يعتبر تغير المناخ القضية الحاسمة في عصرنا، ونحن  الآن أمام لحظة حاسمة. فالآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. إن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية الآن.

بصمة الإنسان على غازات الاحتباس الحراري

تحدث الغازات المسببة للاحتباس الحراري بشكل طبيعي وهي ضرورية لبقاء البشر والملايين من الكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء لتجعل الأرض صالحة للعيش. ولكن بعد أكثر من قرن ونصف من التصنيع ، وإزالة الغابات ، والزراعة الواسعة النطاق ، ارتفعت كميات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ ثلاثة ملايين عام. وبينما تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) آخذة في الإرتفاع أيضا. كذلك الحال بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري (انبعاثات غازات الدفيئة.)

يشير تغير المناخ إلى التغيرات طويلة المدى في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون مثل هذه التحولات طبيعية، بسبب التغيرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.

ويؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى توليد انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل كغطاء يلتف حول الأرض، فتحبس حرارة الشمس وترفع درجات الحرارة.

هناك بعض الروابط العلمية الأساسية الراسخة:

  • هناك علاقة مباشرة بين تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض بمتوسط درجات الحرارة العالمية على الأرض؛
  • تركيز الغازات آخذ في الازدياد المطرد جنبا إلى جنب مع درجات الحرارة العالمية منذ عهد الثورة الصناعية.
  • حرق الوقود الاحفوري ناتج عن غازات الدفيئة المتوفرة بكثرة وثاني أكسيد الكربون(CO2)تستأثر بحوالي ثلثي غازات الدفيئة.

يخلص تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى إحراز تقدم منذ توقيع اتفاق باريس في عام 2015. ومن المتوقع أن تزيد انبعاثات الغازات الدفيئة في عام 2030، استنادا إلى السياسات المعمول بها، بنسبة 16 في المائة في وقت اعتماد الاتفاق. واليوم، تبلغ الزيادة المتوقعة 3 في المائة. ومع ذلك، هناك حاجة إلى تحولات عالمية منخفضة الكربون لخفض انبعاثات غازات الدفيئة المتوقعة لعام 2030 بنسبة 28 في المائة لوضع العالم على الطريق نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، وخفض الانبعاثات بنسبة 42 في المائة لوضع العالم على الطريق نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية.

وقد أدى أكثر من قرن من حرق الوقود الأحفوري والاستخدام غير المتكافئ وغير المستدام للطاقة والأراضي إلى ارتفاع مستوى الاحترار العالمي بمقدار 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي. وأدى ذلك إلى ظواهر مناخية متطرفة أكثر تواترا وشدة تسببت في تأثيرات خطيرة بشكل متزايد في الطبيعة والناس في كل منطقة من مناطق العالم.

وكل زيادة في الاحترار تؤدي إلى تفاقم الأخطار بسرعة. إذ تزيد موجات الحر الشديدة والأمطار الغزيرة وغيرها من ظواهر الطقس المتطرفة من المخاطر على صحة الإنسان وسلامة النظم الإيكولوجية. ففي كل منطقة، يموت الناس من درجات الحرارة المتطرفة. ومن المتوقع أن يزداد غياب الأمن الغذائي والمائي الناجم عن تغير المناخ مع زيادة الاحترار. وتزداد صعوبة التعامل مع تلك المخاطر عندما تتزامن مع أحدث سلبية أخرى مثل الأوبئة أو النزاعات.

وفي هذا العقد، يكتسي التعجيل بالإجراءات الرامية إلى التكيف مع تغير المناخ أهمية أساسية لسد الفجوة بين مستويات التكيف الحالية ومستويات التكيف المطلوبة. وفي الوقت نفسه، يتطلب إبقاء مستوى الاحترار العالمي دون 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي إحداث تخفيضات سريعة وحادة ومستديمة في انعباثات غازات الاحتباب الحراري في كل القطاعات. وينبغي أن يبدأ خفض الانبعاثات الآن، إذ سيتعين خفضها بمقدار النصف تقريبا بحلول عام 2030 حتى لا يتجاوز مستوى الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

عُيّنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لإتاحة مصدر موضوعي للمعلومات العلمية. يشير تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لعام 2021 بشأن العلوم الفيزيائية إلى أن تغير المناخ واسع النطاق وسريع ومكثف، ويؤكد على الضرورة الملحة لإجراء تخفيضات قوية ومستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة.

