الحوار الرفيع المستوى بشأن الهجرة الدولية والتنمية
 
 

خطاب الأمين العام

خطاب موجه إلى الحوار الرفيع المستوى للجمعية العامة بشأن الهجرة الدولية والتنمية

نيويورك، 14 أيلول/سبتمبر 2006

سيدي الرئيس،
أصحاب الفخامة،
سيداتي سادتي،
الهجرة عبارة عن تجلٍ ينم عن الشجاعة لرغبة الفرد في التغلب على الصعاب وفي الحياة على نحو أفضل. وعلى مدار العقد الماضي، أدت العولمة إلى ازدياد أعداد الأفراد الراغبين في الانتقال إلى أماكن أخرى والقادرين على ذلك.
وقد أوجد هذا العصر الجديد من الحراك فرصا للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، فضلا عن التحديات الجديدة. كما ساعد في إبراز الصلات القوية القائمة بين الهجرة الدولية والتنمية.
وقبل سنوات قليلة، لم يكن الكثير من الناس يعتقدون بإمكانية مناقشة مسألة الهجرة في الأمم المتحدة. فالحكومات، حسب زعمهم، لن تجرأ على إثارة موضوع بهذه الحساسية بالنسبة لمواطنيها في الساحة الدولية.
ورغم ذلك، فها نحن هنا، ولديَّ إحساس بأن الحالة آخذة في التغير.
فأعداد متزايدة من الناس متحمسة للطرق التي يمكن للمهاجرين أن يحدثوا بها تحولا في البلدان التي تحتضنهم وفي بلدانهم الأصلية. وترى أعداد متزايدة من الناس أن الحكومات يمكنها أن تتعاون في تحقيق كسب ثلاثي - للمهاجرين، ولبلدانهم الأصلية، وللمجتمعات التي تستقبلهم.
لا أحد ينكر أن للهجرة الدولية جوانب سلبية - الاتجار بالبشر والتهريب والسخط الاجتماعي - أو أنها تنشأ في كثير من الأحيان عن الفقر أو الصراع السياسي. لكن بحضوركم اليوم تثبتون رغبتكم في التصدي لتحديات الهجرة عبر الحوار والتعاون، بدلا من العداء والعزلة.
ويشــكل حضـــوركم أيضـــا إشـــادة بالجهـــد الجبار الــذي يبذله ممثــلي الخــاص، بيتر سذرلند، وبواقعيته المثالية. فجهوده تبعث على اطمئنان الجميع وتعد مصدر إلهام لهم. وأنا ممتن له أشد الامتنان.
وإذ تشرعون في حواركم، دعوني أذكر ثلاثة أسباب تبرر كون التوقيت مناسبا لذلك.
أولا، وبكل بساطة، جميعنا معني بذلك. فعدد البلدان التي تشترك في الهجرة الدولية والتي تتأثر بها أكبر من أي وقت مضى. ولم يعد من السهل تقسيمها إلى ”بلدان المنشأ“ و ”بلدان المقصد“. فالعديد منها تنطبق عليه الصفتان معا حاليا. ومما يدعو للاستغراب أن البلدان التي تختلف اختلافا كبيرا في نواح أخرى تواجه تحديات مشابهة فيما يخص الهجرة.
ثانيا، هناك أدلة متزايدة على الفوائد التي يمكن أن تتحقق من الهجرة. فبفضل التحويلات التي بلغت حوالي 167 بليون دولار في السنة الماضية، تتجاوز المبالغ المالية التي يرسلها المهاجرون إلى أسرهم إجمالي المعونة الدولية مجتمعة. ولا يقتصر الأمر على المال فقط. فالمهاجرون يستخدمون أيضا مهاراتهم وكفاءاتهم لنقل التكنولوجيا ورأس المال والمعارف المؤسسية. وهم مصدر إلهام لطرائق جديدة للتفكير بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية. كما أنهم يشكلون صلة وصل إنسانية دينامية بين الثقافات والاقتصادات والمجتمعات. ونتيجة لذلك، فإننا في موقع أفضل من أي وقت مضى لمواجهة تحديات الهجرة ولاغتنام الفرص التي تتيحها.
ثالثا، بدأت الحكومات تنظر حاليا إلى الهجرة الدولية من منظور الفرص التي تتيحها وليس من زاوية المخاوف التي تثيرها. فاهتمامكم ينْصبُّ على إبراز الجوانب الإيجابية ذات المنافع المتبادلة للهجرة: أي على تبادل خبراتكم، وتطوير أفكار عملية، وبناء الشراكات فيما بينكم.
لهذه الأسباب كلها - وكذلك لأن الناس لا يهاجرون بين البلدان المجاورة فقط أو داخل المناطق، بل من كل أنحاء العالم تقريبا وإليها - فإن الهجرة الدولية تقتضي اليوم نقاشا عالميا.
