضوع، سواء جرى الاستناد إليها في سياق اتخاذ القرار الأصلي أم لم يُستند إليها.

وفي الوقت نفسه، من البديهي أن أي تقييما لمجمل المعلومات في الوقت الحاضر سيشمل السياق التاريخي للإدراج في القائمة، وبوجه خاص، الظروف المحيطة بقرار الإدراج الأصلي. ومن البديهي أيضا أنه في سياق إجراء تحليل شامل، لا يمكن إطلاقا أن يكون غياب معلومات حديثة أمرا حاسما. فهي ببساطة عامل يجب تقديره وتقييمه على أساس ظروف معينة في كل حالة.

وختاما، بما أن دور أمين المظالم هو مساعدة اللجنة في عملية صنع قراراتها، فإن ما يجري من تحليل وما يبدى من ملاحظات ينبغي أن يتصل إلى حد كبير بالمسألة التي على اللجنة البت فيها - أي ما إذا كان الفرد أو الكيان ما زال يستوفي معايير الإدراج في قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش). ولتحقيق هذه الغاية، أرى أن تحليل أمين المظالم وملاحظاته، وكذلك الحجج الرئيسية وتوصية أمين المظالم المقدمة، ينبغي أن تتناول، وفق المعيار المحدد، ما إذا كان حاليا استمرار إدراج الفرد أو الكيان في القائمة مبررا بناء على جميع المعلومات المتاحة حاليا.

المعيار

بمساعدة التحليل المتسق والملاحظات المبداة من أمين المظالم، يجب تقييم ما جُمع من معلومات والتعليل المطبق عليها وفق معيار ثابت. ويجب أن يكون هذا المعيار معيارا مناسبا للسياق الفريد الذي اتخذت فيه قرارات من لجنة تتصرف بتوجيهات صريحة من مجلس الأمن. ويجب أن يراعي الإطار الدولي الصرف، إذ إن النقطة المرجعية المستخدمة لا يمكن أن تقوم على أساس مبادئ نظام أو تقليد قانوني معين. بل يجب أن تركز على مبادئ مقبولة بصفة عامة كمبادئ أساسية على نطاق النظم القانونية. وبهدف التوصل إلى معيار مناسب لأمين المظالم لكي يطبقه، بحثت في القانون والفقه على الصعيد الوطني والإقليمي، ولا سيما في سياق تجميد الأصول أو غيره من القيود المفروضة في أنظمة مكافحة الإرهاب (4). وساعد هذا البحث في إفادة عملية وضع اختبار مناسب في سياق نظام الجزاءات المفروضة على ‏تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش).‏

ويجب أيضا أن يعكس المعيار نية صريحة من مجلس الأمن فيما يتعلق بالغرض ‏من الجزاءات أي تحديدا ”أن هذه التدابير ... ذات طابع وقائي ولا تقوم على معايير جنائية ‏منصوص عليها في القانون الوطني“ (5). وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون تدبيرا على قدر ‏كاف من الأهمية للحفاظ على القيود الخطيرة المفروضة على الأفراد والكيانات من خلال ‏تطبيق الجزاءات.‏

وفي هذا الصدد، من البديهي أن المعيار المعمول به في الإجراءات الجنائية، وطنيا ‏أو إقليميا أو دوليا، ليس مناسبا لتقييم المعلومات والظروف المتصلة بحالة من حالات الإدراج ‏في القائمة التي تقوم بها اللجنة. وليس القصد من الجزاءات المعاقبة على سلوك جنائي. بل إن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع تبين أن الهدف يتألف من شقين - عرقلة ‏الحصول على الموارد من أجل إعاقة التهديد الإرهابي الآتي من تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) وإضعاف هذا التهديد وعزله وإبطاله، والتشجيع على تغيير ‏في سلوك من هم أعضاء في هذه الجماعة أو من هم ”مرتبطون“ بها. وفي ظل هذه الظروف، من البديهي أن المعايير المطبقة على تحديد الإدانة الجنائية ‏أو البراءة تختلف في طابعها وتخدم غرضا متميزا عن غرض الجزاءات.‏

وفي الوقت نفسه، تتسم الجزاءات المنبثقة عن الإدراج في قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) بطابع ‏مهم. فعند تنفيذها على نطاق دولي يكون لها تأثير مباشر وكبير على حقوق وحريات ‏الأفراد والكيانات. كما أن طول مدتها غير محدد، وأجلها غير مسمى. ولذلك، يجب ‏أن يكون هناك قدر ما من الأهمية والمصداقية للمعلومات التي تطبق على أساسها هذه ‏الجزاءات على هؤلاء الأشخاص والكيانات. ومجرد ”الاشتباه“ أو الاعتماد على بيانات دون ‏إيلاء أي اعتبار للمعلومات الأساسية أو إجراء تقييم ما للمصداقية أمور غير مناسبة أيضا ‏في هذا السياق.‏