تقرير التقييم السادس

وفقاً للتقرير التجميعي لتقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، هناك خيارات متعددة وممكنة وفعّالة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي والتكيف مع تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، وهي متاحة الآن. تقترح الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اعتماد "تنمية قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ" تتضمن دمج تدابير التكيف مع تغير المناخ مع إجراءات لتقليل أو تجنب انبعاثات غازات الدفيئة بطرق توفر فوائد أوسع.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الوصول إلى الطاقة النظيفة والتكنولوجيات إلى تحسين الصحة، وخاصة للنساء والأطفال. ومن الممكن أن تعمل الكهرباء المنخفضة الكربون، والمشي، وركوب الدراجات، ووسائل النقل العام على تحسين جودة الهواء، وتحسين الصحة، وفرص العمل، وتحقيق العدالة. إن الفوائد الاقتصادية التي تعود على صحة الناس من تحسين نوعية الهواء وحده سوف تكون مماثلة تقريباً، أو ربما حتى أكبر، من تكاليف خفض الانبعاثات أو تجنبها.

وتصبح التنمية القادرة على الصمود في مواجهة المناخ أكثر صعوبة تدريجيا مع كل زيادة في الاحترار. ولذلك، فإن الاختيارات التي سيتم اتخاذها في السنوات القليلة المقبلة ستلعب دورا حاسما في تقرير مستقبل كوكبنا والأجيال القادمة.

ولكي تكون هذه الاختيارات فعالة، يجب أن تكون متجذرة في قيمنا ووجهات نظرنا ومعارفنا المتنوعة، بما في ذلك المعرفة العلمية والمعرفة المحلية والمعرفة المحلية. ومن شأن هذا النهج أن يسهل التنمية القادرة على الصمود في وجه تغير المناخ ويسمح بحلول مناسبة محليا ومقبولة اجتماعيا.

إشارات تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ

  • أدى التأثير البشري إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض. وحدثت تغيرات واسعة النطاق وسريعة في الغلاف الجوي والمحيطات والغلاف الجليدي والمحيط الحيوي.
  • حجم التغيرات الأخيرة في النظام المناخي ككل - والحالة الراهنة لعديد جوانب النظام المناخي - لم يسبق لها مثيل على مدى عدة قرون وما قد يصل إلى عدة آلاف من السنين.
  • يعيش ما يقرب من 3.3 إلى 3.6 مليار شخص في سياقات معرضة بشدة لمخاطر تغير المناخ.
  • تختلف قابلية تعرض النظم الإيكولوجية والناس لتغير المناخ اختلافا كبيرا فيما بين المناطق وداخلها.
  • إذا تجاوز الانحباس الحراري العالمي 1.5 درجة مئوية بشكل مؤقت في العقود المقبلة أو في وقت لاحق، فسوف تواجه عديد الأنظمة البشرية والطبيعية مخاطرا شديدة، مقارنة بالحال إذا بقيت زيادة درجة حرارة أقل من 1.5 درجة مئوية.