وبطبيعة الحال، فإنها تثير أيضا مناقشة انفعالية. إذ يمكن أن تتسبب في حرمان البلدان من خيرة مواطنيها وأشدهم ذكاء. كما يمكن أن تتسبب في تشتيت الأسر. ويمكن أن تولد توترات اجتماعية. وقد يستغلها المجرمون والإرهابيون في بعض الأحيان. ورغم ذلك، فالأجوبة على كثير من المشاكل التي تثيرها الهجرة يمكن العثور عليها من خلال الحوار والمناقشة بشكل بنَّاء.
لهذه الأسباب أعتقد أن الحوار الذي بدأتموه اليوم لا ينبغي أن يتوقف غدا. ويسرني بشكل خاص أن العديد منكم تبنى اقتراحي بشأن إقامة منتدى عالمي يعنى بالهجرة والتنمية، وطلب مني المساعدة على إقامته. وإنني ممتن بصفة خاصة لحكومة بلجيكا لقبولها استضافة الاجتماع الأول للمؤتمر في العام المقبل.
وأعتقد أن مثل هذا المنتدى يمكن أن يعزز التعاون العملي المستند إلى الأدلة فيما بين الحكومات. فقد يتيح لكم فرصة لتحديد المسائل بشكل يسمح لكم بالمضي قدما يدا في يد، وباكتشاف المجالات التي تتفقون بشأنها، وبإيجاد سبل لتحسين التعاون.
ومن الواضح أنه لا يوجد توافق في الآراء بشأن اتخاذ الهجرة الدولية موضوعا لمفاوضات رسمية تهدف إلى وضع المعايير. وليس هناك رغبة تذكر في إنشاء لجنة حكومية دولية تحدد المعايير بشأن الهجرة. لكن انطلاقا مما أفهمه من تفكير البلدان المؤيدة له، فإن المنتدى سيأتي بعكس ذلك، حيث سيكون ذا طابع طوعي واستشاري وغير رسمي. وفوق كل ذلك، لن يصدر قرارات ملزمة.
ومن شأن المنتدى أن يقيم علاقات مبنية على الثقة، وأن يجمع بين أفضل الأفكار التي تطرحها مختلف البلدان: أي تسهيل التحويلات؛ وإشراك المغتربين؛ وبحث سبل جديدة للتخفيف من حدة الفقر؛ وبناء شراكات تعليمية؛ وما إلى ذلك.
وأخيرا، سيبين المنتدى أن الحكومات ترغب الآن في معالجة هذه القضية المعقدة والمتسمة بالتقلب بأسلوب واعٍ وبنّاء.
ويجب على الدول أن تقود المنتدى وأن تشرف عليه. لكن منظومة الأمم المتحدة، وأنا شخصيا، على استعداد لدعمه. فقد قررت تمديد ولاية ممثلي الخاص المعني بشؤون الهجرة لتتجاوز هذا الحوار. وأنا على ثقة من أن الممثل الخاص سيكون بمثابة صلة وصل أساسية بين المنتدى المقترح ومنظومة الأمم المتحدة برمتها. وأنا على استعداد أيضا لإنشاء صندوق استئماني لدعم أعمال المنتدى، إذا ما وجدتم ذلك مفيدا.
وتواجه الأمم المتحدة تحديات الهجرة الدولية بطرق أخرى كذلك. فقد أنشأْتُ في الربيع الماضي فريق الهجرة العالمي، الذي يجمع بين مكاتب الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها ووكالاتها التي تعنى بمختلف جوانب الهجرة الدولية والتنمية، فضلا عن المنظمة الدولية للهجرة. وأنتم تعلمون بلا شك الأعمال المهمة التي يضطلع بها الأعضاء المكونون للفريق - التي تتراوح بين دعم هجرة اليد العاملة ومساعدة البلدان النامية في التواصل بشكل أفضل مع مجتمعات المهاجرين في الخارج، وبين التحليل الديمغرافي البارز والبحث المتعلق بالتحويلات، وبين الجهود الرامية إلى ضمان حقوق المهاجرين ومكافحة الاتجار بالبشر. ويعمل فريق الهجرة العالمي على كفالة تعزيز التنسيق وزيادة الاتساق بين أعضاءه.

سيداتي سادتي،
سيكلل هذا الحوار الرفيع المستوى بالنجاح بما يشكل إيذانا بدخول حقبة من النظر الدائم والواعي في قضايا الهجرة الدولية والتنمية. وما فتئت سياسات الهجرة، لمدة طويلة، تقوم على الأحاسيس الباطنية والنوادر وعلى المصالح السياسية. وقد حان الوقت للتحول إلى الأدلة، والاعتماد عليها لتشكيل فهم مشترك لإمكانية جلب الهجرة الدولية منافع للجميع.
وأشكركم جزيل الشكر.

 

 

 

 
إعداد قسم خدمات الشبكة العالمية بالأمم المتحدة - إدارة شؤون الإعلام - جميع الحقوق محفوظة © الأمم المتحدة 2006
Arabic Chinese French Russian Spanish