وفقًا للتحديث الوبائي الأسبوعي لكوفيد-19 نشرتْ منظمة الصحة العالمية في 15 أذار/مارس 2022 ، "أنّه اعتبارًا من 13 أذار/مارس 2022، تمّ الإبلاغ عن أكثر من 455 مليون حالة مؤكدة وأكثر من 6 ملايين حالة وفاة على مستوى العالم.” ويعطي هذا مثالًا على كيفية أنّ جائحة كوفيد-19 كانَت ولا تزال تمثّل تحديًّا كبيرًا للرعاية الصحية ومع ذلك ألهمت استجابة استثنائية من الباحثين في جميع أنحاء العالم. 

ويُعتبر التقييم العشوائي للتجربة العلاجية لكوفيد -19 (RECOVERY)، التي تديرها جامعة "أكسفورد" وهي مؤسسة عضو في برنامج الأمم المتحدة للأثر الأكاديمي في المملكة المتحدة، أكبر دراسة في العالم لعلاجات كوفيد-19. فعلى مدى العاميْن الماضييْن، وجدَت أربعة علاجات تُنقِذ حياة مرضى المستشفيات وأعادَت تحديد طريقة إجراء البحوث السريرية. 

وعلمًا أنّه قد يكون من المرهق إجراء تجربة ما بمجرد وصول موجة كوفيد -19 الأولى إلى المملكة المتحدة، كان تصرّف كبار محققي التجربة في المؤسسة، مثل البروفيسور السيّد "مارتن لاندراي"، وهو اختصاصي تجارب سريرية من قسم صحة السكان في جامعة "أكسفورد"، والبروفيسور السيّد "بيتر هوربي"، وهو خبير في الأمراض المعدية في قسم "نوفيلد" للطب، تصرّفًا سريعًا في شهر آذار/ مارس العام 2020. وتمّت الموافقة على التجربة بسرعة بتمويل أوّلي من الحكومة البريطانية.

ورغمًا عن حقيقة أنّه مع ظهور الوباء لم تكن تُتاح علاجات معروفة لمرضى الكوفيد-19المتضررين بشدة بحلول شهر حزيران/ يونيو العام 2020، فقد تمّ تطوير علاج الديكساميثازون- وهو ستيرويد متاح بسهولة. وعلّق البروفيسور "هوربي" على هذا الأخير بأنّه "أوّل دواء يحسّن فرص البقاء على قيد الحياة لمرضى الكوفيد -19". وأضاف "إنّه غير مكلف، ومتوفّر، ويمكن استخدامه على الفور لإنقاذ الأرواح في جميع أنحاء العالم".

ويمكن في العادة أن تستغرق التجارب السريرية الواسعة النطاق عدة أشهر حتى يتم إعدادها. لكن إطلاق تجربة RECOVERY في تسعة أيام فقط كما تمّ تدريب الأطباء والممرضات في الخطوط الأماميّة وتجهيزهم لاستقدام مشاركين قبل أن تمتلئ المستشفيات بمرضى الكوفيد -19. وأصبحت التجربة أسرع تجربة تجنيد في التاريخ الطبي، حيث تمّ استقدام أكثر من 10,000 مريض في غضون شهرين، وأكثر من 47,000 مريض لغاية تاريخه.

واعتمد فريق تجربة RECOVERY على الأعمال السابقة في جعل التجارب السريرية بسيطة وفعّالة قدر الإمكان. فاتّسمَت عملية التطويع بالسهولة من خلال استخدام نموذج بسيط عبر الإنترنت، وإنشاء رسوم متحركة لشرح التجربة للمشاركين، وإتاحة مواد إعلامية بلغات متعددة. وتقرَّرَ أن ينصب التركيز على نتائج رئيسية قليلة تحدّد ما إذا كان العلاج فعّالًا أم لا.

وتشمل هذه النتائج ما إذا كان سيزال المرضى على قيد الحياة بعد مرور 28 يومًا، وما إذا كانت ستصبح حالتهم أسوأ، وما هي مدة بقائهم في المستشفى. علاوة على ذلك، طوّر الفريق القائد للتجربة أساليب جديدة لاستخدام البيانات التي يتم جمعها بهدف معرفة ما سيحدث للمرضى. وهذا يضمن أن يتمكّن الفريق من معرفة ما سيحدث حتى لو تمّ نقل المشاركين، ويمكّن الباحثين من التحقيق في الآثار طويلة الأمد للإصابة الحادة بكوفيد-19.

ولضمان الموثوقية، تمّ استقدام أعداد كبيرة من المشاركين، ومنهم نساء حوامل. وبغض النظر عن ذلك، فقد تم تصميم تجربة RECOVERY حتى يكون بالإمكان إدخال العلاجات الواعدة في التجربة بصورة سهلة وسريعة. وساهم علاج  الديكساميثازون وحده، الذي سبق ذكره، في خفض الوفيّات للمرضى الأكثر تأثيرًا بمقدار الثلث وأصبح جزءًا من الرعاية القياسية في المستشفيات التي تديرها خدمة الصحة الوطنية (NHS)  في المملكة المتحدة، وفي جميع أنحاء العالم.

ومنذ ذلك الحين ، اكتشفت تجربة التعافي RECOVERY ثلاثة علاجات فعالة أخرى وهي : "توسيليزوماب" (Tocilizumab) و"باريسيتينيب" (Baricitinib)، وكلاهما من الأدوية المضادة للالتهابات، ومزيج من الأجسام المضادة وحيدة النسيلة التي تستهدف بروتين سبايك الفيروسي، المعروف الآن باسم "رونابريف". ويواصل الفريق البحث عن العلاجات المحتملة الأخرى، مع التركيز على الأدوية الميسورة التكلفة والمتاحة والتي تمّ التأكّد من أنّها آمنة مسبقًا.

وقد توسع نطاق الدراسة إلى خارج المملكة المتحدة، إلى بلدان في أفريقيا وآسيا، من أجل التحقيق في العلاجات المناسبة لمختلف أماكن الرعاية الصحية. وشدّد البروفيسور "بوذا باسنيات"، الذي يقود التجربة في "نيبال"، على أهمية المشاركة في هذه التجربة "حتى تصبح هذه النتائج الرائدة ملائمة أيضًا في إطار البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.”

ويزداد أيضًا الوعي والفهم للحاجة إلى تجارب سريرية واسعة النطاق. وقال "مارك ريفرز" ، أحد المشاركين في هذا المشروع، الذي عولج في مستشفى "أدينبروك" ، وهو مركز للرعاية الصحية يقع في مدينة "كامبريدج"، الآتي: "رأيت أنّه من واجبي المشاركة في تجربة التعافي RECOVERY، لأنّني كنت أعي أنّه بصرف النظر عمّا قد يحدث لي، سأكون قد فعلت أمرًا إيجابيًّا لمساعدة الآخرين".

كما أوضحت الأستاذة المساعدة "ماريون مافهام"، من قسم الصحة السكانية في جامعة "أكسفورد" وقائدة البيانات لتجربة التعافي أنّه "قد أظهرت تجربة RECOVERY بوضوح قيمة البيانات في دعم التجارب السريرية". وأكّد الخبير:" آمل أن يؤدي إرث جائحة الفيروس التاجي إلى استخدام بيانات المرضى بشكل أكثر فعاليّة بغية اكتشاف علاجات أفضل وأكثر أمانًا تعود بالإفادة علينا جميعًا".