وأخيرا، يجب أن يستنير المعيار بالاختلاف الواسع النطاق في الظروف وأنواع ‏المعلومات ذات الصلة بهذه الحالات، ولا سيما بالنظر إلى الطابع الدولي لعملية الإدراج ‏في القائمة.‏

ومع مراعاة ضرورة تحقيق التوازن بين هذه العوامل، أرى أن معيار التحليل الذي ‏يجريه أمين المظالم والملاحظات والتوصية التي يبديها ينبغي أن يتمحور حول ما إذا كانت هناك ‏معلومات كافية لتوفير أساس معقول وذي مصداقية للإدراج في القائمة.‏

وعامل ”الكفاية“ يوفر المرونة اللازمة من حيث تقييم مختلف أنواع المعلومات ‏المستقاة من مصادر متميزة، من حيث الكم والكيف والأهمية. أما معيارا ”المعقولية ‏والمصداقية“، فيكفلان أن توفر الظروف مجتمعة أساسا منطقيا للإدراج في القائمة، يمكن ‏الاعتماد عليه بما يكفي لتبرير فرض تدابير الجزاءات. كما أن عوامل الكفاية والمعقولية ‏والمصداقية هذه تضع نقاطا مرجعية مناسبة للقيام، قدر الإمكان، بتحليل المعلومات ‏الأساسية، والتعليل المطبق عليها فيما يتعلق بالإدراج في القائمة. وأرى أنه معيار يعترف بعتبة ‏أدنى مناسبة للتدابير الوقائية، ولكنه يحدد مستوى كاف لحماية حقوق الأفراد والكيانات ‏في هذا السياق.‏

 

1 ”يقرر أنه يجوز للجنة، لدى تحديد ما إذا كان يتعين شطب أسماء من قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة، أن تنظر ‏في أمور من جملتها‏ ...“ (التوكيد مضاف).

2 الفقرة 30 من القرار 1989 (2011).

3 الفقرة 7 (ج) من المرفق الثاني للقرار 1989 (2011) والتي يرد في جزء من نصها: ”بناء على ... تحليل جميع المعلومات المتاحة له“.

4 تستخدم عدة دول إجراءاتها الجنائية العادية أو غيرها من الإجراءات القضائية لتجميد أصول الإرهابيين وبالتالي تعتمد على المعايير المعمول بها للشروع في التحقيقات أو الدعاوى الجنائية أو تقديم طلب للحصول على أمر قضائي بتجميد الأصول، مثلا وجود ”أدلة كافية“ أو ”شكوك قوية“. وفي تحديد الكيانات الإرهابية على الصعيد المحلي في عدد من الولايات القضائية التي تطبق القانون العام، يستخدم شكل ما من ”الأسباب المعقولة أو أسس/الاعتقاد/الاشتباه في/الاقتناع بـ“ الضلوع في أعمال أو أنشطة إرهابية أو ارتكابها. وتوصي فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية أيضا ببدائل تتمثل في ”الأسباب المعقولة أو أسس/الاشتباه/الاعتقاد“، مثلما تفعل الأحكام التشريعية النموذجية للكومنولث المتعلقة بتدابير مكافحة الإرهاب (أسباب معقولة للاشتباه أو الاعتقاد). وفي انحراف مهم للقانون العام، يشترط التشريع المستخدم لتحديد الجماعات الإرهابية تقديم ”سبب كاف“ للاحتفاظ بإدراج في القائمة على أساس ارتباط غير مشروع. ويستخدم الاتحاد الأوروبي صياغة مختلفة مرة أخرى: إذ يدرج المجلس شخصا في القائمة عندما توجد معلومات أو مواد دقيقة تشير إلى أن سلطة مختصة تابعة لدولة من الدول الأعضاء اتخذت قرارا بناء على ”أدلة أو قرائن جدية وذات مصداقية“. وفي سياق مختلف، تنص المادة 1 - واو من الاتفاقية المتعلقة باللاجئين على أنه يمكن رفض توفير الحماية للفرد إذا وجدت ”أسباب جدية للاعتقاد“ بأنه ارتكب جريمة دولية.

5 ديباجة القرار 1989 (2011).