الاحترار العالمي من 1.5 درجة مئوية

في تشرين الأول/أكتوبر 2018، أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقريرا خاصا عن تأثيرات الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية،  حيث توصلت إلى أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية سيتطلب تغييرات سريعة بعيدة المدى وغير مسبوقة في جميع جوانب المجتمع، حسبما ذكرت الهيئة في تقييم جديد. مع فوائد واضحة للناس والنظم البيئية الطبيعية، وجد التقرير أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بـ 2 درجة مئوية يمكن أن يسير جنبا إلى جنب مع ضمان مجتمع أكثر استدامة وعدالة. في حين ركزت التقديرات السابقة على تقدير الأضرار إذا ارتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين  

يسلط التقرير الضوء على عدد من تأثيرات تغير المناخ التي يمكن تجنبها عن طريق الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بـ 2 درجة مئوية أو أكثر. على سبيل المثال، بحلول عام 2100، سيكون إرتفاع مستوى سطح البحر العالمي أقل بمقدار 10 سم مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بـ 2 درجة مئوية. إن احتمال وجود محيط في القطب الشمالي خالٍ من الجليد البحري في الصيف سيكون مرة واحدة في كل قرن مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية ، مقارنة مع مرة واحدة على الأقل لكل عقد مع 2 درجة مئوية. فالشعاب المرجانية ستنخفض بنسبة 70-90 في المائة مع ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، في حين أن جميع (99 في المائة) تقريبا سوف تضيع مع 2 درجة مئوية.

ويخلص التقرير إلى أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية يتطلب تحولات "سريعة وبعيدة المدى" في الأرض والطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن. يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45٪ عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، لتصل إلى "صافي الصفر" في حوالي عام 2050. وهذا يعني أنه يجب موازنة أي انبعاثات متبقية عن طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

الأدوات القانونية للأمم المتحدة

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ

تعد أسرة الأمم المتحدة في طليعة الجهود الرامية التي تهدف إلى إنقاذ كوكبنا. ففي عام 1992،  ومن خلال "قمة الأرض" ، أنتجت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كخطوة أولى في التصدي لمشكلة تغير المناخ. واليوم تتمتع هذه الإتفاقية بعضوية شبه عالمية، وصدقت 197 دولة على الاتفاقية وهي طرفا فيها. إن الهدف النهائي للاتفاقية هو منع التدخل البشري "الخطير" في النظام المناخي.

بروتوكول كيوتو

بحلول عام 1995، بدأت البلدان مفاوضات من أجل تعزيز الاستجابة العالمية لتغير المناخ، وبعد ذلك بعامين، أعتمد بروتوكول كيوتو. وقانونيا يلزم بروتوكول كيوتو الأطراف من البلدان المتقدمة  بأهداف خفض الانبعاثات. وبدأت فترة الالتزام الأولى للبروتوكول في عام 2008 وانتهت في عام 2012. وبدأت فترة الالتزام الثانية في 1 يناير 2013 وستنتهي في عام 2020. ويوجد الآن 197 طرفا في الاتفاقية و 192 طرفا في بروتوكول كيوتو.

اتفاق باريس

توصلت الأطراف في المؤتمر ال21 للأطراف في باريس عام 2015 إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية إلى اتفاقية تاريخية لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون. ويستند اتفاق باريس على الاتفاقية، ولأول مرة تجلب جميع الدول إلى قضية مشتركة للقيام ببذل جهود طموحة لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع آثاره، مع تعزيز الدعم لمساعدة البلدان النامية على القيام بذلك. وعلى هذا النحو، فإنه يرسم مسارا جديدا في جهود المناخ العالمي.

إن الهدف الرئيسي لاتفاق باريس هو تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على إرتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن أيضا إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية .

وبمناسبة يوم الأرض الذي يحتفل به في 22 نيسان/أبريل 2016، وقع 175 زعيما من قادة العالم اتفاقية باريس في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. حيث كان هذا أكبر عدد من البلدان توقع على اتفاق دولي في يوم واحد من أي وقت مضى حتى الآن. وهناك الآن 191 دولة قد انضمت إلى اتفاقية باريس

جائزة نوبل للسلام

وفي عام 2007، حصل نائب رئيس الولايات المتحدة السابق آل غور والفريق الحكومي الدولي على جائزة نوبل للسلام مناصفة على  "ما بذلوه من جهود لبناء ونشر المزيد من المعرفة حول تغير المناخ التي هي من صنع الإنسان، وإرساء أسس للتدابير اللازمة لمواجهة مثل هذا التغيير ".

الموارد